منهاج الفقاهه: التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم المجلد 2

اشارة

سرشناسه : روحاني، محمدصادق ، شارح.

عنوان قراردادي : المكاسب. شرح.

عنوان و نام پديدآور : منهاج الفقاهه: التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم/ محمدصادق الروحاني.

مشخصات نشر : قم:انوار الهدي ، 1428ق. = 2007م. = 1386.

مشخصات ظاهري : 6 ج. در 3 مجلد.

شابك : ج.1 : 9789648812602 ؛ ج. 2 : 9789648812619 ؛ ج. 3 : 9789648812626 ؛ ج. 4 : 9789648812633 ؛ ج. 5 : 9789648812640 ؛ 15000 ريال (بهاي هر جلد) : ج. 6 : 9789648812657 ؛ 15000 ريال(بهاي هر جلد)

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : جلد پنجم اين كتاب قبلا توسط انتشارات سپهر منتشر شده است.

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : ج. 1 و 2 المكاسب المحرمه .--ج. 3 و 4. بيع .--ج. 5 و 6. خيارات.

عنوان ديگر : التعليق علي مكاسب الشيخ الاعظم.

موضوع : انصاري، مرتضي بن محمد امين، 1214 - 1281ق. المكاسب -- نقد و تفسير.

موضوع : معاملات (فقه).

شناسه افزوده : انصاري، مرتضي بن محمد امين، 1214 - 1281ق. المكاسب. شرح.

رده بندي كنگره : BP190/1 /الف 8م 7034 1386

رده بندي ديويي : 297/372

شماره كتابشناسي ملي : 1128879

الجزء الثاني

[تتمة المكاسب المحرمة]

[تتمة الاكتساب المحرم أنواع]

[تتمة النوع الرابع ما يحرم الاكتساب به لكونه عملا محرما في نفسه]
الرابعة عشر: الغيبة حرام
اشارة

بالأدلة الأربعة، و يدل عليه من الكتاب قوله تعالي: (وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) (1) فجعل المؤمن أخا و عرضه كلحمه و التفكه به أكلا، و عدم شعوره بذلك بمنزلة حالة موته.

______________________________

حرمة الغيبة

(1) الرابعة عشرة: الغيبة حرام بالأدلة الاربعة و يدل عليه من الكتاب قوله تعالي (وَ لٰا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) «1».

تقريب الاستدلال بهذه الآية الشريفة انما يكون من وجوه:

الأول: اشتمالها علي النهي عن الاغتياب، و ظاهر النهي هو الحرمة.

الثاني: ان الله تعالي جعل المؤمن أخا، لأن المؤمنين إخوة، و شبه عرض المؤمن باللحم لانتقاصه بالتفكه به، كما ان اللحم ينتقص بالأكل، و شبه التفكه به بالأكل،

أي شبه التفكه بهتك عرضه بأكل الميتة، اما لأنه يأكل الجيف في الآخرة كما في بعض النصوص، او لتشبيه المغتاب بالكسر بالكلاب و السباع كما في بعض النصوص الاخر.

و لا ريب في ان التشبيه انما يكون بلحاظ الحكم، و هو الحرمة و يؤكده تصدير هذه التشبيهات بالاستفهام الإنكاري الدال علي قبح صدور هذا العمل، و بعبارة اخري: انه يدل علي انه كما يشمئزُّ الإنسان عن أكل لحم أخيه الميت، لا بد و أن يشمئزُّ عن اغتيابه.

الثالث: قوله تعالي (فَكَرِهْتُمُوهُ) فإن مفاده: انه كما تكرهون أكل لحم الأخ، كذلك لا بد و أن تكرهوا اغتيابه، أي تجتنبوا عنه، و لكن جعل هذا من تتمة الوجه الثاني أولي من جعله وجها مستقلا.

______________________________

(1) سورة الحجرات، آية 13.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 6

و قوله تعالي: وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ. (1)

و قوله تعالي: (لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ). (2)

______________________________

(1) و قوله تعالي: (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) «1».

تقريب الاستدلال به: ان المراد بالأولي المغتاب بالكسر و بالثانية الطعان، و عن ابن عباس، ان المراد بالثانية المغتاب، و المراد بالأولي الطعان.

و علي كل تقدير دلالته علي الوعيد للمغتاب ظاهرة، و حيث ان ثبوت العقاب مستلزم لكون الفعل حراما، فبثبوته يستدل علي الحرمة.

و فيه: اولا: انه قيل في معناهما وجوه اخر: منها: ان الهمزة هو الذي يؤذي جليسه بسوء لفظه، و اللمزة هو الذي يكسر عينيه علي جليسه و يؤمي بطرفيهما و يشير برأسه إليه.

و منها: ان الهمزة هو الذي يهمز الناس و يضربهم بيده، و اللمزة هو الذي يلمزهم بلسانه و عينه.

و منها: ان المراد بهما كثير الطعن علي غيره بغير حق، سواء كان في الغياب أم

في الحضور، و سواء كان باللسان أم بغيره.

و حيث انه علي هذه التفاسير لا تدل الآية علي حرمة الغيبة، فتكون مجملة فلا يصح الاستدلال بها.

و ثانيا: ان الهمزة علي التفسير الأول، و اللمزة علي التفسير الثاني ليس هو المغتاب بالكسر بل الذي يعيبك علي ظهر الغيب، و النسبة بينه و بين الغيبة عموم من وجه، اذ هذا المعني يشمل ذكره اخاه بما ليس فيه، و الغيبة أيضا أعم من جهة عدم اختصاصها بما اذا كان المغتاب في مقام التعييب.

(2) و قوله تعالي (لٰا يُحِبُّ اللّٰهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلّٰا مَنْ ظُلِمَ) «2».

و تقريب الاستدلال به: ان الغيبة هي الجهر بالسوء المتعلق بالأخ المؤمن،

و الآية تدل علي ان الله لا يريد وقوعها من غير المظلوم، و لازمه الحرمة.

______________________________

(1) سورة الهمزة، آيه 2.

(2) سورة النساء، آية 149.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 7

و قوله تعالي (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ). (1)

______________________________

و فيه: أولا: ان عدم المحبوبية أعم من الحرمة. و بعبارة اخري: عدم الحب و الإرادة لا يلازم الحرمة، بل الملازم لها ارادة عدم تحقق الفعل.

و ثانيا: انه ليس في الآية الشريفة ما يدل علي ان الغيبة من الجهر بالسوء، بل لا يبعد دعوي ان الظاهر منه ارادة القول المنشأ به السوء لا الحاكي عنه، فيكون المراد به الشتم و الدعاء علي الغير.

و يشهد به المروي في مجمع البيان عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير الآية: (لا يحب الله الشتم الا من ظلم).

اللهم إلا أن يقال: ان الغيبة من الجهر بالسوء حتي بناء علي ارادة القول المنشأ به السوء، فانها اظهار ما ستره الله من العيوب الموجب لهتك المقول

فيه و اهانته.

و أما الخبر: فمضافا الي ضعف سنده: لا يدل علي اختصاص الجهر بالسوء بالشتم و إنما يدل علي انه أحد مصاديقه، فالعمدة الايراد الأول.

(1) و قوله تعالي: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفٰاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذٰابٌ أَلِيمٌ) «1».

المراد من الحب هو ما انتهي الي فعل المحبوب، و الآية الشريفة انما تدل علي ترتب العقاب علي اشاعة الفاحشة و من مصاديقها الغيبة، فبالدلالة الالتزامية تدل علي الحرمة.

و لكن يرد علي الاستدلال بها: انها ظاهرة في ان حب شيوع الفاحشة بين الناس بارتكابهم المحرمات من المحرمات، فلا صلة لها بالغيبة التي هي اعلام الناس بالفاحشة و العيب المستور.

نعم قد فسر في بعض النصوص اشاعة الفاحشة بما يشمل الغيبة.

ففي مرسل ابن أبي عمير: الذي هو كالصحيح عن مولانا الصادق عليه السلام من قال في مؤمن ما رأته عيناه وسعته اذناه فهو من الذين قال الله عز و جل (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ … ) «2».

______________________________

(1) سورة النور، آية 19.

(2) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 8

و يدل عليه من الأخبار ما لا يحصي.

فمنها ما روي عن النبي صلي الله عليه و آله بعدة طرق ان الغيبة أشد من الزنا، و ان الرجل يزني فيتوب و يتوب الله عليه، و ان صاحب الغيبة لا يغفر له حتي يغفر له صاحبه. (1)

و عنه صلي الله عليه و آله انه خطب يوما فذكر الربا و عظم شأنه، فقال: ان الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم من ستة و ثلاثين زنية، و ان اربي الربا عرض الرجل المسلم. (2)

و عنه صلي الله عليه و آله من اغتاب مسلما او مسلمة لم

يقبل الله صلاته و لا صيامه أربعين صباحا إلا أن يغفر له صاحبه. (3)

و عنه صلي الله عليه و آله من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله بينهما في الجنة و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه انقطعت العصمة بينهما (منهما)، و كان المغتاب خالدا في النار و بئس المصير. (4) و عنه صلي الله عليه و آله كذب من زعم انه ولد من حلال و هو يأكل لحوم

______________________________

و عليه فالآية تدل علي حرمة الغيبة، و هي و إن كانت أخص من المدعي كما لا يخفي إلا ان الاستدلال بها يتم بضميمة عدم القول بالفصل.

(1) النبوي «1» و روي في كتب الحديث مع اختلاف مع المذكور في المتن في العبارة.

(2) هذا الخبر «2» لا صلة له بالغيبة و انما يتضمن بيان حكم التعرض لعرض المسلم و هو مروي في تنبيه الخواطر أعظم عند الله في الخطيئة.

(3) الخبر مروي في المستدرك «3» و فيه بدل أربعين صباحا اربعين يوما و ليلة.

ثمّ عدم قبول الصلاة و الصوم لا يلازم الحرمة.

(4) الخبر رواه الشيخ الحر العاملي «4».

______________________________

(1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 9.

(2) مستدرك الوسائل، باب 132، من أبواب أحكام العشرة، حديث 25.

(3) نفس المصدر، حديث 34.

(4) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 20.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 9

الناس بالغيبة، فاجتنب الغيبة فانها أدام كلاب النار. (1)

و عنه صلي الله عليه و آله من مشي في غيبة (عيب) أخيه و كشف عورته كانت أول خطوة خطاها وضعها في جهنم. (2)

و روي ان المغتاب اذا تاب فهو آخر من يدخل الجنة، و ان لم يتب فهو أول من يدخل النار. (3)

و عنه صلي

الله عليه و آله ان الغيبة حرام علي كل مسلم و ان الغيبة لتأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب (4) و أكل الحسنات اما أن يكون علي وجه الإحباط أو لاضمحلال ثوابها في جنب عقابه، أو لانها تنقل الحسنات الي المغتاب كما في غير واحد من الأخبار.

و منها النبوي صلي الله عليه و آله يؤتي بأحد يوم القيامة فيوقف بين يدي الرب عز و جل و يدفع اليه كتابه فلا يري حسناته فيه، فيقول: الهي ليس هذا كتابي لا أري فيه حسناتي، فيقال له: ان ربك لا يضل و لا ينسي ذهب عملك باغتياب الناس، ثمّ يؤتي بآخر و يدفع اليه كتابه فيري فيه طاعات كثيرة، فيقول: الهي ما هذا كتابي فاني ما عملت هذه الطاعات، فيقال له: ان فلانا اغتابك فدفع حسناته اليك، الخبر. (5)

و منها ما ذكره كاشف الريبة قدس سره من رواية عن عبد الله بن سليمان النوفلي الطويلة عن الصادق عليه السلام و فيها عن النبي صلي الله عليه و آله ادني الكفر أن يسمع الرجل من أخيه كلمة فيحفظها عليه يريد ان يفضحه بها اولئك لا خلاق لهم، و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام انه من قال في مؤمن ما رأته عيناه أو سمعت اذناه مما يشينه و يهدم مروته فهو من الذين قال الله تعالي: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم. (6)

______________________________

(1) في المصدر اجتنبوا «1»

(2) في المصدر في عيب أخيه «2»

(3) رواه المحدث النوري باختلاف في اللفظ،

(4) رواه المجلسي «3»

(5) كذا في النسخ و الظاهر زيادة الخبر «4»

(6) رواه في كشف الريبة «5».

______________________________

(1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام

العشرة، حديث 21.

(2) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة.

(3) البحار، ج 75، ص 257 حديث 48.

(4) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة.

(5) الوسائل، باب 49، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 10

ثمّ ظاهر هذه الأخبار كون الغيبة من الكبائر (1) كما ذكره جماعة بل أشد من بعضها وعد في غير واحد من الأخبار من الكبائر الخيانة، و يمكن إرجاع الغيبة إليها، فأي خيانة أعظم من التفكه بلحم الأخ علي غفلة منه، و عدم شعور و كيف كان فما سمعناه من بعض من عاصرناه من الوسوسة في عدها من الكبائر اظنها في غير المحل.

______________________________

الغيبة من الذنوب الكبيرة

(1) قال المصنف: ثمّ ظاهر هذه الاخبار كون الغيبة من الكبائر.

في تقسيم الذنوب إلي الكبائر و الصغائر، ثمّ في الفرق بين القسمين بدعوي ان الكبائر تضر بالعدالة، و الصغائر لا تضر بها كلام محرر في محله.

و المختار ان المعاصي كلها كبيرة و إن كان بعضها أكبر من الآخر، ثمّ علي فرض وجود القسمين الأظهر ان الصغيرة أيضا تضر بالعدالة.

و الكلام في المقام انما هو في انه علي فرض انقسام المعاصي الي قسمين:

هل تكون الغيبة من الكبائر أم من غيرها، فيه وجهان أقواهما الأول.

و ذلك لأن الكبيرة هو الذنب العظيم عند الشارع، و ثبوت كونه كذلك انما يكون بالتوعيد عليه في الكتاب او السنة المعتبرة، أو بالنص علي كونه كذلك، أو بجعله أشد مما ثبت كونه من الكبائر أو مثله أو بترتيب آثار الكبيرة عليه.

و علي ذلك فيدل علي كون الغيبة من الكبائر وجوه:

الأول: انه تضمنت الآية الشريفة و هي آية إشاعة الفاحشة «1» و النصوص «2» المعتبرة، التوعيد علي الغيبة.

الثاني: جعلها «3» أشد و أعظم

من الزنا و الربا، و لا إشكال في كونهما من الكبائر، فتأمل. فانه يمكن رد هذا الوجه: بأن النصوص المتضمنة لذلك كلها ضعيف السند مع ان الرواية المتضمنة لجعلها أشد من الزنا عللت الأشدية فيها بأن الزاني يتوب فيغفر له

______________________________

(1) سورة النور، آية 20.

(2) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة في السفر و الحضر.

(3) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة في السفر و الحضر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 11

ثمّ ان ظاهر الأخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن (1) فيجوز اغتياب المخالف كما يجوز لعنه.

______________________________

و المغتاب لا يغفر له حتي يغفر له صاحبه، و هذا التعليل يدل علي ان المراد بالأشدية ليس هو الأشدية في الحكم بل الأشدية من حيث ما يوجب رفع الأثر، فهو نظير أشدية المني من البول لاحتياجه إلي الدلك دونه مع كون البول أشد من حيث النجاسة، و الرواية التي توهم تضمنها لجعلها أشد من الربا قد مر عدم دلالتها علي ذلك. فهذا الوجه ضعيف.

الثالث: النصوص «1» الدالة علي كون الخيانة من الكبائر و الغيبة منها، إذ أي خيانة أعظم من التفكه بلحم الأخ علي غفلة منه، مع انه يدل علي كونها منها قول النبي صلي الله عليه و آله في وصيته لابي ذر رضي الله عنه المروي بطريق ضعيف.

و استدل لعدم كونها من الكبائر بالنصوص «2» الحاصرة للكبائر في جملة من المعاصي التي ليست منها الغيبة.

و فيه: انه يتعين رفع اليد عن إطلاق مفهوم الحصر بما تقدم مما دل علي كونها من الكبائر.

يشترط الايمان في حرمة الغيبة

(1) صرح غير واحد بان ظاهر الاخبار اختصاص حرمة الغيبة بالمؤمن.

و عن المحقق الأردبيلي: القول بحرمة غيبة المخالفين لإطلاق الأدلة.

و استدل للجواز بوجوه:

منها ان المطلقات تقيد بالنصوص

المخصصة للحرمة بالأخ المؤمن.

و فيه: ان المطلق يحمل علي المقيد اذا كانا متنافيين، و الا فلا يحمل عليه، و في المقام لا تنافي بينهما كما لا يخفي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس.

(2) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 12

و توهم عموم الآية كبعض الروايات لمطلق المسلم مدفوع بما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم، و عدم جريان أحكام الاسلام عليهم الا قليلا مما يتوقف (1) استقامة نظم معاش المؤمنين عليه مثل عدم انفعال ما يلاقيهم بالرطوبة وحل ذبائحهم و مناكحتهم و حرمة دمائهم لحكمة دفع الفتنة، و نسائهم لأن لكل قوم نكاحا و نحو ذلك مع ان التمثيل المذكور في الآية مختص بمن ثبت اخوته، فلا يعم من وجب التبري عنه.

______________________________

و منها ما ذكره الأستاذ الأعظم، و هو ان المستفاد من الآية و الروايات هو تحريم غيبة الأخ المؤمن، و من البديهي انه لا أخوة و لا عصمة بيننا و بين المخالفين.

و هذا هو المراد من المطلقات لمناسبة الحكم و الموضوع.

و الظاهر ان الي ذلك نظر المصنف حيث يقول في آخر المبحث.

مع ان التمثيل المذكور في الآية مختص بمن ثبت اخوته.

و فيه: انه و ان ذكر الايمان في صدر الآية الشريفة- و بعبارة اخري: الضمير في قوله (بعضكم بعضا) إنما يرجع الي المؤمنين- الا ان هذه الآية انما نزلت قبل عرض الولاية علي الناس في عام حجة الوداع، و في ذلك الزمان لم يكن يفترق الاسلام عن الايمان بذلك، فليس المراد من الايمان في الآية، الاقرار بالولاية، فالآية ككثير من الأخبار مطلقة.

و دعوي انها تحمل علي غير المخالف لمناسبة الحكم و الموضوع كما تري.

(1) و منها: ما في

المتن و هو: انه لا يمكن التمسك بعموم الآية و بعض الروايات لما علم بضرورة المذهب من عدم احترامهم و عدم جريان أحكام الاسلام عليهم الا في قليل من الأحكام.

و فيه: انه لم يدل دليل علي ان تمام مناط حرمة الغيبة هو الاحترام الا ما في بعض النصوص الآتية الدالة علي عدم حرمة غيبة المعلن بفسقه المتضمن انه لا حرمة له فلا غيبة له، لكنها ضعيفة السند لا يعتمد عليها.

و المراد من عدم جريان أحكام الاسلام ان كان عدم جريان ما لدليله اطلاق فهو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 13

______________________________

ممنوع و إن كان عدم جريان ما لا إطلاق لدليله فهو مسلم، الا انه لا يفيد كما لا يخفي.

و منها ما ذكره الأستاذ الأعظم و غيره، و هو: ان المخالفين بأجمعهم متجاهرون بالفسق لبطلان عملهم رأسا، بل التزموا بما هو أعظم من الفسق، و سيجي ء ان المتجاهر بالفسق تجوز غيبته.

و فيه: أولا: انه سيجي ء عدم شمول المتجاهر بالفسق لمن لا يعلم بأن ما يفعله فسق.

و ثانيا: ان المختار عنده هو عدم جواز غيبة المتجاهر بالفسق في غير ما تجاهر به و المطلوب في المقام اثبات جواز غيبتهم مطلقا.

و منها: ما عن الأستاذ الأعظم أيضا، و في كلمات المصنف اشارة اليه انه ثبت في الروايات و الأدعية و الزيارات جواز لعن المخالفين و وجوب البراءة منهم و إكثار السب عليهم و اتهامهم و الوقيعة فيهم أي غيبتهم لانهم من أهل البدع و الريب، بل لا شبهة في كفرهم. و استشهد علي ذلك- أي علي كفرهم- بجملة من الروايات و الأدعية، ثمّ قال: و من البديهي ان جواز غيبتهم أهون من الأمور المذكورة.

و لكن الاسلام علي ما يستفاد من

الأخبار يطلق علي معان ثلاثة:

أحدها: إظهار الشهادتين.

ثانيها: الايمان بهما.

ثالثها: القول بالولاية.

و يقابل الاسلام الكفر في الثلاثة، و الذي لا كلام فيه هو جواز غيبة الكافر بالمعني المقابل للمسلم بالمعني الأول.

و أما جواز غيبة الكافر بالمعني المقابل للمسلم بالمعني الأخير فهو أول الكلام، فمجرد تضمن النصوص كون المخالف كافرا لا يكفي في الحكم بالجواز، و جواز لعنهم و وجوب البراءة منهم و اكثار السب عليهم أعم من جواز الغيبة.

و دعوي ان جواز الغيبة أهون من هذه الامور كما تري لعدم ثبوت مناط حرمتها.

و النصوص المتضمنة لجواز الوقيعة انما وردت في أهل البدع و الضلال- أي ائمتهم- كما يظهر لمن راجعها و لا تشمل جميع المخالفين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 14

و كيف كان فلا اشكال في المسألة، بعد ملاحظة الروايات الواردة في الغيبة و في حكمة حرمتها، و في حال غير المؤمن في نظر الشارع، ثمّ الظاهر دخول الصبي المميز المتأثر بالغيبة لو سمعها. (1)

______________________________

و لكن مع ذلك كله جواز غيبة المخالف من المسلمات عند الأصحاب.

و قد ادعي بعضهم قيام السيرة المستمرة علي غيبة المخالفين.

و عن الجواهر: ان جواز ذلك من الضروريات.

و يمكن أن يستشهد له: بأن المستفاد من الأخبار المفسرة للغيبة دخل عنوان الاخوة في صدقها، و من طبيعة الاخوة أن يكون بينهم تحابب و توادد، فجعل الشارع المؤمن أخا للمؤمن، مرجعه الي جعله محبا و صديقا له، فهي تتحقق فيمن لم يأمر الشارع الأقدس بالاجتناب و التبرئ عنه و بعدم اتخاذه وليا و محبا، بل و اتخاذه عدوا له، فالاخوة منحصرة بالمؤمنين بالمعني الأخص، إذ الشارع أمر بالتبرّي عن المخالفين و التقية منهم في الدين حفظا للدماء، و مرجع ذلك الي الأمر بأخذهم اعداء لأنفسهم

و اعراضهم و جواز لعنهم. و علي ذلك فلا تحرم غيبة المخالف لعدم صدق الغيبة عليها موضوعا فإخراجهم انما يكون موضوعيا، و لا بأس بجعل بعض ما تقدم مؤيدا للجواز الموجب ذلك الاطمئنان بالحكم بضميمة ما ذكرناه.

حكم غيبة الصبي

(1) قال المصنف قدس سره: ثمّ الظاهر دخول الصبي المميز المتأثر بالغيبة لو سمعها.

و تنقيح القول فيه بالبحث في موردين:

الأول: في الصبي و المجنون المميزين.

الثاني: في الصبيان و المجانين، غير المميزين.

أما المورد الأول: فلا ريب في صدق المؤمن عليهما حقيقة إذا اقرا بما يعتبر فيه بناء علي قبول إسلامهما كما حققناه في محله أو حكما و تنزيلا، و به تتحقق الاخوة بينهما و بين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 15

لعموم بعض الروايات المتقدمة و غيرها الدالة علي حرمة اغتياب الناس و أكل لحومهم (1) مع صدق الأخ عليه كما يشهد به قوله تعالي (و إن تخالطوهم فإخوانكم في الدين) مضافا الي امكان الاستدلال بالآية (2) و إن كان الخطاب للمكلفين بناء علي عد اطفالهم منهم تغليبا (3) و إمكان دعوي صدق المؤمن عليه مطلقا، أو في الجملة و لعله لما ذكرنا صرح في كشف الريبة بعدم الفرق بين الصغير و الكبير.

و ظاهره الشمول لغير المميز أيضا، و منه يظهر حكم المجنون الا انه صرح بعض الأساطين باستثناء من لا عقل له و لا تمييز معللا بالشك في دخوله تحت أدلة الحرمة، و لعله من جهة ان الاطلاقات منصرفة الي من يتأثر لو سمع، و سيتضح ذلك زيادة علي ذلك.

______________________________

سائر المؤمنين، و لأجل ذلك أطلق الاخوة علي الصبيان في الآية الشريفة (و إن تخالطوهم فإخوانكم «1».

كما لا ريب في أن بعض الأمور يعد صدوره من الصبيان عيبا فيهم، و علي

ذلك فتصدق الغيبة علي كشف أمر منهم قد ستره الله و يكون عيبا فيهم، فيشملها اطلاق جملة من النصوص الدالة علي حرمة اغتياب المؤمن.

(1) و علي ذلك فيتم الوجه الذي ذكره المصنف قدس سره بقوله لعموم بعض الروايات.

و قد استدل في المكاسب لذلك بوجهين آخرين:

(2) الاول: قوله تعالي (أ يحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا … الخ) «2» بناء علي صدق الأخ علي الصبي، فانه يدل علي ان تمام الموضوع لحرمة الغيبة ذكر الأخ في غيابه بما يسوؤه، فمقتضي عمومه حرمة غيبة الصبي و إن لم يشمل صدر الآية الشريفة له.

(3) الثاني: عموم صدر الآية الشريفة أيضا، فان أطفال المؤمنين منهم اما تغليبا أو حقيقة كما مر فيشملهم البعض الثاني الذي يكون المراد به المغتاب بالفتح و إن لم يشملهم البعض الأول لحديث رفع القلم.

______________________________

(1) سورة البقرة، آية 221.

(2) الحجرات، آية 13.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 16

بقي الكلام في أمور: الأول الغيبة اسم مصدر لاغتاب أو مصدر لغاب، ففي المصباح اغتابه اذا ذكره بما يكرهه من العيوب و هو حق و الاسم الغيبة. (1)

______________________________

و فيه: ان الظاهر وحدة المراد من البعض في الموردين، فمع فرض عدم شمول البعض الأول لا يشملهم البعض الثاني.

و أما المورد الثاني: فالظاهر عدم صدق الغيبة علي اغتيابهم و ذلك لوجهين.

الأول: عدم كون صدور شي ء منهم عيبا حتي يكون ذكره كشفا لما ستره الله تعالي.

الثاني: عدم تأثرهم لو سمعوا، و قد أخذ في حقيقة الغيبة الكراهة كما في النصوص و كلمات اللغويين، و بذلك ظهرت المسامحة في عبارة الكتاب حيث قال: من جهة أن الاطلاقات منصرفة الي من يتأثر لو سمع، كما انه ظهر عدم تمامية ما عن كشف الريبة

من عدم الفرق بين الصغير و الكبير الظاهر في الشمول لغير المميز أيضا.

و المصنف قدس سره ذكر في صدر المبحث: ان الغيبة حرام بالأدلة الأربعة، ثمّ ذكر من الكتاب آيات و من السنة روايات و لم يذكر من العقل و الاجماع شيئا.

و الحق أن يقال إنه إن انطبق الظلم علي الغيبة في مورد فلا كلام في قبحه، و إلا لا يكون العقل مستقلا بقبحه. و بالجملة مجرد كشف أمر ستره الله ليس من القبائح العقلية.

و دعوي ملازمة ذلك لعنوان الظلم، كما تري.

و أما الاجماع فلا اشكال في قيامه علي الحرمة، بل هي من ضروريات الدين.

بيان معني الغيبة

و ينبغي التنبيه علي أمور:

(1) الاول في بيان معني الغيبة و قد اختلفت كلمات اللغويين و الفقهاء في مفهوم الغيبة موضوعا، و لا يستفاد جميع ما قيل باعتباره من القيود من الأخبار، فلا بد من البحث في كل واحد من تلك القيود مستقلا حتي يتضح الأمر بذلك، فإن أمكن تحديدها بنحو يكون جامعا و مانعا فهو، و الا فيقتصر في الحكم بالتحريم علي المتيقن، و يرجع فيما زاد الي أصالة البراءة، و ستعرف في آخر هذا المبحث ما هو الحق عندي في بيان الضابط فانتظر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 17

و عن القاموس غابه، عابه و ذكره بما فيه من السوء، و عن النهاية أن يذكر الانسان في غيبته بسوء مما يكون فيه، و الظاهر من الكل خصوصا القاموس المفسر لها أولا بالعيب، ان المراد ذكره في مقام الانتقاص (1) و المراد بالموصول هو نفس النقص الذي فيه.

______________________________

فأقول و منه التوفيق: ان جميع ما قيل و يمكن أن يقال باعتباره فيها امور:

الأول: كون المغتاب بالفتح أخا في الدين، و تدل علي

اعتباره جملة من النصوص:

كحسن عبد الرحمن بن سيابة عن مولانا الصادق عليه السلام: ان الغيبة ان تقول في أخيك ما ستره الله عليه، و أما الأمر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا، و البهتان ان تقول فيه ما ليس فيه «1».

و حسن داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه السلام عن الغيبة قال: هو ان تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل و تبث عليه أمرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد «2» و نحوهما غيرهما.

و قد مر آنفا في غيبة المخالف: ان الاخوة منحصرة بالمؤمنين بالمعني الأخص.

(1) الثاني: قصد الانتقاص، فقد نسب الشهيد قدس سره اعتباره في صدق الغيبة الي المشهور.

و الأظهر عدم اعتباره و ذلك، لأن الأخبار الواردة في تحديد موضوع الغيبة غير متعرضة لاعتباره، و كلمات اللغويين خالية عنه، و صدق عنوان العيب و ما ستره اللّٰه لا يتوقف علي قصد الانتقاص: لعدم كونه من الأمور القصدية و عليه فلا مقيد لإطلاق الأدلة.

و استدل لاعتباره تارة: بأن الغالب كون المغتابين في مقام التنقيص، و هذا بنفسه بمنزلة التقييد، فيكون الاطلاق واردا مورد الغالب.

و أخري: بأن مناسبة الحكم و الموضوع تقضي باعتباره.

و ثالثة: بأن ذلك يستفاد من تنزيل المغتاب منزلة آكل لحم الأخ ميتا، فلو لم يكن في مقام التنقيص لا يكون وجه لهذا التنظير.

______________________________

(1) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 2.

(2) نفس المصدر، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 18

و الظاهر من الكراهة في عبارة المصباح كراهة وجوده و لكنه غير مقصود قطعا، فالمراد اما كراهة ظهوره و لو لم يكره وجوده كالميل الي القبائح، و أما كراهة ذكره بذلك العيب (1) و علي هذا التعريف

دلت جملة من الأخبار مثل قوله عليه السلام و قد سأله أبو ذر عن الغيبة انها ذكرك أخاك بما يكرهه، و في نبوي آخر قال صلي الله عليه و آله:

أ تدرون «أ تدري» ما الغيبة قالوا «قال» الله و رسوله أعلم قال: ذكرك «ذكركم»

أخاك «أخاكم» بما يكرهه، و لذا قال في جامع المقاصد ان حد الغيبة علي ما في الأخبار أن تقول في أخيك ما يكرهه، «لو سمعه» مما هو فيه.

______________________________

و في الجميع نظر:

أما الأول: فلأن غلبة الوجود لا توجب الانصراف الموجب لتقييد اطلاق الادلة.

و أما الثاني: فلأن مناسبة الحكم و الموضوع تقضي باعتبار كون المذكور عيبا لا كون الذاكر في مقام التنقيص.

و أما الثالث: فلأنه مع فرض كون المذكور عيبا يكون التنظير في محله و إن لم يكن الذاكر في مقام التنقيص لأنه ينتقص عرض المؤمن بذلك كانتقاص اللحم بالأكل، مع انه لو تم شي ء من هذه الوجوه لكان ذلك قيدا للحكم لا للموضوع، فالأظهر عدم اعتباره.

(1) الثالث: ان يكون المذكور مما يسوئه المغتاب بالفتح و يكرهه فلو كان مما لا يسوؤه لم يكن ذلك من الغيبة.

و يشهد لاعتباره- مضافا الي تصريح اللغويين به و ذكره في النبويين المذكورين في المكاسب «1» - تلازم كون المذكور عيبا و نقصا في المقول فيه مع كراهة وجوده، إذ الطباع السليمة تكره العيوب و الصفات الذميمة و الأفعال القبيحة، و هي من حيث هي مكروهة للطباع السليمة.

و قد وقع الخلاف في ان متعلق الكراهة هل هو علم الناس باتصافه بتلك الصفة و إن لم يكن كارها لوجودها، أو ان متعلقها نفس وجود تلك الصفة فيه، و حيث ان الظاهر تلازم الكراهتين، إذ لم يذكر لمورد كراهة الذكر

مع عدم كراهة المذكور إلا ذكره بارتكاب

______________________________

(1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 9 و كشف الريبة، ص 52.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 19

و المراد بما يكرهه كما تقدم في عبارة المصنف ما يكره ظهوره سواء كره وجوده كالبرص و الجذام أم لا كالميل الي القبائح، و يحتمل أن يراد بالموصول نفس الكلام الذي يذكر الشخص به (1) و يكون كراهته. اما لكونه إظهارا للعيب و أما لكونه صادرا علي جهة المذمة و الاستخفاف و الاستهزاء و إن لم يكن العيب مما يكره اظهاره لكونه ظاهرا بنفسه. و أما لكونه مشعرا بالذم و إن لم يقصد المتكلم الذم به كالألقاب المشعرة بالذم.

قال في الصحاح: الغيبة أن يتكلم خلف انسان مستور، بما يغمه لو سمعه، و ظاهره التكلم بكلام يغمه لو سمعه، بل في كلام بعض من قارب عصرنا ان الإجماع و الأخبار متطابقان علي ان حقيقة الغيبة ان يذكر الغير بما يكره لو سمعه سواء كان بنقص في نفسه أو بدنه او دينه أو دنياه أو فيما يتعلق به من الأشياء و ظاهره أيضا ارادة الكلام المكروه.

______________________________

المعصية التي صدرت عنه اختيارا عن ميل و رغبة، بدعوي ان المفروض انه كاره لظهورها و راغب الي نفس وجودها، و هو غير تام، إذ المؤمن بما هو مؤمن لا يعقل رغبته الي المعصية، لأن ايمانه بنفسه من الموانع و موجب لكراهته. و بعبارة اخري: المؤمن بما ان له قوة عاقلة دراكة يكره وجود المعصية من حيث هي، و يكون ميله اليها لأمر خارجي عارضي كغلبة الهوي و الشهوة فلا فائدة مترتبة علي النزاع في ان المراد كراهة الذكر او المذكور.

فإن قيل: ان هناك احتمالا آخر ذكره

المصنف قدس سره:

(1) بقوله و يحتمل ان يراد بالموصول نفس الكلام الذي يذكر … الخ.

و هو أن يكون المراد كراهة الذكر، لكن لا بما انه اظهار للعيب من جهة كونه ظاهرا بنفسه، بل لكونه صادرا علي جهة المذمة و الاستخفاف او لكونه مشعرا بالذم و إن لم يقصد المتكلم الذم به.

يتوجه عليه ان هذا الاحتمال ضعيف جدا، إذ لو فرضنا كون المذكور غير عيب، أو كان عيبا و لكن لظهوره بنفسه لا يكره الانسان اظهاره من حيث انه اظهار للعيب لا تصدق الغيبة علي ذكره به لعدم كونه سوء او لعدم كونه مما ستره الله، و مع كونه عيبا مخفيا لا محالة يكره اظهاره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 20

و قال الشهيد الثاني في كشف الريبة: ان الغيبة ذكر الإنسان في غيبته بما يكره نسبته اليه مما يعد نقصا في العرف بقصد الانتقاص و الذم، و يخرج علي هذا التعريف ما اذا ذكر الشخص بصفات ظاهرة يكون وجودها نقصا مع عدم قصد انتقاصه بذلك مع انه داخل في التعريف عند الشهيد قدس سره ايضا حيث عد من الغيبة ذكر بعض الأشخاص بالصفات المعروف بها كالأعمش و الأعور و نحوهما. و كذلك ذكر عيوب الجارية التي يراد شراؤها اذا لم يقصد من ذكرها الا بيان الواقع و غير ذلك مما ذكره هو و غيره من المستثنيات و دعوي ان قصد الانتقاص يحصل بمجرد بيان النقائص موجبة لاستدراك ذكره بعد قوله مما يعد نقصا، و الأولي بملاحظة ما تقدم من الأخبار و كلمات الأصحاب بناء علي ارجاع الكراهة الي الكلام المذكور به لا إلي الوصف ما تقدم من ان الغيبة ان يذكر الإنسان بكلام يسوؤه به. اما بإظهار

عيبه المستور، و إن لم يقصد انتقاصه، و أما بانتقاصه بعيب غير مستور، اما بقصد المتكلم او بكون الكلام بنفسه منقصا له كما اذا اتصف الشخص بالألقاب المشعرة بالذم، نعم لو ارجعت الكراهة الي الوصف الذي يسند الي الإنسان تعين ارادة كراهة ظهورها فيختص بالقسم الأول، و هو ما كان اظهارا لأمر مستور و يؤيد هذا الاحتمال بل يعينه الأخبار المستفيضة الدالة علي اعتبار كون المقول مستورا

______________________________

ثمّ الظاهر من النبوي و كلمات اللغويين اعتبار كراهة المذكور، إذ الظاهر من الموصول لا سيما بعد ما عرفت من ان الطباع السليمة تكره العيوب، و ملاحظة ما في المصباح حيث جعل من العيوب بيانا للموصول، ارادة العيب لا الكلام، فظاهر الضمير في يكرهه الرجوع الي العيب نفسه، الا ان الظاهر من ما قيل انه تطابق الإجماع و الأخبار علي ان الغيبة هي ذكر الغير بما يكره لو سمعه، ان المراد بالموصول هو الكلام كما لا يخفي.

الرابع: أن يكون المذكور من الأوصاف الذميمة او الأفعال القبيحة، فلو ذكر الإنسان بما يوجب تعظيمه بين الناس بالأوصاف الحميدة أو الأفعال المستحبة كقضاء حاجة المؤمن و المواظبة علي النوافل و نحو ذلك، أو ذكره بالأوصاف العادية غير الموجبة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 21

غير منكشف مثل قوله عليه السلام فيما رواه العياشي بسنده عن ابن سنان: الغيبة ان تقول في أخيك ما فيه مما قد ستره الله عليه.

و رواية داود بن سرحان المروية في الكافي، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغيبة، قال: هو ان تقول لأخيك في دينه ما لم يفعل و تبث عليه أمرا قد ستره الله عليه لم يقم عليه فيه حد. و رواية أبان عن رجل لا

يعلمه الا يحيي الأزرق، قال:

قال لي أبو الحسن عليه السلام من ذكر رجلا خلفه بما هو فيه مما عرفه الناس لم يغتبه و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس فقد اغتابه و من ذكره بما ليس فيه فقد بهته. و حسنة عبد الرحمن بن سيابة بابن هاشم، قال: قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه.

و أما الأمر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا، و البهتان أن يقول فيه ما ليس فيه، و هذه الأخبار كما تري صريحة في اعتبار كون الشي ء غير منكشف (1) و يؤيد ذلك ما في الصحاح من ان الغيبة ان يتكلم خلف انسان مستور بما يغمه لو سمعه فإن كان صدقا سمي غيبة، و إن كان كذبا سمي بهتانا فإن اراد من المستور من حيث ذلك المقول و أفق الأخبار و إن اراد مقابل المتجاهر احتمل الموافقة و المخالفة.

______________________________

للمدح أو الذم و لو بالاستلزام أو الأفعال المباحة لم يكن ذلك من الغيبة، و إن كره ذكره بذلك.

و اعتبار هذا القيد لعله اتفاقي، و يستفاد من الخبرين المتقدمين في الأمر الأول من الأمور المعتبرة في صدق الغيبة إذ الأمور الموجبة للتعظيم و الأمور العادية ليست مما ستره الله تعالي، و لا يوجب ذكرها نقصا فيه و افتضاحه.

(1) الخامس: أن يكون المقول مستورا غيرا ظاهر، و يشهد لاعتباره: النصوص التي ذكرها الماتن في المتن، و هي ما رواه العياشي عن ابن سنان «1» و حسن داود بن سرحان «2» و خبر أبان «3» و حسن عبد الله بن سيابة «4».

______________________________

(1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث

22.

(2) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

(4) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 22

و الملخص من مجموع ما ورد في المقام ان الشي ء المقول إن لم يكن نقصا فلا يكون ذكر الشخص حينئذ غيبة و إن اعتقد المقول فيه كونه نقصا عليه نظير ما اذا نفي عنه الاجتهاد و ليس ممن يكون ذلك نقصا في حقه إلا انه معتقد باجتهاد نفسه، نعم قد يحرم هذا من وجه آخر و إن كان نقصا شرعا أو عرفا بحسب حال المغتاب فإن كان مخفيا للسامع بحيث يستنكف عن ظهوره للناس و اراد القائل تنقيص المغتاب به فهو المتيقن من أفراد الغيبة، و إن لم يرد القائل التنقيص. فالظاهر حرمته لكونه كشفا لعورة المؤمن و قد تقدم الخبر من مشي في غيبة أخيه و كشف عورته. الخ.

و في صحيحة ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له عورة المؤمن علي المؤمن حرام، قال: نعم. قلت: تعني سفلتيه، قال: ليس حيث تذهب انما هو اذاعة سره «1».

و في رواية محمد بن فضيل عن أبي الحسن عليه السلام: و لا تذيعن عليه شيئا تشينه به و تهدم به مروته فتكون من الذين قال الله عز و جل: (إن الذين يحبون أن تتشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم) «2» و لا يقيد اطلاق النهي بصورة قصد الشين و الهدم من جهة الاستشهاد بآية حب شياع الفاحشة، بل الظاهر ان المراد مجرد فعل ما يوجب شياعها مع انه لا فائدة كثيرة في التنبيه علي دخول القاصد لاشاعة

______________________________

ثمّ العيب ان

كان ظاهرا للمخاطب نفسه لا إشكال في جواز ذكره و عدم كونه غيبة لعدم كونه اظهار ما ستره الله، فما عن بعض الأكابر من الترديد فيه في غير محله.

و إن لم يكن ظاهرا له و لكن كان ظاهرا للناس، فيستفاد عدم كونه غيبة حينئذ من خبر الأزرق المتقدم كما هو واضح.

و دعوي ان المراد بالناس في قوله عليه السلام مما عرفه الناس هو خصوص المخاطب.

خلاف الظاهر.

و إن لم يكن العيب ظاهرا بالفعل لا للمخاطب و لا للناس. و لكن له ظهورا شأنيا، بمعني انه يكون العيب من شأنه الظهور بأدني ممارسة، فالظاهر عدم صدق الغيبة علي ذكره أيضا، و ذلك لقوله عليه السلام في حسن ابن سيابة المتقدم و أما الأمر الظاهر مثل الحدة و العجلة فلا فإن التمثيل للأمر الظاهر بالحدة و العجلة كالصريح في ارادة ما يعم الظهور الشأني.

______________________________

(1) الوسائل، باب 157، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 157، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 23

الفاحشة في عموم الآية.

و إنما يحسن التنبيه علي ان قاصد السبب قاصد للمسبب و إن لم يقصده بعنوانه، و كيف كان فلا اشكال من حيث النقل و العقل في حرمة اذاعة ما يوجب مهانة المؤمن و سقوطه عن أعين الناس في الجملة. و انما الكلام في انها غيبة أم لا، مقتضي الأخبار المتقدمة بأسرها ذلك خصوصا المستفيضة الأخيرة، فان التفصيل فيها بين الظاهر و الخفي انما يكون مع عدم قصد القائل المذمة و الانتقاص. و أما مع قصده فلا فرق بينهما في الحرمة و المنفي في تلك الأخبار، و إن كان تحقق موضوع الغيبة دون الحكم بالحرمة الا ان ظاهر سياقها نفي

الحرمة فيما عداها أيضا لكن مقتضي ظاهر التعريف المتقدم عن كاشف الريبة عدمه لأنه اعتبر قصد الانتقاص و الذم الا ان يراد اعتبار ذلك فيما يقع علي وجهين: دون ما لا يقع الا علي وجه واحد، فان قصد ما لا ينفك عن الانتقاص قصد له و إن كان المقول نقصا ظاهرا للسامع فان لم يقصد القائل الذم، و لم يكن الوصف من الأوصاف المشعرة بالذم نظير الألقاب المشعرة به.

فالظاهر انه خارج عن الغيبة لعدم حصول كراهة للمقول فيه لا من حيث الاظهار و لا من حيث ذم المتكلم و لا من حيث الاشعار و إن كان من الأوصاف المشعرة بالذم أو قصد المتكلم التعيير و المذمة بوجوده فلا اشكال في حرمة الثاني بل و كذا الأول لعموم ما دل علي حرمة ايذاء المؤمن و اهانته و حرمة التنابز بالألقاب و حرمة تعيير المؤمن علي صدور معصية منه فضلا عن غيرها ففي عدّة من الأخبار من عيّر مؤمناً علي معصية لم يمت حتي يرتكبه. و انما الكلام في كونهما من الغيبة، فان ظاهر المستفيضة المتقدمة عدم كونهما منها. و ظاهر ما عداها من الأخبار المتقدمة بناء علي ارجاع الكراهة فيها الي كراهة الكلام الذي يذكر به الغير، و كذلك كلام أهل اللغة عدا الصحاح علي بعض احتمالاته كونهما غيبة و العمل بالمستفيضة لا يخلو عن قوة، و إن كان ظاهر الأكثر خلافه فيكون ذكر الشخص بالعيوب الظاهرة الذي لا يفيد السامع اطلاعا لم يعلمه و لا يعلمه عادة من غير خبر مخبر، ليس غيبة فلا يحرم الا اذا ثبت الحرمة من حيث المذمة و التعيير أو من جهة كون نفس الاتصاف بتلك الصفة مما يستنكفه المغتاب

و لو باعتبار بعض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 24

التعبيرات فيحرم من جهة الايذاء و الاستخفاف و الذم و التعيير.

ثمّ الظاهر المصرح به في بعض الروايات عدم الفرق في ذلك علي ما صرح به غير واحد بين ما كان نقصانا في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه او دنياه حتي في ثوبه او داره او دابته او غير ذلك. (1) و قد روي عن مولانا الصادق عليه السلام (2) الاشارة الي ذلك بقوله: وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق و الفعل و المعاملة و المذهب و الجهل و أشباهه. قيل: أما البدن فكذكرك فيه العمش و الحول و العور و القرع و القصر و الطول و السواد و الصفرة و جميع ما يتصور ان يوصف به مما يكرهه. و النسب بأن يقول ابوه فاسق او خبيث او خسيس او اسكاف او حائك او نحو ذلك مما يكره. و أما الخلق بأن يقول انه سيئ الخلق بخيل «محيل» مراء متكبر شديد الغضب، جبان ضعيف القلب و نحو ذلك. و أما في افعاله المتعلقة بالدين فكقولك سارق كذاب، شارب، خائن ظالم متهاون بالصلاة لا يحسن الركوع و السجود و لا يجتنب من النجاسات ليس بارا بوالديه لا يحرس نفسه من الغيبة و التعرض لأعراض الناس. و أما أفعاله المتعلقة بالدنيا فكقولك قليل الأدب متهاون بالناس لا يري لأحد عليه حقا كثير الكلام كثير الأكل نئوم «و النوم» يجلس في غير موضعه. و أما في ثوبه فكقولك انه واسع الكم طويل الذيل وسخ الثياب و نحو ذلك.

______________________________

(1) لا فرق في ما يوجب نقصا في المقول فيه بين أن يوجب نقصا في دينه، او

بدنه، او نسبه، او خلقه، او فعله، او قوله، او عشيرته، او ثوبه، او داره، او دابته، او غير ذلك مما يوجب نقصا فيه كما صرح به غير واحد.

(2) و يشهد له- مضافا الي الخبر المروي عن الامام الصادق عليه السلام المشار اليه في المتن: وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق و الفعل و المعاملة و المذهب و الجهل و اشباهه.

الحديث «1» - اطلاق حسن بن سيابة المتقدم.

و استدل لاعتبار كونه نقصا دينيا بقوله عليه السلام في خبر ابن سرحان المتقدم: ان تقول لأخيك في دينه.

______________________________

(1) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة، حديث 19.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 25

ثمّ ان ظاهر النص و إن كان منصرفا إلي الذكر باللسان لكن المراد به حقيقة الذكر (1) فهو مقابل الاغفال فكل ما يوجب التذكر للشخص من القول و الفعل و الاشارة و غيرها فهو ذكر له و من ذلك المبالغة في تهجين المطلب الذي ذكره بعض المصنفين بحيث يفهم منها الازراء بحال ذلك المصنف فان قولك ان هذا المطلب بديهي البطلان لأن فيه تعريضا بأن صاحبه لم ينتقل الي الملازمة بين المطلب و بين ما هو بديهي البطلان، و لعل الملازمة نظرية و قد وقع من بعض الأعلام بالنسبة الي بعضهم ما لا بد له من الحمل و التوجيه أعوذ بالله من الغرور و إعجاب المرء بنفسه و حسده علي غيره و الاستيكال بالعلم.

______________________________

و فيه: ان في دينه يمكن أن يكون صفة لاخيك أي الأخ الذي كانت اخوته بسبب دينه، و قوله ما لم يفعل حينئذ يحتمل أن يراد به ما لم يفعل العيب الذي لم يكن باختياره و فعله الله فيه كالعيوب البدنية، و

علي ذلك فهو أيضا يدل علي المختار.

السادس: قد يقال باعتبار كون اظهار ما ستره الله بالقول فلا تتحقق الغيبة بالاشارة و الكتابة و الفعل.

و اختار جمع من المحققين عدم اعتبار ذلك و ان الغيبة تتحقق بكل ما يوجب التذكر من القول و الفعل و الاشارة و غيرها.

(1) و إلي ذلك اشار المصنف حيث قال لكن المراد به حقيقة الذكر.

و استدل للأول بالنصوص المتقدمة المتضمنة لخصوص القول.

و فيه: مضافا الي ان الاشارة المفهمة للمقصود عند العرف قول تنزيلا يرتبون عليها ما يرتب علي القول، و الكتابة قول، فقد قيل إن القلم أحد اللسانين. و إلي ان المذكور في خبر الأزرق هو الذكر، لا القول، و هو يشمل جميع المذكورات. فان المراد بالذكر هو الذي يوجب تذكر المخاطب و انتقاله الي المقصود و المراد، و إلي النبوي «1» المشهور في قصة عائشة، انه من البديهي عدم دخل القول بما هو قول غير الشامل للمذكورات في هذا الحكم

______________________________

(1) اخرجه الخرائطي و ابن مردويه و البيهقي كما في محكي الدر المنثور، ج 6، ص 94.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 26

ثمّ إن دواعي الغيبة كثيرة:

روي عن مولانا الصادق عليه السلام التنبيه عليها إجمالا بقوله عليه السلام: أصل الغيبة تتنوع بعشرة أنواع: شفاء غيظ، و مساعدة قوم، و تصديق خبر بلا كشف، و تهمة، و سوء ظن، و حسد، و سخرية، و تعجيب، و تبرم، و تزين، الخبر.

ثمّ ان ذكر الشخص قد يتضح كونها غيبة، و قد يخفي علي النفس لحب او بعض فيري انه لم يغتب و قد وقع في أعظمها و من ذلك ان الانسان قد يغتم بسبب ما يبتلي به اخوه في الدين لأجل أمر يرجع الي نقص

في فعله او رأيه فيذكره المغتم في مقام التأسف عليه بما يكره ظهوره للغير مع انه كان يمكنه بيان حاله للغير علي وجه لا يذكر اسمه ليكون قد أحرز ثواب الاغتمام علي ما أصاب المؤمن لكن الشيطان يخدعه و يوقعه في ذكر الاسم.

بقي الكلام في انه هل يعتبر في الغيبة حضور مخاطب عند المغتاب أو يكفي ذكره عند نفسه (1) ظاهر الأكثر الدخول كما صرح به بعض المعاصرين، نعم ربما يستثني من حكمها عند من استثني ما لو علم اثنان صفة شخص فيذكر أحدهما بحضرة الآخر. و أما علي ما قويناه من الرجوع في تعريف الغيبة الي ما دل عليه المستفيضة المتقدمة من كونها هتك ستر مستور، فلا يدخل ذلك في الغيبة.

______________________________

بل ذكره انما هو من باب المثال، و إلا فالميزان هو اظهار ما ستره الله الصادق علي جميع المذكورات.

فالأظهر هو القول الثاني.

(1) السابع: أن يكون مخاطب حاضرا عند المغتاب، إذ مع عدم حضوره لا يصدق علي حديث النفس بالعيب انه اظهار لما ستره الله.

و يؤيده أن المستفاد من الأخبار و الآية الشريفة هو كون ذكر العيب كشفا لعورة الأخ المؤمن، و موجبا لانتقاص عرض المغتاب بالفتح، و مع عدم حضور المخاطب، لا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 27

______________________________

يكون الذكر هتكا و كشفا للعورة.

و لو كان المتكلم بذكر عيب أخيه المؤمن في مقام حديث النفس غير قاصد لافهام السامع و لكن الغير كان يسمع ما يقوله، فهل هو غيبة أم لا؟ وجهان:

الظاهر صدق الغيبة عليه، لأنه إظهار لما ستره الله تعالي، و لا يعتبر في صدقها قصد إفهام السامع. نعم اذا كان غير ملتفت الي سماع الغير لا تكون هذه الغيبة محرمة لفرض الغفلة عن كون

ما يتكلم به غيبة كما لا يخفي.

الثامن: قد يتوهم اعتبار عدم حضور المغتاب بالفتح في صدق الغيبة.

و استدل له: بالتشبيه في الآية الشريفة، حيث انه شبه المغتاب بالفتح بالميتة، و هو انما يكون بلحاظ عدم شعوره بما قيل فيه.

و بأنه مقتضي تعريف المشهور إياها: بأن الغيبة ذكرك أخاك بما يكرهه لو سمعه.

و بخبر الأزرق المتقدم: و من ذكره من خلفه بما هو فيه مما لا يعرفه الناس اغتابه.

و في الجميع نظر:

أما الأول: فلأنه يمكن أن يكون تشبيه المغتاب (بالكسر) بآكل الميتة من جهة أنه يأكل الجيف في الآخرة كما في بعض النصوص، أو لتشبيهه بالسباع و الكلاب كما في بعضها الآخر.

و أما الثاني: فلأن تعريف المشهور بعد ما ظهر عدم كونه جامعا و مانعا لا يصح الاستناد اليه.

و أما الثالث: فلأنه لا مفهوم له، فإنه في مقام بيان أن هذا من الغيبة لا ان الغيبة منحصرة بذلك كما لا يخفي علي من تدبر فيه، فالأظهر عدم اعتباره لإطلاق النصوص المتقدمة، اللهم إلا أن يقال ان اعتبار عدم حضور المغتاب مأخوذ في مفهوم الغيبة بحسب المتفاهم العرفي و لا يبعد ذلك، فإن تم ذلك، او صار سببا للشك في صدقها مع حضوره لا مناص عن البناء علي عدم الحرمة مع حضور المغتاب كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 28

و منه يظهر أيضا انه لا يدخل فيها ما لو كان الغائب مجهولا عند المخاطب (1) مرددا بين أشخاص غير محصورة كما اذا قال جاءني اليوم رجل بخيل دني ذميم. فان ظاهر تعريف الأكثر دخوله و إن خرج عن الحكم بناء علي اعتبار التأثير عند السامع. و ظاهر المستفيضة المتقدمة عدم الدخول. نعم لو قصد المذمة و

التعبير حرم من هذه الجهة فيجب علي السامع نهي المتكلم عنه الا اذا احتمل أن يكون الشخص متجاهرا بالفسق فيحمل فعل المتكلم علي الصحة كما سيجي ء في مسألة الاستماع. و الظاهر ان الذم و التعيير لمجهول العين لا يجب الردع عنه مع كون الذم و التعيير في موقعهما بأن كان مستحقا لهما، و ان لم يستحق مواجهته بالذم او ذكره عند غيره بالذم.

هذا كله لو كان الغائب المذكور مشتبها علي الإطلاق. أما لو كان مرددا بين أشخاص فإن كان بحيث لا يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم كان كالمشتبه علي الإطلاق (2) كما لو قال جاءني عجمي او عربي كذا و كذا، إذا لم يكن بحيث يكون الذم راجعا الي العنوان كأن يكون في المثالين تعريض الي ذم تمام العجم أو العرب

______________________________

(1) التاسع: كون المغتاب (بالفتح) معلوما بالتفصيل عند المخاطب، و إلا فلا يكون ذكره غيبة لعدم كونه اظهارا لما ستره الله تعالي.

توضيح ذلك: انه تارة يكون المغتاب بالفتح معلوما تفصيلا للمخاطب، و اخري:

يكون مجهولا عند المخاطب مرددا بين أشخاص غير محصورين، و ثالثة: يكون مرددا بين أشخاص محصورة.

أما في الصورة الأولي: فلا اشكال في صدق الغيبة.

و أما في الصورة الثانية: فلا ينبغي التوقف في عدم صدق الغيبة علي ذكره بالسوء لعدم كونه اظهارا لما ستره الله. و بعبارة اخري: لأجل عدم انتقال المخاطب الي الشخص المذكور يكون هو بحكم الغائب الذي عرفت عدم صدق الغيبة معه.

و كذلك في الصورة الثالثة اذا لم يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم لما تقدم من اعتبار كراهة المغتاب.

(2) و إلي ذلك نظر المصنف حيث كان كالمشتبه علي الإطلاق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 29

و إن كان بحيث يكره كلهم

ذكر واحد مبهم منهم (1) كأن يقول أحد ابني زيدا و أحد اخويه كذا و كذا. ففي كونه اغتيابا لكل منهما لذكرهما بما يكرهانه من التعريض لاحتمال كونه هو المعيوب و عدمه لعدم تهتك ستر المعيوب منهما، كما لو قال أحد أهل البلد الفلاني كذا و كذا، و إن كان فرق بينهما من جهة كون ما نحن فيه محرما من حيث الإساءة الي المؤمن بتعريضه للاحتمال دون المثال او كونه اغتيابا للمعيوب الواقعي منهما و اسائة بالنسبة الي غيره لأنه تهتك بالنسبة اليه لأنه اظهار في الجملة لعيبه بتقليل مشاركه في احتمال العيب، فيكون الاطلاع عليه قريبا. و أما الآخر فقد اساء بالنسبة اليه حيث عرضه لاحتمال العيب، وجوه قال في جامع المقاصد و يوجد في كلام بعض الفضلاء (الفقهاء) ان من شرط الغيبة أن يكون متعلقها محصورا و الا فلا تعد غيبة، فلو قال عن أهل بلدة غير محصورة ما لو قاله عن شخص واحد كان غيبة لم يحتسب غيبة، انتهي.

______________________________

(1) و أما لو كان بحيث يكره كلهم ذكر واحد مبهم منهم ففيها وجوه:

الأول: كونه اغتيابا لكل واحد من أطراف الشبهة لذكره بما يكرهه من التعريض لاحتمال كونه هو المعيوب.

الثاني: كونه اغتيابا للمعيوب الواقعي منهم لأنه اظهار في الجملة لعيبه بتقليل مشاركه في احتمال العيب.

الثالث: عدم كونه اغتيابا أصلا.

و أظهرها الأخير، و ذلك:

لأنه يرد علي الأول: ان الغيبة ذكر عيب الأخ لا ذكر مطلق ما يكرهه، و ما ذكره ليس ذكر عيب كل واحد منهم كما هو واضح.

و يرد علي الثاني: ان مجرد ذكر الأخ لا يكون مشمولا للأدلة إن كان غير معلوم

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 30

أقول: ان اراد أن ذم جمع غير

محصور لا يعد غيبة و إن قصد انتقاص كل منهم، كما لو قال أهل هذه القرية أو هذه البلدة كلهم كذا و كذا، فلا اشكال في كونها غيبة محرمة و لا وجه لاخراجه عن موضوعها أو حكمها و إن أراد ان ذم المردد بين غير المحصور لا يعد غيبة فلا بأس كما ذكرنا و لذا ذكر بعض تبعا لبعض الأساطين في مستثنيات الغيبة ما لو علق الذم بطائفة أو أهل بلدة أو أهل قرية مع قيام القرينة علي عدم ارادة الجميع كذم العرب أو العجم أو أهل الكوفة أو البصرة و بعض القري، انتهي و لو اراد الأغلب ففي كونه اغتيابا لكل منهم و عدمه ما تقدم في المحصور. و بالجملة فالمدار في التحريم غير المدار في صدق الغيبة و بينهما عموم من وجه.

______________________________

يصدق بالنسبة الي المقول فيه المجهول.

و إن شئت قلت: ان مجرد القول في الأخ بما ستره الله و إن لم يوجب ذلك اظهارا له لا يكون غيبة لما عرفت من أن القول في النصوص انما أخذ في الموضوع من جهة كونه من مصاديق الإظهار، فيتعين الوجه الثالث.

هذا فيما إذا كان المذكور نقصا لفرد مردد بين أشخاص، و أما لو كان نقصا للعنوان الكلي، فلا اشكال في صدق الغيبة لكونه اظهارا لما ستره الله بالنسبة الي كل فرد من ذلك النوع إلا اذا اريد به الأغلب أو جمع من أفراد ذلك، فإنه حينئذ بحكم ما إذا كان نقصا للفرد المردد، و علي هذا يحمل ما ورد عن بعض سادات المؤمنين من ذكر أهل بلد بالسوء. فتدبر، فإنه يمكن أن يقال بوجود جهة اخري في تلك الموارد موجبة لعدم كونه غيبة و إن أراد

كلهم، و هو كون المذكور أمرا ظاهرا.

فتحصل مما ذكرناه: ان أحسن تعريف للغيبة أن يقال: إن الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله من العيوب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 31

الثاني: في كفارة الغيبة الماحية لها. (1)

______________________________

كفارة الغيبة

(1) قوله الثاني: في كفارة الغيبة الماحية لها.

الأقوال و الوجوه في كفارة الغيبة متعددة:

منها: الاستحلال من المغتاب.

و منها: الاستغفار له.

و منها: كلا الأمرين معا.

و منها أحدهما علي التخيير.

و منها: التفصيل بين وصول الغيبة الي المغتاب فالاستحلال، و بين عدم وصولها اليه فالاستغفار له.

و منها: التفصيل بين إمكان الاستحلال فيجب الاستحلال منه، و بين عدم إمكانه فيجب الاستغفار له.

و منها: انه لا كفارة لها، بل الواجب علي المغتاب بالكسر الاستغفار من ذنوبه لنفسه و التوبة منها.

و قبل البحث في الأدلة التي اقيمت علي هذه الوجوه لا بد من البحث فيما يقتضيه الأصل العملي لو شك في وجوب شي ء.

فأقول: إن أصالة البراءة تقضي بعدم وجوب شي ء من الاستحلال و الاستغفار، و لكن قد يقال بأن الأصل في المسألة مع ذلك هو الاحتياط.

و استدل له بوجهين:

الأول: ما في المكاسب قال: في اواخر البحث و أصالة بقاء الحق الثابت للمغتاب (بالفتح) علي المغتاب (بالكسر) تقتضي عدم الخروج منه الا بالاستحلال خاصة.

و فيه: انه إن أريد بالحق الثابت هو حق عدم الاغتياب فيرد عليه: انه بالغيبة فات فلا معني لبقائه، و إن أريد به الحق الثابت بعد الغيبة فهو غير معلوم الحدوث، و استصحاب بقاء جنس الحق يتوقف علي القول بجريانه في الكلي في القسم الثالث و لا نقول به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 32

و مقتضي كونها من حقوق الناس توقف رفعها الي إسقاط صاحبها. اما كونها من حقوق الناس فلأنه ظلم علي

المغتاب و للأخبار في ان من حق المؤمن علي المؤمن ان لا يغتابه (1) و ان حرمة عرض المسلم كحرمة دمه و ماله (2) و أما توقف رفعها علي ابراء ذي الحق فللمستفيضة المعتضدة بالأصل منها ما تقدم من ان الغيبة لا تغفر حتي يغفر صاحبها و منها ما حكاه غير واحد عن الشيخ الكراجكي بسنده المتصل الي علي بن الحسين عليه السلام عن أبيه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: للمؤمن علي أخيه ثلاثون حقا لا براءة له منها إلا بأدائها

______________________________

الثاني: ما أفاده المحقق الإيرواني قدس سره و هو: ان العقاب اذا ثبت اوجب العقل تحصيل القطع بالبراءة منه، فيجب اتيان كل ما يحتمل دخله في رفع العقاب من الاستحلال و غيره، فالأصل في المسألة هو الاحتياط، و إن كان الشك فيها في التكليف دون البراءة.

و فيه: انه لو شك في دخل شي ء في رفع العقاب غير التوبة، يكون المرجع هو ما دل علي ان التوبة توجب محو الذنوب، و إن التائب من ذنبه كمن لا ذنب له، من الآيات و الروايات المتواترة.

فتحصل: ان الأقوي هو الاكتفاء بالتوبة مع عدم الدليل علي لزوم الاستحلال و الاستغفار له.

اذا عرفت ذلك فاعلم انه قد استدل للقول الأول في المتن بما حاصله ان من حقوق الناس ان لا يغتابه.

و استند في ذلك الي طائفتين من الأخبار:

(1) إحداهما قال من حق المؤمن علي المؤمن ان لا يغتابه.

مثل ما ورد عن النبي صلي الله عليه و آله للمؤمن علي المؤمن سبعة حقوق واجبة من الله عز و جل الي ان قال: و ان يحرم غيبته «1».

و ما ورد عن الامام الرضا

عليه السلام من حق المؤمن علي المؤمن المودة له في صدره الي ان قال: و لا يغتابه «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 122، من أبواب أحكام العشرة، حديث 13.

(2) المستدرك، باب 105، من أبواب أحكام العشرة، حديث 16.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 33

او العفو الي أن قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و آله يقول: ان أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة و يقضي له عليه و النبوي المحكي في السرائر، و كشف الريبة من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحللها من قبل أن يأتي يوم ليس هناك درهم و لا دينار فيؤخذ من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فيتزايد علي سيئاته. و في نبوي آخر من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل الله صلاته و لا صيامه أربعين يوما و ليلة الا ان يغفر له صاحبه.

و في الدعاء التاسع و الثلاثون من أدعية الصحيفة السجادية و دعاء يوم الاثنين من ملحقاتها ما يدل علي هذا المعني أيضا.

______________________________

ثانيتهما ما دل علي أن حرمة عرض المسلم كحرمة دمه. الظاهر ان نظره الشريف ليس ورود هذه الجملة في النصوص كي يورد عليه بأنا لم نقف علي خبر يصرح بذلك.

بل إلي أن ذلك يستفاد من النصوص.

فلاحظ ما تضمن المؤمن حرام كله عرضه و ماله و دمه «1».

و ما ورد سباب المؤمن فسوق الي ان قال و حرمة ماله كحرمة دمه «2».

فاذا ثبت ذلك فيشهد النصوص بتوقف رفعها علي ابراء ذي الحق.

لاحظ النبوي المتقدم ان الغيبة لا تغفر حتي يغفر صاحبها.

و النبوي الذي حكاه غير واحد عن الشيخ الكراجكي «3».

و النبوي المحكي في السرائر «4». و النبوي الثالث

«5».

و الدعاء التاسع و الثلاثين من أدعية الصحيفة السجادية.

و دعاء يوم الاثنين من ملحقاتها المذكورة كلها في المتن.

ثمّ ان جماعة استدلوا لهذا القول بهذه النصوص بلا احتياج الي ضم الأمر الأول و كيف كان فالاستدلال بهذه النصوص و الأدعية غير تام.

______________________________

(1) المستدرك، باب 138، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 158، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

(3) الوسائل، باب 122، من أبواب أحكام العشرة، حديث 24.

(4) السرائر، ج 2، ص 69.

(5) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة، حديث 34.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 34

______________________________

أما النصوص: فضعيفة السند.

أما الأول: فلأن في طريقه ابن ميمون و رجاء و غيرهما.

و أما الثاني: فلأنه مرسل.

و أما الثالث: فلأن في طريقه الحسين بن محمد بن علي الصير في البغدادي.

و أما الرابع و الخامس و السادس: فللإرسال.

و دعوي انها مستفيضة و بعدها لا محل للمناقشة في السند.

مندفعة بأن الخبر المستفيض غير المتواتر، و الثاني حجة دون الأول.

و أضف الي ذلك عدم دلالة غير الأولين و الرابع علي هذا القول.

أما الثالث: فلاشتماله علي حقوق لا قائل بوجوب البراءة منها بالاستحلال من ذي الحق كعيادة المريض و قضاء الحاجة و غيرهما. و عليه فمعني القضاء يوم القيامة لذيها علي من عليها المعاملة معه معاملة من لم يراع حقوق المؤمن لا العقاب عليها كما أفاده المصنف قدس سره.

و أما الخامس: فلأنه بناء علي ما هو الظاهر من مغايرة القبول للأجزاء لا يدل علي بقاء أثر الحرمة ما لم يغفر له صاحبه، و يؤيده ما فيه من التحديد بأربعين يوما و ليلة، إذ علي فرض وجوب الاستحلال لا وجه لهذا التحديد.

و أما الدعاءان: فمضافا الي ان الثاني من أدعية ملحقات الصحيفة و

هي بنفسها و إن وصلت الينا بسند معتبر إلا أن ملحقاتها ليست كذلك انهما لا يدلان علي ذلك.

أما الدعاء الأول: فهو متضمن لجملتين: إحداهما: تتضمن طلب العفو و الرحمة علي الظالمين له و المنهمكين لحرماته، ثانيتهما: تتضمن طلب الإرضاء و ايفاء الحق من الله تعالي لمن له مظلمة عليه، و شي ء منهما لا صلة له بهذا القول.

أما الأولي: فلأن الاستغفار و طلب العفو للظالمين له كاستغفارهم عليهم السلام لسائر العاصين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 35

و لا فرق في مقتضي الأصل و الأخبار بين التمكن من الوصول الي صاحبه و تعذره لأن تعذر البراءة لا يوجب سقوط الحق كما في غير هذا المقام، لكن روي السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله ان كفارة الاغتياب ان تستغفر لمن اغتبته كلما ذكرته و لو صح سنده أمكن تخصيص الإطلاقات المتقدمة به فيكون الاستغفار طريقا أيضا الي البراءة مع احتمال العدم أيضا، لأن كون الاستغفار كفارة لا يدل علي البراءة، فلعله كفارة للذنب من حيث كونه حقا لله تعالي نظير كفارة قتل الخطأ التي لا توجب براءة القاتل الا أن يدعي ظهور السياق في البراءة.

______________________________

و أما الثانية: فمضافا الي منافاتها لأدني مراتب العدالة- فضلا عن أعلي مراتب العصمة- ان طلب العفو و المغفرة لذي الحق و المظلمة أعم من وجوب الاستحلال مع إمكانه.

و بذلك ظهر ما في الدعاء الثاني لانه يدل علي طلب المغفرة لذي الحق.

و ربما يستدل لهذا القول بما عن جامع الأخبار الدال علي انتقال الأعمال الحسنة باغتياب الناس الي المغتاب بالفتح، فاذا استحل منها رجعت الي صاحبها «1».

و فيه: انه لا يدل علي بقاء أثر الحرمة ما دام

لم يستحل.

فتحصل: انه لا دليل علي وجوب الاستحلال مطلقا.

و قد استدل للقول الثاني: بما في دعاء يوم الاثنين من ملحقات الصحيفة من طلبه عليه السلام المغفرة لذوي الحقوق و المظلمة.

و بخبر حفص بن عمير عن الإمام الصادق عليه السلام قال: سأل النبي صلي الله عليه و آله ما كفارة الاغتياب؟ قال صلي الله عليه و آله: تستغفر الله لمن اغتبته كلما ذكرته «2».

______________________________

(1) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة.

(2) الوسائل، باب 155، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 36

______________________________

و بخبر السكوني عنه عليه السلام قال رسول الله صلي الله عليه و آله من ظلم أحدا وفاته فليستغفر الله فانه كفارة له «1».

و بالنبوي المروي عن الجعفريات: من ظلم أحدا فعابه فليستغفر الله له كما ذكره فانه كفارة له «2».

و في الجميع نظر:

أما الأول: فلما تقدم آنفا من ضعف السند و الدلالة.

و أما الثاني: فلأنه مجهول لحفص بن عمير.

و أما الثالث: فلأن الظاهر منه ان الضمير في فاته يرجع الي المظلوم، فالمعني: ان من لم يدركه ليطلب البراءة، و يرضيه فليستغفر الله له، فهو يدل علي وجوب الاستغفار عند عدم التمكن من الاستحلال لا مطلقا.

لا يقال: ان لازم ذلك عدم وجوب التصدق اذا كان حقا ماليا، و هو مما لم يقل به أحد.

فإنه يقال: إن التصدق ايضا طلب مغفرة له مع انه اذا رجع الضمير الي الظلم كان مفاده ذلك، إذ فوت الظلم عبارة اخري عن عدم إمكان تداركه.

و أما الأخير: فلأنه مرسل.

ثمّ إن المصنف قدس سره قال روي السكوني عن أبي عبد الله عليه السلام الظاهر انه سهو إذ لم يوجد خبر للسكوني بهذا المضمون و راوي الخبر المشار اليه

هو حفص بن عمير المتقدم و أما رواية السكوني فوردت في باب الظلم و سيذكرها المصنف قدس سره و الله مقيل العثرات.

فتحصل: انه لا دليل علي وجوب الاستغفار له مطلقا.

و بما ذكرناه ظهر ضعف القولين الأخيرين الثالث و الرابع، و هما وجوب الأمرين معا، و التخيير بينهما.

______________________________

(1) الوسائل، باب 78، من أبواب جهاد النفس، حديث 5.

(2) المستدرك، باب 135، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 37

قال في كشف الريبة بعد ذكر النبويين الأخيرين المتعارضين و يمكن الجمع بينهما بحمل الاستغفار له علي من لم يبلغ غيبته المغتاب، فينبغي له الاقتصار علي الدعاء و الاستغفار لأن في محالته اثارة للفتنة و جلبا للضغائن، و في حكم من لم يبلغه من لم يقدر علي الوصول اليه لموت او غيبة و حمل المحالة علي من يمكن التوصل اليه مع بلوغه الغيبة. (1)

أقول: إن صح النبوي الأخير سندا، فلا مانع عن العمل به بجعله طريقا الي البراءة مطلقا في مقابل الاستبراء و الا تعين طرحه و الرجوع الي الأصل و اطلاق الأخبار المتقدمة و تعذر الاستبراء أو وجود المفسدة فيه لا يوجب وجود مبرئ آخر. نعم ارسل بعض من قارب عصرنا عن الصادق عليه السلام انك إن اغتبت فبلغ المغتاب فاستحل منه و إن لم يبلغه فاستغفر الله له. (2)

و في رواية السكوني المروية في الكافي في باب الظلم عن أبي

______________________________

و أما القول الخامس الذي ذهب اليه جمع من الأساطين فقد استدل له:

(1) تارة بما في المتن عن كشف الريبة بأنه مقتضي الجمع بين ما دل علي وجوب الاستحلال و ما دل علي وجوب الاستغفار له.

(2) و اخري بالمرسل الذي ارسله النراقي الكبير ارسله في

جامع السعادات المذكور في المتن «1».

و لكن يرد علي الوجه الأول: مضافا الي ما تقدم: انه جمع تبرعي لا وجه للمصير اليه.

و يرد علي الوجه الثاني: انه ضعيف السند للإرسال.

و أما القول السادس: فيدل عليه خبر السكوني المتقدم المذكور في المتن بالتقريب الذي تقدم.

و ما ذكره الأستاذ الأعظم من انه ضعيف السند للنوفلي، غير تام، إذ النوفلي عند الإطلاق يراد به الحسين بن يزيد، لا سيما اذا كان يروي عن السكوني و كان الراوي عنه ابراهيم بن هاشم كما في الخبر، و الحسين مقبول الرواية كما صرح به جمع من ائمة الرجال

______________________________

(1) البحار، ج 75، ص 257.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 38

عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: من ظلم أحدا ففاته فليستغفر الله له فانه كفارة له و الإنصاف ان الأخبار الواردة في هذا الباب كلها غير نقية السند و أصالة البراءة تقتضي عدم وجوب الاستحلال و لا الاستغفار و أصالة بقاء الحق الثابت للمغتاب (بالفتح) علي المغتاب (بالكسر) تقتضي عدم الخروج منه الا بالاستحلال خاصة (1) لكن المثبت لكون الغيبة حقا بمعني وجوب البراءة منه ليس الا الأخبار الغير النقية السند (2) مع ان السند لو كان نقيا كانت الدلالة ضعيفة (3) لذكر حقوق اخر في الروايات لا قائل بوجوب البراءة منها. و معني القضاء يوم القيامة لذيها علي من عليها المعاملة معه معاملة من لم يراع حقوق المؤمن لا العقاب عليها كما لا يخفي علي من لاحظ الحقوق الثلاثين المذكورة في رواية الكراجكي فالقول بعدم كونه حقا للناس بمعني وجوب البراءة نظير الحقوق المالية لا يخلو عن قوة و إن كان الاحتياط في خلافه بل لا

يخلو عن قرب من جهة كثرة الأخبار الدالة علي وجوب الاستبراء منها، بل اعتبار سند بعضها، و الاحوط الاستحلال ان تيسر و الا فالاستغفار غفر الله لمن اغتبناه و لمن اغتابنا بحق محمد و آله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

______________________________

و يؤيده ما في دعاء الإمام السجاد عليه السلام يوم الاثنين المتقدم.

فتحصل: ان الأظهر ان كفارتها الاستحلال إن أمكن و إلا فالاستغفار له.

(1) قوله الا بالاستحلال خاصه.

قد عرفت ما في هذا الاستصحاب و علي فرض جريانه فهو يقتضي عدم الخروج من العقاب الا بالاستحلال و الاستغفار له فلا وجه للتخصيص بالأول، اللهم إلا أن تكون كفاية الاستحلال في حصول البراءة قطعية.

(2) قوله ليس إلا الأخبار غير النقية السند أورد عليه المحقق الإيرواني بأنه بعد اعترافه بأنها مستفيضة لا محل للمناقشة في السند.

و فيه: ما تقدم من أن المستفيض من قسم الآحاد.

(3) قوله كانت الدلالة ضعيفة. هذا انما يتطرق في بعضها لا جميعها كما مر.

(4) قوله و الا حوط الاستحلال. قد تقدم ان هذا هو الاقوي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 39

الثالث: فيما استثني من الغيبة و حكم بجوازها بالمعني الأعم. (1)

فاعلم أن المستفاد من الأخبار المتقدمة و غيرها ان حرمة الغيبة لأجل انتقاص المؤمن و تأذيه منه، فاذا فرض هناك مصلحة راجعة الي المغتاب (بالكسر) او (بالفتح) أو ثالث دل العقل او الشرع علي كونها أعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول فيه وجب كون الحكم علي طبق أقوي المصلحتين كما هو الحال في كل معصية من حقوق الله و حقوق الناس، و قد نبه عليه غير واحد (1) قال في جامع المقاصد بعد ما تقدم عنه في تعريف الغيبة: ان ضابط الغيبة المحرمة كل فعل

يقصد به هتك عرض المؤمن او التفكه به او اضحاك الناس منه، و أما ما كان لغرض صحيح فلا يحرم كنصح المستشير و التظلم و سماعه و الجرح و التعديل ورد من ادعي نسبا ليس له و القدح في مقالة باطلة خصوصا في الدين، انتهي.

و في كشف الريبة، اعلم أن المرخص في ذكر مساوي الغير غرض صحيح لا يمكن التوصل اليه الا بها انتهي. و علي هذا فموارد الاستثناء لا ينحصر في عدد.

______________________________

مستثنيات الغيبة
اشارة

(1) قوله الثالث: فيما استثني من الغيبة و حكم بجوازها بالمعني الأعم.

قد يقال كما عن جماعة منهم المصنف قدس سره: انه اذا كان الاغتياب لغرض صحيح كنصح المستشير و التظلم و نحوهما لا يحرم، و ضابط الغيبة المحرمة كل فعل يقصد به هتك عرض المؤمن او التفكه به او اضحاك الناس منه.

(2) و استدل له المصنف قدس سره بأن المستفاد من النصوص و غيرها ان حرمة الغيبة لأجل انتقاص المؤمن و تأذيه منه، فاذا فرض هناك مصلحة راجعة الي المغتاب (بالكسر او بالفتح) او ثالث دل العقل او الشرع علي كونها أعظم من مصلحة احترام المؤمن بترك ذلك القول فيه وجب كون الحكم علي طبق أقوي المصلحتين كما هو الحال في كل معصية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 40

______________________________

من حقوق الله و حقوق الناس، و ارتضاه الأستاذ الأعظم.

و فيه: أولا: ان كون الانتقاص و التأذي تمام مناط حرمة الغيبة غير محرز، إذ من المحتمل دخل شي ء آخر فيه كحفظ اللسان عن التعرض لاعراض الناس أو غيره.

و ثانيا: ان إحراز أهمية المصلحة الطارئة مع عدم ورود النص بها في غاية الاشكال لعدم معلومية مقادير المصالح لنا.

و ثالثا: انه قد تقدم في مستثنيات الغناء: ان

الترجيح بالأهمية انما هو في ما اذا وقعت المزاحمة بين الدليلين في مرحلة الامتثال من دون أن يكون أحدهما مربوطا بالآخر مطلقين في مقام الجعل و انه إذا كان الدليلان متعارضين بالعموم من وجه و كان الدليلان في مقام الجعل متصادقين علي مورد في الخارج، لا بد من الرجوع الي مرجحات باب المعارضة و عليه ففي المقام يقع التعارض بين دليل حرمة الغيبة و الدليل المتكفل لبيان حكم ذلك العنوان الطاري مثل نصح المستشير و نحوه، فلا مورد للرجوع الي مرجحات باب المزاحمة، بل يتعين الرجوع الي مرجحات إحدي الروايتين علي الاخري.

و الغريب ان الأستاذ الأعظم مع اعترافه بجميع ما ذكرناه في ذلك المبحث استحسن ما ذكره المصنف قدس سره في المقام.

نعم لو كان مرادهما ما اذا كان هناك مصلحة أعظم من مفسدة الغيبة في فعل آخر متوقف علي الغيبة لاما اذا كان في عنوان منطبق عليها صح ما ذكراه من الكبري الكلية كما حققناه في محله، لكنه خلاف ظاهر كلام الشيخ الأعظم إذ الظاهر منه ارادة بيان حكم الصورة الثانية.

و قد استدل للجواز في صورة طرو عنوان ذي مصلحة عليها: بعدم صدق الغيبة معه موضوعا لأخذ قصد الانتقاص في مفهومها.

و فيه: ما عرفت من عدم تمامية المبني، فالأظهر انه لا تتم هذه الكلية.

نعم فيما إذا أحرز من الخارج وجود ملاك ذلك العنوان في المجمع و أحرز أهميته لا محالة تجوز الغيبة كما إذا توقف حفظ النفس المحترمة عليها، بل قد تجب حينئذ.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 41

نعم الظاهر استثناء موضعين لجواز الغيبة من دون مصلحة،
اشارة

أحدهما ما اذا كان المغتاب متجاهرا بالفسق (1) فإن من لا يبالي بظهور فسقه بين الناس لا يكره ذكره بالفسق. (2) نعم لو كان في مقام ذمه

كرهه من حيث المذمة لكن المذمة علي الفسق المتجاهر به لا تحرم كما لا يحرم لعنه.

و قد تقدم عن الصحاح أخذ المستور في المغتاب (3) و قد ورد في الأخبار المستفيضة جواز غيبة المتجاهر منها قوله عليه السلام في رواية هارون بن الجهم اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة. (4)

______________________________

غيبة المتجاهر بالفسق

و كيف كان: فقد ذكر الأصحاب موردين لجواز الغيبة من غير مصلحة:

(1) أحدهما: ما اذا كان المغتاب متجاهرا بالفسق.

و قد استدل لاستثنائه بوجوه:

(2) الأول: ان غير المبالي بظهور فسقه لا يكره ذكره به.

(3) الثاني: ان المأخوذ في مفهوم الغيبة كون المقول أمرا مستورا، فمع كون الفاسق متجاهرا بفسقه لا يصدق الغيبة علي ذكر المقول فيه به.

الثالث: جملة من النصوص.

(4) منها: خبر هارون بن الجهم عن الإمام الصادق عليه السلام اذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة «1» المذكور في المتن.

و دلالته علي المدعي ظاهرة، و قد ناقش فيه الأستاذ الأعظم بأنه ضعيف السند لأحمد بن هارون.

و فيه: انه قد صرح جماعة بأنه من مشايخ الصدوق و أكثر من الرواية عنه مترضيا، و عليه فخبره معتبر.

______________________________

(1) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 42

و قوله من ألقي جلباب الحياء فلا غيبة له (1) و رواية أبي البختري ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوي مبتدع، و الإمام الجائر، و الفاسق المعلن بفسقه (2)

و مفهوم قوله عليه السلام: من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته و وجبت أخوته و ظهر عدله و حرمت غيبته. (3)

______________________________

(1) و منها: النبوي من القي جلباب الحياء فلا غيبة له

«1».

و المراد به ليس القاء جلباب الحياء في الأمور العادية غير اللائقة بشأنه كأكل العالم في السوق و نحوه، و لا إلقاء جلباب الحياء بينه و بين ربه، بل المراد به إعلان الفاسق بفسقه و ارتكاب الفاحشة علنا.

و فيه: انه ضعيف السند.

(2) و منها خبر أبي البختري عن مولانا الصادق عليه السلام ثلاثة ليس لهم حرمة:

صاحب هوي مبتدع، و الإمام الجائر، و الفاسق المعلن بفسقه «2».

و قريب من هذا المضمون ما في جملة من المراسيل، الا انها بأجمعها ضعيفة السند، أما ضعف المراسيل فواضح، و أما خبر أبي البختري فلأن الظاهر منه هو وهب بن وهب الذي ضعفه كل من تعرض له، و لا أقل من احتمال أن يكون هو المراد به في المقام، مع انه عرفت ان عدم الحرمة أعم من جواز الغيبة، إذ كون مناط حرمة الغيبة الاحترام غير ثابت.

(3) و منها: خبر سماعة بن مهران عن مولانا الصادق عليه السلام من عامل الناس فلم يظلمهم، و حدثهم فلم يكذبهم، و وعدهم فلم يخلفهم كان ممن حرمت غيبته و كملت مروته و ظهر عدله و وجبت أخوته «3».

و رواه الصدوق قدس سره بأسانيد، و الطبرسي في صحيفة الرضا عليه السلام و تقريب الاستدلال به: ان الظاهر من قوله: عامل الناس … الخ جريان سيرته علي عدم الظلم و جريان عادته

______________________________

(1) المستدرك، باب 134، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 5.

(3) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 43

و في صحيحة ابن أبي يعفور الواردة في بيان العدالة (1) بعد تعريف العدالة، ان الدليل علي ذلك أن يكون ساترا لعيوبه

حتي يحرم علي المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته دل علي ترتب حرمة التفتيش علي كون الرجل ساترا فينتفي عند انتفائه.

______________________________

علي ذلك، و علي عدم الكذب، و عدم خلف الوعد، و عليه فمفهومه ان من لم تجر سيرته و عادته علي ذلك بأن كان من عادته الظلم و خلف الوعد و الكذب في الحديث لا يحرم غيبته، و من البديهي ان من جرت عادته علي ذلك يكون لا محالة متجاهرا بالفسق.

و بما ذكرناه ظهر وجه جعل قوله عليه السلام من عامل الناس … الخ كاشفا عن العدالة، فإن من جرت عادته في الأمور المذكورة لا محالة تكون فيه ملكة العدالة الموجبة لذلك.

و قد أورد عليه الأستاذ الأعظم: بأنه ضعيف السند لعثمان بن عيسي.

و فيه: ان أقوال أئمة الرجال و إن اختلفت بالنسبة اليه الا ان الظاهر كون حديثه من الموثق.

فالصحيح أن يورد علي الاستدلال به: انه لا مفهوم للقضية الا علي القول بثبوت المفهوم للوصف، و دعوي ان من الموصولة متضمنة لمعني الشرطية، ممنوعة، بل الظاهر منها ان الأمور المذكورة كلها قيود للموضوع، و إن القضية مسوقة لبيان مجرد نسبة المحمول الي الموضوع، مضافا الي انه لو كان لها مفهوم فانما هو ان من لم تجر عادته علي عدم الظلم و عدم الكذب و عدم خلف الوعد يجوز غيبته، لا ان من جرت عادته علي الظلم و اخويه حكمه ذلك، و عليه فهو يدل علي جواز غيبة غير العادل و إن لم يكن متجاهرا بالفسق، و هذا مما لم يلتزم به أحد، مع ان الجزاء عبارة عن مجموع الأمور الأربعة التي ذكرها عليه السلام علي سبيل العموم المجموعي، فبانتفاء المقدم ينتفي المجموع الملائم مع

بقاء بعضها، فلعل المنفي خصوص العدالة.

(1) و منها: صحيح «1» ابن أبي يعفور عن مولانا الصادق عليه السلام الوارد في بيان

______________________________

(1) الوسائل، باب 41، من أبواب الشهادات، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 44

و مفهوم قوله عليه السلام في رواية علقمة المحكية عن المحاسن من لم تره بعينك يرتكب ذنبا، و لم يشهد عليه شاهدان فهو من أهل العدالة و الستر و شهادته مقبولة، و إن كان في نفسه مذنبا و من اغتابه بما فيه فهو خارج عن ولاية الله تعالي داخل في ولاية الشيطان، الخبر. (1)

دل علي ترتب حرمة الاغتياب و قبول الشهادة علي كونه من أهل الستر (2) و كونه من أهل العدالة علي الطريق اللف و النشر أو علي اشتراط الكل بكون الرجل غير مرئي منه المعصية و لا مشهودا عليه بها، و مقتضي المفهوم جواز الاغتياب مع عدم الشرط خرج منه غير المتجاهر، و كون قوله و من اغتابه الخ، جملة مستأنفة غير معطوفة علي الجزاء خلاف الظاهر.

______________________________

العدالة بعد ما بين حقيقة العدالة، و الدلالة علي ذلك أن يكون ساترا لجميع عيوبه حتي يحرم علي المسلمين ما وراء ذلك من عثراته «1» فإن مفهومه إن من لم يكن ساترا لعيوبه لا يحرم التفتيش عن حاله بالسؤال عن جيرانه و معاشريه و غيرهم عن معاصيه.

و فيه: أولا: ان التفتيش تارة يكون بالسؤال عن المطلع علي حاله، و اخري بغيره فلا تلازم بين جواز التفتيش و جواز الغيبة.

و ثانيا: ان الستر للعيوب في الخبر جعل طريقا الي ثبوت العدالة، فالمراد به الستر عند من يريد ترتيب آثار العدالة، حتي انه لو رأي منه ذنبا خرج عن هذا الستر و إن كان غير متجاهر

بالفسق، و عليه فمفهومه جواز غيبة الفاسق مطلقا.

(1) و منها: خبر علقمة المحكي عن المحاسن عن سيدنا الصادق عليه السلام المذكور في المتن.

و قد استدل به المصنف قدس سره بتقريبين:

(2) الأول: انه دل علي ترتب عدم جواز الغيبة علي كون الرجل غير مرئي منه المعصية و لا مشهودا عليه بها، و مقتضي المفهوم جواز الاغتياب مع عدم الشرط، خرج منه غير المتجاهر.

الثاني: انه دل علي ترتب قبول الشهادة علي كونه من أهل الستر فمفهومه جواز غيبة غير المتستر، و هو المتجاهر بالفسق.

______________________________

(1) الوسائل، باب 41، من أبواب الشهادات، حديث 13.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 45

ثمّ ان مقتضي اطلاق الروايات جواز غيبة المتجاهر في ما تجاهر به و لو مع عدم قصد غرض صحيح (1) و لم أجد من قال باعتبار قصد الغرض الصحيح و هو ارتداعه عن المنكر. نعم تقدم عن الشهيد الثاني احتمال اعتبار قصد النهي عن المنكر في جواز سب المتجاهر مع اعترافه بأن ظاهر النص و الفتوي عدمه.

______________________________

و لكن: يرد علي الاستدلال به.

أولا: انه ضعيف السند لعلقمة.

و ثانيا: انه لا مفهوم له لعدم حجية مفهوم الوصف.

و ثالثا: ان الظاهر من الستر ارادة العدالة منه، لأنه عليه السلام رتب كونه من أهل الستر و العدالة علي شي ء واحد و هو حسن الظاهر، فلو كان له مفهوم فإنما هو جواز غيبة الفاسق.

و دعوي ان مفهومه و إن كان ذلك الا انه خرج عنه غير المتجاهر.

ممنوعة، إذ التصرف في المفهوم من دون التصرف في المنطوق غير معقول كما حقق في محله، و التصرف في المنطوق في المقام لا يمكن كما لا يخفي، مع ان الالتزام بذلك مستلزم للقول بعدم مدخلية التجاهر بالفسق في الحكم.

فتحصل: انه

لا يكون في النصوص المعتبرة ما يمكن الاستدلال به الا خبر هارون و لا بأس بالوجهين الأولين ايضا.

فروع

بقي في المقام فروع تعرض لها المصنف قدس سره

(1) قال ثمّ ان مقتضي اطلاق الروايات جواز غيبة المتجاهر في ما تجاهر به و لو مع عدم قصد غرض صحيح.

لاحظ قوله عليه السلام في خبر هارون: إذا جاهر الفاسق بفسقه فلا حرمة له و لا غيبة فان اطلاقه يقتضي عدم الفرق بين أن تكون الغيبة لغرض صحيح أم كانت بقصد الانتقاص، كما ان ما ذكرناه من خروج ذكر المغتاب في ما تجاهر به عن الغيبة موضوعا لعدم كونه اظهارا لما ستره الله يقتضي ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 46

و هل يجوز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به (1) صرح الشهيد الثاني و غيره بعدم الجواز. و حكي عن الشهيد ايضا.

و ظاهر الروايات النافية لاحترام المتجاهر و غير الساتر هو الجواز، و استظهره في الحدائق من كلام جملة من الأعلام و صرح به بعض الأساطين. و ينبغي الحاق ما يتستر به بما يتجاهر فيه إذا كان دونه في القبح، فمن تجاهر باللواط العياذ بالله جاز اغتيابه بالتعرض للنساء الأجانب، و من تجاهر بقطع الطرق جاز اغتيابه بالسرقة، و من تجاهر بكونه جلاد السلطان يقتل الناس و ينكلهم جاز اغتيابه بشرب الخمر، و من تجاهر بالقبائح المعروفة جاز اغتيابه بكل قبيح (2) و لعل هذا هو المراد بمن القي جلباب الحياء لا من تجاهر بمعصية خاصة وعد مستورا بالنسبة الي غيرها كبعض عمال الظلمة.

______________________________

الثاني: ما ذكره المصنف قدس سره بقوله:

(1) هل يجوز اغتياب المتجاهر في غير ما تجاهر به. الأقوال في المسألة ثلاثة:

الأول: ما اختاره صاحب الحدائق و استظهره من

كلام جمع من الأصحاب و صرح به بعض الأساطين و هو الجواز.

الثاني: ما عن جماعة آخرين منهم الشهيد الثاني، و هو عدم الجواز.

(2) الثالث: ما اختاره المصنف قدس سره و هو التفصيل بين المعاصي التي دون ما تجاهر به في القبح و بين غيرها فيجوز في الأولي و لا يجوز في الثاني، فمن تجاهر باللواط جاز اغتيابه بالتعرض لنساء الأجانب، و من تجاهر بقطع الطريق جاز اغتيابه بالسرقة، و من تجاهر بالمعاصي الكبيرة جاز اغتيابه بكل قبيح.

و قد استدل للأول تارة بإطلاق النصوص التي منها خبر هارون المتقدم، فإن مقتضي اطلاق نفي الجنس، هو نفي جميع أفراد الغيبة التي منها غيبته في غير ما تجاهر به فإن نفي الطبيعة نفي لجميع وجوداتها في الخارج.

و اخري: بأن الظاهر من الخبر وروده في مقام بيان الحكم لا بيان نفي الموضوع

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 47

______________________________

و عليه فحيث أن ذكر النقص المتجاهر فيه لا يكون غيبة حقيقة كما تقدم، فيكون الخبر واردا لبيان الرخصة في الغيبة بالنسبة الي غير ما تجاهر فيه.

و لكن يرد عليهما: ان الظاهر من نفي الطبيعة هو نفي الموضوع حقيقة، و حمله علي ارادة النفي التنزيلي و نفي الحكم عن الموضوع خلاف الظاهر لا يصار اليه الا مع القرينة، ككونه نفيا لموضوع واقعي واضح ليس اثباته و نفيه وظيفة الشارع، و لا يكون الموضوع منتفيا بعد نفيه كقوله عليه السلام لا شك لكثير الشك و ليست الغيبة كذلك، فإن للشارع تحديد مفهومها و بيان قيودها، و قد بينها في جملة من النصوص المتقدمة، فلا قرينة صارفة عن ظهور القضية في نفي الموضوع حقيقة، و هو لا يكون الا فيما تجاهر فيه من المعاصي، فلا

يكون مطلقا و لا مختصا بغير ما تجاهر فيه.

مع ان ارادة الأعم من ما تجاهر فيه و غيره غير ممكنة، إذ بالنسبة الي ما تجاهر فيه يكون النفي نفيا للموضوع حقيقة و بالنسبة الي غيره يكون نفيا له تنزيلا- أي نفيا للحكم بلسان نفي الموضوع- و ارادة الأعم مستلزمة لاجتماع اللحاظين في استعمال واحد، فيدور الأمر بين ارادة أحد القسمين، و المتعين هو الأول كما تقدم.

هذا كله في خبر هارون، و أما سائر النصوص فقد عرفت انها ما بين ضعيف السند، و غير الدال علي المطلوب.

و أما الوجهان الأولان فاختصاصهما بخصوص ما تجاهر فيه واضح.

و قد استدل للقول الأخير بوجهين:

الأول: ان مناط جواز غيبة المتجاهر تبين هذه المرتبة من العصيان منه، فيجوز غيبته في الأدون بالأولوية.

الثاني: ما ذكره بعض مشايخنا المحققين قدس سرهم من ان من لا يكره نسبته الي اللواط- العياذ بالله- مثلا لا يكره نسبته الي انه يتفحص عن حرائر النساء و هذه الملازمة بعنوان انه نقص و عيب ثابتة فاذا فرضنا ان أحدا يكره الثاني دون الأول يستكشف منه ان كراهة الثاني ليست متعلقة به بما هو عيب و نقص، فيجوز غيبته فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 48

ثمّ المراد بالمتجاهر، من تجاهر بالقبيح بعنوان انه قبيح فلو تجاهر به مع إظهار محمل له لا يعرف فساده الا القليل، كما اذا كان من عمال الظلمة و ادعي في ذلك عذرا مخالفا للواقع او غير مسموع منه لم يعد متجاهرا. (1)

نعم لو كان اعتذاره واضح الفساد لم يخرج عن المتجاهر.

______________________________

و فيهما نظر:

أما الأول: فلأن كون المناط ما ذكر غير معلوم، بل يحتمل أن يكون المناط عدم كراهة الإظهار، أو عدم كونه إظهارا لما ستره

الله المفروض تحققه في ما تجاهر فيه دون الأدون، مع ان الأولوية لو تمت فإنما هي فيما لو اقتصر علي الأدون دون الجمع بين الغيبتين كما لا يخفي.

و أما الثاني: فلأنه ربما يكون الشخص متجاهرا في معصية كبيرة، كقتل النفوس المحترمة و متسترا فيما هو دونها، و يكره نسبته اليه و يتجنبه كما هو واضح.

فتحصل: ان الأظهر هو اختصاص الحكم بخصوص ما تجاهر فيه، نعم إذا جاهر بمعصية جاز اغتيابه بها و بلوازمها، لأن الالتزام بالشي ء التزام بلوازمه.

(1) الثالث: المراد بالمتجاهر: من تجاهر بالقبح مع علمه بالقبح، و بعلم الناس بصدوره عنه بعنوان انه قبيح، فلو لم يكن عالما بقبحه لشبهة حكمية، كما لو شرب التمر المغلي قبل ذهاب ثلثيه معتقدا اباحته، او لشبهة موضوعية، كما لو شرب الخمر باعتقاد انه ماء، لا يجوز اغتيابه لعدم كونه فاسقا، فضلا عن كونه متجاهرا بالفسق.

كما انه لو اتي به علنا مع العلم بأنه قبيح لكن احتمل عدم اطلاع الناس علي صدور الفعل منه معصية لاحتمالهم في حقه الجهل بالموضوع او الحكم عن قصور لم يكن متجاهرا بالفسق بما هو فسق، بل متجاهر بالفسق من حيث ذاته، و ظاهر الدليل جواز غيبة المتجاهر بالفسق بما هو فسق، فالمتجاهر بالفسق هو من اتي بالمعصية مع علمه بأن المأتي به معصية علنا و علم ان الناس عالمون بأنه عاص بفعله، و ليس له عذر و لو غير موجه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 49

و لو كان متجاهرا عند أهل بلده او محلته مستورا عند غيرهم هل يجوز ذكره عند غيرهم (1) ففيه اشكال من امكان دعوي ظهور روايات الرخصة فيمن لا يستنكف عن الاطلاع علي عمله مطلقا فرب متجاهر في بلد

متستّر في بلاد الغربة او في طريق الحج و الزيارة لئلا يقع عن عيون الناس.

و بالجملة فحيث كان الأصل في المؤمن الاحترام علي الاطلاق وجب الاقتصار علي ما تيقن خروجه، فالاحوط الاقتصار علي ذكر المتجاهر بما لا يكرهه لو سمعه و لا يستنكف من ظهوره للغير. نعم لو تأذي من ذمه بذلك دون ظهوره لم يقدح في الجواز، و لذا جاز سبه بما لا يكون كذبا و هذا هو الفارق بين السب و الغيبة حيث ان مناط الأول المذمة و التنقيص فيجوز، و مناط الثاني اظهار عيوبه فلا يجوز الا بمقدار الرخصة.

______________________________

(1) قوله و لو كان متجاهرا عند أهل بلده او محلته مستورا هذا هو الرابع: و هو انه اذا كان متجاهرا جاز غيبته عند من لا يكون مطلعا علي حاله لعدم كونه اظهارا لما ستره الله، اذ المراد منه اظهار الأمر المستور، فلو كان منكشفا لم يكن من الغيبة، هذا مضافا الي ظهور خبر هارون، فان الظاهر منه ارادة بيان ان في المتجاهر خصوصية ليست في غيره، فلو اقتصر علي ذكره عند من يكون مطلعا علي حاله لزم عدم خصوصية فيه فإن العالم بالحال يجوز الغيبة عنده و لو لم يكن المقول فيه متجاهرا و هذا مما لا إشكال فيه.

انما الكلام في حد التجاهر، و الظاهر انه يصدق مع التجاهر به عند جماعة معتد بهم مع عدم المبالاة باطّلاع غيرهم، فلو تجاهر عند أصحاب سره و رفقائه لا يصدق عليه المتجاهر، كما انه لو تجاهر في بلد الغربة و تستر في بلد نفسه، لا يكون متجاهرا.

الخامس: ان جواز الغيبة يدور مدار بقاء كونه متجاهرا، فلو انتفي عنه المبدأ واخي فسقه و تأذي من ظهوره

تحرم غيبته، إذ بقاء الحكم تابع لبقاء موضوعه، فمع ارتفاع الموضوع يرتفع الحكم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 50

الثاني: تظلم المظلوم (1) و إظهار ما فعل به الظالم و إن كان متسترا به كما اذا ضربه في الليل الماضي و شتمه أو أخذ ماله جاز ذكره بذلك عند من لا يعلم ذلك منه لظاهر قوله تعالي: (و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل علي الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق). (2)

______________________________

تظلم المظلوم
اشارة

(1) قوله الثاني: تظلم المظلوم و اظهار ما فعل به الظالم.

و إن كان متسترا به كما اذا ضربه في الليل الماضي و شتمه أو أخذ ماله جاز ذكره بذلك عند من لا يعلم ذلك منه.

و الظاهر ان جواز اظهار ما فعل الظالم بالمظلوم و إن كان متسترا به إجماعي، و قد استدل له بأمور:

(2) الأول: قوله تعالي: (و لمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل) «1».

بتقريب انه تدل الآية علي ان من صار مظلوما لا سبيل عليه في الانتصار، و من المعلوم انه يتوقف الانتصار علي اظهار ما فعل به من الظلم.

و فيه: ان الانتصار عبارة عن الانتقام، فمفاد الآية الشريفة جواز الانتقام و مجازاة الظالم بالمثل التي دلت عليها الآية التي قبل هذه الآية، و هي جزاء سيئة. سيئة مثلها، فهي اجنبية عن جواز الاغتياب.

فإن قلت: ان الغيبة نحو من الانتقام.

اجبنا: انه لا إطلاق للآية في كيفية الانتقام و لذا لم يتوهم أحد جواز نكاحه لأنه نحو من الانتقام.

______________________________

(1) الشوري، آية 42.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 51

و قوله تعالي لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم. (1)

فعن تفسير القمي أي لا

يحب ان يجهر الرجل بالظلم و السوء و يظلم الا من ظلم فاطلق له ان يعارضه بالظلم.

و عن تفسير العياشي عنه صلي الله عليه و آله من أضاف قوما فأساء اضافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه (2) و هذه الرواية و إن وجب توجيهها اما بحمل الإساءة علي ما يكون ظلما و هتكا لاحترامهم او بغير ذلك الا انها دالة علي عموم من ظلم في الآية الشريفة و ان كل من ظلم فلا جناح عليه فيما قال في الظالم.

______________________________

(1) الثاني: قوله تعالي (لا يحب الله الجهر بالسوء الا من ظلم) «1». فانه يدل علي مرجوحية الجهر بالسوء من القول الذي من أفراده و مصاديقه الغيبة كما تقدم في أول المبحث الا بالنسبة الي المظلوم.

فإن قلت: انكم بنيتم علي عدم دلالة الآية علي عدم جواز الغيبة فكيف تتمسكون بها في المقام؟ أجبنا عنه: بأن هذا الإيراد وارد علي من التزم بعدم كون الغيبة من مصاديق الجهر بالسوء كالمحقق الإيرواني قدس سره و غيره، و لا يرد علينا لانا قلنا انها لا تدل علي عدم جواز الغيبة لأن عدم الحب أعم من الحرمة و عليه فلا مورد لهذا الإيراد كما لا يخفي.

و دعوي ان الاستثناء من عموم السلب، لا يقتضي الا ثبوت الإيجاب الجزئي، و حيث انه لا إطلاق لتلك الجزئية، لعدم ثبوت كونها واردة في مقام البيان من هذه الجهة فيمكن ان يكون الجواز راجعا الي مذمته، و تعييره و تنقيصه فانها من الجهر بالسوء كما في تعليقة بعض مشايخنا المحققين.

مندفعة بما حقق في محله، من انه عند الشك في كون دليل في مقام البيان يبني علي انه كذلك. و عليه فمقتضي

اطلاقه جواز كل فرد من أفراد الجهر بالسوء التي منها الغيبة.

(2) الثالث: ما عن تفسير العياشي عن الفضل بن أبي قرة عن مولانا الصادق عليه السلام

______________________________

(1) النساء، آية 148.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 52

و نحوها في وجوب التوجيه رواية اخري في هذا المعني محكية عن المجمع (1) ان الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه في أن يذكره بسوء ما فعله و يؤيد الحكم فيما نحن فيه ان في منع المظلوم من هذا الذي هو نوع من التشفي حرجا عظيما (2) و لأن في تشريع الجواز مظنة ردع الظالم (3) و هي مصلحة

______________________________

في قول الله عز و جل: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الا من ظلم) من اضاف قوما فأساء ضيافتهم فهو ممن ظلم فلا جناح عليهم فيما قالوا فيه «1».

(1) و ما عن مجمع البيان عنه عليه السلام في قوله تعالي (لا يحب … الخ) إن الضيف ينزل بالرجل فلا يحسن ضيافته فلا جناح عليه في ان يذكر سوء ما فعله «2» بتقريب انهما يدلان علي ان من هتك ضيفه و لم يقم بما يليق بشأنه في مقام الضيافة جاز له أن يذكره بما فعله من السوء.

و فيه: ان الخبرين ضعيفان.

اما الأول فلجهالة حال المفضل.

و أما الثاني: فللإرسال.

(2) الرابع: ان في منع المظلوم من التظلم حرجا عظيما.

و فيه: اولا: ان المراد من دليل نفي الحرج ليس هو الحرج النوعي، بل المراد الحرج الشخصي، فلا ينفع في نفي الحكم كليا.

و ثانيا: ان دليل نفي الحرج انما ينفي الأحكام التي في نفيها امتنان علي الأمة، فالحكم الذي يكون نفيه منة علي شخص و منافيا للامتنان علي الآخر لا يكون مشمولا لدليل نفي

الحرج و المقام من هذا القبيل، لأن جواز الاغتياب مناف للامتنان بالنسبة الي المغتاب بالفتح.

(3) الخامس: ان في تشريع الجواز مظنة ردع الظالم و هي مصلحة خالية عن مفسدة فيثبت الجواز، لأن الأحكام تابعة للمصالح.

و فيه: اولا: ان مقاومة هذه المصلحة لا سيما و هي مظنونة للمفسدة المقطوعة الثابتة في الغيبة ممنوعة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6.

(2) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 53

خالية عن مفسدة فيثبت الجواز لأن الأحكام تابعة للمصالح، و يؤيده ما تقدم من عدم الاحترام للإمام الجائر (1) بناء علي ان عدم احترامه من جهة جوره لا من جهة تجاهره و الا لم يذكره في مقابل الفاسق المعلن بالفسق. و في النبوي لصاحب الحق مقال. (2)

______________________________

و ثانيا: ان لازم هذا الوجه جواز اغتياب كل عاص و إن غير متجاهر و لا ظالم لشخص، فان في تجويزه مظنة الردع. و ثالثا: ان الجواز علي هذا لا يختص بالمظلوم، بل يجوز لكل أحد لعين هذا الوجه.

و رابعا: انه ربما يحصل العلم بأنه لا يرتكب تلك المعصية او انه لا يرتدع من هذا التظلم.

(1) السادس: خبر قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام: ثلاثة ليس لهم حرمة: صاحب هوي مبتدع، و الإمام الجائر، و الفاسق المعلن بالفسق «1».

بتقريب ان نفي الحرمة عن الإمام الجائر من جهة جوره لا من جهة تجاهره و الا لم يذكره في مقابل الفاسق المعلن بالفسق.

و فيه: مضافا الي ضعف سنده و عدم دلالته علي جواز غيبة هذه الثلاثة كما تقدم:

انه يمكن أن يكون جواز غيبة الإمام الجائر، لو ثبت من جهة غصبه حقوق الأئمة و

تصديه مقام الخلافة، مع ان هذا لو تم لدل علي جواز الاغتياب لكل أحد لا خصوص المظلوم، مضافا الي ان الخبر مروي بطريق آخر و فيه توصيف الإمام بالكذب.

(2) السابع: النبوي و لصاحب الحق مقال «2». و فيه: اولا: انه ضعيف السند.

و ثانيا: انه يدل علي ان من ثبت له حق فله مقال، و الكلام في المظلوم انما هو في ثبوت الحق له بعد ما اضيع حقه بالظلم، مع ان المقال الثابت لصاحب الحق لعله اريد به مطالبة ما اضيع به من حقه لا غيبته.

فتحصل: ان شيئا مما استدل به علي جواز غيبة المظلوم لا يدل عليه سوي آية الجهر بالسوء.

______________________________

(1) الوسائل، باب 154، من أبواب أحكام العشرة، حديث 5.

(2) المحجة البيضاء للمحدث الكاشاني، ج 5، ص 270- و كشف الريبة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 54

و الظاهر من جميع ما ذكر عدم تقييد جواز الغيبة بكونها عند من يرجو إزالة الظلم عنه (1) و قواه بعض الأساطين خلافا لكاشف الريبة و جمع ممن تأخر عنه فقيدوه اقتصارا في مخالفة الأصل علي المتيقن من الأدلة لعدم عموم في الآية و عدم نهوض ما تقدم في تفسيرها للحجية مع ان المروي عن الباقر عليه السلام في تفسيرها المحكي عن مجمع البيان (2) انه لا يحب الشتم في الانتصار الا من ظلم، فلا بأس له ان ينتصر ممن ظلمه بما يجوز الانتصار به في الدين. قال في الكتاب المذكور و نظيره (و انتصروا من بعد ما ظلموا) و ما بعد (3) الآية لا يصلح للخروج بها عن الأصل الثابت بالأدلة العقلية و النقلية و مقتضاه الاقتصار علي مورد رجاء تدارك الظلم فلو لم يكن قابلا للتدارك لم يكن

فائدة في هتك الظالم.

______________________________

(1) و هل يقيد جواز الغيبة بكونها عند من يرجو ازالة الظلم عنه كما عن جماعة، منهم كاشف الريبة و المحقق السبزواري و المحقق النراقي في المستند، و السيد العاملي في مفتاح الكرامة.

أم يجوز مطلقا كما عن جماعة آخرين منهم كاشف الغطاء في شرحه علي القواعد و ظاهر المتن وجود القائل غيره قولان:

اقواهما: الثاني، لأن مقتضي الآية الشريفة (لا يحب الله الجهر … الخ التي عرفت) دلالتها علي جواز اغتياب المظلوم باظهار ما فعل به الظالم جواز الغيبة حتي عند من لا يرجو ازالة الظلم عنه.

و ما ذكره الشهيد قدس سره و تبعه بعض مشايخنا المحققين قدس سرهم من انه لا عموم في الآية ليتمسك به في اثبات الإباحة مطلقا.

غير تام، إذ قد عرفت ان الآية الشريفة مطلقة، و بمقتضي مقدمات الحكمة تفيد العموم.

(2) قد استدل للأول في المتن بالخبر المروي «1» عن الإمام الباقر عليه السلام في تفسير الآية الشريفة.

و قد مر انه لا يصح الاستناد الي ذلك الكتاب.

(3) قوله و ما بعد الآية لا يصلح للخروج بها عن الأصل.

______________________________

(1) مجمع البيان، ج 2، ص 131.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 55

و كذلك لو لم يكن ما فعل به ظلما بل كان من ترك الأولي (1) و إن كان يظهر من بعض الأخبار جواز الاشتكاء لذلك فعن الكافي و التهذيب بسندهما عن حماد بن عثمان (2) قال: دخل رجل علي أبي عبد الله عليه السلام فشكي رجلا من أصحابه فلم يلبث ان جاء المشكو عليه، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: ما لفلان يشكوك، فقال:

يشكوني اني استقضيت منه حقي فجلس أبو عبد الله عليه السلام مغضبا فقال: كأنك اذا استقضيت حقك

لم تسئ أ رأيت قول الله تعالي (و يخافون سوء الحساب)، أ تري انهم خافوا الله عز و جل ان يجور عليهم لا و الله ما خافوا الا الاستقضاء فسماه الله عز و جل سوء الحساب، فمن استقضي فقد أساء.

______________________________

الظاهر كما قيل أراد بما بعد الآية المؤيدات التي ذكرها، و انما عبر عنها بعنوان كونها بعد الآية مع كونها بعد الاخبار، لكون الاخبار واردة في تفسيرها فهي من توابع الآية و لواحقها، فالأظهر عدم تقييد الجواز بكونها عند من يرجو ازالة الظلم عنه.

الغيبة في ترك الأولي

(1) و هل يجوز الغيبة لو لم يكن ما فعل به ظلما بل كان من ترك الاولي أم لا؟ وجهان:

قد استدل لجواز الاغتياب بترك الاولي بوجوه:

(2) الأول: خبر حماد بن عثمان المذكور في المتن «1».

فانه يدل بالتقرير علي جواز الشكوي من الدائن لتركه الأولي بالمطالبة و عدم الإمهال في قضاء الدين الذي هو من المستحبات، و احتمال ردع الإمام عليه السلام عن ذلك و عدم نقله لنا ضعيف لا يعبأ به.

كما ان دعوي ضعف السند لمعلي بن محمد لا تسمع، إذ الظاهر انه حسن اقلا.

و لكن يرد علي الاستدلال به: ان الظاهر منه كون المديون معسرا لا يجوز المطالبة منه، او كونه لا يجب عليه الأداء لغير ذلك، و معلوم ان طلب الأداء حينئذ ظلم و تعد علي

______________________________

(1) الوسائل، باب 16، من أبواب الدين و القرض، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 56

(1) و مرسلة ثعلبة بن ميمون المروية عن الكافي قال: كان عنده قوم يحدثهم إذ ذكر رجل منهم رجلا فوقع فيه و شكاه، فقال له أبو عبد الله عليه السلام: و اني لك بأخيك الكامل أي الرجل المهذب. فإن الظاهر

من الجواب ان الشكوي انما كانت من ترك الأولي الذي لا يليق بالأخ الكامل المهذب.

______________________________

المديون تباح معه الغيبة كما تقدم.

و الشاهد علي ما ذكرناه امور:

الأول: قوله عليه السلام في ذيل الخبر فمن استقضي فقد اساء. فان المطالبة من المديون الموسر المتمكن من الأداء مع وجوبه عليه ليست اساءة قطعا.

الثاني: عدم أمر الإمام عليه السلام المديون بأداء الدين، و لو كان موسرا و لم يكن محذور في الأداء لأمره به.

الثالث: تشديد الإمام علي المشكو.

و لو اغمضنا عن ما ذكرناه من الظهور فلا أقل من كونه مجملا لا يمكن الاستدلال به.

(1) الوجه الثاني: مرسل ثعلبة بن ميمون عمن ذكره عن مولانا الصادق عليه السلام المروي في الكتاب «1». فإن الظاهر من الجواب ان الشكوي انما كانت من ترك الأولي الذي لا يليق بالأخ الكامل المهذب.

و فيه: أولا: انه ضعيف السند للإرسال.

و ثانيا: ان قوله عليه السلام: و اني لك … الخ يمكن ان يكون ردعا و انتصارا للمغتاب (بالفتح) فليس هناك تقرير من المعصوم عليه السلام كي يستدل به.

الثالث: ما أفاده المحقق الإيرواني قدس سره و هو التمسك بما ورد في ذكر الضيف مساوئ الضيافة المتقدم، بدعوي انه يدل علي ان عدم القيام بالحقوق المستحبة التي منها حسن الضيافة نوع من الظلم، و يكون الخبر دالا علي ان الآية الشريفة تعم كلا الظلمين، و انه يجوز للمظلوم اغتياب ظالمه بكل من الظلمين.

______________________________

(1) الوسائل، باب 56، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 57

و مع ذلك كله فالأحوط عد هذه الصورة من الصور العشر الآتية التي رخص فيها في الغيبة لغرض صحيح أقوي من مصلحة احترام المغتاب كما ان الأحوط جعل الصورة السابقة خارجة عن

موضوع الغيبة بذكر المتجاهر بما لا يكره نسبته اليه من الفسق المتجاهر به، و إن جعلها من تعرض لصور الاستثناء منها

فيبقي من موارد الرخصة لمزاحمة الغرض الأهم صور تعرضوا لها. (1)
اشارة

______________________________

و فيه: مضافا الي ما تقدم من ضعف السند: انه قد مر أن الظاهر من الخبر ارادة هتك الضيف و إهانته لا ترك الأولي، مع ان دعوي ان عدم القيام بالحقوق المستحبة نوع من الظلم كما تري.

فالصحيح ان يستدل للجواز: بأن ترك الأولي ليس سوء فلا يدخل ذكره في الغيبة لما تقدم من اعتبار كون المقول نقصا و عيبا.

ضابط الغيبة الجائزة

(1) و قد ذكر الأصحاب موارد عديدة لجواز الغيبة: و تنقيح القول فيها:

ان ما ذكره الأصحاب من مستثنيات الغيبة تندرج في واحد من العناوين الأربعة، أو يتوهم اندراجه فيه:

الأول: ما كان خارجا عنها موضوعا، كغيبة المتجاهر بالفسق المتقدم و بعض المستثنيات المذكورة في المكاسب التي ستمر عليك.

الثاني: ان ينطبق علي الغيبة عنوان ذو مصلحة أهم من مفسدة الغيبة، و قد ذكر المصنف قدس سره لذلك موارد و ستعرف ما فيها.

الثالث: ما اذا توقف واجب أهم عليها كحفظ النفس المحترمة او صيانة العرض او نحو ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 58

(1) منها نصح المستشير فان النصيحة واجبة للمستشير. (2)

______________________________

الرابع: ما كان خارجا عن حكم الغيبة بالتخصيص، و هو علي أقسام:

الأول: ما يكون خارجا بدليل مختص به كتظلم المظلوم المتقدم.

الثاني: ان يكون الخروج بأدلة نفي الضرر و الحرج.

الثالث: ان ينطبق علي الغيبة عنوان واجب في نفسه، و كانت النسبة بين الدليلين عموما من وجه، و قدم دليل ذلك الواجب لوجود أحد المرجحات فيه.

هذا كله بحسب الكبري،.

و أما الصغري فقد ذكروا لها موارد.

نصح المستشير

(1) منها: نصح المستشير.

و تنقيح القول فيه بالبحث في موردين:

الأول في وجوبه و عدمه.

الثاني: في جواز نصح المستشير و إن اوجب الوقيعة و الغيبة. أما الأول ففي الكتاب.

(2) ان النصيحة واجبة للمستشير.

و لكن الظاهر ان النصح غير واجب فان ما استدل به لوجوبه بين ما هو ضعيف السند، و غير دال علي وجوبه، و ما لا ربط له به.

اذ قد استدل له بما دل علي حرمة خيانة المؤمن لاخيه «1».

و بما دل علي وجوب نصح المؤمن ابتداء «2».

و بالنصوص الآمرة بقضاء حاجة المؤمن «3» لأن النصح نوع منها.

و بما ورد في خصوص نصح المستشير «4».

و

شي ء منها لا يصلح مستند للوجوب.

______________________________

(1) الوسائل، باب 3، من أبواب الوديعة.

(2) الوسائل، باب 122، من أبواب أحكام العشرة.

(3) الوسائل، باب 25، من أبواب فعل المعروف.

(4) الوسائل، باب 23، من أبواب أحكام العشرة و باب 35، من أبواب فعل المعروف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 59

فإن خيانته قد تكون أقوي مفسدة من الوقوع في المغتاب. (1)

______________________________

أما الأول: فلأنه لا ملازمة بين حرمة الخيانة، و وجوب النصح لامكان رده الي غيره.

و أما الثاني: فهو محمول علي الاستحباب للإجماع علي عدم وجوب النصح ابتداء.

و به يظهر ما في الثالث.

و أما الرابع: فما تضمن من تلك النصوص الأمر به ضعيف السند، و غيره انما تضمن ترتب المفسدة الدنيوية من سلب اللب و الرأي علي ترك النصح، و هو لا يدل علي أزيد من الاستحباب.

فالأظهر عدم وجوبه، نعم تحرم الخيانة للنصوص الدالة عليها.

و أما الثاني فقد استدل لجواز نصح المستشير و إن أوجب الوقيعة و الغيبة، بوجوه:

الأول: ما ذكره الأستاذ الأعظم- مبتنيا علي وجوبه- و هو ان دليلي وجوب النصح و حرمة الغيبة من قبيل المتزاحمين لا المتعارضين، فإن الغيبة في موارد الاجتماع مأخوذة في مقدمات النصح، و انه يتولد منها و يتوقف عليها، نظير توقف انقاذ الغريق علي التصرف في ملك الغير، و عليه فيتصف كل من النصح و الغيبة بالأحكام الخمسة حسب اختلاف الموارد بقوة الملاك و ضعفه.

و فيه: ان النصح الواجب علي المكلف في موارد الاجتماع انما يكون من العناوين المنطبقة علي الغيبة لا المتولدة منها المتوقفة عليها، إذ لا وجود للتنبيه علي معايب من يريد المستشير تزويجها مثلا- الذي هو نصحه- الا ببيان ما فيها من المعايب المستورة الذي هو غيبة، فالدليلان من قبيل المتعارضين.

(1) الثاني:

ما هو ظاهر المصنف قدس سره و هو: ان حرمة الغيبة لأجل انتقاص المؤمن و تأذيه منه، و حيث ان خيانة المستشير قد تكون أقوي مفسدة من الوقوع في المغتاب فلا محالة تسقط حرمتها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 60

و كذلك النصح من غير استشارة فإن من أراد تزويج امرأة و أنت تعلم بقبائحها التي توجب وقوع الرجل من أجلها في الغيبة و الفساد فلا ريب ان التنبيه علي بعضها، و إن أوجب الوقيعة فيها أولي من ترك نصح المؤمن مع ظهور عدة من الأخبار في وجوبه.

______________________________

و فيه: ما تقدم في أول هذا المبحث، من انه في موارد اجتماع عنوانين الذين كل منهما محكوم بحكم ينافي حكم الآخر لا سبيل الي الرجوع الي مرجحات باب المزاحمة و رعاية أقوي الملاكين، و ليست من موارد تزاحم المقتضيين.

مع انه لو سلم كونها من هذه الموارد لا سبيل الي الحكم بالجواز بقوة الملاك، إذ لا طريق الي معرفة المناطين بما لهما من الحد كي يعرف الراجح منهما.

الثالث: ما ورد في استشارة فاطمة بنت قيس النبي في أن تصير زوجة معاوية أو أبي جهم من انه قال صلي الله عليه و آله: أما معاوية فصعلوك لا مال له، و أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه، انكحي اسامة، حيث انه صلي الله عليه و آله تعرض لما يكرهه الخاطبان «1».

و فيه: انه لو سلم سند الخبر، ان دلالته علي المطلوب تتوقف علي كون ما ذكره النبي صلي الله عليه و آله عيبا مستورا، مع ان كونه عيبا، و علي فرضه كونه مستورا، محل تأمل و نظر.

الرابع: ان النسبة بين دليلي حرمة الغيبة، و مطلوبية النصح عموم من وجه، و

هما من قبيل المتعارضين، فيتعين الرجوع الي مرجحات باب المعارضة، بناء علي ما هو الحق من انها المرجع عند تعارض الدليلين بالعموم من وجه، و الترجيح مع دليل النصح لكونه أشهر. فتأمل.

فتحصل: ان الأظهر كون المورد داخلا في القسم الثالث من العنوان الرابع. و لا فرق فيما ذكرناه بين كون النصح واجبا أم لا، كما هو واضح.

______________________________

(1) المستدرك، باب 134، من أبواب أحكام العشرة، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 61

و منها الاستفتاء بأن يقول للمفتي ظلمني فلان حقي فكيف طريقي في الخلاص (1) هذا إذا كان الاستفتاء موقوفا علي ذكر الظالم بالخصوص و الا فلا يجوز، و يمكن الاستدلال عليه بحكاية (2) هند زوجة أبي سفيان و اشتكائها الي رسول الله صلي الله عليه و آله و قولها انه رجل شحيح لا يعطيني ما يكفيني و ولدي، فلم يرد صلي الله عليه و آله عليها غيبة أبي سفيان، و لو نوقش في هذا الاستدلال بخروج غيبة مثل أبي سفيان عن محل الكلام أمكن الاستدلال بصحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله صلي الله عليه و آله قال: (3) جاء رجل الي النبي صلي الله عليه و آله فقال: ان أمي لا تدفع يد لامس، فقال: احبسها.

قال: قد فعلت، قال صلي الله عليه و آله: فامنع من يدخل عليها، قال: قد فعلت، قال صلي الله عليه و آله: فقيدها فانك لا تبرها بشي ء أفضل من أن تمنعها عن محارم الله عز و جل الخبر.

______________________________

الاغتياب في مواضع الاستفتاء

(1) قوله و منها: الاستفتاء بأن يقول للمفتي: ظلمني فلان حقي فكيف طريقي في الخلاص.

و قد استدل للجواز في هذا المورد بروايتين:

(2) الأولي النبوي، المذكور في المتن «1». حيث

انه صلي الله عليه و آله لم يزجرها عن غيبة أبي سفيان.

و فيه: اولا: انه ضعيف السند للإرسال.

و ثانيا: انه يحتمل أن يكون عدم الردع لمعروفية أبي سفيان بهذه الصفة، أو لكونه ممن لا تحرم غيبته رأسا لكفره.

و ثالثا: انه من موارد تظلم المظلوم، اللهم إلا أن يقال إن الخبر متضمن للغيبة في غير ما وقع التظلم منه، و هو صفة البخل.

(3) الثانية: صحيحة ابن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام المذكور في المتن «2».

______________________________

(1) المستدرك، باب 134، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4.

(2) الوسائل، باب 48، من أبواب حد الزنا، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 62

و احتمال كونها متجاهرة بالفسق مدفوع بالأصل. (1)

______________________________

و فيه: أولا: انه يحتمل أن يكون المورد داخلا في موارد غيبة المجهول، إذ المرأة لم تكن معروفة عند النبي صلي الله عليه و آله، و مجرد كونها اما للسائل لا يوجب صيرورتها معلومة معينة.

و ثانيا: ان الظاهر من الخبر انها كانت متجاهرة بالفسق و الزنا، و غيبة المتجاهر جائزة، علي انه حيث يكون الخبر متكفلا لبيان قضية شخصية يكفي لعدم جواز التعدي احتمال كونها متجاهرة.

(1) و ما ذكره المصنف قدس سره من انه مدفوع بالأصل.

يرد عليه: ان هذا الأصل لا يثبت به كونها كارهة لذكرها به، الا علي القول بالأصل المثبت، و مع عدم اثباته لا يكون ذكرها مشمولا لأدلة حرمة الغيبة لما عرفت من اعتبار الكراهة في صدقها.

هذا إذا اريد به الاستصحاب، و إن أريد به ان ظاهر حال المسلم أن يكون كارها لذكر عيبه.

فيرد عليه: انه لا دليل علي حجية مثل هذا الظهور.

و ثالثا: انه لم يذكر في الخبر كون ام السائل مسلمة، و لعلها كانت كافرة، و

مجرد الاحتمال يكفي في عدم جواز التعدي.

و الحق ان يستدل لجواز الغيبة في مواضع الاستفتاء إذا كان المسئول عنه محل الابتلاء و لم يتمكن السائل من السؤال الا بتسمية المغتاب، انه حينئذ يقع التزاحم بين ما دل علي وجوب تعلم الأحكام الشرعية التي تكون محل الابتلاء و ما دل علي حرمة الغيبة، إذ هما لا يتصادقان علي مورد واحد، فان السؤال الذي تنطبق عليه الغيبة مقدمة للتعلم الواجب لا انه مصداقه، و الفرض ان المكلف لا يتمكن من امتثالهما معا، فيتعين الرجوع الي مرجحات باب التزاحم.

و هي تقتضي تقديم دليل التعلم لأهمية وجوبه من حرمة الغيبة، إذ يترتب علي عدم التعلم اضمحلال الدين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 63

(1) و منها قصد ردع المغتاب عن المنكر الذي يفعله، فانه اولي من ستر المنكر عليه فهو في الحقيقة إحسان في حقه. (2) مضافا الي عموم أدلة النهي عن المنكر. (3)

______________________________

الاغتياب بقصد ردع المغتاب عن المنكر

(1) و منها: قصد ردع المغتاب عن المنكر الذي يفعله.

و قد استدل في المكاسب لجواز الغيبة في هذا المورد بوجهين:

(2) الأول: ان الغيبة في هذا الموضع احسان في حق المغتاب.

(3) الثاني: عموم أدلة النهي عن المنكر و فيهما نظر:

اما الأول: فمضافا الي كونه أخص من المدعي، إذ ربما لا يرتدع المغتاب عن المنكر و المغتاب (بالكسر) يعلم بذلك، فحينئذ لا يكون اغتيابه احسانا في حقه.

ان الإحسان انما يكون مطلوبا للشارع اذا لم يكن بالأمر المحرم و مطلوبيته مقيدة بعدم ترك الواجب و فعل الحرام.

و دعوي انه اذا كان الغرض من ذكر العيب الإحسان الي المغتاب (بالفتح) لا يصدق عليه الغيبة لعدم قصد الانتقاص حينئذ.

مندفعة بما تقدم من عدم أخذ قصد الانتقاص في مفهومها.

و دعوي عدم كراهة ذكره

اذا كان بهذا القصد، ممنوعة.

و أما الثاني: فلأن النهي عن المنكر واجب، و لكن لا بالمنكر و الا لجاز الزنا بزوجة الزاني لردعه عن فعله.

نعم اذا كان المنكر من الأمور المهمة من قتل النفس المحترمة و شبهه و توقف ردعه علي الغيبة

جازت لما ثبت بالأدلة العقلية و النقلية من وجوب الردع بأي نحو أمكن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 64

و منها قصد حسم مادة فساد المغتاب عن الناس (1) كالمبتدع الذي يخاف من إضلاله الناس، و يدل عليه مضافا الي ان مصلحة دفع فتنته عن الناس اولي من ستر المغتاب، ما عن الكافي بسنده الصحيح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله اذا رأيتم أهل الريب و البدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم و أكثروا من سبهم، و القول فيهم و الوقيعة و باهتوهم كيلا يطمعوا «يطغوا» في الفساد في الإسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلموا من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات و يرفع لكم به الدرجات.

و منها جرح الشهود (2) فان الإجماع دل علي جوازه، و لان مصلحة عدم الحكم بشهادة الفساق اولي من الستر علي الفاسق و مثله بل اولي بالجواز جرح الرواة (3) فان مفسدة العمل برواية الفاسق أعظم من مفسدة شهادته و يلحق بذلك الشهادة بالزنا و غيره لاقامة الحدود. (4)

______________________________

الاغتياب لحسم مادة الفساد و جرح الشهود

(1) و منها: قصد حسم مادة فساد المغتاب عن الناس كالمبتدع.

يشهد لجواز الغيبة في هذا الموضع مضافا الي ان الثابت بضرورة من الشرع ان للدين حرمة لا يسقطها شي ء، فاذا دار الأمر بين هتك حرمة المغتاب و اغتيابه و حفظ الدين، لا ريب في تقديم الثاني.

صحيح داود بن سرحان المذكور في

المتن «1».

(2) و منها: جرح الشهود.

و يشهد لجواز الاغتياب في هذا الموضع- مضافا الي ان عليه يتوقف حفظ اموال الناس و اعراضهم و انفسهم- ان اجماع علمائنا عليه كما يظهر لمن راجع كتاب القضاء.

(3) و أولي بالجواز من ذلك جرح الرواة، فان عليه يتوقف حفظ شريعة سيد المرسلين صلي الله عليه و آله، و عليه بناء الأصحاب في كل عصر و إن كان الغالب في هذا العصر عدم صدق الغيبة علي ذلك لعدم معرفة تلك الرواة بأشخاصهم.

(4) و أما الشهادة علي الناس بالزنا و القتل و أخذ مال الغير و نحو ذلك فقد ثبت

______________________________

(1) الوسائل، باب 39، من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 65

و منها دفع الضرر عن المغتاب (1) و عليه يحمل ما ورد في ذم زرارة من عدة أحاديث، و قد بين ذلك الإمام عليه السلام بقوله في بعض ما أمر عليه السلام عبد الله بن زرارة بتبليغ أبيه اقرأ مني علي والدك السلام، فقل له: انما اعيبك دفاعا مني عنك فان الناس يسارعون الي كل من قربناه و مجدناه لإدخال الأذي فيمن نحبه و نقربه و يذمونه لمحبتنا له و قربه و دنوه منا و يرون إدخال الأذي عليه و قتله و يحمدون كل من عيبناه نحن، و انما اعيبك لأنك رجل اشتهرت بنا (منا) بميلك الينا و انت في ذلك مذموم عند الناس غير محمود الامر لمودتك لنا و ميلك الينا فاحببت ان اعيبك ليحمدوا أمرك في الدين بعيبك و نقصك و يكون ذلك منا دافع شرهم عنك يقول الله عز و جل: (و أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن

أعيبها و كان ورائهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا) هذا التنزيل من عند الله لا و الله ما عابها الا لكي تسلم من الملك و لا تغصب «تعطب» علي يديه، و لقد كانت صالحة ليس للعيب فيها مساغ و الحمد لله، فافهم المثل رحمك الله فانك أحب الناس الي و احب أصحاب أبي الي حيا و ميتا، و انك أفضل سفن ذلك البحر القمقام الزاخر، و إن وراءك لملكا ظلوما غصوبا يرقب عبور كل سفينة صالحة ترد من بحر الهدي ليأخذها غصبا و يغصب أهلها

______________________________

جوازها بالنصوص الكثيرة الواردة في الشهادات المتضمنة للأمر بتحمل الشهادة و أدائها و حرمة كتمانها، و معلوم انها بحسب الغالب شهادة علي الناس بما يوجب فسقهم كما لا يخفي.

و إن شئت قلت: انه بعد ما لا ريب في اعتبار العدالة في الشهود انه لو كانت الشهادة بالزنا او القتل او أخذ مال الغير عدوانا او نحو ذلك غيبة محرمة، لزم عدم الاعتماد علي الشهادة، فمن النصوص المتضمنة لقبولها يستفاد جواز الاغتياب في هذا الموضع.

الاغتياب لدفع الضرر عن المقول فيه

(1) و منها دفع الضرر عن المغتاب.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 66

فرحمة الله عليك حيا و رحمة الله عليك ميتا، الخبر (1) و يلحق بذلك الغيبة للتقية علي نفس المتكلم أو ماله او عرضه او عن ثالث، فان الضرورات تبيح المحظورات.

______________________________

الضرر الذي يدفع بالغيبة تارة يكون مما يجب دفعه عن الغير كما لو أراد أحد ان يقتله او يهتك عرضه، و اخري يكون مما لا يجب دفعه، و الغيبة في المورد الأول جائزة لما علم من الشرع من ان لذلك مفسدة لا يزاحمها شي ء من مفاسد المحرمات، و أما في المورد الثاني فلا دليل علي جوازها.

و دعوي

انه لو اطلع المقول فيه لرضي بالاغتياب طوعا كما عن الأستاذ الأعظم.

لا تفيد، فإن ذلك لا يوجب عدم صدق الغيبة، إذ رضاه به ليس لعدم كراهة ذكره بذلك العيب، بل لأنه أقل محذورا بنظره.

و دعوي عدم صدق الغيبة لعدم قصده الانتقاص.

مندفعة بما تقدم من عدم دخله في مفهومها.

(1) قوله و عليه يحمل ما ورد في ذم زرارة من عدة أحاديث …، الخبر «1».

ظاهره كون تلك الأحاديث «2» دالة علي جواز الغيبة لدفع الضرر.

و أورد عليه الأستاذ الأعظم بأنها اجنبية عن المقام إذ من الواضح انه لم يكن في زرارة عيب ديني ليكون ذكره غيبة و انما ذمه الإمام عليه السلام لحفظ دمه أو شئونه عن الإخطار.

و فيه انه يمكن ان يكون نظر المصنف قدس سره الي أن تلك النصوص تدل علي جواز الغيبة بالفحوي إذ لو جاز تعييب الشخص بما ليس فيه لدفع الضرر كما نطقت به تلك النصوص، جاز تعييبه بما فيه بالأولوية.

و لكن الظاهر اختصاصها بالقسم الأول من الضرر كما لا يخفي.

______________________________

(1) ما ذكره المصنف من الرواية المبينة للحمل المزبور- مذكورة في رجال الكشي

، ج 1، ص 349، الرقم 221، مع اختلافات كثيرة.

(2) معجم رجال الحديث، ج 7، ص 230.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 67

و منها ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة المميزة (1) التي لا يعرف الا بها كالأعمش و الأعرج و الأشتر و الأحول، و نحوها.

و في الحديث جاءت زينب العطارة الحولاء الي نساء رسول الله صلي الله عليه و آله (2) و لا بأس بذلك فيما اذا صارت الصفة في اشتهار توصيف الشخص بها الي حيث لا يكره ذلك صاحبها، و عليه يحمل ما صدر عن الإمام عليه السلام

و غيره من العلماء الأعلام لكن كون هذا استثناء مبني علي كون مجرد ذكر العيب الظاهر من دون قصد الانتقاص غيبة، و قد منعنا ذلك سابقا إذ لا وجه لكراهة المغتاب لعدم كونه إظهارا لعيب غير ظاهر و المفروض عدم قصد الذم ايضا، اللهم الا ان يقال ان الصفات المشعرة بالذم كالألقاب المشعرة به (3) يكره الإنسان الاتصاف بها و لو من دون قصد الذم، فان اشعارها بالذم كاف في الكراهة.

______________________________

الاغتياب بذكر الأوصاف الظاهرة

(1) قوله و منها: ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة.

يدل علي جواز ذلك- مضافا الي عدم الخلاف فيه بل عليه سيرة العلماء حديثا و قديما-.

(2) ما في الحسين عن الإمام الصادق عليه السلام: جاءت زينب العطارة الحولاء الي نساء رسول الله صلي الله عليه و آله «1».

و خبر الفضل بن عبد الملك قال: سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول: أحب الناس الي احياء و أمواتا أربعة: و ذكر منهم الأحول «2».

و عدم صدق الغيبة عليه موضوعا لأنها عبارة عن إظهار ما ستره الله، و إذا لم يكن المقول مستورا لم يصدق علي ذكره الغيبة فلا وجه لحرمته.

نعم اذا كان ذكره بقصد التعيير حرم لذلك لا لكونه غيبة.

(3) قوله اللهم الا ان يقال ان الصفات المشعرة بالذم.

ليس تمام موضوع الغيبة، الكراهة اذا سمع ما قيل في حقه، كي يوجب ذلك صدق

______________________________

(1) روضة الكافي، ص 91.

(2) الوسائل، باب 11، من أبواب صفات القاضي، حديث 18.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 68

و منها ما حكاه في كشف الريبة عن بعض من أنه اذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها، فاجري أحدهما ذكرها في غيبة ذلك العاصي جاز (1) لأنه لا يؤثر عند السامع شيئا و إن

كان الأولي تنزيه النفس و اللسان عن ذلك لغير غرض من الأغراض الصحيحة خصوصا مع احتمال نسيان المخاطب لذلك أو خوف اشتهاره عنهما، انتهي.

أقول اذا فرض عدم كون ذكر هما في مقام التعيير و المذمة، و ليس هنا هتك ستر ايضا فلا وجه للتحريم و لا لكونها غيبة الا علي ظاهر بعض التعاريف المتقدمة.

و منها رد من ادعي نسبا ليس له (2) فان مصلحة حفظ الأنساب اولي من مراعاة حرمة الاغتياب.

و منها القدح في مقالة باطلة، و ان دل علي نقصان قائلها اذا توقف حفظ حق و اضاعة الباطل عليه (3) و أما ما وقع من بعض العلماء بالنسبة الي من تقدم عليه منهم من الجهر بالسوء من القول فلم يعرف له وجه مع شيوعه بينهم من قديم الأيام.

______________________________

الغيبة علي ذكر الأوصاف الظاهرة، فيحتاج جوازه الي ما يدل عليه لما تقدم من ان حقيقة الغيبة اظهار ما ستره الله فلو لم يكن مستورا لما صدق عليه الغيبة، و ان كرهه لو سمعه.

(1) و مما ذكرناه ظهر انه اذا علم اثنان من رجل معصية شاهداها فاجري أحدهما ذكرها في غيبة ذلك العاصي جاز لعدم صدق الغيبة كما هو واضح.

الاغتياب لرد من يدعي نسبا ليس له

(2) و منها: رد من ادعي نسبا ليس له.

و ملخص القول فيه: ان من ادعي نسبا ليس له و كان الأثر مترتبا عليه من التوارث و النظر الي النساء جاز لمن هو طرف الدعوي رد ذلك كما هو الشأن في كل ما يكون من الحقوق، و أما اذا لم يترتب عليه أثر فلا تجوز الغيبة لرد هذه الدعوي، و كذا لا يجوز لغير من هو طرف الدعوي ردها بالغيبة.

و دعوي ان مصلحة حفظ الانساب من حيث هو

أهم من مفسدة الغيبة كما تري.

(3) و مما ذكرناه في هذه الموارد ظهر حكم القدح في مقالة باطل ان دل علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 69

ثمّ انهم ذكروا موارد للاستثناء لا حاجة الي ذكرها، بعد ما قدمنا ان الضابط في الرخصة وجود مصلحة غالبة علي مفسدة هتك احترام المؤمن، و هذا يختلف بإختلاف تلك المصالح و مراتب مفسدة هتك المؤمن فانها متدرجة في القوة و الضعف فرب مؤمن لا يساوي عرضه شي ء «من المصالح» فالواجب التحري في الترجيح بين المصلحة و المفسدة.

الرابع: يحرم استماع الغيبة بلا خلاف (1) فقد ورد السامع للغيبة أحد المغتابين و الأخبار في حرمته كثيرة الا ان ما يدل علي كونه من الكبائر، كالرواية المذكورة و نحوها ضعيفة السند.

______________________________

نقصان قائلها، و كذا سائر ما ذكروه من موارد الاستثناء فلا حاجة الي ذكرها.

استماع الغيبة حرام
اشارة

(1) قوله الرابع: يحرم استماع الغيبة بلا خلاف.

و قد استدل لحرمة الاستماع بجملة من النصوص:

منها النبويان: السامع للغيبة أحد المغتابين «1».

من سمع الغيبة و لم يغير كان كمن اغتاب «2».

و منها العلويان: أحدهما: السامع للغيبة أحد المغتابين «3».

ثانيهما: ما عن الاختصاص: نظر أمير المؤمنين عليه السلام الي رجل يغتاب رجلا عند الحسن عليه السلام ابنه قال: يا بني نزه سمعك عن مثل هذا، فانه نظر الي اخبث ما في وعائه فافرغه في وعائك «4».

______________________________

(1) المستدرك، باب 136، من أبواب أحكام العشرة، حديث 7.

(2) المستدرك باب، 136، من أبواب أحكام العشرة، حديث 8.

(3) كشف الريبة للشهيد الثاني.

(4) المستدرك، باب 136، من أبواب أحكام العشرة، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 70

______________________________

و منها: حديث المناهي المتضمن انه صلي الله عليه و آله نهي عن الغيبة و الاستماع إليها «1».

و منها: ما

عن كتاب الروضة عن الإمام الصادق عليه السلام: الغيبة كفر و المستمع لها و الراضي بها مشرك «2».

و منها: حديث الرجم، لما رجم رسول الله صلي الله عليه و آله الرجل في الزنا قال رجل لصاحبه:

هذا قعص كما يقعص الكلب، فمر النبي صلي الله عليه و آله معهما بجيفة فقال لهما: انهشا منها، فقالا: يا رسول الله ننهش جيفة! فقال: ما اصبتما من أخيكما انتن من هذه «3».

هذه هي جميع الأخبار الواصلة الينا في هذا الباب التي ادعي المصنف قدس سره كثرتها.

و لكن لا يصح الاستدلال بشي ء منها لانها ضعيفة السند.

اما النبويان، و العلوي الأول، و الأخيران: فللإرسال.

و أما العلوي الثاني: فلأن صاحب الاختصاص و إن نسب القول اليه عليه السلام الظاهر ذلك في كون الخبر معتبرا عنده، الا ان ثبوت اعتباره عنده لا يلازم ثبوته عندنا، و لعله استند الي ما لا نعتمد عليه. فتأمل.

و أما حديث المناهي: فلشعيب بن واقد، مع انه يرد علي حديث الرجم: ان الظاهر ان الأمر بالنهش لم يكن لأجل الغيبة، إذ بعد كونهما عالمين بما فعل، و ظهور عيبه الديني بإجراء الحد عليه، لم يكن ذكره غيبة.

و أما الإيراد علي حديث المناهي بأنه متضمن للنهي عن عدة أمور لا تكون محرمة قطعا، فيتعين حمل النهي فيه علي الكراهة.

فغير تام، إذ ما ثبت فيه عدم الحرمة ترفع اليد فيه عن ظهور النهي في الحرمة و يبقي الباقي و يؤخذ بظهور النهي فيه.

و لكن يمكن ان يقال أن ضعف سند النصوص ينجبر بالشهرة. فتأمل.

______________________________

(1) الوسائل، باب 152، من أبواب أحكام العشرة، حديث 13.

(2) المستدرك، باب 136، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6.

(3) المستدرك، باب 132، من أبواب أحكام العشرة، حديث

27.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 71

______________________________

و قد استدل لحرمة الاستماع بوجوه اخر:

منها: النصوص الواردة في رد الغيبة «1» و قد استدل بها بعض مشايخنا قال: ان فيها دلالة علي حرمة الاستماع مع عدم الرد.

و فيه: ان وجوب الرد غير حرمة الاستماع، و هي انما تدل علي الأول و لا تعرض لها للاستماع، و بعبارة اخري: هي متعرضة لترتب العقاب علي عدم الرد، و لكن الاستماع غير عدم الرد.

و منها: ما استند اليه المحقق التقي الشيرازي: و هو ما دل من النصوص «2» علي حرمة الرضا بوقوع الحرام، و ان الراضي بعمل قوم كالداخل فيه معهم، فإن هذه النصوص تدل بالفحوي علي حرمة الاستماع علي وجه الرضا.

و فيه: انها تدل علي ان الراضي بالغيبة كالداخل فيها استمعها أم لا، و بعبارة اخري: النسبة بينهما عموم من وجه، و في المجمع: لكل واحد منهما وجود منحاز عن الآخر، فلا وجه للاستدلال بما تضمن حكم أحدهما لثبوته للآخر.

و منها: ان الاستماع اعانة علي الغيبة، و الإعانة علي الإثم حرام، فالاستماع حرام.

و فيه: ما تقدم من عدم حرمة الإعانة علي الإثم، مع انه أخص من المدعي، إذ لو فرض عدم تأثير عدم استماع هذا الشخص في تحقق الغيبة، كما اذا كان هناك مستمع آخر، لزم عدم الحكم بالحرمة.

و منها: ان نفس أدلة حرمة الغيبة تدل علي حرمة الاستماع، لأنها لا تتحقق الا بالاستماع، و بعبارة اخري: ان الغيبة انما تتحقق بفعل شخصين: المتكلم و المستمع الأول

______________________________

(1) الوسائل، باب 156، من أبواب أحكام العشرة.

(2) الوسائل، باب 5، من أبواب الأمر و النهي و ما يناسبها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 72

______________________________

باصداره و الثاني بإصغائه و تحمله، فما دل علي حرمة الغيبة

يدل علي حرمة فعل كل منهما.

و فيه: ان الغيبة انما تتحقق بفعل المتكلم، غاية الأمر المحقق لصدقها علي فعله إصغاء السامع و تحمله.

و إن شئت قلت: ان ظاهر الأدلة حرمة إصدار الغيبة، و هي غير ملازمة لحرمة الاستماع و إن كان بينهما تلازم خارجا.

فتحصل: ان الدليل علي حرمة الاستماع منحصر بالنصوص المتقدمة إن صح سندها.

و قد يقال كما عن الأستاذ الأعظم: بأنه علي فرض صحة الروايات المتقدمة الظاهرة في حرمة استماع الغيبة مطلقا لا بد من تقييدها بالروايات المتكثرة الظاهرة في جواز استماعها لردها عن المقول فيه و تخصيصها بصورة السماع القهري خلاف الظاهر منها علي انه أمر نادر، و عليه فيحرم استماع الغيبة مع عدم الرد.

يرد علي ما أفاده: ان نصوص وجوب الرد غير متعرضة لحكم الاستماع، و انما تدل علي وجوب الرد و مقتضي إطلاقها وجوب الرد حتي لو فرض حرمة الاستماع.

و إن شئت قلت: ان وجوب الرد ليس مطلقا كي يجب تحصيل مقدماته الوجودية التي منها الاستماع، بل يكون وجوبه مشروطا بالاستماع، أو السماع القهري، فليست متعرضة لحكم الشرط، و علي ذلك فمقتضي اطلاقها الوجوب حتي إذا كان الاستماع محرما.

ثمّ انه لو تنزلنا عن ذلك و سلمنا دلالتها علي وجوب الرد في صورة جواز الشرط، فهي تختص بصورة السماع القهري و هو لو سلم كونه نادرا، مع انه محل منع كما لا يخفي، لا يكون ذلك مانعا عن الاختصاص، إذ حمل المطلق علي الفرد النادر مستهجن.

و أما ورود الدليل لبيان حكم فرد نادر فلا محذور فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 73

ثمّ المحرم سماع الغيبة المحرمة دون ما علم حليتها (1) و لو كان متجاهرا عند المغتاب مستورا عند المستمع. و قلنا بجواز

الغيبة حينئذ للمتكلم، فالمحكي جواز الاستماع مع احتمال كونه متجاهرا لامع العلم بعدمه.

______________________________

جواز الغيبة لا يلازم جواز استماعها

(1) قوله ثمّ المحرم سماع الغيبة المحرمة دون ما علم حليتها.

و هل تختص حرمة الاستماع بما اذا حرم الاغتياب، أم تعم صورة جوازه، أم يفصل، بين علم السامع بالحلية فيجوز، و بين جهله بها فلا يجوز؟ فيه وجوه و أقوال:

و حق القول في المقام يقتضي البحث في مواضع:

الأول: أنه هل يلازم جواز الغيبة واقعا مع جواز الاستماع أم لا.

الثاني: أنه اذا لم يحرز السامع كونه جائز الغيبة بنحو يجوز الاستماع هل يجوز له الاستماع أم لا؟ الثالث: أنه اذا أحرز عدم كونه جائز الغيبة و لكن احتمل أو علم أن المغتاب معتقد لجواز الاغتياب هل يجوز له الاستماع أم لا؟ أما الموضع الأول: فمحصل القول فيه: ان جواز الغيبة يتصور علي أنحاء.

الأول: ان لا تصدق الغيبة شرعا علي ذكر ما في المقول فيه من العيب، كما اذا كان متجاهرا، أو كان المقول من الأوصاف الظاهرة، ففي هذا المورد يجوز الاستماع لعدم كونه استماعا للغيبة.

الثاني: ان تجوز الغيبة للمغتاب، و لكن كان هناك ملازمة عرفية بين جوازها له و جواز الاستماع، كما في تظلم المظلوم، فإن أهل العرف يفهمون من جواز تظلمه و لو عند من لا يرجو منه إزالة الظلم عنه جواز الاستماع، و في هذا المورد أيضا يجوز الاستماع.

الثالث: ان تجوز الغيبة بمناط يقتضي ذلك المناط بعينه جواز الاستماع، كما في الغيبة في مورد الاستفتاء فيجوز الاستماع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 74

______________________________

الرابع: أن تجوز الغيبة للمغتاب لوجود أحد موانع التكليف فيه ككونه صبيا او مجنونا أو مكرها عليه، و في هذا المورد لا يجوز الاستماع، و ذلك لأن نصوص حرمة الاستماع

مطلقة شاملة لها، أما غير ما تضمن ان السامع أو المستمع أحد المغتابين فواضح، و أما ما تضمن ذلك فكذلك ان قرأ مغتابين بصيغة الجمع، فإنه يدل حينئذ علي ان السامع مشترك مع المغتابين في الحكم، و إن السامع كأنه متكلم بها، فإن لم يجز له التكلم بها لم يجز سماعها، و إن قرأ بصيغة التثنية.

فقد يتوهم انه يدل حينئذ علي ان السامع للغيبة منزل منزلة المتكلم بها في الحكم، فإن جاز له التكلم جاز لهذا الاستماع.

و لكنه غير تام، بل الظاهر منه علي هذا التقدير إرادة بيان مشاركة السامع للمتكلم في الحكم من جهة ان الغيبة توجد بفعلهما، هذا بتكلمه و ذاك باستماعه، فهما كما يشتركان في ايجاد الغيبة يشتركان في الحكم، و عليه فحيث ان كلا منهما حينئذ مكلف بترك ما هو فعله و المحرم عليه فعل نفسه لاما يتحقق بفعلهما معا كما هو واضح، فلكل منهما حكم يخصه، فجوازه لأحدهما لا يلازم جوازه للآخر، فيحرم الاستماع في هذا المورد و يجب الرد.

و أما الموضع الثاني: فإن شك في صدق الغيبة علي ما تكلم به، كما اذا احتمل كونه متجاهرا بالفسق، جاز الاستماع للأصل، و ليس المورد موردا للتمسك، بعموم أدلة حرمة الاستماع للشك في صدق الموضوع، و لا يمكن إحراز صدقه بالأصل لما تقدم في المستثنيات من أن هذا الأصل مثبت، و إن أحرز صدقه و لكن شك في عروض أحد المسوغات الاخر، فإن كان هناك أصل موضوعي قاض بعدمه يدخل بذلك في المطلقات فيحرم الاستماع، و إلا فالمرجع هي أصالة البراءة.

و مما ذكرناه ظهر حكم الموضع الثالث و هو عدم جواز الاستماع.

و في جميع هذه المواضع لا يجب النهي أما في

الأولين فلعدم كون صدور الفعل منكرا، و أما في الثالث فلإمكان عدم كونه منكرا فيحمل فعل القائل علي الصحة، و التمسك بأدلة النهي عن المنكر لاثبات وجوب الردع تمسك بالعام في الشبهة المصداقية له و هو لا يجوز بالاتفاق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 75

قال: في كشف الريبة اذا سمع أحد مغتابا لآخر و هو لا يعلم المغتاب مستحقا للغيبة و لا عدمه قيل: (1) لا يجب نهي القائل لامكان الاستحقاق، فيحمل فعل القائل علي الصحة ما لم يعلم فساده و لان ردعه يستلزم انتهاك حرمته و هو أحد المحرمين.

ثمّ قال: و الأولي التنزه عن ذلك حتي يتحقق المخرج منه لعموم الأدلة و ترك الاستفصال فيها، و هو دليل ارادة العموم حذرا من الاغراء بالجهل و لأن ذلك لو تم لتمشي فيمن يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة الي السامع مع احتمال اطلاع القائل علي ما يوجب تسويغ مقالته، و هو هدم قاعدة النهي عن الغيبة، انتهي.

أقول: و المحكي بقوله قيل: لا دلالة فيه علي جواز الاستماع، و انما تدل علي عدم وجوب النهي عنه، و يمكن القول بحرمة استماع هذه الغيبة مع فرض جوازها للقائل، لأن السامع أحد المغتابين، فكما ان المغتاب يحرم عليه الغيبة الا اذا علم التجاهر المسوغ. فكذلك السامع يحرم عليه الاستماع الا اذا علم التجاهر. و أما نهي القائل فغير لازم مع دعوي القائل العذر المسوغ بل مع احتماله في حقه و إن اعتقد الناهي عدم التجاهر.

______________________________

(1) قوله قال في كشف الريبة اذا سمع أحد مغتابا لآخر … قيل لا يجب.

بعد ما عرفت ما هو الحق عندنا في هذا المقام، لا بأس ببيان ما قاله المصنف قدس سره.

لوقوع الاشتباه من بعض

المحققين في فهم مراده قدس سره.

و حاصله انه حكي الشهيد عن بعض انه قال: لو سمع أحد يغتاب آخر، و احتمل كونه جائز الغيبة ليس له النهي عنه لامكان استحقاق المقول فيه، فيحمل فعل المسلم علي الصحة ما لم يعلم فساده.

و أورد عليه الشهيد قدس سره: بأن مقتضي عموم الأدلة و ترك الاستفصال فيها ج الذي هو دليل ارادة العموم حذرا من الاغراء بالجهل- هو وجوب الرد و عدم جواز الاستماع،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 76

نعم لو علم عدم اعتقاد القائل بالتجاهر وجب ردعه هذا، و لكن الأقوي جواز الاستماع اذا جاز للقائل لأنه قول غير منكر فلا يحرم الاصغاء إليه للأصل و الرواية علي تقدير صحتها تدل علي ان السامع لغيبة كقائل تلك الغيبة، فإن كان القائل عاصيا كان المستمع كذلك فيكون دليلا علي الجواز فيما نحن فيه.

نعم لو استظهر منها ان السامع للغيبة كأنه متكلم بها فان جاز للسامع التكلم بغيبة جاز سماعها، و إن حرم عليه حرم سماعها ايضا كانت الرواية علي تقدير صحتها دليلا للتحريم فيما نحن فيه لكنه خلاف الظاهر من الرواية علي تقدير قراءة المغتابين بالتثنية و إن كان هو الظاهر علي تقدير قراءته بالجمع لكن هذا التقدير خلاف الظاهر، و قد تقدم في مسألة التشبيب انه اذا شك السامع في حصول شرط حرمته من القائل لم يحرم استماعه فراجع.

ثمّ انه يظهر من الأخبار المستفيضة وجوب رد الغيبة.

فعن المجالس بإسناده عن أبي ذر (رضوان الله عليه) عن النبي صلي الله عليه و آله من اغتيب عنده أخوه المؤمن و هو يستطيع نصره فنصره، نصره الله تعالي في الدنيا و الآخرة، و ان خذله و هو يستطيع نصره خذله الله

في الدنيا و الآخرة.

و نحوها عن الصدوق بإسناده عن الصادق عليه السلام عن آبائه في وصية النبي صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام.

و عن عقاب الأعمال بسنده عن النبي صلي الله عليه و آله من رد عن أخيه غيبة سمعها في مجلس رد الله عنه الف باب من الشر في الدنيا و الآخرة.

فإن لم يرد عنه و أعجبه كان عليه كوزر من اغتابه.

و عن الصدوق بإسناده عن الصادق عليه السلام في حديث المناهي عن النبي صلي الله عليه و آله من تطول علي أخيه في غيبة سمعها فردها عنه، رد الله عنه ألف باب من الشر في الدنيا و الآخرة، فإن هو لم يردها و هو قادر علي ردها كان عليه كوزر من اغتابه سبعين مرة، الخبر.

و لعل وجه زيادة عقابه انه اذا لم يرده تجري المغتاب فيصر علي هذه الغيبة و غيرها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 77

و الظاهر ان الرد غير النهي عن الغيبة (1) و المراد به الانتصار للغائب بما يناسب تلك الغيبة.

______________________________

علي انه لو تم ذلك لتمشي فيمن يعلم عدم استحقاق المقول عنه بالنسبة الي السامع لاحتمال اطلاع القائل علي ما يوجب تسويغ مقالته، و هو هدم قاعدة النهي عن الغيبة.

و أجاب عنه المصنف قدس سره بأن فيما ذكره الشهيد قدس سره خلطا بين عدم الاستماع ورد الغيبة، و بين النهي عنها، و الذي نفاه القائل هو لزوم النهي و هو لم ينف الأول كي يرد عليه ما ذكر.

و حيث ان النسبة بين حرمة الاستماع و وجوب النهي عنها عموم من وجه، إذ قد يجب النهي و لا يحرم الاستماع كما اذا كان هناك أحد المسوغات، و لكن المغتاب معتقد

لعدمه، و قد يحرم الاستماع و يجب الرد و لا يجب النهي عنها، كما اذا كان الفعل جائزا للمغتاب لكونه صبيا مثلا، و قد يجتمعان.

فإذا شك في استحقاق المقول فيه الغيبة لم يجز استماعها، لأن السامع أحد المغتابين، فكما ان المغتاب تحرم عليه الغيبة إلا اذا علم التجاهر المسوغ، فكذلك السامع يحرم عليه الاستماع إلا اذا علم التجاهر، و لكن لا يجب نهي القائل لاحتمال وجود المسوغ.

ثمّ انه قدس سره اختار اخيرا جواز الاستماع لوجه آخر و حيث انه واضح المراد و جوابه ظاهر مما قدمناه فلا نطيل بذكره و ما فيه.

كما انه قدس سره افتي بوجوب رد الغيبة و استدل له بطائفة من النصوص المعتبرة واضحة الدلالة فلا وجه لاطالة الكلام في ذلك ايضا.

(1) قوله ان الرد غير النهي عن الغيبة.

و أورد عليه المحقق الايرواني قدس سره بأن الظاهر انه عينه، فإن الرد هو المنع و الدفع، و ظاهر الأخبار رد القول لارد المعني المقول و إبطاله.

و لكن الأظهر ما أفاده المصنف قدس سره إذ مضافا الي انه الظاهر من رد الغيبة، يشهد له ما في بعض النصوص من التعبير عنه بالانتصار للمغتاب، و التعبير عن عدم الرد بالخذلان، و

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 78

فان كان عيبا دنيويا انتصر له (1) بأن العيب ليس الا ما عاب الله به من المعاصي التي من أكبرها ذكرك أخاك بما لم يعبه اللّه و إن كان عيبا دينيا وجهه بمحامل تخرجه عن المعصية، فإن لم يقبل التوجيه انتصر له بأن المؤمن قد يبتلي بالمعصية، فينبغي ان يستغفر له و يهتمّ له لا ان تعير عليه و ان تعييرك اياه لعله أعظم عند الله من معصيته و نحو

ذلك. ثمّ انه قد يتضاعف عقاب المغتاب اذا كان ممن يمدح المغتاب في حضوره. (2)

______________________________

معلوم ان النهي عن الغيبة ليس انتصارا له و لا عدمه خذلانا كما لا يخفي. و مبتنيا علي ذلك.

(1) قال قدس سره: فان كان عيبا دنيويا انتصر له.

و قد علق المحقق التقي الشيرازي علي هذا: بأن المراد بالرد تكذيب المغتاب (بالكسر) إن أمكن، و إن انتسابه اليه مخالف للواقع اعتمادا علي عدم وقوع المقول و حملا لفعل المسلم علي الصحيح، قال: و يشير الي ذلك قوله عز من قائل (لو لا إذ سمعتموه ظن المؤمنون و المؤمنات بأنفسهم خيرا و قالوا هذا إفك مبين) «1».

و قوله تعالي: (فإذ لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون) «2» و قوله تعالي: (و لو لا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم) «3».

ثمّ قال: ان ما في الكتاب يكون راجعا الي تصديق وقوع الفعل و هو محرم، نعم لا بأس بإرادته مقيدا بعدم امكان التكذيب.

حرمة كون الانسان ذا لسانين

(2) صرح جماعة منهم المصنف قدس سره بانه قد يتضاعف عقاب المغتاب إذا كان ممن يمدح المغتاب في حضوره.

______________________________

(1) النور، 13.

(2) النور، 14.

(3) النور: 17.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 79

و هذا و إن كان في نفسه مباحا (1) إلا أنه اذا انضم مع ذمه في غيبته سمي صاحبه ذو اللسانين، و تأكد حرمته.

و لذا ورد في المستفيضة انه يجئ ذو اللسانين يوم القيامة و له لسانان من النار، فان لسان المدح في الحضور و إن لم يكن لسانا من نار الا انه اذا انضم الي لسان الذم في الغياب صار كذلك. و عن المجالس بسنده عن حفص بن غياث عن الصادق عليه

السلام عن أبيه عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله من مدح اخاه المؤمن في وجهه و اغتابه من ورائه فقد انقطعت العصمة بينهما.

و عن الباقر عليه السلام بئس العبد عبد يكون ذا وجهين و ذا لسانين يطري أخاه شاهدا و يأكله غائبا ان اعطي حسده، و ان ابتلي خذله.

و اعلم أنه قد يطلق الاغتياب علي البهتان (2)

______________________________

و فيه: انه لا كلام في دلالة النصوص، علي ان ذا اللسانين يستحق عقابين، إلا ان الظاهر ان أحد العقابين ليس لما أفاده المصنف قدس سره و استحسنه الأستاذ.

(1) و هو المدح في الحضور الذي هو مباح في نفسه.

بدعوي انه اذا كان مسبوقا بالذم أو ملحوقا به كان من الجرائم الموبقة و يوجب كون الانسان ذا لسانين و منافقا، و ذلك لأن مجرد ذكر الصفات الحسنة في الحضور و ذكر الصفات الذميمة في الغياب، أو ذكر الأعمال الحسنة في الحضور و الأعمال القبيحة في الغياب لا يوجب صدق عنوان ذي اللسانين عليه كي يحتاج الي هذا التوجيه.

بل صدق هذا العنوان انما يكون بمدح الشخص في حضوره بأن له صفة حسنة أو عملا حسنا و ذمه في غيابه بثبوت ضدها له، أو مدحه في الحضور بنحو يشعر بعدم ثبوت صفة ذميمة له، و عليه فحيث ان لسان المدح في الحضور يكون غالبا لسان الكذب بعد عدم إمكان صدقه في اللسانين، فيكون أحد العقابين للكذب، و الآخر للغيبة، فتدبر، فإن لازم ذلك عدم صدق هذا العنوان علي من مدح الشخص في حضوره بما فيه، و ذمه في الغياب بإثبات ضده له، و هو كما تري.

(2) قد عرفت في أول هذا

المبحث ان الغيبة هي اظهار ما ستره الله، و البهتان هو أن تقول فيه ما ليس فيه فلا تصدق الغيبة علي البهتان، إلا علي بعض التفاسير، غير التام،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 80

و هو أن يقال في شخص ما ليس فيه، و هو أغلظ تحريما من الغيبة و وجهه ظاهر لأنه جامع بين مفسدتي الكذب و الغيبة و يمكن القول بتعدد العقاب من جهة كل من العنوانين و المركب. (1)

و في رواية علقمة عن الصادق عليه السلام حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلي الله عليه و آله انه قال: من اغتاب مؤمنا بما فيه لم يجمع الله في الجنة أبدا، و من اغتاب مؤمنا بما ليس فيه فقد انقطعت العصمة بينهما، و كان المغتاب خالدا في النار و بئس المصير.

خاتمة: في بعض ما ورد من حقوق المسلم علي أخيه. (2)

______________________________

و اطلاقها عليه في خبر علقمة، الذي هو ضعيف السند لا بد من حمله علي ارادة نوع من التجوز، لعدم صلاحيته لمعارضة ما تقدم.

(1) قوله لانه جامع بين مفسدتي الكذب و الهتك …

غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلامه ما أفاده المحقق التقي قدس سره قال: إن من ذكر المؤمن بنقص ليس فيه فيصدق عليه الكذب باعتبار عدم مطابقته للواقع، و الغيبة بالمعني الأعم باعتبار ذكر النقص، و البهتان باعتبار اجتماع العنوانين المعبر عنه بالبهتان فيعاقب بثلاثة عقاب.

و لكن يرد عليه ان البهتان ليس مورد اجتماع العنوانين لأن الغيبة غير البهتان كما عرفت.

حقوق الاخوان

(2) قوله خاتمة في بعض ما ورد «1» من حقوق المسلم.

النصوص المثبتة لحقوق كثيرة علي الأخ و إن كانت كثيرة، إلا ان ما ذكره المصنف من خبر الكراجكي المشتمل علي ان للمؤمن علي أخيه ثلاثين حقا، ضعيف السند لأن

في سنده الحسين بن محمد بن علي الصيرفي البغدادي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 122، من أبواب أحكام العشرة، حديث 24.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 81

ففي صحيحة مرازم عن أبي عبد الله عليه السلام ما عبد الله بشي ء أفضل من أداء حق المؤمن.

و روي في الوسائل و كشف الريبة عن كنز الفوائد للشيخ الكراجكي عن الحسين بن محمد بن علي الصيرفي عن محمد بن علي الجعابي عن القاسم بن محمد ابن جعفر العلوي عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله للمسلم علي أخيه ثلاثون حقا لا براءة إلا بأدائها أو العفو:

1- يغفر زلته،- 2 و يرحم عبرته،- 3 و يستر عورته، 4- و يقيل عثرته، 5- و يقبل معذرته، 6- و يرد غيبته، 7- و يديم نصيحته، 8- و يحفظ خلته، 9- و يرعي ذمته، 10- و يعود مرضه، 11- و يشهد ميته، 12- و يجيب دعوته، 13- و يقبل هديته، 14- و يكافي صلته، 15- و يشكر نعمته، 16- و يحسن نصرته، 17- و يحفظ حليلته، 18- و يقضي حاجته، 19- و يستنجح مسألته، 20- و يسمت عطسته، 21- و يرشد ضالته، 22- و يرد سلامه، 23- و يطيب كلامه، 24- و يبر انعامه، 25- و يصدق أقسامه، 26- و يوالي وليه، 27- و لا يعاديه، 28- و ينصره ظالما و مظلوما.

فأما نصرته ظالما فيرده عن ظلمه و أما نصرته مظلوما فيعينه علي أخذ حقه، 29- و لا يسلمه و لا يخذله، 30- و يحب له من الخير ما يحب لنفسه و يكره له من الشر ما يكره لنفسه.

ثمّ قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه و

آله يقول: إن أحدكم ليدع من حقوق أخيه شيئا فيطالبه به يوم القيامة فيقضي له عليه و الأخبار في حقوق المؤمن كثيرة، و الظاهر ارادة الحقوق المستحبة التي ينبغي أداؤها و معني القضاء لذيها علي من هي عليه «عليها» المعاملة معه معاملة من أهملها بالحرمان عما أعد لمن أدي حقوق الأخوة.

ثمّ ان ظاهرها و إن كان عاما إلا انه يمكن تخصيصها بالأخ العارف بهذه الحقوق المؤدي لها بحسب اليسر (1) أما المؤمن المضيع لها فالظاهر عدم تأكد مراعاة هذه الحقوق بالنسبة اليه و لا يوجب إهمالها مطالبته يوم القيامة لتحقق المقاصة، فان التهاتر يقع في الحقوق كما يقع في الأموال.

______________________________

(1) قوله الا انه يمكن تخصيصها بالاخ العارف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 82

______________________________

و إن كان في كلامه مسامحة، فإن مراده علي ما يشعر به الاستدلال بتحقق المقاصة، إن عدم قيام الآخر بما يقتضيه الأخوة، و تضييعه للحقوق التي تكون من مقتضيات الأخوة، مانع عن تأكد مراعاة هذه الحقوق بالنسبة اليه.

لا ان رجحان القيام مشروط بقيام الآخر.

حتي يرد عليه ان لازم ذلك انه لو لم يقم الطرفان بها كانا معذورين، لعدم تحقق الشرط، و هو باطل بالضرورة، الا ان ما ذكره متين.

و يقتضيه جملة من الآيات:

كقوله تعالي (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَديٰ عَلَيْكُمْ) «1».

و قوله تعالي: (فَعٰاقِبُوا بِمِثْلِ مٰا عُوقِبْتُمْ بِهِ) «2».

و قوله تعالي: (وَ الْحُرُمٰاتُ قِصٰاصٌ) «3».

و يشهد له، مضافا الي ذلك بعض النصوص التي استدل بها.

و هو ما رواه الكليني بسند صحيح عن أبي جعفر عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام الاخوان صنفان، إخوان الثقة و اخوان المكاشرة، فاما اخوان الثقة، فهم كالكف و الجناح و الأهل و المال فاذا كنت من أخيك علي

ثقة فابذل له مالك و يدك وصاف من صافاه و عاد ما عاداه و اكتم سره و عيبه و أظهر منه الحسن، و اعلم ايها السائل انهم اعز من الكبريت الأحمر، و أما اخوان المكاشرة فانك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك منهم و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه و حلاوة اللسان «4».

فانه يدل علي ان حقوق الأخوة من كتمان السر و العيب و اظهار الحسن و غيرهما انما تكون مطلوبة، لو كان الطرف من اخوان الثقة و أما لو كان من اخوان المكاشرة غير القائمين بها فلا تكون هي مأمورا بها، بل قوله و ابذل لهم ما بذلوا الخ، كالصريح في ارادة ان كل حق من الحقوق أهمله الآخر بالنسبة الي الانسان للانسان ايضا اهماله.

و أما ساير النصوص فستعرف ما في الاستدلال بها.

______________________________

(1) سورة البقرة، آية 195.

(2) سورة النحل، آية 127.

(3) سورة البقرة، آية 195.

(4) الوسائل، باب 3، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 83

و قد ورد في غير واحد من الأخبار ما يظهر منه الرخصة في ترك هذه الحقوق لبعض الاخوان بل لجميعهم إلا القليل.

فعن الصدوق قدس سره في الخصال و كتاب الاخوان و الكليني بسندهما عن أبي جعفر عليه السلام قال: قام إلي أمير المؤمنين عليه السلام رجل بالبصرة فقال: اخبرنا عن الاخوان، فقال عليه السلام: الاخوان صنفان: اخوان الثقة و اخوان المكاشرة.

فاما اخوان الثقة فهم كالكف و الجناح و الأهل و المال فاذا كنت من أخيك علي ثقة فابذل له مالك و يدك وصاف من صافاه و عاد من عاداه و اكتم سره و عيبه و

أظهر منه الحسن، و اعلم ايها السائل انهم اعز من الكبريت الأحمر.

و أما اخوان المكاشرة فانك تصيب منهم لذتك فلا تقطعن ذلك منهم و لا تطلبن ما وراء ذلك من ضميرهم و ابذل لهم ما بذلوا لك من طلاقة الوجه، و حلاوة اللسان.

و في رواية عبد الله الحلبي المروية في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تكون الصداقة الا بحدودها فمن كان فيه هذه الحدود او شي ء منها فانسبه الي الصداقة و من لم يكن فيه شي ء منها فلا تنسبه الي شي ء من الصداقة.

فأولها: ان تكون سريرته و علانيته لك واحدة.

و الثانية: أن يري زينك زينه و شينك شينه.

و الثالثة: أن لا تغيره عليك ولاية و لا مال.

و الرابعة: أن لا يمنعك شيئا تناله و قدرته.

و الخامسة: و هي مجمع هذه الخصال أن لا يسلمك عند النكبات.

و لا يخفي انه اذا لم يكن الصداقة لم يكن الأخوة (1) فلا بأس بترك الحقوق المذكورة بالنسبة اليه.

و في نهج البلاغة لا يكون الصديق صديقا حتي يحفظ أخاه في ثلاث، في نكبته و في غيبته و في وفاته.

______________________________

(1) الصداقة أخص من الأخوة، و يشير اليه مضافا الي وضوحه، ما في نهج البلاغة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 84

و في كتاب الاخوان بسنده عن الوصافي عن أبي جعفر عليه السلام قال قال لي:

أ رأيت من كان قبلكم اذا كان الرجل ليس عليه رداء و عند بعض اخوانه رداء يطرحه عليه، قلت: لا، قال: فاذا كان ليس عنده إزار يوصل اليه بعض اخوانه بفضل ازاره حتي يجد له إزارا قلت لا، قال: فضرب بيده علي فخذه،، و قال: ما هؤلاء بإخوة.

دل علي من لا يواسي المؤمن ليس بأخ

له فلا يكون له حقوق الاخوة (1)

المذكورة في روايات الحقوق و نحوه، رواية ابن أبي عمير عن خلاد رفعه قال: ابطأ علي رسول الله صلي الله عليه و آله رجل فقال: ما ابطأ بك، قال: العري يا رسول الله فقال: أما كان لك جار له ثوبان يعيرك أحدهما، فقال: بلي يا رسول الله قال: ما هذا لك بأخ.

و في رواية يونس بن ظبيان قال: قال ابو عبد الله عليه السلام اختبروا اخوانكم بخصلتين فان كانتا فيهم و الا فاغرب ثمّ اغرب: المحافظة علي الصلوات في مواقيتها، و البر في الاخوان في اليسر و العسر. (2)

______________________________

لا يكون الصديق صديقا حتي يحفظ أخاه في ثلاث «1» فنفي الصداقة لا يدل علي نفي الأخوة.

(1) بعد ما لا ريب في ثبوت حقوق الأخوة اللزومية له كمحرمة غيبته، لا مناص عن حمل الخبرين علي ارادة نفي الكمال، كما في لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد. و عليه فلا يدلان علي عدم ثبوت حقوق الأخوة المذكورة في روايات الحقوق كما لا يخفي.

(2) و فيه مضافان الي ضعف سند الخبر، انه يدل علي عدم المجالسة مع من ليس فيه هاتان الخصلتان فإن المجالسة مؤثرة فهو اجنبي عن المقام.

______________________________

(1) نهج البلاغة، 494، الحكمة رقم 134.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 85

الخامسة عشرة: القمار حرام إجماعا (1)
اشارة

و يدل عليه الكتاب و السنة المتواترة و هو بكسر القاف كما عن بعض أهل اللغة الرهن علي اللعب بشي ء من الآلات المعروفة (2) و حكي عن جماعة انه قد يطلق علي اللعب بهذه الأشياء مطلقا و لو من دون رهن و به صرح في جامع المقاصد، و عن بعض ان أصل المقامرة المغالبة.

______________________________

حرمة القمار

(1) قوله الخامسة عشرة القمار حرام اجماعا.

و تنقيح

القول فيه يقع أولا: في القمار موضوعا، ثمّ في بيان حكمه:

أما الأول فالكلام فيه في موردين:

الأول في أصل المعني الموضوع له.

الثاني: في حدوده و قيوده.

أما المورد الأول: فالمعاني المحتملة له أربعة: نفس الآلات، و المال المجعول في المعاملة، و اللعب بها، و المعاملة الواقعة علي اللعب بها.

أما المعنيان الأولان: فالظاهر انهما أجنبيان عن معني القمار، إذ مضافا الي تصريح اللغويين بأنه اللعب بالآلات مع الرهن أو بدونه، أو المراهنة علي اختلاف تعابيرهم. انه مصدر من المفاعلة و المناسب للمعني المصدري أحد المعنيين الأخيرين كما لا يخفي. نعم في خبر أبي الجارود «1» أطلق القمار علي نفس الآلات، لكنه مضافا الي ضعف سنده و معارضته مع النصوص الاخر المتضمنة ان كل ما قومر به فهو الميسر، الظاهرة في ان القمار هو فعل المكلف، الاستعمال أعم من الحقيقة.

(2) و الاظهر بحسب المتفاهم العرفي هو المعني الثالث، و قد صرح به جمع من أئمة اللغة.

و أما المورد الثاني: فالظاهر ان القمار لا يصدق علي اللعب بدون الرهان كما يظهر لمن راجع الاستعمالات العرفية و كلمات اللغويين، ففي مجمع البحرين: أصل القمار الرهن

______________________________

(1) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 86

______________________________

علي اللعب بشي ء، و في القاموس: تقمره راهنه فغلبه، و نحوه ما عن لسان العرب، و في المنجد:

القمار كل لعب يشترط فيه أن يأخذ الغالب من المغلوب شيئا كان بالورق أو غيره.

و لا ينافيه ما عن ظاهر الصحاح و المصباح و التكملة و الذيل. انه قد يطلق علي اللعب بها مطلقا مع الرهن و دونه، فانه لو لم يدل علي انه موضوع للعب بها مع الرهن، و ان اطلاقه علي اللعب بدونه

نادر و مجاز، لا يدل علي انه بنحو الحقيقة.

و لو تنزلنا عن ذلك فلا أقل من الشك في صدقه بدونه، فيتعين الأخذ بالقدر المتيقن.

و لا يعتبر في صدقه أن يكون اللعب بالآلات المعدة للقمار بحيث لا منفعة لها غير القمار و لا بالآلات المعروفة الشاملة لها و لغيرها كالخاتم و الجوز و البيض التي تعارف اللعب بها و لها منافع شائعة اخر.

لما نري من صدق القمار علي اللعب بكل شي ء مع الرهن، من دون عناية و علاقة.

كما يظهر لمن راجع مرادف هذا اللفظ في سائر اللغات.

و لتصريح أكثر اللغويين بذلك.

و لما في جملة من النصوص من التصريح بالتعميم.

ففي صحيح معمر بن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام: النرد و الشطرنج و الأربعة عشر بمنزلة واحدة و كل ما قومر عليه فهو ميسر «1».

و في خبر جابر عن الإمام الباقر عليه السلام: قيل يا رسول الله ما الميسر؟ قال: كل ما تقومر به حتي الكعاب و الجوز «2».

و نحوهما غيرهما.

فالمتحصل مما ذكرناه: ان القمار هو اللعب بأي شي ء كان بشرط الرهن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 104، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 87

و كيف كان فهنا مسائل أربع لأن اللعب قد يكون بآلات القمار مع الرهن، و قد يكون بدونه، و المغالبة بغير آلات القمار قد تكون مع العوض و قد تكون بدونه.

فالأولي: اللعب بآلات القمار مع الرهن و لا إشكال في حرمته و حرمة العوض (1) و الاجماع عليه محقق و الأخبار به متواترة.

______________________________

اللعب بالآلات المعدة للقمار مع الرهن

المقام الثاني: في حكمه.

و المراد بحكمه ليس هو حرمة بيع الآلات المعدة للقمار وضعا و تكليفا، إذ الكلام

في ذلك قد تقدم في النوع الثاني مفصلا، بل المراد به في المقام هو حرمة اللعب بها.

و تنقيح القول في ذلك انما هو في ضمن مسائل.

(1) الاولي: لا خلاف بين علماء الإسلام في حرمة اللعب بالآلات المعدة للقمار مع الرهن، بل هي من ضروريات الإسلام، و تشهد له الآيات الشريفة «1» و النصوص المتواترة «2».

و ما ذكره المحقق الإيرواني قدس سره من انه لو كان القمار معناه المعاملة و المراهنة فلا يكون نفس اللعب حراما الا اذا كان اجماع علي حرمته ايضا، غريب.

إذ مضافا الي ان عليها الاجماع، تشهد لحرمته الآيات و النصوص المتضمنة للنهي عن اللعب بالشطرنج و النرد و سائر آلات القمار.

و من هذا القبيل المعاملة المعروفة في هذا العصر الواقعة علي ما يسمي في الفارسية ب (بليط بخت آزمائي) فإن ذلك الورق أعد لهذه المراهنة و المغالبة، فهي حرام، و العوض المأخوذ سحت، و قد اشبعنا الكلام فيها في كتابنا المسائل المستحدثة.

______________________________

(1) المائدة، آية 91- و البقرة، آية 184.

(2) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، و راجع الأبواب 102 و 103 و 104 و غير من الأبواب منها و راجع كتب الحديث غير ما اشرنا اليه كالمستدرك و البحار و غيرهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 88

الثانية: اللعب بآلات القمار من دون رهن (1) و في صدق القمار عليه نظر لما عرفت (2) و مجرد الاستعمال لا يوجب إجراء الأحكام المطلقات و لو مع البناء علي أصالة الحقيقة في الاستعمال لقوة انصرافها الي الغالب من وجود الرهن في اللعب بها. (3)

و منه تظهر الخدشة في الاستدلال علي المطلب بإطلاق النهي عن اللعب بتلك الآلات بناء علي انصرافه الي المتعارف من ثبوت الرهن،

نعم قد يبعد دعوي الانصراف في رواية أبي الربيع الشامي عن الشطرنج و النرد، قال عليه السلام: لا تقربوهما قلت: فالغناء قال: لا خير فيه لا تقربه.

______________________________

اللعب بالآلات المعدة للقمار بدون الرهن

(1) المسألة الثانية: في اللعب بالآلات المعدة للقمار بدون الرهن.

ففي جامع المقاصد: لا ريب في تحريم اللعب بذلك و إن لم يكن رهن.

و عن المستند: نفي الخلاف فيه.

و قد استدل للحرمة بوجهين:

أحدهما: الأدلة الناهية عن القمار من الآيات و الروايات.

و أورد عليه المصنف قدس سره بوجهين:

(2) الاول: ان في صدق القمار علي اللعب بدون الرهن نظرا.

و لكن قد عرفت عدم الصدق.

(3) الثاني: انصرف القمار علي فرض صدقه عليه عنه.

و فيه: ان منشأ الانصراف سواء كان هو قلة الوجود أو قلة الاستعمال، يرد عليه:

أولا: منع تلك، فإن اللعب بها بدون الرهن كثير، كما ان الاستعمال فيه كذلك.

و ثانيا: ان الانصراف الناشئ من قلة الوجود او قلة الاستعمال لا يوجب تقييد المطلقات و لا يعتني به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 89

و الأولي الاستدلال علي ذلك بما تقدم في رواية تحف العقول من ان ما يجئ منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات. (1)

و في تفسير القمي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: (إنما الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) قال اما الخمر فكل مسكر من الشراب الي ان قال: و أما الميسر فالنرد و الشطرنج و كل قمار ميسر الي أن قال و كل هذا بيعه و شراؤه و الانتفاع بشي ء من هذا حرام محرم. (2)

______________________________

ثانيهما: النصوص الناهية عن اللعب بالنرد و الشطرنج و غيرهما من آلات القمار كصحيح ابن خلاد، و خبر أبي الربيع المتقدمين،

و غيرهما من النصوص الواردة في تفسير الميسر و غيرها.

و أورد عليه المصنف قدس سره بأنها منصرفة الي اللعب بها مع الرهن، و قد عرفت ما فيه.

و قد استدل المصنف قدس سره له بوجوه:

(1) الاول: قوله عليه السلام في خبر تحف العقول: ان ما يجئ منه الفساد محضا لا يجوز التقلب فيه من جميع وجوه الحركات «1».

و فيه: أولا: انه ضعيف السند كما تقدم في أول الكتاب.

و ثانيا: ان المصنف قدس سره في مسألة الانتفاع بالنجس صرح بأن المراد بالتقلب ما يرجع الي الأكل و الشرب، بمعني ان المراد به المنافع المقصودة الظاهرة للشي ء، و عليه فيختص ذلك باللعب بها مع الرهن.

و ثالثا: ان كون تلك الآلات مما يجئ منه الفساد محضا يتوقف علي عدم كون اللعب بدون الرهن من منافعها، أو كونه حراما، و الأول كما تري، و الثاني لا بد و أن يحرز من الخارج، و لا يمكن اثباته بهذا الخبر، إذ الدليل المتكفل لبيان الحكم لا تعرض له للموضوع.

(2) الثاني: خبر أبي الجارود عن مولانا الباقر عليه السلام المذكور في المتن «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 90

و ليس المراد بالقمار هنا المعني المصدري حتي يرد ما تقدم من انصرافه الي اللعب مع الرهن بل المراد الآلات بقرينة قوله بيعه و شراؤه و قوله. و أما الميسر فهو النرد، … الخ.

و يؤيد الحكم (1) ما عن مجالس المفيد الثاني قدس سره ولد شيخنا الطوسي قدس سره

______________________________

و فيه: أولا: ان هذا الخبر ضعيف السند، لأن أبا الجارود زياد بن المنذر لم يرد فيه توثيق

بوجه، بل هو مذموم أشد الذم، فعن الامام الصادق عليه السلام انه كذاب، مع انه مرسل.

و ثانيا: ان الانصراف الذي يدعيه الشيخ قدس سره في سائر النصوص آت هنا، و ليس المراد انصراف القمار الي اللعب بالآلات مع الرهن حتي يقال إن القمار في هذا الخبر لم يرد به اللعب بل اريد به الآلات أنفسها بقرينة قوله بيعه و شرائه. و قوله و أما الميسر فالنرد و الشطرنج، بل المراد انصراف الانتفاع بها المنهي عنه الي اللعب بها مع الرهن.

الثالث: خبر أبي الربيع الشامي عن الامام الصادق عليه السلام: عن النرد و الشطرنج فقال:

لا تقربوهما «1» بتقريب ان المنهي عنه في هذا الخبر هو القرب اليهما، و هو لا ينصرف الي اللعب مع الرهن، إذ المستفاد من المنع عن القرب إرادة المبالغة في التنزه و الاجتناب التي لا يناسبها التخصيص بخصوص قسم خاص من التحرز و التجنب.

و فيه: أولا: انه ضعيف السند، لأن أبا الربيع مجهول الحال اللهم الا ان يقال: ان الراوي عنه بما انه ابن محبوب- و هو من أصحاب الاجماع- فخبره هذا معتمد.

و ثانيا انه بعد ما علم من أن المراد بالقرب ليس هو معناه الحقيقي بل أريد به المعني الكنائي و هو اللعب بهما، فسبيل هذا الخبر سبيل سائر المطلقات، و سيأتي التعرض لها، فعلي القول بانصرافها الي اللعب بها مع الرهن لا وجه للاستدلال به.

(1) و قد ذكر المصنف قدس سره جملة من الروايات لتأكيد الحكم.

______________________________

(1) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به، حديث 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 92

المؤمن لمشغول عن اللعب فان مقتضي اناطة الحكم بالباطل، و اللعب عدم اعتبار الرهن في حرمة اللعب بهذه الأشياء و

لا يجري (و عدم جريان) دعوي الانصراف هنا.

الثالثة: المراهنة علي اللعب بغير الآلات المعدة للقمار (1) كالمراهنة علي حمل الحجر الثقيل و علي المصارعة و علي الطيور و علي الطفرة و نحو ذلك مما عدوها في باب السبق و الرماية و من أفراد غير ما نص علي جوازه، و الظاهر الالحاق بالقمار في الحرمة و الفساد بل صريح بعض انه قمار و صرح العلامة الطباطبائي قدس سره في مصابيحه بعدم الخلاف في الحرمة و الفساد، و هو ظاهر كل من نفي الخلاف في تحريم المسابقة فيما عد المنصوص (2) مع العوض و جعل محل الخلاف فيها بدون العوض، فان ظاهر ذلك ان محل الخلاف هنا هو محل الوفاق هناك.

______________________________

و فيه: مضافا الي ضعف سنده لمحمد بن جعفر بن عنبسة و غيره، انه لا دلالة له علي حرمة اللعب، بل انما هو إرشاد الي ان المؤمن لا يشتغل بما لا يفيده في دينه أو دنياه.

اللعب بغير الآلات المعدة للقمار مع الرهن

(1) قوله الثالثة: في المراهنة علي اللعب بغير الآلات المعدة للقمار.

و الظاهر ان المشهور بين الأصحاب هو تحريم ذلك، و عن العلامة الطباطبائي قدس سره عدم الخلاف في التحريم و الفساد.

(2) و قد استظهر المصنف قدس سره ذلك من كل من نفي الخلاف في تحريم المسابقة فيما عدا المنصوص مع العوض و جعل محل الخلاف فيها بدون العوض.

توضيح ما أفاده: ان مورد الخلاف في المسابقة بدون العوض في غير الموارد المنصوصة هي الحرمة التكليفية، إذ لا رهن فيها كي يقع الخلاف في الحرمة الوضعية و الفساد، فمقابلة مورد الوفاق- و هي حرمة المسابقة- مع العوض بمورد الخلاف تقتضي كون مورد الوفاق هي الحرمة التكليفية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 93

و من المعلوم

أنه ليس هنا إلا الحرمة التكليفية دون خصوص الفساد و يدل عليه ايضا قول الصادق عليه السلام انه قال رسول الله صلي الله عليه و آله ان الملائكة لتحضر الرهان في الخف و الحافر و الريش و ما سوي ذلك قمار حرام.

و في رواية العلاء بن سيابة عن الصادق عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله ان الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الريش و النصل. (1)

______________________________

و كيف كان: فقد استدل للحرمة بوجوه:

الأول: الاجماع.

و فيه: انه لو ثبت لا يصلح للاعتماد عليه، فضلا عن عدم ثبوته، و ذلك لاحتمال استناد المجمعين الي الوجوه التي ستمر عليك.

الثاني: الآيات و الروايات الدالة علي حرمة القمار و الميسر و الأزلام، فانها بإطلاقها تدل علي حرمة المراهنة بغير الآلات المعدة للقمار لما عرفت من صدق القمار عليها. فراجع ما ذكرناه.

الثالث: النصوص الظاهرة في حرمتها، و هي طوائف:

(1) منها ما دل علي ان الملائكة تنفر عند الرهان و تلعن صاحبه.

كمرسل الصدوق عن الامام الصادق عليه السلام: إن الملائكة لتنفر عند الرهان و تلعن صاحبه ما خلا الحافر و الخف و الريش و النصل «1».

و خبر العلاء بن سيابة المذكور في المتن و قد روي المحدث العاملي هذه الرواية عن الصدوق عن الامام الصادق عليه السلام و ليس في سندها العلاء بن سيابة «2».

و فيه: أولا: انهما ضعيفا السند، أما الأول فللإرسال، و أما الثاني فلأن العلاء مجهول.

و ثانيا: ان الرهان مصدر باب المفاعلة، و هي المعاملة و المراهنة علي العمل الخارجي، و عليه فهما اجنبيان عن حرمة نفس العمل و اللعب الخارجي، و إنما يدلان علي

______________________________

(1) الوسائل، باب 1، من أبواب السبق و

الرماية، حديث 6.

(2) باب 3، من المصدر، ح 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 94

و المحكي عن تفسير العياشي عن ياسر الخادم عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الميسر، قال: الثقل من كل شي ء، قال: و الثقل ما يخرج بين المتراهنين من الدراهم و غيرها. (1)

و في مصححة معمر بن خلاد كل ما قومر عليه فهو ميسر. (2)

و في رواية جابر عن أبي جعفر عليه السلام قيل: يا رسول الله ما الميسر؟ قال: كل ما يقامر به حتي الكعاب و الجوز. (3) و الظاهر ان المقامرة بمعني المغالبة علي الرهن، و مع هذه الروايات الظاهرة بل الصريحة في التحريم المعتضدة بدعوي عدم الخلاف في الحكم ممن تقدم فقد استظهر بعض مشايخنا المعاصرين اختصاص

______________________________

حرمة المراهنة و فسادها، بل علي خصوص الفساد، و يكون اللعن من جهة أخذ العوض.

(1) و منها: ما عن تفسير العياشي عن ياسر الخادم عن الامام الرضا عليه السلام: المذكور في المتن «1».

و فيه: أولا: انه ضعيف السند لياسر.

و ثانيا: انه يدل علي ان الرهن من الميسر، فتشمله الآية الآمرة بالاجتناب عنه، فغاية ما يثبت به حرمة التصرف فيه، فهو يدل علي الفساد دون الحرمة التكليفية.

(2) و منها: صحيح ابن خلاد عن أبي الحسن عليه السلام: النرد و الشطرنج و الاربعة عشر بمنزلة واحدة، و كل ما قومر عليه فهو ميسر «2».

و فيه: ان ما يقامر عليه هو الرهن، و عليه فيرد عليه ما أوردناه علي سابقه.

(3) و منها: خبر جابر عن الامام الباقر عليه السلام: قيل يا رسول الله ما الميسر؟ قال: كلما تقومر به حتي الكعاب و الجوز «3».

و فيه: انه ضعيف السند لأن في سنده عمرو بن شمر.

و منها: خبر

إسحاق بن عمار عن الامام الصادق عليه السلام: عن الصبيان يلعبون بالجوز و البيض و يقامرون: لا تأكل منه فإنه حرام «4».

و فيه: انه صريح في الفساد و اجنبي عن ما هو محل الكلام.

______________________________

(1) الوسائل، باب 104، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 104، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

(3) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

(4) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 95

الحرمة بما كان بالآلات المعدة للقمار. (1) و أما مطلق الرهان و المغالبة بغيرها فليس فيه الا فساد المعاملة و عدم تملك الرهن فيحرم التصرف فيه لأنه أكل مال بالباطل و لا معصية من جهة العمل كما في القمار بل لو أخذ الرهن هنا بعنوان الوفاء بالعهد الذي هو نذر لا كفارة له مع طيب النفس من الباذل لا بعنوان ان المقامرة المذكورة أوجبته و الزمته أمكن القول بجوازه، و قد عرفت من الأخبار اطلاق القمار عليه و كونه موجبا للعن الملائكة و تنفرهم و انه من الميسر المقرون بالخمر.

و أما ما ذكره أخيرا من جواز أخذ الرهن بعنوان الوفاء بالعهد فلم أفهم معناه لأن العهد الذي تضمنه العقد الفاسد لا معني لاستحباب الوفاء به اذ لا يستحب ترتيب آثار الملك علي ما لم يحصل فيه سبب تملك الا ان يراد صورة الوفاء بأن يملكه تملكا جديدا بعد الغلبة في اللعب لكن حل الأكل علي هذا الوجه جار في القمار المحرم ايضا (2) غاية الأمر الفرق بينهما بأن الوفاء لا يستحب في المحرم لكن الكلام في تصرف المبذول له بعد التمليك الجديد لا في فعل الباذل و

انه يستحب له او لا و كيف كان، فلا أظن الحكم بحرمة الفعل

______________________________

(1) و قد أنكر صاحب الجواهر و هو المراد من قوله بعض مشايخنا المعاصرين الحرمة التكليفية و محصل ما يفيده قدس سره بعد إنكار اطلاق او عموم للنصوص الواردة في الباب الدالة علي الحرمة التكليفية.

بأنه لا يترتب علي مطلق المغالبة بغير الآلات المعدة للقمار سوي عدم تملك الراهن لفساد المعاملة فيحرم التصرف فيه لأنه أكل للمال بالباطل.

و أما نفس العمل فليس كالقمار كي يكون محرما و لا معصية من جهته.

ثمّ انه قدس سره يقول ان حرمة التصرف في المأخوذ انما هو فيما لو أخذه الراهن بعنوان الوفاء بالمعاملة و أما لو كان الأخذ بعنوان الوفاء بما يتعهده الباذل قبل المعاملة و يتواعدان علي ان يملك كل منهما الآخر علي فرض الغلبة.

فأخذ الغالب الرهن هنا بعنوان الوفاء بالوعد الذي هو نذر لا كفارة له كما في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 96

مضافا الي الفساد محل اشكال، بل و لا محل خلاف كما يظهر من كتاب السبق و الرماية، و كتاب الشهادات، و تقدم دعواه صريحا من بعض الأعلام. نعم عن الكافي و التهذيب بسندهما عن محمد بن قيس (1) عن أبي جعفر عليه السلام انه قضي أمير المؤمنين عليه السلام في رجل آكل و أصحاب له شاة، فقال: ان أكلتموها فهي لكم و إن لم تأكلوها فعليكم كذا و كذا، فقضي فيه ان ذلك باطل لا شي ء في المؤاكلة من الطعام ما قل منه أو كثر، و منع غرامة فيه و ظاهرها من حيث عدم ردع الامام عن فعل مثل هذا انه ليس بحرام الا انه لا يترتب عليه الأثر لكن هذا وارد علي تقدير

القول بالبطلان و عدم التحريم لأن التصرف في هذا المال مع فساد المعاملة حرام ايضا، فتأمل. (2)

______________________________

مصحح «1» هشام عن الامام الصادق عليه السلام عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له الحديث، فيكون الأخذ بعنوان الوفاء بالوعد الذي هو لو لم يكن واجبا لا ريب في استحبابه.

و لا يرد عليه ما في المتن لكن حل الأكل علي هذا الوجه جار في القمار المحرم ايضا.

فانه يندفع بأن القمار حرام و كذا كل ما يسستتبعه فتدبر.

نعم يمكن أن يقال إن الوعد غير الشرط في ضمن العقد و هو أمر مستقل لا ربط له به و انما يكون القمار من دواعيه، و عليه فيرد عليه ما أفاده المصنف قدس سره.

و قد أنكر صاحب الجواهر قدس سره الحرمة التكليفية و التزم بخصوص الفساد.

(1) و استدل له: بصحيح محمد بن قيس عن الامام الباقر عليه السلام المذكور في المتن «2».

بدعوي انه متضمن لفساد المراهنة في الطعام خاصة، و لو كانت هي محرمة لردع عنها ايضا، فيستكشف من عدم الردع الجواز.

(2) و أجاب عنه المصنف قدس سره بانه لا يصح استكشاف الجواز من عدم ردعه عليه السلام في المقام، و الا لدل علي جواز التصرف في الشاة لعدم الردع عن ذلك، مع انه علي القول بالبطلان يحرم التصرف فيها لكونها مال الغير.

______________________________

(1) الوسائل، باب 109، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 5، من أبواب كتاب الجعالة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 97

ثمّ إن حكم العوض من حيث الفساد حكم سائر المأخوذ بالمعاملات الفاسدة يجب رده علي مالكه مع بقائه و مع التلف فالبدل مثلا او قيمة، و ما ورد من قي ء الامام البيض الذي قامر (1) به الغلام

فلعله للحذر من أن يصير الحرام

______________________________

و فيه: أولا: انه لم يذكر في الرواية ان أصحاب الرجل تصرفوا في الشاة حتي يكون سكوته عن بيان حرمته دليل الجواز.

و ثانيا: انه قد دلت الأدلة الاخر علي حرمة التصرف في المقبوض بالعقد الفاسد، و لأجلها لا يحكم بالجواز بخلاف المراهنة.

و ثالثا: ما ورده المحقق الايرواني قدس سره بأن الظاهر منه أن صاحب الشاة قد أباح شاته بشرط أن يلتزموا بإعطاء كذا إن لم يأكلوا لا بشرط أن يعطوا، و قد التزموا فتنجزت الاباحة، فأكلهم كان بالاباحة المالكية، و عدم كونهم ملتزمين بالوفاء شرعا لا يرفع الاباحة المالكية، فلا يكون التصرف في الشاة محرما.

فالحق في الجواب عنه أن يقال: إن الظاهر كون الخبر أجنبيا عن المراهنة بالأكل، و انما يكون مورد الخبر الاباحة المالكية المشروطة بالالتزام بالاعطاء لا الإعطاء.

(1) نظره الشريف بعد ما أفاد بان حكم العوض من حيث الفساد حكم سائر المأخوذ بالمعاملات، الي انه قد يتوهم ان ما ورد من قي ء الامام البيض ينافي ذلك و هو ما رواه عبد الحميد بن سعيد قال: بعث ابو الحسن عليه السلام غلاما يشتري له بيضا فأخذ الغلام بيضة أو بيضتين فقامر بها فلما أتي له به أكله فقال له مولي له: ان فيه من القمار قال: فدعا بطشت فتقيأ فقاءه «1».

و لكن يرد عليه: انه علي تقدير صحة سنده- مع انه محل نظر لجهالة عبد الحميد المذكور- لا ينافي القاعدة المسلمة و هي لزوم دفع المأخوذ بالعقد الفاسد مع بقاء عينه، و مع تلفه يجب رد بدله من المثل ان كان مثليا، أو القيمة إن كان قيميا و ذلك لوجوه:

______________________________

(1) الوسائل، باب 35، من أبواب ما يكتسب به، حديث

2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 98

جزء من بدنه لا للرد علي المالك لكن يشكل بأن ما كان تأثيره كذلك يشكل أكل المعصوم له جهلا بناء علي عدم اقدامه علي المحرمات الواقعية الغير المتبدلة بالعلم «بالجهل» لا جهلا و لا غفلة لأن ما دل علي عدم جواز الغفلة عليه في ترك الواجب و فعل الحرام دل علي عدم جواز الجهل عليه في ذلك، اللهم الا أن يقال بأن مجرد التصرف من المحرمات العلمية و التأثير الواقعي الغير المتبدل بالجهل انما هو في بقائه و صيرورته بدلا عما يتحلل من بدنه عليه السلام و الفرض اطلاعه عليه في اوائل وقت تصرف المعدة و لم يستمر جهله.

هذا كله لتطبيق فعلهم علي القواعد و الا فلهم في حركاتهم من أفعالهم و أقوالهم شئونا لا يعلمها غيرهم. (1)

______________________________

الأول: انه يحتمل أن البيض الذي أكله هو الذي اشتراه له، و انما قاءه لانه قومر به، فاراد الاجتناب عنه لئلا يصير ذلك جزء من بدنه الشريف.

الثاني: ان الدنيا و ما فيها للإمام، و هو أولي بالتصرف في الأموال من المالكين كما نطقت بذلك جملة من النصوص، و قيئه حينئذ انما كان لما تقدم.

الثالث: انه مع الإغماض عن هذين الوجهين و تسليم كونه مال الغير لا يتوهم أحد ان قيئه عليه السلام كان لأجل رده الي مالكه لأنه بالأكل قد تلف، و هو بعد القي ء يعد من القذارات العرفية.

و يبقي علي هذا الوجه الإشكال في انه عليه السلام كيف أكل الحرام الواقعي؟ و الجواب عنه.

(1) ما أشار اليه المصنف قدس سرة بقوله: و لهم في حركاتهم من افعالهم و أقوالهم شئونا لا يعلمها غيرهم.

حكم المسابقة بغير رهان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 99

الرابعة: المغالبة بغير عوض

في غير ما نص علي جواز المسابقة فيه (1) و الأكثر علي ما في الرياض علي التحريم بل حكي فيها عن جماعة دعوي الإجماع عليه (2) و هو الظاهر من بعض العبارات المحكية عن التذكرة.

فعن موضع منها انه لا تجوز المسابقة علي المصارعة بعوض و لا بغير عوض عند علمائنا أجمع لعموم النهي، الا في الثلاثة الخف، و الحافر، و النصل.

و ظاهر استدلاله ان مستند الإجماع هو النهي، و هو جار في غير المصارعة ايضا، و عن موضع آخر لا يجوز المسابقة علي رمي الحجارة باليد و المقلاع و المنجنيق سواء كان بعوض او بغير عوض عند علمائنا.

و فيه ايضا لا يجوز المسابقة علي المراكب و السفن و الطيارات عند علمائنا، و قال ايضا لا يجوز المسابقة علي مناطحة الغنم و مهارشة الديك بعوض و لا بغير عوض، قال و كذلك لا يجوز المسابقة بما لا ينتفع به في الحرب، وعد فيما مثل به اللعب بالخاتم و الصولجان و رمي البنادق و الجلاهق و الوقوف علي رجل واحد و معرفة ما في اليد من الزوج و الفرد و سائر الملاعب، و كذا للبث في الماء، قال: و جوزه بعض الشافعية و ليس بجيد، انتهي.

و ظاهر المسالك الميل الي الجواز و استجوده في الكفاية و تبعه بعض من تأخر عنه للأصل و عدم ثبوت الإجماع و عدم النص عدا ما تقدم من التذكرة من

______________________________

(1) هذه هي المسألة الرابع و هي في المغالبة بغير عوض في غير ما نص علي جواز المسابقة فيه كالمصارعة و المسابقة علي المراكب و السفن، و رمي الحجارة و نحو ذلك.

و الظاهر ان المشهور بين الأصحاب هو التحريم، و في جامع المقاصد:

ظاهر المذهب التحريم، و صريح المحكي عن التذكرة و غيرها: ان عليه إجماع الإمامية.

و عن الشهيد الثاني و من تبعه، و المحقق السبزواري، و جمع من الأساطين و في الحدائق و الجواهر: الجواز.

و استدل للأول بوجوه:

(2) الأول: الإجماع الذي حكاه غير واحد.

و فيه: ان الإجماع لو تحقق لا يعتمد عليه في المقام لعدم كونه تعبديا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 100

عموم النهي (1) و هو غير دال لأن السبق في الرواية يحتمل التحريك بل في المسالك انه المشهور في الرواية و عليه فلا يدل الا علي تحريم المراهنة بل هي غير ظاهرة في التحريم ايضا لاحتمال ارادة فسادها، بل هو الأظهر لأن نفي العوض ظاهر في نفي استحقاقه و ارادة نفي جواز العقد عليه في غاية البعد و علي تقدير السكون فكما يحتمل نفي الجواز التكليفي فيحتمل نفي الصحة لوروده مورد الغالب من اشتمال المسابقة علي العوض (2) و قد يستدل للتحريم ايضا.

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثاني و هو خبر «1» عبد الله بن سنان الإمام الصادق عليه السلام: لا سبق الا في خف او حافر او نصل. يعني النضال.

بتقريب ان السبق بسكون الباء مصدر، و المراد من نفيه نفي المشروعية، و مقتضي اطلاقه عدم مشروعية المسابقة بدون الرهن.

و أورد عليه تارة: بضعف السند لمعلي بن محمد كما عن الأستاذ.

و فيه: انه حسن أقلا لكونه من مشايخ الإجازة.

و اخري: بما في المكاسب.

(2) بأنه كما يحتمل نفي الجواز التكليفي يحتمل نفي الصحة، لوروده مورد الغالب من اشتمال المسابقة علي العوض.

و يمكن دفعه: بأن المسابقة بغير الرهان كثيرة، مع ان قلة الوجود لا توجب الانصراف كما تقدم.

و ثالثة: بما عن الكفاية: انه يحتمل أن يكون معناه لا اعتداد

بسبق في أمثال هذه الأمور الا في الثلاثة، أو لا فضل لسبق الا في الثلاثة، فلا دلالة فيه علي التحريم.

و فيه: ما تقدم من ظهوره علي هذا التقدير في نفي المشروعية.

فالأولي أن يورد عليه: بأنه لم يثبت كون السبق المذكور (بسكون الباء) بل من المحتمل أن يكون (بالفتح)، بل عن الشهيد الثاني: انه المشهور و السبق (بالفتح) هو العوض و الرهن، و نفيه ظاهر في ارادة فساد المراهنة لظهوره في نفي استحقاقه، و عليه فلا يمكن الاستدلال به للإجماع و عدم ثبوت قراءة السكون

______________________________

(1) باب 3، من أبواب أحكام السبق و الرماية، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 101

(1) بأدلة القمار بناء علي انه مطلق المغالبة و لو بدون العوض كما يدل عليه ما تقدم من إطلاق الرواية بكون اللعب بالنرد و الشطرنج بدون العوض قمارا. (2)

و دعوي انه يشترط في صدق القمار احدي الأمرين: أما كون المغالبة بالآلات المعدة للقمار، و إن لم يكن عوض. و أما المغالبة مع العوض و إن لم يكن بالآلات المعدة للقمار علي ما يشهد به اطلاقه في رواية الرهان في الخف و الحافر في غاية البعد، بل الأظهر انه مطلق المغالبة و يشهد له ان اطلاق آلة القمار موقوف علي عدم دخول الآلة في مفهوم القمار (3) كما في سائر الآلات المضافة الي الأعمال و الآلة غير مأخوذة في المفهوم.

و قد عرفت أن العوض ايضا غير مأخوذ فيه فتأمل.

______________________________

(1) الثالث: اطلاق أدلة القمار لأنه مطلق المغالبة و لو بدون العوض.

(2) و يشهد به ما تقدم من اطلاق الرواية بكون بالنرد و الشطرنج بدون العوض قمارا.

و فيه ما عرفت في أول المسألة من أخذ الرهان في مفهوم القمار.

و أما

الاستدلال بما دل علي ان اللعب بالشطرنج بدون العوض قمار.

فيتوجه عليه انه لو صح سند الخبر يرد علي الاستدلال به، ان الإطلاق أعم من الحقيقة و حرمة اللعب بالنرد و الشطرنج بدون العوض انما هي للأدلة الخاصة لا لصدق القمار عليه.

و أما ما أورده المصنف قدس سره عليه بقوله.

(3) ان اطلاق ادلة القمار موقوف علي عدم دخول الآلة في مفهوم القمار.

فيتوجه عليه انه لم يدع أحد كون الآلة جزء من مفهوم القمار.

بل من يدعي اعتبار كون المغالبة بالآلات المعدة للقمار، انما يقول بدخول التقيد بها في صدقه و الا فلا ريب في خروجها عن مفهومه.

الرابع: ما دل علي نفار الملائكة عند الرهان و لعن صاحبه ما خلا الثلاثة «1»، مع التصريح في بعضها بأن ما عداها قمار محرم لصدق الرهان بدون العوض عرفا و عادة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 1، من أبواب أحكام السبق و الرماية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 102

و يمكن ان يستدل علي التحريم ايضا بما تقدم من أخبار حرمة الشطرنج و النرد معللة بكونها من الباطل و اللعب (1) و ان كل ما الهي عن ذكر الله فهو الميسر و قوله عليه السلام في بيان حكم اللعب بالأربعة عشر لا تستحب شيئا من اللعب غير الرهان و الرمي و المراد رهان الفرس، و لا شك في صدق اللهو و اللعب، فيما نحن فيه ضرورة ان العوض لا دخل له في ذلك و يؤيده ما دل علي ان كل لهو المؤمن باطل خلا ثلاثة (2) وعد منها اجراء الخيل و ملاعبة الرجل امرأته.

و لعله لذلك كله استدل في الرياض تبعا للمهذب بما دل علي حرمة اللهو، لكن قد يشكل الاستدلال فيما اذا تعلق بهذه الأفعال

غرض صحيح يخرجه عن صدق اللهو عرفا فيمكن اناطة الحكم باللهو و يحكم في غير مصاديقه بالإباحة الا أن يكون قولا بالفصل، و هو غير معلوم و سيجي ء بعض الكلام في ذلك عند التعرض لحكم اللهو و موضوعه إن شاء الله.

______________________________

و فيه: مضافا الي ما تقدم في المسألة السابقة: انه لا يصدق الرهان علي ما لا رهن فيه و لا عوض.

(1) الخامس: ما دل علي حرمة اللهو، و هي كثيرة:

منها: ما اشار اليه في المتن و هو ما علل فيه تحريم اللعب بالنرد و الشطرنج بأنه من اللهو و الباطل «1» و قد تقدم.

(2) و منها: ما تضمن أن كل لهو المؤمن باطل الا في ثلاث «2».

و منها: غير ذلك.

و فيه: اولا: سيأتي في مسألة اللهو ان القول بحرمته مطلقا باطل شاذ.

و ثانيا: ان النسبة بين اللهو و المسابقة عموم من وجه، إذ ربما تكون المسابقة لغرض عقلائي من التفريح و تربية البدن و غير ذلك كما لا يخفي.

فتحصل: انه لا دليل علي التحريم.

______________________________

(1) الوسائل، باب 102، من أبواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل، باب 1، من أبواب أحكام السبق و الرماية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 103

السادسة عشر: القيادة حرام (1)

و هي السعي بين الشخصين لجمعهما علي الوطي المحرم و هي من الكبائر (2) و قد تقدم تفسير الواصلة و المستوصلة بذلك في مسألة تدليس الماشطة.

و في صحيحة ابن سنان أنه يضرب ثلاثة أرباع حد الزاني خمسة و سبعين سوطا و ينفي من المصر الذي هو فيه.

______________________________

فالأظهر هو الجواز للسيرة القطعية المستمرة بين العلماء و العوام علي المسابقة في عدة من الأمور كالسباحة و المشاعرة و المصارعة، و نحو ذلك، و لما ورد من مصارعة الإمامين الحسن و الحسين

عليهما السلام بأمر النبي صلي الله عليه و آله و ما ورد من مكاتبتهما و التقاطهما حب قلادة أمهما «1».

القيادة حرام

(1) السادسة عشرة لا خلاف و لا إشكال في حرمة القيادة، بل حرمتها من ضروريات الإسلام.

و تدل عليها جملة من النصوص: منها مرسل الورام عن النبي صلي الله عليه و آله عن جبرئيل عليه السلام قال: اطلعت علي النار فرأيت واديا في جهنم يغلي فقلت: يا مالك لمن هذا؟ فقال: لثلاثة:

المحتكرين و المدمنين للخمر و القوادين «2».

و منها: ما في عدة من الأخبار المتقدمة في مسألة تدليس الماشطة من تفسير الواصلة و المستوصلة بذلك.

و منها: صحيح ابن سنان عن الإمام الصادق عليه السلام عن حد القواد قال عليه السلام: يضرب ثلاثة ارباع حد الزاني خمسة و سبعين سوطا و ينفي من المصر الذي هو فيه «3».

و منها: غير ذلك.

(2) قال المصنف قدس سره و هي من الكبائر.

______________________________

(1) المستدرك، باب 4، من أبواب أحكام السبق و الرماية، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 27، من أبواب آداب التجارة، حديث 11.

(3) الوسائل، باب 5، من أبواب حد السحق و القيادة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 104

السابعة عشر: القيافة حرام (1)
اشارة

في الجملة نسبه في الحدائق الي الأصحاب. و في الكفاية لا أعرف خلافا.

______________________________

ان في تقسيم الذنوب الي الكبائر و الصغائر.

ثمّ في ان الصغيرة لا تضر بالعدالة كلاما محررا في محله، و لعل الأظهر منع كلا الأمرين.

و لكن علي تقدير صحة التقسيم و عدم مضرية الصغيرة بالعدالة الأقوي ما ذكره قدس سره من كون القيادة من الكبائر إذ الكبيرة كما عرفت في مسألة الغيبة معصية نص علي كونها كذلك، أو توعد عليها في الكتاب او السنة او ترتب آثار الكبيرة عليها.

و القيادة توعد

عليها في جملة من النصوص: منها ما تقدم، و منها ما عن عقاب الأعمال عن النبي صلي الله عليه و آله: من قاد بين امرأة و رجل حراما حرم الله عليه الجنة و مأواه جهنم و سائت مصيرا و لم يزل في سخط الله حتي يموت «1».

و منها ما عن عيون الأخبار عن النبي صلي الله عليه و آله- في حديث- و أما التي كانت تحرق وجهها و بدنها و هي تجر أمعائها فانها كانت قوادة «2».

و منها غير ذلك.

كما انه رتب عليها أثر الكبيرة و هو الحد و النفي من البلد كما في صحيح ابن سنان المتقدم، إذ الصغيرة قد وعد الله تعالي التكفير عنها مع اجتناب الكبائر، و الصغيرة المكفرة لا توجب الحد و النفي من البلد، و معلوم ان اطلاق الصحيح شامل للمكفرة و غيرها، فيستكشف من ذلك عدم كونها صغيرة.

القيافة

(1) السابعة عشرة القيافة حرام كما هو المشهور، و نسبه صاحب الحدائق الي الأصحاب.

و عن المنتهي: دعوي الإجماع عليه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 27، من أبواب النكاح المحرم، حديث 2.

(2) الوسائل، باب 117 من أبواب مقدمات النكاح، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 105

و عن المنتهي الإجماع و القائف كما عن الصحاح و القاموس و المصباح هو الذي يعرف الآثار.

و عن النهاية و مجمع البحرين زيادة انه يعرف شبه الرجل بأخيه و أبيه، و في جامع المقاصد و المسالك كما عن ايضاح النافع و الميسية: انها الحاق الناس بعضهم ببعض و قيد في الدروس و جامع المقاصد كما في التنقيح حرمتها بما اذا ترتب عليها محرم.

و الظاهر انه مراد الكل و الا فمجرد حصول الاعتقاد العلمي او الظني بنسب شخص لا دليل علي تحريمه

(1) و لذا نهي في بعض الأخبار عن إتيان القائف و الأخذ بقوله، ففي المحكي عن الخصال ما احب ان تأتيهم.

______________________________

و الكلام في هذه المسألة يقع في موارد:

الأول: ان القيافة- علي ما يستفاد من كلمات اللغويين- هي معرفة الآثار و شبه الشخص باقربائه، فعن الصحاح و القاموس و المصباح: القائف هو الذي يعرف الآثار

أي العلامات المختصة بكل قبيلة الموجبة لشباهة الرجل بأبيه أو أخيه أو سائر أقربائه، و عن النهاية: هو الذي يعرف الآثار و يلحق الولد بالوالد و الأخ بأخيه، و في المنجد: هو الذي يعرف النسب بفراسته و نظره الي أعضاء المولود.

(1) الثاني: الظاهر لا ريب في جواز تحصيل العلم أو الظن بالأنساب بعلم القيافة، و لم أر من أفتي بحرمته و لاما يدل عليها.

نعم ظاهر الروايات ان القيافة لا تطابق الواقع دائما، ففي خبر أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام: القيافة فضلة من النبوة ذهبت في الناس حين بعث النبي صلي الله عليه و آله «1».

و عليه فلا يحصل العلم منها لمن لاحظ النصوص.

و أما تعليمها و تعلمها، ففي الحدائق لا خلاف في تحريم تعليمها، و لكن لم يرد في الشريعة المقدسة ما يدل علي حرمة ذلك، و الأصل يقتضي الجواز.

______________________________

(1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 106

______________________________

[حرمة اتيان القائف و ترتيب الأثر علي قوله]

الثالث: ان القائف ان أخبر بما استخرجه من القيافة جزما مع عدم علمه به فهو حرام لكونه كذبا، و الا فالأظهر هو الجواز.

و قد استدل للحرمة بعض مشايخنا المحققين.

بدخوله في السحر و الكهانة.

و بظهور معاقد الإجماعات، بدعوي ان مراد من قيد الحرمة بما اذا ترتب عليها محرم هو اخباره بذلك.

و بقوله عليه السلام في صحيح

الهيثم: من مشي الي ساحر أو كاهن أو كذاب يصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل الله من كتاب «1». إذ في جعل المخبر بالشي ء الغائب بين الثلاثة دلالة علي حرمة اخباره.

و في الجميع نظر:

أما الأول: فلأن السحر علي ما تقدم هو صرف الشي ء عن وجهه علي سبيل التمويه و الخدعة، و الكهانة هي الاخبار عن الحوادث المستقبلة لاتصاله بالجن او الشيطان، فلا وجه لدعوي دخول القيافة فيهما.

و أما الثاني: فلأن الظاهر ان معقد الإجماعات هو الرجوع الي القائف و ترتيب الآثار عليه.

و أما الثالث: فلأنه انما يدل علي حصر المحرم من الاخبار عن الغائبات علي سبيل الجزم باخبار احدي هذه الطوائف الثلاث، لا حصر المخبر عنها بهم كما هو واضح.

مع انه لا يدل علي حرمة الاخبار و انما يدل علي حرمة الرجوع.

الرابع: يحرم الرجوع الي القائف و ترتيب الآثار علي قوله من نفي النسب عن شخص أو الحاقه به و الحكم بأنه يرثه الي غير ذلك من الآثار بلا خلاف، و عن المنتهي:

دعوي الإجماع عليه.

و يشهد له- بعد فرض ان قواعد علم القيافة لا تطابق الواقع و القواعد الشرعية دائما أو احتمل ذلك- ما دل من الآيات و الروايات علي ان الظن لا يغني من الحق شيئا و انه لا يجوز العمل بغير علم، مضافا الي ان النسب- ما لم تقم علي ثبوته أمارة شرعية-

______________________________

(1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 107

و عن مجمع البحرين ان في الحديث لا أخذ بقول قائف، و قد افتري بعض العامة علي رسول الله صلي الله عليه و آله في انه قضي بقول القافة، و قد أنكر ذلك عليهم في

الاخبار كما يشهد به ما عن الكافي عن زكريا بن يحيي بن نعمان المصري (1)

قال: سمعت علي بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين، فقال و الله لقد نصر الله أبا الحسن الرضا عليه السلام فقال الحسن: أي و الله جعلت فداك لقد بغي عليه اخوته، فقال علي بن جعفر: أي و الله و نحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن:

جعلت فداك كيف صنعتم فاني لم احضركم، قال: فقال له اخوته و نحن ايضا: ما كان فينا امام قط حائل اللون، فقال لهم الرضا عليه السلام: هو ابني فقالوا: ان رسول الله صلي الله عليه و آله قضي بالقافة فبيننا و بينك القافة، فقال: ابعثوا انتم اليهم. و أما انا فلا و لا تعلموهم لما دعوتموهم اليه و ليكونوا في بيوتكم، فلما جاءوا و قعدنا في البستان و اصطف عمومته و اخوته و اخواته و أخذوا الرضا عليه السلام و البسوه جبة من صوف و قلنسوة و وضعوا علي عنقه مسحاة و قالوا له: ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثمّ جاءوا بأبي جعفر عليه السلام و قالوا: الحقوا هذا الغلام بأبيه فقالوا ماله هنا أب و لكن هذا عم أبيه، و هذا عمه و هذه عمته و إن يكن له هنا أب فهو صاحب البستان فان قدميه و قدميه واحدة فلما رجع ابو الحسن عليه السلام قالوا هذا ابوه فقال علي بن جعفر فقمت فمصصت ريق أبي جعفر عليه السلام و قلت: اشهد انك امامي الخبر، نقلناه بطوله تيمنا.

______________________________

ينفي بالاستصحاب، فالحكم بثبوته و ترتب الآثار عليه من التوارث و النظر و غيرهما لا يجوز، و يؤيده خبر أبي بصير عن مولانا الصادق

عليه السلام قال: قلت: فالقيافة؟ قال: ما أحب ان تأتيهم «1». و قد ما في مجمع البحرين: ان في الحديث: لا آخذ بقول قائف.

(1) و قد استدل المصنف قدس سره للحرمة: بخبر زكريا بن نعمان الصير في الوارد

في اثبات بنوة الجواد عليه السلام لأبي الحسن بالرجوع الي القافة «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

(2) الكافي، ج 1، ص 322.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 108

الثامنة عشرة: الكذب حرام (1)
اشارة

بضرورة العقول و الأديان، و يدل عليه الأدلة الأربعة.

______________________________

و الظاهر أن مورد استشهاده به قول الإمام الرضا عليه السلام لإخوته بعد ما قالوا له: ان رسول الله صلي الله عليه و آله قد قضي بالقافة فبيننا و بينك القافة: ابعثوا انتم إليهم و أما أنا فلا.

و فيه: ان قوله عليه السلام و أما أنا فلا، يمكن أن يكون لأجل انه كان عالما ببنوة الجواد عليه السلام و لم يكن في شك في ذلك.

مع أن عدم بعثه اليهم و إظهار ذلك لا يدل علي عدم المشروعية، بل ظاهر الخبر ان الخاصة أيضا كانوا يعتقدون بقضائه صلي الله عليه و آله بقول القافة و الإمام عليه السلام لم يردع عن ذلك، فهو يدل علي الجواز.

و لكن يرد علي الخبر- مضافا الي ضعف سنده لزكريا-.

إن إخوة الرضا عليه السلام و عمومته إن لم يكونوا قائلين بإمامته عليه السلام فما فائدة الرجوع الي القافة الإثبات بنوة الجواد عليه السلام و إن كانوا قائلين بإمامته لما احتاجوا اليهم بعد اخباره ببنوته.

الخامس: يحرم أخذ الأجرة علي اخبار القائف و إن كان اخباره علي وجه الجواز لكونه عملا لا يترتب عليه أثر جائز، و لما في خبر الجعفريات من جعل أجر القائف من

السحت «1».

حرمة الكذب

(1) قوله: الثامنة عشرة الكذب حرام بضرورة العقول و الأديان، و تدل عليه الأدلة الأربعة.

أما الكتاب و السنة: فقد دلت عليه كثير من الآيات و النصوص و سيمر عليك بعضها.

______________________________

(1) المستدرك، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 109

إلا أن الذي ينبغي الكلام

فيه مقامان
أحدهما في انه من الكبائر
اشارة

و الثاني في مسوغاته. أما الأول فالظاهر من غير واحد من الأخبار.

______________________________

و أما الإجماع: فالظاهر أن حرمة الكذب من ضروريات جميع الأديان، فضلا عن دين الإسلام و عن اتفاق العلماء عليها.

و أما العقل: فهو مستقل بقبحه لكونه مفتاح الشرور و رأس الفجور.

الكذب من الكبائر

و قد وقع الكلام بين الأصحاب في موردين:

الأول: في انه هل هو من الكبائر أم لا؟ و قد مر في مبحث الغيبة ضابط كون المعصية صغيرة أو كبيرة علي تقدير صحة تقسيمها اليهما.

و هو أحد أمور علي سبيل منع الخلو:

أحدها: ورود النص علي كونها من الكبائر.

ثانيها: التوعيد عليها في الكتاب و السنة.

ثالثها: ترتيب آثار الكبيرة عليها.

رابعها: جعلها أكبر من الذنب الذي ثبت كونه منها.

و الوجوه المحتملة في كون الكذب من الكبائر ثلاثة:

الأول: ما اختاره المصنف قدس سره تبعا للفاضلين و الشهيد الثاني و هو انه من الكبائر مطلقا.

الثاني: عدم كونه منها مطلقا، بل القسم الخاص منه و هو الكذب علي الله و علي حججه و الكذب لقتل النفس المحترمة و نحوه منها.

الثالث: عدم كونه منها مطلقا.

و قد استدل المصنف لما اختاره بجملة من النصوص و بالكتاب، و أيده ببعض نصوص اخر.

أما النصوص التي استدل بها علي كون الكذب من الكبائر مطلقا فمتعددة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 110

كالمروي في العيون (1) بسنده عن الفضل بن شاذان لا يقصر عن الصحيح، و المروي

عن الأعمش في حديث شرائع الدين عده من الكبائر.

و في الموثقة بعثمان بن عيسي ان الله تعالي جعل للشر أقفالا، و جعل مفاتيح تلك الأقفال الشراب، و الكذب شر من الشراب. (2)

______________________________

(1) منها: ما هو المروي عن العيون بسنده عن الفضل بن شاذان حيث جعل الإمام عليه السلام فيه الكذب من الكبائر «1» و نحوه خبر الأعمش «2».

و أورد عليه الأستاذ الأعظم بأنهما ضعيفا السند و قد ذكر في وجه ضعف خبر العيون بأن للصدوق الي الفضل اسنادا كلها مجاهيل، إذ في أحد طرقه: عبد الواحد بن محمد ابن عبدوس النيسابوري، و علي بن قتيبة النيسابوري، و هما مجهولان، و في الطريق الآخر: الحاكم ابو محمد جعفر بن نعيم، و هو مجهول، و في الطريق الثالث: حمزة بن محمد العلوي، فهو أيضا مجهول.

و فيه: انه في عبد الواحد و ان نقل أقوال إلا ان الأظهر انه ثقة كما اختاره في محكي التحرير و المسالك و الحاوي، بل و الصدوق قدس سره حيث قال: حديث عبد الواحد أصح، و لا أقل من كونه حسنا، لتوصيف العلامة الخبر الذي رواه عبد الواحد في محكي التحرير بالصحة، و كونه من المشايخ الذين ينقل عنهم الصدوق بغير واسطة مع تكرر ذلك مترضيا بل من مشايخه، و أما ابن قتيبة فإن لم يكن ثقة فلا ينبغي التوقف في كونه حسنا لاعتماد الكشي علي نقله في مواضع كثيرة من رجاله، وعد العلامة و ابن داود اياه من المعتمدين، و وصف العلامة حديثه بالصحة و توثيق الشيخ الكاظمي و الفاضل الجزائري اياه، فاذا ما أفاده الشيخ قدس سره من أن خبر العيون لا يقصر عن الصحيح، هو الصحيح.

(2) و منها: الموثق بعثمان

بن عيسي عن الإمام الباقر عليه السلام المذكور في المتن «3».

و الإيراد عليه بضعف السند لعثمان، في غير محله إذ لو لم يكن ثقة فلا أقل من كون حديثه موثقا كما هو المعروف بين المتأخرين علي ما نسب اليهم.

______________________________

(1) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 33.

(2) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 36.

(3) الوسائل، باب 138، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 111

و أرسل عن رسول الله صلي الله عليه و آله: أ لا أخبركم بأكبر الكبائر الاشراك بالله و عقوق الوالدين و قول الزور أي الكذب. (1)

و عنه صلي الله عليه و آله: ان المؤمن إذا كذب بغير عذر لعنه سبعون ألف ملك و خرج من قلبه نتن حتي يبلغ العرش و كتب الله عليه بتلك الكذبة سبعين زنية أهونها كمن يزني مع أمه. (2)

______________________________

و لكن يرد علي الاستدلال به: ان هذا الخبر مما لا يمكن الالتزام بإطلاقه، إذ من البديهيات عند المتشرعة انه إذا دار الأمر بين شرب الخمر و الكذب، و لو بأن يقول: شربت الخمر قبل ذلك، بأن أكره علي اختيار أحدهما، انه يقدم الثاني و لم يتوهم أحد جواز اختيار شرب الخمر، فيستكشف من ذلك ان الكذب باطلاقه ليس شرا من الشراب، فيتعين تأويله، أما بإرادة قسم خاص من الكذب و هو الكذب علي الله و رسوله صلي الله عليه و آله و علي الأئمة الطاهرين عليهم السلام فإنه تال الكفر و تحليل الأشربة المحرمة ثمرة من ثمرات هذا الكذب فإن المخالفين بمثل ذلك حللوها، او بغير ذلك.

مع انه يمكن أن يقال كما قيل: إن (الشر) الثاني صفة مشبهة لا أفعل التفضيل،

و (من) تعليلية و المعني ان الكذب أيضا شر ينشأ من الشراب.

(1) و منها: النبوي: أ لا أخبركم بأكبر الكبائر؟ الإشراك بالله و عقوق الوالدين، ثمّ قعد فقال: ألا و قول الزور- أي الكذب- «1».

و فيه: مضافا الي ضعف سنده انه يرد عليه: ان من الضروري عند المتشرعة عدم كون الكذب باطلاقه أكبر الكبائر حتي الزنا و اللواط و نحوهما، فلا محالة أريد به القسم الخاص منه، مع ان تفسير قول الزور بالكذب لعله من الراوي.

(2) و منها: المرسل عنه صلي الله عليه و آله المذكور في المتن «2».

و فيه: مضافا الي ضعف سنده انه يرد عليه ما أوردناه علي سابقيه، إذ لا ينبغي

______________________________

(1) المحجة البيضاء، ج 5، ص 242- صحيح مسلم، ج 1، ص 64.

(2) المستدرك، باب 120، من أبواب أحكام العشرة، حديث 15.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 112

و يؤيده ما عن العسكري عليه السلام جعلت الخبائث كلها في بيت واحد و جعل مفتاحها الكذب الحديث فان مفتاح الخبائث كلها كبيرة لا محالة و يمكن الاستدلال علي كونه من الكبائر بقوله تعالي: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله (1) فجعل الكاذب غير مؤمن بآيات الله كافرا بها، و لذلك كله أطلق جماعة كالفاضلين و الشهيد الثاني في ظاهر كلماتهم كونه من الكبائر من غير فرق بين أن يترتب علي الخبر الكاذب مفسدة و أن لا يترتب عليه شي ء أصلا.

______________________________

التوقف في ان الجماع المحرم أشد منه و إن لم يكن بالزنا، فضلا عن أفحش أفراده و هو الزنا، و كيف بالزنا بالمحرم- بل فكيف بالسبعين منه.

(1) أما الكتاب: فقد استدل بآية منه و هي (أنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله) «1».

بدعوي انه جعل الكاذب غير مؤمن بآيات الله كافرا بها.

و فيه: ان الظاهر من الآية الشريفة بقرينة الآيات السابقة عليها و هي (و إذا بدلنا آية مكان آية و الله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون- الي أن قال- إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله و لهم عذاب أليم إنما يفتري الكذب … الخ) ارادة ان المكذبين للنبي صلي الله عليه و آله فيما ادعاه من كون ما يأتي به من عند الله الكاذبون لا النبي صلي الله عليه و آله، فيكون الحصر إضافيا، و عليه فالمراد من الكاذبين هم المكذبون له صلي الله عليه و آله من اليهود و المشركين غير المؤمنين بالله و برسوله الذين صدر عنهم الكذب لعدم ايمانهم، لا ان الكذب أوجب خروجهم عن الإيمان، فلا تدل علي المطلوب.

و أيد ما اختاره بكونه من الكبائر بخبرين.

أحدهما: ما عن الإمام العسكري عليه السلام المذكور في المتن قبل الاستدلال بالآية.

و فيه: ان المراد من التشبيه بالمفتاح ليس هو التشبيه في السببية و العلية لعدم تماميته

______________________________

(1) سورة النحل، آية 106.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 113

و يؤيده ما روي عن النبي صلي الله عليه و آله في وصيته لأبي ذر رضي الله عنه ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك القوم ويل له ويل له. (1)

فان الأكاذيب المضحكة لا يترتب عليها غالبا ايقاع في المفسدة. نعم في الأخبار ما يظهر منه عدم كونه علي الإطلاق كبيرة مثل رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله عليه السلام ان الكذب علي الله تعالي و رسوله من الكبائر (2) فانها ظاهرة في اختصاص الكبيرة بهذا الكذب الخاص لكن يمكن حملها علي كون

هذا الكذب الخاص من الكبائر الشديدة العظيمة، و لعل هذا أولي من تقييد المطلقات المتقدمة.

______________________________

في المشبه و المشبه به كما لا يخفي، و لا التشبيه في الشرطية، إذ ليس في المشبه كذلك لعدم كون الكذب شرطا لسائر المعاصي و الا لزم من عدمه عدمها، بل المراد به، التشبيه في الاشراف الي الوقوع في المحرمات، فانه يوجب حالة جرأة للنفس علي اختيار الخبائث، و هذا لا يوجب كونه معصية فضلا عن كونه من الكبائر، و لذا اعترف المصنف قدس سره بأن ارتكاب الشبهات يوجب الاشراف علي الوقوع في المحرمات، و مع ذلك التزم بجوازه و انه لا يكون حراما.

(1) ثانيهما: ما روي عن النبي صلي الله عليه و آله في وصيته لأبي ذر المذكور في المتن «1».

بدعوي ان الأكاذيب المضحكة لا يترتب عليها غالبا الإيقاع في المفسدة.

و فيه: ان ما ذكره و إن كان تاما و التوعد عليه يوجب كونه من الكبائر، إلا انه لضعف سنده لجملة من رواته لا يعتمد عليه.

و قد استدل للقول الثاني بجملة من النصوص.

(2) منها: خبر أبي خديجة عن مولانا الصادق عليه السلام: الكذب علي الله تعالي و علي رسوله من الكبائر «2». بدعوي انه ظاهر من جهة وروده في مقام التحديد في حصر الكبيرة من الكذب بهذا الكذب الخاص.

______________________________

(1) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4.

(2) المستدرك، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 114

و في مرسلة سيف بن عميرة عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان يقول علي بن الحسين عليه السلام لولده: اتقوا الكذب الصغير منه و الكبير في كل جد و هزل، فان الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ علي

الكبير، الخبر. (1)

و يستفاد منه ان عظم الكذب باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد.

و في صحيحة ابن الحجاج، قلت لأبي عبد الله عليه السلام الكذاب هو الذي يكذب في الشي ء، قال: لا، ما من أحد الا و يكون منه ذلك، و لكن المطوع «المطبوع خ ل» علي الكذب، فان قوله ما من أحد، الخبر (2) يدل علي ان الكذب من اللمم الذي يصدر من كل أحد لا من الكبائر.

______________________________

و فيه: مضافا الي ضعف سنده كما في مرآة العقول: ان كونه في مقام التحديد غير معلوم، و لكن لو سلم كونه في هذا المقام لا مناص عن تقييد المطلقات به.

و دعوي المصنف قدس سره من أن حمله علي كون هذا القسم الخاص من الكبائر الشديدة العظيمة أولي من تقييد المطلقات به، كما تري.

و بما ذكرناه ظهر ما في الاستدلال بمرسل الصدوق عن رسول الله صلي الله عليه و آله: من قال علي ما لم أقله فليتبوأ مقعده من النار «1». مضافا الي ضعف سنده.

(1) و منها: مرسل سيف بن عميرة المذكور في المتن «2». فانه يستفاد منه ان عظم الكذب باعتبار ما يترتب عليه من المفاسد.

و فيه: مضافا الي ضعف سنده للإرسال: انه يدل علي ان للكذب صغيرا و كبيرا، و هما انما يكونان بلحاظ ما يترتب عليه من المفاسد، و لكن لا ينافي ذلك كون كليهما من الكبائر بالمعني المبحوث عنه في المقام، غاية الأمر، بعض أفراده أكبر من آخر.

و قد استدل للقول الأخير بجملة من النصوص.

(2) منها: حسن ابن الحجاج كالصحيح لاحظ المتن «3».

______________________________

(1) الوسائل، باب 139، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6.

(2) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

(3) الوسائل، باب

138، من أبواب أحكام العشرة، حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 115

و عن الحارث عن علي عليه السلام قال: لا يصلح من الكذب جد و هزل و لا يعدن أحدكم صبيه، ثمّ لا يفي له ان الكذب يهدي الي الفجور و الفجور يهدي الي النار، و ما زال أحدكم يكذب حتي يقال كذب و فجر، الخبر. (1) و فيه أيضا إشعار بأن مجرد الكذب ليس فجورا.

______________________________

بدعوي انه يدل علي ان الكذب من اللمم الذي يصدر من كل أحد لا من الكبائر.

و فيه: ان الخبر متضمن لبيان أمرين:

أحدهما: ان الكذاب لا يصدق علي من كذب اتفاقا و انما يصدق علي من صار الكذب كالعادة له، و هذا واضح في نفسه أيضا.

ثانيهما: انه ما من أحد الا و يبتلي بهذه المعصية، و شي ء منهما لا يدل علي ان الكذب ليس من الكبائر و انه من اللمم.

(1) و منها: خبر «1» الحارث عن الإمام علي عليه السلام لاحظ المتن. بدعوي ان فيه إشعارا بأن مجرد الكذب ليس فجورا و كبيرة.

و فيه: مضافا الي ضعف سنده: انه يدل علي عدم كونه معصية، فيتعين تأويله.

و منها: صحيح عبد العظيم بن عبد الله الحسني الوارد لبيان تعداد الكبائر غير المتعرض للكذب «2».

و فيه: مضافا الي انه مسوق لبيان الكبائر التي ثبت كونها كذلك بالكتاب كما يشير اليه قول السائل اريد ان أعرف الكبائر من كتاب الله عز و جل: انه يقيد اطلاق مفهومه بما تقدم مما دل علي ان الكذب من الكبائر.

و يشهد لذلك اختلاف الأخبار في عدد الكبائر ففي جملة منها انها سبع، و في جملة اخري انها خمس، و في بعضها انها تسع.

فتحصل: ان الأظهر كونه من الكبائر مطلقا.

______________________________

(1)

الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 116

و قوله لا يعدن أحدكم صبيه ثمّ لا يفي له لا بد ان يراد به النهي عن الوعد مع إضمار عدم الوفاء و هو المراد ظاهرا بقوله تعالي: (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) بل الظاهر عدم كونه كذبا حقيقيا (1) و ان اطلاق الكذب عليه في الرواية لكونه في حكمه من حيث الحرمة أو لأن الوعد مستلزم للأخبار بوقوع الفعل، كما ان سائر الإنشاءات كذلك و لذا ذكر بعض الأساطين ان الكذب، و إن كان من صفات الخبر إلا ان حكمه يجري في الإنشاء المنبئ عنه كمدح المذموم، و ذم الممدوح و تمني المكاره و ترجي غير المتوقع و إيجاب غير الموجب و ندب غير النادب و وعد غير العازم، و كيف كان.

______________________________

الوعد

(1) قوله بل الظاهر عدم كونه كذبا حقيقيا.

صرح غير واحد: بأن الوعد مع إضمار عدم الوفاء لا يكون كذبا حقيقيا، و إن اطلاق الكذب عليه في خبر الحارث الأعور، لكونه في حكمه من حيث الحرمة.

و منشأ ذلك علي ما يظهر من المصنف قدس سره: ان الوعد ليس من نوع الخبر، بل هو من أقسام الإنشاء و هو صريح المحقق المجلسي قدس سره في مرآة العقول و لكن ظاهر كلام المحققين من أصحابنا و المخالفين ان الوعد من نوع الخبر، و هو محتمل للصدق و الكذب.

و تنقيح القول في ذلك: ان الوعد علي أقسام:

الأول: ان يخبر المتكلم عن عزمه علي فعل شي ء او تركه، كأن يقول: إنّي عازم علي أن أجي ء في بيتك، لا ريب في دخول

هذا في الخبر، فإنه يخبر عن أمر نفساني نظير الأخبار عن سائر الصفات النفسانية كالحب و البغض و نحوهما.

الثاني: أن يخبر عن فعل أمر أو تركه في المستقبل، كأن يقول: اجيئك غدا، و هذا أيضا لا ريب في كونه من نوع الخبر، غاية الأمر المخبر به أمر استقبالي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 117

______________________________

الثالث: ان يلتزم بشي ء بنفس الجملة التي تكلم بها، كأن يقول المولي لعبده:

اذا فعلت الفعل الفلاني أعطيك درهما، و الظاهر ان هذا من نوع الإنشاء فانه ليس اخبارا عن الإعطاء، بل هو الزام أمر علي نفسه و إن علم انه لا يوقعه.

هذا كله في حقيقة الوعد و أقسامه.

و أما حكم الوعد، ففي الأول: إذا كان عازما علي ذلك الفعل كان ذلك الخبر صدقا و جائزا و إلا فيحرم لأجل كونه كذبا من غير فرق في الصورتين بين أن يفعل في المستقبل و ان لا يفعل.

و في الثاني: اتصافه بالصدق أو الكذب دائر مدار تحقق ذلك الفعل في ظرفه و عدمه، و أما تنجز حرمته و عدمه فهما دائران مدار علمه بالفعل و عدمه كما لا يخفي.

و في الثالث: لا يتصف بالصدق او الكذب حتي مع إضمار عدم الوفاء و العلم به.

و قد استدل المصنف قدس سره لحرمة الوعد مع إضمار عدم الوفاء.

بالآية الشريفة (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) «1».

و بقوله عليه السلام في خبر الحارث المتقدم: و لا يعدن أحدكم صبيه ثمّ لا يفي له «2».

و فيهما نظر:

أما الآية الشريفة: فسيأتي تحقيق القول فيها، و ستعرف عدم دلالتها علي ذلك.

و أما الخبر: فيرد عليه: مضافا الي ضعف سنده.

انه معارض بأخبار دالة علي جواز الوعد الكاذب مع مطلق الأهل، و

سيجي ء بعضها في مسوغات الكذب.

مع انه يمكن ان يقال: إنه نهي عن عدم الوفاء لاعن الوعد، فإن الظاهر من مثل هذا التركيب رجوع النهي الي القيد، كما إذا قال: لا تأتني راكبا، فإنه نهي عن الركوب.

______________________________

(1) سورة الصف، آية 4.

(2) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 118

فالظاهر عدم دخول خلف الوعد في الكذب لعدم كونه من مقولة الكلام، نعم هو كذب للوعد بمعني جعله مخالفا للواقع كما ان انجاز الوعد صدق له بمعني جعله مطابقا للواقع، فيقال صادق الوعد و وعد غير مكذوب و الكذب بهذا المعني ليس محرما علي المشهور.

______________________________

حكم خلف الوعد

هذا كله في حقيقة الوعد و حكمه.

و أما خلف الوعد فقد استدل لحرمته بوجوه:

الأول: انه يوجب اتصاف الوعد بالكذب فيشمله ما دل علي حرمة الكذب.

و فيه: ان ظاهر الأدلة حرمة ايجاد الكلام كذبا، و أما ايجاد صفة الكذب في الكلام المتقدم فلا يكون مشمولا لتلك الأدلة، مع انه أخص من المدعي، فإن ذلك يتم في القسم الثاني من أقسام الوعد دون الأول و الثالث كما لا يخفي.

الثاني: جملة من الآيات:

منها قوله تعالي: (و أوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا) «1». فانه يشمل بعمومه او اطلاقه عهود الخلق أيضا، و العهد و الوعد متقاربان.

و فيه: ان المراد بالعهد في هذه الآية بحسب ظاهر السياق هي الوصية.

و علي كل تقدير كون العهد و الوعد بمعني واحد محل تأمل و نظر، نعم أحد معاني العهد الوعد، كما ان الضمان و الذمة من جملة معانيه.

و منها: قوله تعالي: (و الموفون بعهدهم إذا عاهدوا) «2».

و يرد عليه: مضافا الي ما تقدم: انه لا يدل علي أزيد من رجحان الوفاء بالعهد و لا

يدل علي لزومه.

______________________________

(1) سورة الإسراء، آية 35.

(2) سورة البقرة، آية 178.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 119

و إن كان غير واحد من الأخبار ظاهرا في حرمته (1) و في بعضها الاستشهاد بالآية المتقدمة.

______________________________

و منها: قوله تعالي: (لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) «1».

و تقريب الاستدلال به: انه انما يكون النهي فيه نهيا عن عدم الفعل، أما علي سبيل القلب و يكون المعني: لم لا تفعلون ما تقولون؟ أو يقال: ان النهي متوجه الي القيد و هو عدم الفعل، فيدل علي حرمة عدم العمل بما وعد، و يشير الي ذلك ما في بعض النصوص الآتي من الاستشهاد به لحرمة خلف الوعد.

و فيه: ان الظاهر من الآية الشريفة- كما أفاده جمع من المحققين- هو النهي عن القول للناس من دون أن يعمل نفسه، كأن يأمر الناس بالمعروف و يتركه، و ينهيهم عن المنكر فيفعله، فتكون هذه الآية نظيرة قوله تعالي (أ تأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم) «2» و عليه فهي أجنبية عن المقام، و أما النصوص التي استشهد بها فيها، فسيأتي التعرض لها.

(1) الثالث: جملة من النصوص: كمصحح هشام بن سالم عن الإمام الصادق عليه السلام:

عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له، فمن اخلف فبخلف الله بدأ و لمقته تعرض، و ذلك قوله تعالي: (يا أيّها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون … الخ) «3».

و مصحح شعيب العقرقوفي عنه عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله: من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليف إذا وعد «4» و نحوهما غيرهما.

و لكن الإجماع القطعي القائم علي جواز خلف الوعد، و لذا تري ان المتاخرين يستدلون علي

عدم لزوم الوفاء بالشرط الابتدائي بالاجماع علي عدم لزومه، و في غير

______________________________

(1) سورة الصف، آية 3- 2.

(2) سورة البقرة، آية 45.

(3) الوسائل، باب 109، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

(4) الوسائل، باب 109، من أبواب أحكام العشرة، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 120

ثمّ إن ظاهر الخبرين الأخيرين خصوصا المرسلة حرمة الكذب حتي في الهزل (1) و يمكن أن يراد به الكذب في مقام الهزل. و أما نفس الهزل و هو الكلام الفاقد للقصد الي تحقق مدلوله (2) فلا يبعد أنه غير محرم مع نصب القرينة علي ارادة الهزل كما صرح به بعض، و لعله لانصراف الكذب الي الخبر المقصود و للسيرة.

______________________________

ذلك من موارد الوعد يستدلون بالاجماع علي عدم لزوم ما وعد الإتيان به، و السيرة القطعية المستمرة القائمة علي خلف الوعد.

يوجبان حمل تلك النصوص علي الاستحباب، اللهم إلا أن يقال: إن بعض تلك النصوص لا يقبل الحمل علي الاستحباب فمراعاة الاحتياط أولي.

و ان اراد الاحتياط بغير الوفاء فيقيد وعده بقول انشاء الله تعالي فانه يحل النذور و الأيمان المؤكدة كما صرح به في الأخبار «1»، و يوجب عدم انعقاد اليمين و النذر فضلا عن الوعد.

حرمة الكذب في الهزل

(1) قوله حرمة الكذب حتي في الهزل.

بقي الكلام في أمور: أحدها انه يحرم فعل الكذب في الهزل أم لا؟ الكلام المستعمل في مقام الهزل علي قسمين:

الأول: ما يقصد به الأخبار عن أمر و يكون الداعي له هو الهزل لا الجد، كأن يقول لزيد: جاء أبوك من السفر، بداعي الهزل، لا كلام في أن هذا من نوع الخبر و لو كان مخالفا للواقع يكون كذبا، و تدل علي حرمته جميع الأدلة الدالة علي حرمة الكذب.

(2) الثاني: ما لا يقصد به

الاخبار عن أمر، بل يكون الكلام مسوقا لبيان انشاء أمر بداعي الهزل مع ظهوره في كونه انشاء و لو بواسطة القرائن، كأن يقال للرجل الجبان مخاطبا اياه: ايها الشجاع أو ايها الأسد، و هذا القسم من الهزل لا يكون من نوع الخبر فلا

______________________________

(1) الوسائل، باب 28، من كتاب الايمان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 121

و يمكن حمل الخبرين علي مطلق المرجوحية، و يحتمل غير بعيد حرمته لعموم ما تقدم خصوصا الخبرين الأخيرين و النبوي في وصية أبي ذر (1) لأن الأكاذيب المضحكة أكثرها من قبيل الهزل.

و عن الخصال بسنده عن رسول الله صلي الله عليه و آله أنا زعيم بيت في أعلي الجنة و بيت في وسط الجنة و بيت في رياض الجنة لمن ترك المراء، و إن كان محقا و لمن ترك الكذب و إن كان هازلا و لمن حسن خلقه. (2)

و قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجد الرجل طعم الأيمان حتي يترك الكذب هزله وجده. (3)

______________________________

يتصف بالكذب و لا بالصديق، و لا تشمله أدلة حرمة الكذب، و مقتضي الأصل هو الجواز، و عليه.

فلا وجه لقول المصنف قدس سره و لا يبعد انه غير محرم، ثمّ الاستدلال له بالانصراف و بالسيرة. إذ هذا القسم من الهزل لا يكون متصفا بالكذب حتي يحتاج الحكم بجوازه الي دعوي الانصراف و السيرة.

و قد استدل لحرمته بجملة من النصوص.

كخبر حارث «1» و مرسل سيف «2» و النبوي في وصية النبي لأبي ذر «3» المتقدمة. و إليها اشار المصنف قدس سره.

(1) قال خصوصا الخبرين الأخيرين و النبوي.

(2) و خبر الخصال «4» عن رسول الله صلي الله عليه و آله لاحظ المتن.

(3) و خبر الأصبغ بن نباتة عن الإمام علي

عليه السلام: لا يجد عبد طعم الإيمان حتي يترك الكذب هزله وجده «5».

______________________________

(1) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 4.

(4) الوسائل، باب 135، من أبواب أحكام العشرة، حديث 8.

(5) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 122

ثمّ إنه لا ينبغي الإشكال في ان المبالغة في الادعاء و إن بلغت ما بلغت ليست من الكذب (1) و ربما يدخل فيه اذا كانت في غير محلها كما لو مدح انسان قبيح المنظر و شبه وجهه بالقمر إلا اذا بني علي كونه كذلك في نظر المادح، فان الأنظار تختلف في التحسين و التقبيح كالذوائق في المطعومات.

______________________________

يرد علي الجميع: أولا: انها ضعيفة السند، أما الروايات المتقدمة فلما تقدم، و أما خبر اصبغ فلعروة.

و ثانيا: ان اغلبها لا تدل علي الحرمة، بل غاية ما تدل عليه هي المرجوحية الملائمة مع الكراهة، و ذلك لان قوله عليه السلام في خبر حارث لا يصلح من الكذب جد و لا هزل لو لم يكن ظاهرا في الكراهة، لما كان ظاهرا في الحرمة قطعا. كما ان قوله عليه السلام في مرسل سيف اتقوا الكذب لا يستفاد منه ازيد من المرجوحية لمادة اتقوا، و للتعليل فيه. و كذلك قوله عليه السلام في خبر الخصال: انا زعيم بيت في الجنة … الخ لا يدل علي رجحان ترك الكذب في الهزل، كما ان خبر اصبغ لا يستفاد منه ازيد من ذلك، إذ المكروه أيضا يمنع عن وجدان المؤمن طعم ايمانه.

المبالغة

(1) ثانيها: انه هل المبالغة في الادعاء من الكذب أم لا؟

المبالغة في الادعاء تارة: تكون بالقاء كلام له ظهور اولي و ظهور ثانوي و لو بواسطة القرائن، و هو بظهوره الاولي مخالف للواقع، و لكنه بظهوره الثانوي موافق له، و المتكلم اراد منه ما هو ظاهر منه بالظهور الثانوي، و من هذا القبيل باب التشبيه و الاستعارة و الكناية، كتشبيه الوجه الحسن بالقمر، و استعارة الأسد للرجل الشجاع، و الكناية عن الجود بكثرة الرماد.

و اخري: تكون بالقاء كلام ليس له غير ظهور واحد و اراد المتكلم منه ذلك، و هو مخالف للواقع، كأن يقول: اعطيت زيدا خمسين درهما، و الحال انه اعطاه درهما واحدا، أو القاء كلام له ظهور ثانوي و اراده المتكلم و هو مخالف للواقع، كأن يكني عن رجل بخيل بكثير الرماد، ففي القسم الأول لا يتصف الكلام بالكذب بخلاف القسم الثاني، فلا تحرم في الاول، و تحرم في الثاني، و لا يخفي وجههما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 123

و أما التورية: و هو ان يريد بلفظ معني مطابقا للواقع و قصد من إلقائه أن يفهم المخاطب منه خلاف ذلك مما هو ظاهر فيه عند مطلق المخاطب أو المخاطب الخاص كما لو قلت في مقام إنكار ما قلته في حق أحد علم الله ما قلته و اردت بكلمة ما الموصلة و فهم المخاطب النافية، و كما لو استأذن رجل بالباب فقال الخادم له: ما هو هاهنا و أشار الي موضع خال في البيت، و كما لو قلت اليوم ما أكلت الخبز تعني بذلك حالة النوم أو حالة الصلاة الي غير ذلك، فلا ينبغي الإشكال في عدم كونها من الكذب (1) و لذا صرح الأصحاب فيما سيأتي من وجوب التورية عند الضرورة بأنه يؤدي بما

يخرجه من الكذب بل اعترض جامع المقاصد علي قول العلامة في القواعد في مسألة الوديعة إذا طالبها ظالم، بأنه يجوز الحلف كاذبا و يجب التورية علي العارف بها: بأن العبارة لا تخلو من مناقشة حيث تقتضي ثبوت الكذب مع التورية، و معلوم أن لا كذب معها، انتهي.

______________________________

و من القسم الأول ما جرت به العادة من المبالغة في الأعداد في بعض الموارد، كأن يقول: قلت: كذا مائة مرة، أو طلبت منك ذلك ألف مرة، فانه لا يراد بذلك تفهيم المرات بعددها بل تفهيم التكثير و الاهتمام، و قد تعارف ذلك بين المتحاورين، فإن كان لم يقل و لم يطلب الا مرة واحدة كان الكلام كذبا، و إن قال أو طلب مرات كان صدقا.

التورية

(1) قوله فلا ينبغي الإشكال في عدم كونها من الكذب.

ثالثها: في أنه هل التورية من الكذب أم لا؟ قبل بيان ان التورية من الكذب أم لا، لا بد من تنقيح الكذب موضوعا، فإنه وقع الخلاف فيه من جهتين بعد الاتفاق علي ان الكذب عدم المطابقة.

الأولي في المطابق (بالكسر) و ان العبرة بعدم مطابقة المراد او بعدم مطابقة ظهور الكلام.

الثانية: في المطابق (بالفتح)، و ان المعتبر عدم مطابقة الكلام للواقع، أو عدم مطابقته للاعتقاد او عدم مطابقته لهما معا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 124

و وجه ذلك ان الخبر باعتبار معناه و هو المستعمل فيه كلامه ليس مخالفا للواقع و انما فهم المخاطب من كلامه أمرا مخالفا للواقع لم يقصده المتكلم من اللفظ، نعم لو ترتب عليها مفسدة حرمت من تلك الجهة اللهم الا ان يدعي ان مفسدة الكذب و هي الإغراء موجودة فيها و هو ممنوع لأن الكذب محرم لا لمجرد الإغراء و ذكر

بعض الأفاضل ان المعتبر في اتصاف الخبر بالصدق و الكذب هو ما يفهم من ظاهر الكلام، لاما هو المراد منه، فلو قال: رأيت حمارا و أراد منه البليد من دون نصب قرينة فهو متصف بالكذب، و إن لم يكن المراد مخالفا للواقع، انتهي موضع الحاجة.

______________________________

المشهور بين الأصحاب- علي ما نسب اليهم- ان الكذب هو عدم مطابقة ظهور الكلام للواقع، و الظاهر ان هذا منهم مبتن علي ما بنوا عليه في حقيقة الجملة الخبرية من انها انما وضعت للنسب الخارجية، فانه علي هذا ان طابق الكلام بما له من الظهور للواقع كان صدقا و الا فكذب، مثلا لو قال: زيد قائم، فالمدلول لهذه الجملة تحقق النسبة في الخارج، فان طابق الدال لها فصدق و الا فكذب.

و لكن المبني فاسد كما حققناه في زبدة الأصول و نشير الي وجوه فساده في المقام إجمالا:

الأول: عدم وجود النسبة في كثير من الجمل، كقولنا الإنسان ممكن و نحوه، و دعوي اعمال العناية في جميع ذلك كما تري.

الثاني: عدم كاشفية الجملة عن الواقع و لو ظنا، فلو كانت موضوعة للنسبة الخارجية لكانت دلالتها عليها قطعية.

الثالث: ان الكلام لو كان دالا علي النسبة الخارجية لما كان يحتمل فيه الكذب، و قد عرفوا القضية بأنها تحتمل الصدق و الكذب.

و الحق في الجملة الخبرية انها وضعت لقصد الحكاية عن النسبة الخارجية مثلا، و هي في هذه الدلالة لا تتصف بالصدق و الكذب و انما تتصف بهما باعتبار المدلول إذ الحكاية عن النسبة ان طابقت الواقع فهي صادقة، و الا فكاذبة، و بذلك يظهر ان الكذب هو عدم مطابقة مراد المتكلم للواقع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 125

فان أراد اتصاف الخبر في الواقع فقد تقدم انه

دائر مدار موافقة مراد المخبر و مخالفته للواقع لأنه معني الخبر، و المقصود منه دون ظاهره الذي لم يقصد. و إن أراد اتصافه عند الواصف فهو حق مع فرض جهله بارادة خلاف الظاهر، لكن توصيفه حينئذ باعتقاد ان هذا هو مراد المخبر و مقصوده فيرجع الأمر الي إناطة الاتصاف بمراد المتكلم، و إن كان الطريق اليه اعتقاد المخاطب.

______________________________

لا يقال: إن هذا ينافي آية المنافقين «1» الذين شهدوا بأن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله حيث انه تعالي سجل عليهم بأنهم كاذبون، مع ان ما اخبروا به كان مطابقا للواقع.

فانه يرد بأن المخبر عنه لم يكن ثبوت الرسالة بل كان هو الشهادة به، و هي عبارة عن حضور المشهود به في الذهن، و حيث انهم كانوا غير معتقدين بالرسالة، فقال الله تعالي في حقهم: (إنهم كاذبون) فان قلت: بناء علي ما اخترت في حقيقة الكذب لو شك المتكلم ان كلامه مطابق للواقع فيكون صدقا او مخالف له، فيكون كذبا يتعين البناء علي جواز التكلم به للشك في صدق موضوع الكذب، فتجري أصالة البراءة عن الحرمة.

أجبنا عنه: بأن هذا الأصل في نفسه و إن كان جاريا الا انه للعلم الإجمالي بحرمة هذا الأخبار او الأخبار بنقيضه- إذ أحدهما كذب جزما- لا يجري هذا الأصل للمعارضة، فمقتضي العلم الإجمالي هو الاجتناب عن كلا الخبرين.

إذا عرفت ما ذكرناه فاعلم: أن التورية خارجة عن الكذب موضوعا، فإن حقيقة التورية، ان يلقي كلاما له ظهور في معني، و هو يريد منه غير ذلك المعني، و يكون المعني المراد مطابقا للواقع دون المعني الظاهر، كما اذا استأذن رجل بالباب و قال الخادم له: ما هو هاهنا، مشيرا الي موضع خال

في البيت.

______________________________

(1) المنافقون، آية 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 126

و مما يدل علي سلب الكذب عن التورية ما روي في الاحتجاج. انه سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز و جل في قصة ابراهيم (علي نبينا و آله و عليه السلام): بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون قال: ما فعله كبيرهم و ما كذب ابراهيم، قيل: و كيف ذلك، فقال: انما قال ابراهيم: إن كانوا ينطقون أي ان نطقوا فكبيرهم فعل و إن لم ينطقوا، فلم يفعل كبيرهم شيئا، فما نطقوا و ما كذب ابراهيم، و سئل عن قوله تعالي: أيتها العير إنكم لسارقون قال: انهم سرقوا يوسف من أبيه أ لا تري انهم قالوا نفقد صواع الملك و لم يقولوا سرقتم صواع الملك، و سئل عن قول الله عز و جل حكاية عن ابراهيم عليه السلام اني سقيم، قال: ما كان ابراهيم سقيما و ما كذب انما عني سقيما في دينه أي مرتادا. (1)

______________________________

ثمّ انه يعتبر في صدق التورية أمران آخران غير ما مر:

أحدهما: أن يكون اللفظ بحسب المتفاهم العرفي العادي ظاهرا في غير ما أراده المتكلم، فلو كان ظاهرا فيه و لكن المخاطب لقصور فهمه لم يلتفت اليه، لم يكن ذلك من التورية.

ثانيهما: أن تكون ارادة ذلك المعني من ذلك اللفظ صحيحة، بأن كان بينهما علاقة، فلو كان استعماله فيه غير صحيح لما كان من التورية، مثلا لو قال: اعطيت زيدا خمسين درهما، و هو أراد به درهما واحدا، و قد اعطاه في الواقع درهما، كان ذلك من الكذب لا من التورية، و لعله الي هذا أشار العلامة في محكي القواعد في مسألة الوديعة إذا طالبها ظالم حيث قال: و

يجب التورية علي العارف بها، كما انه اليه نظر المفيد حيث قال في هذه المسألة و إن لم يحسن التورية و كان نيته حفظ الأمانة … الخ.

و قد استدل لخروج التورية عن الكذب بروايات:

(1) الأولي: رواية الاحتجاج المذكورة في المتن «1».

فانها تدل علي ان الأقوال المذكورة انما هي من التورية و ليست من الكذب.

______________________________

(1) احتجاج الطبرسي، ص 194، من طبعة النجف، عام 1350 ه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 127

______________________________

و أورد عليها: بأن الفعل الخارجي و هو الكسر لم يصدر عن الأصنام سواء كانوا ناطقين أم لا، فكيف تصح الملازمة.

و بعبارة اخري: ان صدق القضية الشرطية و كذبها دائران مدار صحة الملازمة و فسادها، و حيث انها فاسدة في المقام، إذ الفعل صدر عن ابراهيم علي كل تقدير، فلا تكون القضية صادقة.

و الجواب عن ذلك بعد ملاحظة مقدمتين واضح:

الأولي: ان القضية الخبرية انما تكون مبرزة لقصد الحكاية عن ثبوت المحمول للموضوع أو نفيه عنه. و هي ربما تطابق مع الخارج و قد لا تطابق، و بهذا الاعتبار تتصف بالصدق و الكذب.

الثانية: انه كما ان ظاهر القضية الشرطية في الإنشائيات رجوع القيد الي الاعتبار النفساني المبرز بالصيغة لا المادة التي متعلقة له، كذلك ظاهرها في الاخباريات رجوع القيد الي قصد الحكاية، فمع انتفاء الشرط ينتفي هذا القصد من غير نظر الي الواقع.

إذا عرفت هاتين المقدمتين تعرف أن المعلق علي الشرط في الآية الشريفة انما هو قصد الحكاية عن انه فعله كبيرهم، فمع انتفاء الشرط ينتفي هذا القصد، فلا تكون القضية كاذبة.

و أجاب عنه المحقق التقي بوجه آخر، و هو: ان المقصود صدق الشرطية في قولنا: و إن لم ينطقوا فلم يفعل كبيرهم، و لا ريب في صدق

تلك، إذ عدم النطق الذي هو كناية عن عدم القدرة و القوة علي شي ء مستلزم لعدم صدور الأفعال الاختيارية عنها.

و فيه: ان هذه القضية غير مذكورة في الآية الشريفة و المذكورة انما هي القضية الأولي التي ادعي انها كاذبة، و لكن الرواية لضعف سندها للإرسال لا يعتمد عليها.

و قد قيل في تفسير الآية الشريفة وجوه اخر مذكورة في مرآة العقول و غيرها:

منها ان تلك الأقوال كاذبة خارجة عن الكذب حكما لأنها في مقام الاصلاح، و تدل علي هذا جملة من النصوص.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 128

و في مستطرفات السرائر من كتاب ابن بكير، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام الرجل يستأذن عليه يقول للجارية قولي ليس هو هاهنا فقال: لا بأس ليس بكذب (1) فان سلب الكذب مبني علي ان المشار اليه بقوله هاهنا موضع خال من الدار إذ لا وجه له سوي ذلك و روي في باب الحيل من كتاب الطلاق للمبسوط (2) ان واحدا من الصحابة صحب واحدا آخر فاعترضهما في الطريق اعداء المصحوب، فأنكر الصاحب انه هو فاحلفوه فحلف لهم انه اخوه، فلما أتي النبي صلي الله عليه و آله قال له: صدقت، المسلم اخو المسلم، إلي غير ذلك مما يظهر منه ذلك.

______________________________

و منها: غير ذلك.

(1) الثانية: ما رواه «1» ان ادريس في آخر السرائر لاحظ المتن.

(2) الثالثة: ما أشار اليه في المتن بقوله ان واحدا … الخ و هي رواية سويد بن غفلة قال: خرجنا و معنا وائل بن حجر نريد النبي صلي الله عليه و آله فأخذه اعداء له فتحرج القوم ان يحلفوا و حلفت بالله انه أخي فخلي عنه العدو، فذكرت ذلك للنبي صلي الله عليه و آله

فقال: صدقت، المسلم اخو المسلم «2».

و أورد عليه: بأن ظاهر الخبر انه حلف علي كون الرجل أخاه النسبي، فيكون من الكذب الجائز للضرورة لا التورية.

و فيه: ان المستفاد من كلام النبي صلي الله عليه و آله انه أراد بكونه أخاه انه اخوه في الدين، أو انه قصد مفهوم الأخوة، و عليه فيدل هو علي جواز التورية و خروجها عن الكذب موضوعا.

و بعبارة اخري انه أجاز ما فعله سويد، و بين له صواب قوله فيما احتال به ليكون صادقا في يمينه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة، حديث 8.

(2) المبسوط، كتاب الطلاق، باب الحيل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 129

أما الكلام في المقام الثاني: و هو مسوغات الكذب.
اشارة

فاعلم أنه يسوغ الكذب لوجهين.

أحدهما: الضرورة (1) إليه فيسوغ معها بالأدلة الأربعة (2) قال الله تعالي:

(إلا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان) (3) و قال تعالي: لا يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شي ء إلا أن تتقوا منهم تقية).

______________________________

الكذب لدفع الضرورة

الثاني: في مسوغات الكذب: و المتفق عليه منها بينهم اثنان.

(1) أحمد هما الكذب لدفع الضرورة.

بعد ما تقدم من أن مقتضي الأدلة حرمة الكذب في نفسه لا ريب في أن هذا الحكم كسائر الأحكام الشرعية يرتفع إذا زاحمه تكليف آخر أهم كما اذا توقف إنجاء المؤمن من الهلاكة علي الكذب، كما انه يرتفع اذا اكره علي متعلقه لعموم ما دل علي رفع ما استكرهوا عليه.

(2) و قد استدل علي الجواز الكذب في مورد الضرورة بالخصوص بالأدلة الأربعة:

الأول: الاجماع.

و فيه: ان الإجماع و إن كان محققا الا انه ليس اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم عليه السلام لاستناد المجمعين الي ما في المسألة من الآيات و الروايات.

الثاني: الكتاب.

فقد استدل المصنف قدس سره بآيتين منه:

(3) الاولي: (من كفر بالله من بعد إيمانه الا من أكره و قلبه مطمئن بالإيمان) «1».

و تقريب الاستدلال بها بنحو يسلم عما أورد عليه: انها تدل علي جواز الكذب

______________________________

(1) سورة النحل، آية 107.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 130

و قوله عليه السلام ما من شي ء إلا و قد أحله الله لمن اضطر اليه و قد اشتهر ان الضرورات تبيح المحظورات، و الأخبار في ذلك أكثر من أن تحصي (1) و قد استفاضت أو تواترت بجواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو أخيه، و الاجماع أظهر من أن يدعي أو يحكي و العقل مستقل بوجوب

ارتكاب أقل القبيحين (2) مع بقائه علي قبحه او انتفاء قبحه لغلبة الآخر عليه علي القولين في كون القبح العقلي مطلقا أو في خصوص الكذب لأجل الذات أو بالوجوه و الاعتبارات و لا إشكال في ذلك كله.

______________________________

بالأخبار عن عدم اعتقاده بما هو معتقد به واقعا الذي يعتبر في الايمان الاعتقاد به عند الاكراه، فتدل علي جواز الكذب في غير هذا المقام بالأولوية، و بذلك يندفع الايراد عليه بأن الظاهر ان الاكراه في الآية علي انشاء التبري و الارتداد، فلا ربط له بمقامنا.

و لكنها مختصة بخصوص الإكراه، فلا دلالة لها علي جواز الكذب في غير هذا المورد.

الآية الثانية (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين و من يفعل ذلك فليس من الله في شي ء الا أن تتقوا منهم تقاة) «1». فانها تدل علي جواز الكذب بإظهار المحبة و المودة بالنسبة اليهم في حال التقية، فتدل علي جواز الكذب في سائر الموارد بالأولوية.

و فيه: مضافا الي ان أخذ الغير وليا لنفسه لا يلازم اظهار مودته، فلا صلة لها بالمقام، انها مختصة بمورد التقية.

(1) الثالث السنة: و قد استفاضت الاخبار بل تواترت علي جواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو أخيه «2»، و ستأتي الاشارة الي جملة منها، و مفادها أعم مما دل علي رفع ما اضطروا اليه كما هو واضح.

الرابع العقل.

(2) قال المصنف قدس سره و العقل مستقل بوجوب ارتكاب أقل القبيحين.

______________________________

(1) آل عمران: 29.

(2) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 131

إنما الأشكال و الخلاف في أنه هل يجب حينئذ التورية لمن يقدر عليها أم لا، ظاهر المشهور هو الأول (1) كما يظهر من المقنعة و المبسوط و

الغنية و السرائر و الشرائع و القواعد و اللمعة و شرحها و التحرير و جامع المقاصد و الرياض، و محكي مجمع البرهان في مسألة جواز الحلف لدفع الظالم عن الوديعة، قال في المقنعة من كانت عنده امانة فطالبه ظالم فليجحد و ان استحلفه علي ذلك فليحلف و يوري في نفسه بما يخرجه عن الكذب الي أن قال: فإن لم يحسن التورية و كان نيته حفظ الأمانة أجزأته النية و كان مأجورا، انتهي.

و قال في السرائر في هذه المسألة أعني مطالبة الظالم الوديعة فإن قنع الظالم منه بيمينه فله أن يحلف، و يوري في ذلك انتهي.

و في الغنية في هذه المسألة و يجوز له أن يحلف انه ليس عنده وديعة و يوري في يمينه بما يسلم به من الكذب بدليل إجماع الشيعة انتهي.

و في النافع حلف موريا، و في القواعد و يجب التورية علي العارف بها، انتهي.

و في التحرير في باب الحيل من كتاب الطلاق لو أنكر الاستدانة خوفا من الاقرار بالابراء أو القضاء جاز الحلف مع صدقه بشرط التورية بما يخرجه عن الكذب انتهي.

و في اللمعة يحلف عليه فيورّي و قريب منه في شرحه.

و في جامع المقاصد في باب المكاسب يجب التورية بما يخرجه من الكذب، انتهي.

______________________________

و فيه: ان العقل و إن استقل بذلك في بعض موارد الضرورة كحفظ النفس المحترمة و لكنه لا يستقل بذلك في جميع موارد الضرورة، و السر في ذلك عدم احاطته بالواقعيات و عدم ادراكه مناطات الأحكام و مقاديرها، فلا يقدر علي ترجيح بعضها علي بعض في جميع الموارد.

(1) قوله ظاهر المشهور هو الاول.

و قد نسب المصنف قدس سره إلي المشهور انه يعتبر في جواز الكذب لدفع الضرورة عدم

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 2، ص: 132

______________________________

التمكن من التورية، و لكن كلماتهم التي نقلها قدس سره لا تنطبق علي هذه النسبة فإن مورد حكمهم باشتراط التورية إن أمكنت انما هو جواز الحلف كاذبا، و أما جواز مطلق الكذب فهو خارج عن مورد كلامهم، بل ظاهر ما عن المقنعة عدم اشتراط جواز الكذب بعدم التمكن من التورية، فإنه قال: من كانت عنده أمانة فطالبها ظالم فليجحد، و إن استحلفه ظالم علي ذلك فليحلف و يوري في نفسه بما يخرجه عن الكذب- الي أن قال- و إن لم يحسن التورية و كانت نيته حفظ الأمانة أجزأته النية.

فإن هذا كما تلاحظ- بمقتضي التفصيل بين جواز الانكار، و جواز الحلف كاذبا، و تقييد الثاني بالتمكن من التورية دون الأول- كالصريح في عدم اعتباره.

و كيف كان: ففي المسألة قولان:

و تحقيق القول فيها يقتضي البحث في مقامين:

الأول: فيما يقتضيه القواعد.

المقام الثاني: في بيان مقتضي النصوص الخاصة الدالة علي جواز الكذب لدفع الضرر المالي أو البدني عن نفسه أو عن أخيه.

أما المقام الأول: ففيما اذا توقف واجب أهم علي الكذب لا ينبغي التوقف في اعتبار عدم التمكن من التورية في جواز الكذب، إذ مع التمكن منها يكون قادرا علي امتثال التكليفين عقلا و شرعا، و معه لا يقع التزاحم بينهما كي ترتفع حرمة الكذب.

و بالجملة: في مورد جواز الكذب للاضطرار يعتبر عدم التمكن من التورية، إذ مع التمكن منها لا يصدق الاضطرار.

و أما إذا أكره عليه فقد يقال بأنه لا يعتبر عدم امكان التورية في الحكم بجواز الكذب.

و استدلوا لذلك بوجوه:

الأول: ان المعتبر في صدق الاكراه أن يخاف انه لو علم المكره بالامتناع لأوقعه في الضرر، و مع التفصي بالتورية، إذا علم المكره بالامتناع لأوقعه

في الضرر، و ليست التورية كسائر ما يتفصي به كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 133

______________________________

و فيه: ان المناط في صدقه أن يخاف أنه لو امتنع لأوقعه في الضرر، و بديهي أن من يتمكن من التفصي بالتورية لو امتنع لما اوقعه في الضرر.

الثاني: ان النصوص «1» الواردة في طلاق المكره و عتقه و معاقد الاجماعات و الشهرات المدعاة حملها علي صورة العجز عن التورية لجهل او دهشة بعيد جدا، بل غير صحيح في بعضها من جهة المورد.

و فيه: أولا: انها مختصة بباب العقود و الإيقاعات، و ستعرف القول بالفرق بين الأحكام الوضعية و التكليفية في ذلك.

و ثانيا: ان المستهجن هو حمل المطلق علي الفرد النادر، لا ورود الدليل لبيان ما ليس له غير أفراد نادرة كما في المقام.

الثالث: ما أفاده المحقق الايرواني قدس سره و حاصله يبتني علي أمور:

أحدها: أن الاكراه انما يتعلق بالألفاظ أمكن التورية أم لا تفصي بها أو بالكذب.

ثانيها: ان الألفاظ في باب الكذب جزء الموضوع بل عمدته.

ثالثها: ان الاكراه كما يرفع التحريم اذا تعلق بتمام الموضوع، كذلك يرفعه إذا تعلق بجزء الموضوع.

إذا تبينت هذه الأمور يظهر انه إذا اكره الشخص علي اللفظ أوجب اكراهه ذلك ارتفاع الحكم التحريمي الضمني عن ذلك اللفظ، و المفروض ان مجرد القصد للمعني ايضا ليس بحرام، فلا بأس أن لا يوري و يقصد المعني الظاهر.

و لكن: يرد علي ما أفاده قدس سره بعد بيان مقدمة:

و هي: انه لو أكره علي أحد الفعلين أحدهما حرام و الآخر مباح لا كلام في عدم ارتفاع حرمة الفرد المحرم، بل يتعين الفعل المباح.

ان اللفظ الذي يكون كذبا حرام، و ما يكون مصداقا للتورية مباح، فالاكراه المتعلق بأحدهما لا يوجب

رفع حرمة الأول.

______________________________

(1) الوسائل، باب 14، من كتاب الايمان، و غيره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 134

و وجه ما ذكروه ان الكذب حرام و لم يحصل الاضطرار اليه مع القدرة علي التورية فيدخل تحت العمومات مع ان قبح الكذب عقلي (1) فلا يسوغ الا مع تحقق عنوان حسن في ضمنه يغلب حسنه علي قبحه و يتوقف تحققه علي تحققه و لا يكون التوقف الا مع العجز عن التورية و هذا الحكم جيد الا ان مقتضي اطلاقات ادلة الترخيص في الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو أخيه عدم اعتبار ذلك.

ففي رواية السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله أحلف بالله كاذبا و نجّ أخاك من القتل و صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام سألته عن رجل يخاف علي ماله من السلطان فيحلف له لينجو به منه، قال: لا بأس، و سألته هل يحلف الرجل علي مال أخيه كما يحلف علي مال «ماله» نفسه، قال: نعم.

______________________________

فتحصل: ان الأظهر اعتبار عدم إمكان التفصي بالتورية في ارتفاع حرمة الكذب بالإكراه ايضا.

(1) قوله مع ان قبح الكذب عقلي فلا يسوغ الا مع تحقق عنوان حسن.

يرد عليه أنه ليس ذاتيا بحيث لا يقبل التخصيص، بل يكشف من تجويز الشارع اياه في بعض الموارد انه ليس بقبيح، لا انه قبيح، و انما يجوز لاستقلال العقل بوجوب ارتكاب أقل القبيحين.

و أما المقام الثاني: فمقتضي اطلاق النصوص الكثيرة الدالة علي جواز الحلف كاذبا لدفع الضرر البدني أو المالي عن نفسه أو عن أخيه، عدم اعتبار ذلك، لاحظ صحيح اسماعيل «1» و خبر السكوني

«2» و موثق زرارة «3» و خبر سماعة «4» و مرسل الفقيه «5» المذكورة في المتن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 4.

(3) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 6.

(4) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 18.

(5) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 135

و عن الفقيه قال: قال الصادق عليه السلام اليمين علي وجهين الي ان قال: فأما اليمين التي يؤجر عليها الرجل اذا حلف كاذبا و لم تلزمه الكفارة فهو أن يحلف الرجل في خلاص امرئ مسلم أو خلاص ماله من متعد يتعدي عليه من لص او غيره.

و في موثقة زرارة بابن بكير انا نمر علي هؤلاء القوم فيستحلفونا علي أموالنا و قد أدينا زكاتها، فقال: يا زرارة اذا خفت فاحلف لهم بما شاءوا.

و رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام اذا حلف الرجل تقية لم يضره اذا هو أكره أو اضطر اليه، و قال: ليس شي ء مما حرم الله الا و قد احله لمن اضطر اليه الي غير ذلك من الأخبار الواردة في هذا الباب، و فيما يأتي من جواز الكذب في الاصلاح التي يصعب علي الفقيه التزام تقييدها بصورة عدم القدرة علي التورية. و أما حكم العقل بقبح الكذب في غير مقام توقف تحقق المصلحة الراجحة عليه فهو و إن كان مسلما الا انه يمكن القول بالعفو عنه شرعا للأخبار المذكورة، كما عفي عن الكذب في الاصلاح و عن السب و التبري مع الاكراه مع انه قبيح عقلا ايضا مع ان ايجاب التورية علي القادر لا يخلو عن التزام بالعسر كما لا يخفي، فلو

قيل بتوسعة الشارع علي العباد بعدم ترتيب الآثار علي الكذب فيما نحن فيه، و إن قدر علي التورية كان حسنا الا ان الاحتياط في خلافه بل هو المطابق للقواعد (1)

لو لا استبعاد التقييد في هذه المطلقات لأن النسبة بين هذه المطلقات و بين ما دل كالرواية الأخيرة و غيرها علي اختصاص الجواز بصورة الاضطرار المستلزم للمنع مع عدمه مطلقا، عموم من وجه فيرجع الي عمومات حرمة الكذب فتأمل.

______________________________

الي غير ذلك من النصوص الدالة علي ذلك.

و ما دل علي جواز الكذب للاصلاح، فإن هذه النصوص تدل علي عدم اعتبار عدم التمكن من التورية، فتدل بالأولوية علي جواز الكذب بغير الحلف لدفع الضرر.

(1) و المصنف قدس سره بعد ما استحسن عدم اعتبار هذا القيد بمقتضي الاطلاق، و ايده بأن إيجاب التورية علي القادر لا يخلو عن التزام بالعسر، جعل ما نسبه الي المشهور من اعتبار هذا القيد موافقا للقواعد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 136

______________________________

و محصل كلامه: ان النسبة بين تلك المطلقات و خبر سماعة عن مولانا الصادق عليه السلام:

قال: اذا حلف الرجل تقية لم يضره اذا هو أكره أو اضطر اليه، و قال: ليس شي ء مما حرم الله الا و قد احله لمن اضطر اليه «1» و ما بمضمونه هي العموم من وجه، فإن المطلقات تدل علي جواز الحلف كاذبا لدفع الضرر بلغ حد الاضطرار أم لا، أي أمكن التورية أم لا.

و رواية سماعة و ما مضمونها تدل علي اختصاص الجواز بصورة الاضطرار و الاكراه، و مفهومها عدم الجواز في غير هذين الموردين، فتقع المعارضة بينهما في الكذب لدفع الضرر مع امكان التورية و عدم البلوغ حد الاضطرار و الاكراه، فتتساقطان و يرجع الي عمومات حرمة الكذب.

و

أورد عليه المحقق الايرواني قدس سره بإيرادين:

الأول: ان حديث رفع الاضطرار أي خبر سماعة و ما بمضمونه لا يشتمل الا علي عقد سلبي، و لا تعرض له للعقد الاثباتي و هو عدم الارتفاع مع عدم الاضطرار كي يعارض مفهومه هذه الأخبار بالعموم من وجه.

و فيه: ان ما ذكر و إن تم في غير صدر خبر سماعة، و لكنه لا يتم فيه، لأنه مشتمل علي قضية شرطية و هي ذات مفهوم كما لا يخفي.

الوجه الثاني: انه لا وجه لجعل المرجع اطلاقات حرمة الكذب، مع ان هذه الاطلاقات معارضة لها بالعموم من وجه.

و فيه: ان النسبة بين ما دل علي جواز الحلف كاذبا لدفع الضرر، و ما دل علي حرمة الكذب عموم مطلق.

فالحق ان يورد علي المصنف قدس سره- مضافا الي ضعف سند خبر سماعة للارسال و عدم وجود خبر آخر له مفهوم، و مضافا الي ما احتمله المحقق التقي من أن صدر خبر سماعة وارد مورد الرخصة في الحلف في غير محل الدعوي و القضاء من دون نظر الي الصادق و الكاذب فيكون خارجا عن محل الكلام- انه و إن كانت النسبة

______________________________

(1) الوسائل، باب 12، من كتاب الايمان، حديث 18.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 137

هذا مع إمكان منع الاستبعاد المذكور لأن مورد الأخبار عدم الالتفات الي التورية في مقام الضرورة الي الكذب إذ مع الالتفات، فالغالب اختيارها إذ لا داعي الي العدول عنها الي الكذب.

ثمّ إن أكثر الأصحاب مع تقييدهم جواز الكذب بعدم القدرة علي التورية (1) اطلقوا القول بلغوية ما أكره عليه من العقود و الايقاعات و الأقوال

______________________________

هي العموم من وجه.

إلا انه لأظهرية هذه المطلقات تقدم هي علي مفهوم خبر سماعة، إذ لو قدم خبر

سماعة و حكم باختصاص جواز الحلف كاذبا بصورة الاكراه و الاضطرار لزم لغوية العناوين المأخوذة في المطلقات، و هي الكذب لدفع الضرر المالي أو البدني عن نفسه أو عن أخيه.

و هذا بخلاف العكس، فإن لازم تقديم المطلقات تقييد مفهوم خبر سماعة، و لا ريب في ان الأول هو المتعين.

و بعبارة اخري: لو قدم خبر سماعة لزم كون تعليق الحكم علي العناوين المأخوذة في المطلقات لغوا و عدم دخلها في الحكم، و هذا بخلاف ما لو قدم المطلقات.

فتحصل: ان الأظهر عدم اعتبار هذا القيد في جواز الحلف كاذبا.

و يؤيده عدم الاشارة الي ذلك في تلك الأخبار الكثيرة، خصوصا في قضية عمار و أبويه حيث أكرهوا علي الكفر، و أظهر لهم عمار ما أرادوا فنزلت الآية (من كفر بالله من بعد إيمانه … الخ) «1».

فقال النبي صلي الله عليه و آله: ان عادوا عليك فعد. و لم ينبهه علي التورية مع شفقته صلي الله عليه و آله علي عمار، و علمه بكراهة عمار للتلفظ بألفاظ الكفر من دون تورية «2».

(1) قوله ثمّ ان أكثر الاصحاب مع تقييدهم جواز الكذب بعدم القدرة علي التورية.

______________________________

(1) سورة النحل، آية 107.

(2) الوسائل، باب 29، من أبواب الأمر و النهي من كتاب الأمر بالمعروف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 138

المحرمة كالسب و التبري من دون تقييد بصورة عدم التمكن من التورية بل صرح بعض هؤلاء كالشهيد في الروضة و المسالك في باب الطلاق بعدم اعتبار العجز عنها بل في كلام بعض ما يشعر بالاتفاق عليه مع انه يمكن أن يقال ان المكره علي البيع انما اكره علي التلفظ بالصيغة، و أما ارادة المعني فمما لا تقبل الإكراه فاذا اراده مع القدرة علي عدم

ارادته، فقد اختاره. (1)

فالإكراه علي البيع الواقعي يختص بغير القادر علي التورية لعدم المعرفة بها او عدم الالتفات اليها كما ان الاضطرار الي الكذب يختص بغير القادر عليها، و يمكن ان يفرق بين المقامين بأن الإكراه انما يتعلق بالبيع الحقيقي او الطلاق الحقيقي غاية الأمر قدرة المكره علي التفصي عنه بإيقاع الصورة من دون ارادة المعني لكنه غير المكره عليه و حيث ان الأخبار خالية عن اعتبار العجز عن التفصي بهذا الوجه، لم يعتبر ذلك في حكم الإكراه و هذا بخلاف الكذب فانه لم يسوغ الا عند الاضطرار اليه و لا اضطرار مع القدرة. (2)

______________________________

حاصله: ان أكثر الأصحاب اعتبروا في جواز الكذب عدم تمكنه من التورية، و لم يعتبروا ذلك في فساد ما أكره عليه من العقود و الإيقاعات، بل في كلام بعضهم دعوي الإجماع علي عدم اعتبار ذلك.

(1) و أورد عليهم المصنف قدس سره بأن المكره علي البيع مثلا مع تمكنه من عدم ارادة المعني انما يكون مكرها علي التلفظ بالصيغة، و لا يكون مكرها علي البيع الحقيقي المتقوم بإرادة المعني، فلو اراد المعني و لم يور فقد أوجد البيع باختياره و ارادته فيكون صحيحا.

(2) و أجاب هو قدس سره بوجود الفارق بين المقامين، و اجماله: ان المسوغ للكذب المحرم- مع قطع النظر عن النصوص الخاصة، هو الاضطرار و الإلجاء، و هذا العنوان لا يصدق مع التمكن من التفصي بالتورية، و أما الرافع لأثر المعاملة فهو أعم من ذلك، بل لو صدق عنوان المكره عليه علي البيع الخارجي لما كان صحيحا، و حيث ان الإكراه انما تعلق بنفس

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 139

نعم لو كان الإكراه من أفراد الاضطرار بأن كان المعتبر في تحقق

موضوعه عرفا أو لغة العجز عن التفصي كما ادعاه بعض أو قلنا باختصاص رفع حكمه بصورة الاضطرار بأن كان عدم ترتب الأثر علي المكره عليه من حيث انه مضطر اليه لدفع الضرر المتوعد عليه به عن النفس و المال، كان ينبغي فيه اعتبار العجز من التورية لعدم الاضطرار مع القدرة عليها.

و الحاصل ان المكره اذا قصد المعني مع التمكن من التورية صدق علي ما أوقع انه مكره عليه فيدخل في عموم رفع ما اكرهوا عليه. و أما المضطر فاذا كذب مع القدرة علي التورية لم يصدق انه مضطر اليه فلا يدخل في عموم رفع ما اضطروا اليه.

هذا كله علي مذاق المشهور من انحصار جواز الكذب بصورة الاضطرار اليه حتي من جهة العجز عن التورية و أما علي ما استظهرناه من الأخبار كما اعترف به جماعة من جوازه مع الاضطرار اليه من غير جهة العجز عن التورية فلا فرق بينه و بين الإكراه كما ان الظاهر ان أدلة نفي الإكراه راجعة الي الاضطرار لكن من غير جهة التورية. فالشارع رخص في ترك التورية في كل كلام مضطر اليه للإكراه عليه أو دفع الضرر به هذا و لكن الأحوط التورية في البابين.

______________________________

المعاملة و واقعها فإذا أوجدها المكره فقد أوجد نفس ما أكره عليه، فيرتفع أثره بالاكراه.

و أشكل عليه أغلب المحشين، و هم المحققون الشيرازيان، و الإيرواني قدس سرهم بما حاصله: ان هذا الفرق لو تم فانما هو بين الإكراه و الاضطرار، و تماميته في المقام، تبتني علي عدم شمول نفي الاكراه للكذب إذا اكره عليه، و يختص دليل نفي الاضطرار بالشمول له، و هذا مما لا يمكن الالتزام به، كيف و نسبة كل من دليلي رفع الإكراه

و الاضطرار الي كل من الأمرين علي حد سواء، فبأي وجه يجعل التصرف في دليل حرمة الكذب بأدلة الاضطرار و التصرف في أدلة العقود و الايقاعات بأدلة الإكراه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 140

______________________________

و لكن الظاهر ان مراد المصنف قدس سره علي ما يظهر من ذكره الفرق بين المقامين في كتاب البيع في مبحث الاكراه غير ما فهموه و أوردوا عليه.

و محصل كلامه قدس سره: أن الاكراه الرافع لأثر المعاملات، أوسع من الاكراه المسوغ للمحرمات: إذ مناط الأول عدم طيب النفس، و مناط الثاني دفع ضرر المكره علي ارتكاب المكره عليه.

توضيح ذلك: ان المتبادر من الاكراه هو الجبر و الالجاء، و عليه يحمل الاكراه في حديث الرفع، فيكون الفرق بينه و بين الاضطرار المعطوف عليه في ذلك الحديث اختصاص الاضطرار بالحاصل، لا من فعل الغير كالجوع و نحوه، و الاكراه بما كان من فعل الغير.

و حيث انه لا مسوغ لارتكاب المحرمات سوي حديث الرفع و ما يقرب منه، فلا يجوز ارتكابها ما لم يحصل الالجاء و الضرورة، و هذا العنوان لا يصدق مع امكان التفصي بالتورية.

و أما في المعاملات فحيث انه يعتبر في صحتها- زائدا علي عدم الاكراه بالمعني المتقدم- صدورها عن الرضا و طيب النفس علي ما تدل عليه الآية الشريفة و النصوص الكثيرة، فيكفي في عدم ترتب آثارها عليها الاكراه المقابل لطيب النفس، و إن لم يصل الي حد الالجاء و الاضطرار، و هو قد يتحقق مع امكان التفصي بغيرها، مثلا من كان قاعدا في مكان خاص خال عن الغير متفرغا لعبادة او مطالعة فجاءه من اكرهه علي بيع شي ء مما عنده، و هو في هذه الحال غير قادر علي دفع ضرره، و هو

كاره للخروج عن ذلك المكان، لكن لو خرج كان له في الخارج خدم يكفونه شر المكره، فالظاهر صدق الاكراه بمعني عدم طيب النفس لو باع ذلك الشي ء.

و لو فرض في هذا المثال اكراهه علي محرم لم يعذر فيه بمجرد كراهة الخروج عن ذلك المكان.

ففي المقام اذا اكره علي الكذب و هو يتمكن من التفصي بالتورية لا يصدق الاكراه إذ المسوغ لارتكاب الحرام هو الالجاء و الضرورة غير الصادق في الفرض، و اذا اكره علي المعاملة فالمعاملة مكره عليها، غاية الأمر يقدر المكره علي التفصي عنه بإيقاع الصورة من

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 141

ثمّ ان الضرر المسوغ للكذب هو المسوغ لسائر المحرمات، نعم يستحب تحمل الضرر المالي الذي لا يجحف (1) و عليه يحمل قول أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة علامة الايمان ان توثر الصدق حيث يضرك علي الكذب حيث ينفعك.

______________________________

دون ارادة المعني، لكنه غير المكره عليه، فلا يعتبر ذلك في حكم الاكراه.

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلامه و به يندفع الايراد المتقدم.

لكنه يرد عليه قدس سره أمران:

الأول: عدم تمامية الفرق المذكور، اذ طيب النفس و الرضا المعتبر في صحة العقود و الايقاعات ليس الا ما يقابل الالجاء و الاكراه، مثلا في المثال المتقدم لو باع من اكره علي البيع فهو بالعنوان الأولي، و إن كان لا يرضي به و لكن بعد ملاحظة العناوين الثانوية، مثل انه لا يريد الخروج عن ذلك المكان لا محالة يرضي بالمعاملة، فلو صدرت المعاملة عنه يكون صدورها عن الرضا و طيب النفس و بالاستقلال، و لا يكون ساقطا عن الاستقلال في التصرف بحيث لا تطيب نفسه بما صدر منه، فلو اعتذر و قال: ما كنت

راضيا بها، يقال له: ما كنت ملجئا و مضطرا فكيف عاملت.

و بالجملة: لا يعتبر في صحة المعاملة من الرضا و طيب النفس، سوي ما يقابل الاكراه و الالجاء.

الثاني: انه لو تم ذلك لما كان المقام من مصاديق الاكراه اذ من يتمكن من التفصي بالتورية كمن كان خدمه حاضرين عنده في المثال، و توقف دفع ضرر إكراه الشخص علي أمر خدمه بدفعه و طرده، اعترف هو قدس سره في كتاب البيع بأنه لا يتحقق الاكراه في حقه، و يكذب لو ادعاه.

فتحصل: انه لا فرق بين المقامين:

(1) قوله نعم يستحب تحمل الضرر المالي لا يجحف.

و فيه: ان الضرر المالي ان صدق عليه الضرر جاز الكذب لدفعه، و الا فلا، و لم يدل دليل علي استحباب تحمل الضرر و عدم الكذب في بعض الموارد، و قوله عليه السلام ففي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 142

ثمّ إن الأقوال الصادرة عن أئمتنا في مقام التقية في بيان الأحكام مثل قولهم لا بأس بالصلاة في ثوب اصابه خمر و نحو ذلك، و إن أمكن حمله علي الكذب لمصلحة بناء علي ما استظهرنا جوازه من الأخبار الا ان الأليق بشأنهم عليهم السلام (1) هو الحمل علي ارادة خلاف ظواهرها من دون نصب قرينة، بأن يريد من جواز الصلاة في الثوب المذكور جوازها عند تعذر الغسل و الاضطرار الي اللبس، و قد صرحوا بإرادة المحامل البعيدة في بعض الموارد مثل انه ذكر عليه السلام ان النافلة فريضة ففزع المخاطب، ثمّ قال: انما اردت صلاة الوتر علي النبي صلي الله عليه و آله و من هنا يعلم انه إذا

______________________________

نهج البلاغة: علامة الايمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك علي الكذب حيث ينفعك «1» الذي استدل به

لذلك لا يدل عليه، إذ بواسطة التقابل فيه بين الصدق الضار مع الكذب النافع، يتعين حمل الضرر علي ارادة عدم النفع، او النفع علي ارادة عدم الضرر، و الأول لو لم يكن أظهر لا ريب في إجمال الكلام حينئذ فلا يصح الاستدلال به إذ علي الأول يكون الكذب محرما، و تركه حينئذ يكون علامة الايمان، فهو إما اجنبي عن المقام أو مجمل لا يمكن الاستدلال به.

بقي الكلام في أمرين:

الأول: ان الأقوال الصادرة عن الأئمة في مقام التقية في بيان الأحكام محمولة علي ارادة خلاف ظواهرها، أو علي الكذب لمصلحة.

(1) و المصنف قدس سره قال إن الاليق بشأنهم هو الحمل علي إرادة خلاف ظواهرها فهو يختار الأول.

و فيه: انه مبني علي القول باستقلال العقل بقبح الكذب حتي فيما اذا طرأ عليه عنوان جوزه الشارع الأقدس، و لكنك عرفت عدم كونه كذلك، و انه في موارد تجويز الشارع اياه، لا يستقل العقل بقبحه في نفسه، و انه انما يجوز لأجل ارتكاب أقل القبيحين، و عليه فلا يكون حمل النصوص الواردة في مورد التقية علي ارادة خلاف ظواهرها من دون نصب قرينة اليق بشأنهم، بل ذلك و الكذب لمصلحة سواء.

______________________________

(1) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة، حديث 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 143

دار الأمر (1) في بعض المواضع بين الحمل علي التقية و الحمل علي الاستحباب، كما في الأمر بالوضوء عقيب بعض ما قال العامة بكونه حدثا تعين الثاني (2) لأن التقية تتأدي بإرادة المجاز و إخفاء القرينة. (3)

______________________________

(1) فهل يتعين الثاني اذا دار الامر بين التقية و الحمل علي الاستحباب كما في الامر بالوضوء عقيب بعض ما قال العامة بكونه حدثا.

(2) فهل يتعين الثاني كما أفاده

المصنف قدس سره أم لا؟ و ملخص القول في المقام:

ان الكلام الذي يدور أمره بين الحمل علي التقية، او الاستحباب، يكون علي أقسام:

الاول: ان يكون متضمنا لبيان حكم تكليفي، فيدور أمره بين إبقائه علي ظاهره من الوجوب و حمله علي التقية، و بين أن يراد به الاستحباب. ففي هذا القسم يحمل علي الاستحباب.

(3) لا لما علله المصنف قدس سره من ان التقية تتأدي بارادة المجاز و إخفاء القرينة، بل لأن حقيقة الاستحباب ليست الا الامر بالفعل مع الترخيص في تركه في مقابل الوجوب الذي هو الأمر بالفعل مع عدم الترخيص في تركه.

و بعبارة اخري: ان الوجوب و الاستحباب ينتزعان عن الترخيص في ترك المأمور به و عدمه، و الا فالأمر في الموردين يستعمل في معني واحد، و عليه، فاذا ورد أمر بشي ء و علم من الخارج عدم وجوبه يحمل علي الاستحباب.

الثاني: أن يكون متضمنا لبيان حكم وضعي، كما إذا ورد ان المذي ناقض للوضوء، و دار الامر بين حمله علي التقية، او علي ارادة استحباب الوضوء عقيب المذي منه، فالمتعين في هذا القسم الحمل علي التقية، اذ إرادة الاستحباب من مثل هذه الجملة غير صحيحة فتأمل.

القسم الثالث: ان يتضمن الامر بعمل و يكون ظاهره الارشاد الي حكم وضعي، كما اذا أمر بالوضوء عقيب المذي، حيث ان ظاهره الارشاد الي ناقضيته للوضوء، ففي هذا القسم اذا دار الامر بين الحمل علي الاستحباب بإرادة خلاف ظاهر الامر منه أو حمله علي التقية، فحيث ان الامر دائر بين الغاء اصالة الظهور، و بين الغاء أصالة تطابق المراد الجدي للمراد الاستعمالي، و لا مرجح لإحداهما علي الاخري فتتساقطان و لا يصح الاعتماد علي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 144

الثاني: من

مسوغات الكذب ارادة الاصلاح (1) و قد استفاضت الاخبار بجواز الكذب عند ارادة الاصلاح. ففي صحيحة معاوية بن عمار المصلح ليس بكذاب و نحوها رواية معاوية بن حكم عن أبيه عن جده عن أبي عبد الله عليه السلام و في رواية عيسي بن حنان عن الصادق عليه السلام كل كذب مسئول عنه صاحبه يوما الا كذبا في ثلاثة:

رجل كائد في حربه، فهو موضوع عنه.

و رجل أصلح بين اثنين يلقي هذا بغير ما يلقي هذا يريد بذلك الاصلاح.

و رجل وعد أهله و هو لا يريد أن يتم لهم.

و بمضمون هذه الرواية في استثناء هذه الثلاثة روايات.

______________________________

شي ء منهما، فلا وجه للحمل علي الاستحباب في هذا المورد.

و بما ذكرناه من القول الفصل ظهر ما في كلمات الاستاذ الاعظم و سائر الاساطين في المقام:

الكذب لإرادة الاصلاح

(1) قوله الثاني من مسوغات الكذب: ارادة الإصلاح.

لا خلاف في جواز الكذب لإرادة الاصلاح بين المتخاصمين، و تشهد له جملة من النصوص: كصحيح معاوية بن عمار «1». و رواية معاوية بن حكم «2» و خبر عيسي بن حسان «3» و مرسل الواسطي «4» و ما عن الصدوق في كتاب الاخوان «5». المذكورة في المتن الي غير ذلك من النصوص الكثيرة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة، حديث 3.

(2) نفس المصدر، حديث 9.

(3) نفس المصدر، حديث 5.

(4) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة، حديث 6.

(5) نفس المصدر، حديث 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 145

و في مرسلة الواسطي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الكلام ثلاثة صدق و كذب و إصلاح بين الناس قيل له جعلت فداك و ما الاصلاح بين الناس؟ قال: تسمع من الرجل كلاما يبلغه فتخبث نفسه فتقول: سمعت فلانا قال

فيك من الخير كذا و كذا خلاف ما سمعته.

و عن الصدوق في كتاب الاخوان بسنده عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: ان الرجل ليصدق علي أخيه فيصيبه عنت من صدقه فيكون كذابا عند الله و ان الرجل ليكذب علي أخيه يريد به نفعه فيكون عند الله صادقا، ثمّ ان ظاهر الاخبار المذكورة عدم وجوب التورية و لم أر من اعتبر العجز عنها في جواز الكذب في هذا المقام و تقييد الاخبار المذكورة بصورة العجز عنها في غاية البعد و إن كان مراعاته مقتضي الاحتياط.

______________________________

و يمكن أن يستدل له بأنه أمر في الآية الشريفة (انما المؤمنون إخوة فاصلحوا بين أخويكم) «1» بالإصلاح، و مقتضي اطلاقه مطلوبية الاصلاح و إن كان بالكذب، فتعارض الآية الشريفة مع عموم ما دل علي حرمة الكذب بالعموم من وجه، و الترجيح مع الآية الشريفة.

فأصل الحكم مما لا توقف فيه، انما الكلام في موارد:

الاول: انه قد يقال: إنه كما يجوز الكذب لإرادة الاصلاح كذلك يجوز لجلب نفع الاخوان، و استدل له بما عن الصدوق في كتاب الاخوان بسنده عن الامام الرضا عليه السلام المتقدم و فيه: انه مضافا الي ما في سنده من الخلل، و إعراض الاصحاب عنه: انه انما يدل علي جواز الكذب لجلب النفع بالإطلاق لشموله للكذب للإصلاح، فالنسبة بينه و بين مفهوم الحصر في جملة من النصوص الحاصرة لجواز الكذب في الثلاثة عموم من وجه، و

______________________________

(1) الحجرات: 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 146

ثمّ انه قد ورد في أخبار كثيرة جواز الوعد الكاذب مع الزوجة بل مطلق الاهل (1) و الله العالم.

______________________________

الترجيح مع تلك النصوص، فالأظهر عدم جوازه في هذا المورد.

الثاني: انه هل من الكذب للاصلاح الكذب لأجل تحبيب

غير المتحابين أم لا؟ وجهان: أقواهما الثاني: إذ ظاهر الاصلاح هو رفع التباغض فيعتبر سبقه، فالكذب لمجرد التحبيب لا دليل علي جوازه.

الثالث: انه يكفي في صدق مفهوم الاصلاح البغض من جانب واحد فتشمله المطلقات، مع انه مورد مرسل الواسطي المتقدم.

حيث ان الرجل الذي قيل في حقه ما قيل أبغض الرجل المتكلم، و أما الرجل الذي تكلم فلا يلازم كلامه بغض صاحبه، إذ لعل كلامه كان من قبيل نفي الاجتهاد أو نفي العدالة مما لا يكون صادرا عن البغض.

الرابع: لا فرق في جواز الكذب للاصلاح بين أن يكون المصلح غير المتخاصمين أو أحدهما، بل لا يبعد دعوي تأكد الحكم في الثاني.

لخبر حمران عن أبي جعفر عليه السلام: فما من مؤمنين اهتجرا فوق ثلاث الا و برأت منهما في الثالثة، قيل: هذا حال الظالم فما بال المظلوم؟ فقال: ما بال المظلوم لا يصير الي الظالم فيقول: انا الظالم حتي يصطلحا «1» إذ بديهي ان قول المظلوم انا الظالم كذب و نحوه غيره.

(1) قال المصنف قدس سره ثمّ قد ورد في اخبار «2» كثيرة جواز الوعد الكاذب.

و هذه الاخبار لشمولها لما اذا كان الوعد علي سبيل الاخبار، توجب تقييد ما دل علي حرمة الكذب، كما انها تقيد ما دل علي لزوم الوفاء بالوعد أو رجحانه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 144، من أبواب أحكام العشرة، حديث 10.

(2) الوسائل، باب 141، من أبواب أحكام العشرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 147

التاسعة عشرة: الكهانة حرام (1)
اشارة

و هي من كهن يكهن ككتب يكتب كتابة كما في الصحاح اذا تكهن، قال: و يقال كهن بالضم كهانة بالفتح اذا صار كاهنا.

و عن القاموس ايضا الكهانة بالكسر، لكن عن المصباح كهن يكهن كقتل كهانة بالفتح، و كيف كان فعن النهاية ان

الكاهن من يتعاطي الخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان.

و قد كان في العرب كهنة فمنهم من كان يزعم ان له تابعا من الجن يلقي اليه الاخبار.

و منهم من كان يزعم انه يعرف الامور بمقدمات و أسباب يستدل بها علي مواقعها من كلام من سأله أو فعله أو حاله و هذا يخصونه باسم العراف و المحكي عن الاكثر في تعريف الكاهن ما في القواعد من أنه من كان له رأي من الجن يأتيه الاخبار.

و عن التنقيح انه المشهور و نسبه في السرائر الي القيل و رأي علي فعيل من رأي يقال فلان رأي القوم أي صاحب رأيهم، قيل: و قد يكسر رائه اتباعا.

و عن القاموس رأي كغني جني يري فيخبر.

______________________________

الكهانة

(1) قوله التاسعة عشرة الكهانة حرام.

و الكلام في هذه المسألة يقع في مواضع:

الاول: ان الكهانة علي ما يستفاد من كلمات اللغويين و خبر الاحتجاج: هي الاخبار عن الغائبات لاتصال المخبر بالجن و الشيطان، و القيود المعتبرة فيها أو قيل باعتبارها أمور:

و قبل بيانها لا بد و ان يعلم ان كل قيد شك في اعتباره و لم يدل علي عدمه دليل لا بد من البناء علي اعتباره أخذا بالمتيقن:

أحدها: كون الاخبار بواسطة الاتصال بالجن و الشيطان كما صرح به الاكثر.

فما عن ظاهر النهاية من كون الكهانة بغير قذف الشياطين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 148

و عن النهاية يقال للتابع من الجن رأي بوزن كمي. أقول روي الطبرسي في الاحتجاج في جملة الاسئلة التي سأل الزنديق عنها أبا عبد الله عليه السلام قال الزنديق:

فمن اين أصل الكهانة و من أين يخبر الناس بما يحدث، قال عليه السلام: ان الكهانة كانت في الجاهلية في كل حين فترة من الرسل كان الكاهن

بمنزلة الحاكم يحتكمون اليه فيما يشتبه عليهم من الامور بينهم فيخبرهم بأشياء تحدث و ذلك في (من) وجوه شتي فراسة العين و ذكاء القلب و وسوسة النفس و فطنة الروح مع قذف في قلبه، لأن ما يحدث في الارض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان و يؤديه الي الكاهن يخبره بما يحدث في المنازل و الاطراف.

و أما اخبار السماء فان الشياطين كانت تقعد مقاعد استراق السمع إذ ذاك و هي لا تحجب و لا ترجم بالنجوم، و انما منعت من استراق السمع لئلا يقع في الارض سبب تشاكل الوحي من خبر السماء فيلبس علي أهل الارض ما جاءهم عن الله تعالي لاثبات الحجة و نفي الشبهة و كان الشيطان يسترق الكلمة الواحدة من خبر السماء بما يحدث الله في خلقه فيختطفها، ثمّ يهبط بها الي الارض فيقذفها

______________________________

غير تام، و قوله عليه السلام في خبر الاحتجاج و ذلك في وجوه شتي فراسة العين، و ذكاء القلب، و وسوسة النفس، و فطنة الروح مع قذف في قلبه «1» لا يدل عليه لاحتمال رجوع القيد الي الجميع، بل هو الظاهر بواسطة التعليل بقوله لأن ما يحدث في الارض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان.

ثانيها: كون المخبر به أمرا استقباليا فالأخبار عن الامور الماضية أو الكائنة بالفعل لا يكون من الكهانة.

و يشهد له- مضافا الي تصريح جمع من اللغويين به- قوله عليه السلام في خبر الاحتجاج تؤدي الي الشياطين- أي الكهنة- ما يحدث في البعد من الحوادث،.

و لكن دعوي عدم اعتبار هذا القيد بحسب المتفاهم العرفي المؤيد باطلاق كلمات أكثر الفقهاء ليست ببعيدة، بل صحيح الهيثم الآتي دال عليه كما ستعرف.

ثالثها: أن يكون مركبا من الاخبار بخبر السماء و

الاخبار بخبر الارض.

و استدل له: بقوله عليه السلام: في خبر الاحتجاج: فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع*

______________________________

(1) احتجاج الطبرسي، ص 185.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 149

الي الكاهن فاذا قد زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل فما أصاب الكاهن من «مما كان» خبر يخبر به هو ما اداه اليه شيطانه مما سمعه، و ما أخطأ فيه فهو من باطل ما زاد فيه، فمنذ منعت الشياطين عن استراق السمع انقطعت الكهانة و اليوم انما تؤدي الشياطين الي كهانها اخبارا للناس (1) مما يتحدثون «به و ما يحدثونه» و الشياطين تؤدي الي الشياطين ما يحدث في البعد من الحوادث من سارق سرق و من قاتل قتل و من غائب غاب، و هم ايضا بمنزلة الناس صدوق و كذوب، الخبر.

و قوله عليه السلام مع قذف في قلبه يمكن أن يكون قيدا للأخير و هو فطنة الروح فيكون الكهانة بغير قذف الشياطين كما هو ظاهر ما تقدم عن النهاية و يحتمل أن يكون قيدا لجميع الوجوه المذكورة فيكون المراد تركب أخبار الكاهن مما يقذفه الشيطان و ما يحدث في نفسه لتلك الوجوه و غيرها كما يدل عليه قوله عليه السلام بعد ذلك زاد كلمات من عنده فيخلط الحق بالباطل، و كيف كان ففي قوله انقطعت الكهانة (2) دلالة علي ما عن المغرب من ان الكهانة في العرب كانت قبل البعث

______________________________

انقطعت الكهانة.

و لكن الاظهر ان للكهانة قسمين:

الاول: ان يخبر الكاهن عن الحوادث المستقبلة لاتصاله بالشياطين المخبرة عن أخبار السماء.

الثاني: ان يخبر الكاهن عن الكائنات الارضية للاتصال بالشياطين و الجن المخبرة عن الاخبار الارضية، و قد أطلق الكاهن في خبر الاحتجاج علي القسم الثاني، كما أطلق فيه علي الاول،، لاحظ قوله

عليه السلام فيه: لأن ما يحدث في الارض من الحوادث الظاهرة فذلك يعلم الشيطان و يؤديه الكاهن. و يخبره بما يحدث في المنازل و الاطراف.

(1) و قوله عليه السلام فيه: و اليوم انما يؤدي الشيطان الي كهانها أخبار الناس مما يتحدثون به … الخ و عليه فتحمل الكهانة.

(2) في قوله انقطعت الكهانة علي الكهانة الكاملة أي القسم الأول.

الثاني: الظاهر جواز تسخير الجن للكهانة، و قد تقدم الكلام فيه في آخر مبحث السحر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 150

قبل منع الشياطين عن استراق السمع لكن قوله عليه السلام انما يؤدي الشياطين الي كهانها اخبارا الناس، و قوله قبل ذلك مع قذف في قلبه الخ، دلالة علي صدق الكاهن علي من لا يخبر الا باخبار الارض فيكون المراد من الكهانة المنقطعة الكهانة الكاملة التي يكون الكاهن بها حاكما في جميع ما يتحاكمون اليه من المشتبهات، كما ذكر في أول الرواية و كيف كان فلا خلاف في حرمة الكهانة.

و في المروي عن الخصال من تكهن أو تكهن له فقد برئ من دين محمد صلي الله عليه و آله.

و قد تقدم رواية ان الكاهن كالساحر، و ان تعلم النجوم يدعو إلي الكهانة.

و روي في مستطرفات السرائر عن كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن الهيثم، قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام ان عندنا بالجزيرة رجلا ربما أخبر من يأتيه يسأله عن الشي ء يسرق أو شبه ذلك، (فنسأله)، فقال: قال رسول الله صلي الله عليه و آله من مشي الي ساحر او كاهن أو كذاب يصدقه فيما يقول فقد كفر بما انزل الله من كتاب الخبر.

______________________________

الثالث: تحرم الكهانة و تشهد له جملة من النصوص: كخبر أبي بصير عن مولانا الصادق عليه

السلام: من تكهن أو تكهن له فقد برئ من دين محمد صلي الله عليه و آله «1». و نحوه غيره، و قد تقدم بعضها في مبحث التنجيم، و السحر.

الرابع: يحرم الرجوع الي الكاهن و العمل بقوله و ترتيب الاثر عليه لجملة من النصوص الناهية عن إتيان الكاهن: كخبر الخصال المتقدم، و صحيح الهيثم الآتي و غيرهما، فإن الاتيان الي الكاهن و المجي ء اليه كناية عن تصديقه و العمل بقوله.

الخامس: لا يجوز أخذ الاجرة علي أخبار الكاهن لكونه عملا لا يترتب عليه أثر جائز، و لخبر السكوني عن الامام الصادق عليه السلام جعل من السحت أجر الكاهن «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

(2) الوسائل، باب 5، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 151

و ظاهر هذه الصحيحة ان الاخبار عن الغائبات علي سبيل الجزم محرم مطلقا (1) سواء كان بالكهانة أو بغيرها لأنه عليه السلام جعل المخبر بالشي ء الغائب بين الساحر و الكاهن و الكذاب، و جعل الكل حراما و يؤيده النهي في النبوي المروي في الفقيه في حديث المناهي انه نهي عن إتيان العراف. و قال من أتاه و صدقه فقد برئ مما انزل الله علي محمد صلي الله عليه و آله و قد عرفت من النهاية ان المخبر عن الغائبات في المستقبل كاهن و يخص باسم العراف و يؤيد ذلك ما تقدم في رواية الاحتجاج من قوله عليه السلام لئلا يقع في الارض سبب يشاكل الوحي الخ.

فان ظاهره كون ذلك مبغوضا للشارع من أي سبب كان فتبين من ذلك

______________________________

الإخبار عن الامور المستقبلة

(1) و قد استدل لحرمة الأخبار عن الغائبات و الأمور المستقبلة بأمور:

الاول: صحيح الهيثم «1» عن

الامام الصادق عليه السلام لاحظ المتن.

بتقريب انه يدل علي حصر المخبر بالشي ء الغائب بالساحر و الكاهن و الكذاب، و جعل الكل حراما.

و فيه: اولا: انه يدل علي حصر المحرم من الاخبار عن الغائبات باخبار هذه الطوائف الثلاث لا حصر المخبر عنها به كما لا يخفي.

و ثانيا: انه بقرينة السؤال ظاهر في الاخبار عن الامور الماضية، و لم يستشكل أحد في جوازه اذا لم يكن بالكهانة.

و ثالثا: انه يدل علي حرمة الرجوع و تصديق المخبر، و هي لا تلازم حرمة الاخبار، كما في حرمة تصديق الفاسق و شهادة العدل الواحد في بعض الموارد، مع جواز اخبار الفاسق و جواز الشهادة للعادل، بل وجوبها احيانا عليه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 152

ان الاخبار عن الغائبات بمجرد السؤال عنها من غير نظر في بعض ما صح اعتباره كبعض الجفر و الرمل محرم، و لعله لذا عد صاحب المفاتيح من المحرمات المنصوصة الاخبار عن الغائبات علي سبيل الجزم لغير نبي او وصي نبي سواء كان بالتنجيم او الكهانة او القيافة او غير ذلك.

العشرون:: اللهو حرام (1)
اشارة

علي ما يظهر من المبسوط و السرائر و المعتبر

______________________________

الثاني: قوله عليه السلام في خبر الاحتجاج لئلا يقع في الارض سبب يشاكل الوحي بتقريب انه يدل علي مبغوضية الاخبار عن الغائبات لمشاكلته للوحي من أي سبب كان.

و فيه: أولا: انه يدل علي المبغوضية التكوينية، و لذا قطع الله سبحانه سببه بمنع الشياطين عن الاطلاع علي السماء و اخباره منعا تكوينيا.

و ثانيا: انه مختص بالأخبار عن السماء بل يدل علي عدم المنع من الاخبار عن الغائبات من الكائنات في الارض.

الثالث: قوله عليه السلام في حديث المناهي انه نهي عن

إتيان العراف و قال: من أتاه و صدقه فقد برئ مما انزل الله عز و جل علي محمد صلي الله عليه و آله «1» إذ المخبر عن الغائبات في المستقبل كاهن يخص باسم العراف.

و فيه: اولا: انه ضعيف السند.

و ثانيا: انه يدل علي حرمة تصديقه، و قد مر انها لا تلازم حرمة الاخبار.

فتحصل: انه لا دليل علي حرمته، و عليه فان كان جازما بالمخبر عنه جاز، و الا حرم لكونه من الكذب المحرم.

حرمة اللهو

(1) قوله: اللهو حرام علي ما يظهر من المبسوط.

______________________________

(1) الوسائل، باب 26، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 153

و القواعد و الذكري و الجعفرية و غيرها حيث عللوا لزوم الاتمام في سفر الصيد بكونه محرما من حيث اللهو، قال في المبسوط: السفر علي أربعة أقسام: و ذكر الواجب و الندب و المباح، ثمّ قال: الرابع سفر المعصية وعد من أمثلتها من طلب الصيد للهو و البطر و نحوه بعينه عبارة السرائر.

و قال في المعتبر: قال علماؤنا اللاهي بسفره كالمتنزه بصيده بطرا لا يترخص لنا ان اللهو حرام فالسفر له معصية، انتهي.

و قال في القواعد: الخامس من شروط القصر إباحة السفر فلا يرخص العاصي بسفره كتابع الجائر و المتصيد لهوا انتهي.

و قال في المختلف في كتاب المتاجر حرم الحلبي الرمي من قوس الجلاهق، قال: و هذا الاطلاق ليس بجيد بل ينبغي تقييده باللهو و البطر. و قد صرح الحلي في مسألة اللعب بالحمام بغير رهان بحرمته.

و قال: ان اللعب بجميع الاشياء قبيح و رده بعض بمنع حرمة مطلق اللعب و انتصر في الرياض للحلي بأن ما دل علي قبح اللعب و ورد بذمه من الآيات و الروايات أظهر

من أن يخفي فاذا ثبت القبح «و الذم» ثبت النهي، ثمّ قال: و لو لا شذوذه بحيث كاد أن يكون مخالفا للإجماع لكان المصير الي قوله ليس بذلك البعيد، انتهي.

______________________________

نسب المصنف قدس سره الي المبسوط و السرائر و المعتبر و القواعد و الذكري و الجعفرية و غيرها: ان اللهو حرام.

و لكن الكلمات التي ذكرها قدس سره لا دلالة فيها علي ارادة حرمة اللهو بقول مطلق، فانها متضمنة لحرمة طلب الصيد للهو، و معلوم ان قوله للهو ليس تعليلا للحرمة، بل هو قيد للطلب، و عليه فمرادهم ان الصيد للهو لا للانتفاع و غيره من الاغراض العقلائية حرام، و هذا لا يلازم حرمة اللهو بقول مطلق، إذ لعل في هذا الفعل اللهوي خصوصية و هي إيذاء الحيوانات بلا جهة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 154

______________________________

نعم بعضها ظاهر في ذلك كقول المحقق في محكي المعتبر: قال علماؤنا: اللاهي بسفره كالمتنزه بصيده بطرا لا يترخص لنا ان اللهو حرام فالسفر له معصية.

و كيف كان: فتنقيح القول في المقام يقتضي البحث في موردين:

الاول: في بيان الموضوع.

فقد احتمل المصنف قدس سره فيه احتمالات ثلاثة:

الاول: ان يراد به مطلق اللعب كما يظهر من الصحاح و القاموس.

الثاني: هو اللعب عن بطر، أي شدة الفرح- و الظاهر ان مراده هو الحركة لا لغرض عقلائي- الناشئة عن شدة الفرح كالرقص، أو الموجبة لها كالضرب بالطشت.

الثالث: هي الحركات التي لا يتعلق بها غرض عقلائي مع انبعاثها عن القوي الشهوية.

و لكن يرد عليه- مضافا الي ما في الاحتمال الاخير من نحو من الاجمال، اذ تحصيل مقتضيات القوي الشهوية بأنفسها أغراض عقلائية- فتأمل.

ان الظاهر ان اللهو من أفعال النفس، بمعني انه عنوان منطبق عليها، و لا ربط له

بالأفعال الجوارحية، و ليس كاللعب منطبقا علي تلك الافعال كما يظهر لمن تدبر في مشتقات هذا اللفظ، لاحظ قوله تعالي: (لاهية قلوبهم) «1» أي ساهية غافلة مشغولة بالباطل عن الحق و تذكره، و قوله تعالي: (ألهيكم التكاثر) «2» أي شغلكم التفاخر و التباهي بكثرة المال عن الآخرة و قوله تعالي: (لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله) «3». و قوله: (فأنت عنه تلهي) «4». و لذا قيل في قول لهو الحديث: ان الاضافة بمعني من، لان اللهو يكون من الحديث و غيره، و اطلاقه علي بعض الأفعال الجوار حية كالغناء

______________________________

(1) سورة الانبياء: آية 4.

(2) سورة التكاثر: آية 2.

(3) سورة النور: آية 38.

(4) سورة عبس: آية 10.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 155

و لا يبعد أن يكون القول بجواز خصوص هذا اللعب و شذوذ القول بحرمته مع دعوي كثرة الروايات بل الآيات علي حرمة مطلق اللهو لأجل النص علي الجواز فيه في قوله عليه السلام لا بأس بشهادة من يلعب بالحمام، و استدل في الرياض ايضا تبعا للمهذب علي حرمة المسابقة بغير المنصوص علي جوازه بغير عوض بما دل علي تحريم اللهو و اللعب، قال لكونها منه بلا تأمل انتهي.

و الاخبار الظاهرة في حرمة اللهو كثيرة جدا منها ما تقدم من قوله في رواية تحف العقول (1) و ما يكون منه و فيه الفساد محضا و لا يكون منه و لا فيه شي ء من وجوه الصلاح فحرام تعليمه و تعلمه و العمل به و أخذ الاجرة عليه.

______________________________

انما هو من باب اطلاق اللفظ الموضوع للمسبب علي السبب.

و عليه فاللهو هو اشتغال النفس باللذائذ الشهوية بلا قصد غاية، و إن كانت الغاية حاصلة سواء صدرت منه حركة

جوارحية أم لا، كما ذكره بعض المحققين.

المورد الثاني: في بيان حكمه.

فقد استدل المصنف قدس سره لحرمة مطلق اللهو بجملة من النصوص.

(1) منها ما تقدم من قوله في رواية تحف العقول «1» المذكور في المتن.

بدعوي ان اللهو من هذا القبيل.

و فيه: اولا: انه ضعيف السند.

و ثانيا: ان كون اللهو مما يجئ منه الفساد محضا يتوقف علي ثبوت حرمته، إذ لو كان جائزا لما كان من هذا القسم و اثبات حرمته بهذا الخبر دور واضح.

و إن شئت قلت: ان الخبر متضمن لبيان الكبري، و هي ان ما يجئ منه الفساد محضا يحرم العمل به و جميع التقلبات فيه، و أما إحراز الصغري فلا بد و أن يكون بدليل آخر، و كون اللهو من مصاديقها أول الكلام.

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 156

و منها ما تقدم من رواية الاعمش (1) حيث عد في الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء و ضرب الاوتار، فان الملاهي جمع الملهي مصدرا أو الملهي وصفا لا الملهاة آلة لأنه لا يناسب التمثيل بالغناء و نحوها في عد الاشتغال بالملاهي من الكبائر. رواية العيون الواردة في الكبائر و هي حسنة كالصحيحة بل صحيحة. (2)

______________________________

(1) قوله و منها ما تقدم من رواية الأعمش.

و هي ما عن مولانا الصادق عليه السلام و قد عد من الكبائر الاشتغال بالملاهي التي تصد عن ذكر الله كالغناء و ضرب الاوتار «1».

بدعوي ان الملاهي جمع الملهي مصدرا أو الملهي وصفا لا الملهاة آلة لانه لا يناسب التمثيل بالغناء.

و فيه: أولا: ان الخبر ضعيف السند كما تقدم.

و ثانيا: انه يدل علي حرمة اللهو الذي يصد عن ذكر الله، أي

يوجب حالة الاحتجاب للنفس كالغناء و شبهه، فلا دلالة فيه علي حرمة اللهو المطلق.

و ثالثا: انه يحتمل أن تكون الملاهي جمع الملهاة التي هي اسم الآلة، و مناسبته مع التمثيل بالغناء انما هي لأجل ارادة الغناء في آلة اللهو.

(2) قوله رواية العيون الواردة في الكبائر.

و هي حسنة الفضل بن شاذان عن الامام الرضا عليه السلام و قد عد فيه الاشتغال بالملاهي من الكبائر «2».

و فيه: ان الظاهر من اللغة كون الملاهي جمع الملهاة اسم الآلة، و لا صارف عن هذا الظهور، بل يؤكده ان الظاهر من الباء في صدرها الاستعانة، و زيادة كلمة الاشتغال قبل كلمة الملاهي و عليه فهي تدل علي ان استعمال آلات اللهو حرام و لا نزاع في ذلك، و لا دلالة لها علي حرمة اللهو المطلق.

______________________________

(1) الوسائل، باب 46، من أبواب جهاد النفس، حديث 36.

(2) نفس المصدر، حديث 33.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 157

و منها ما تقدم في روايات القمار من قوله عليه السلام كلما الهي عن ذكر الله فهو الميسر. (1)

و منها قوله عليه السلام في جواب من خرج في السفر يطلب الصيد بالبزاة و الصقور، انما خرج في لهو لا يقصر (2) و منها ما تقدم في رواية الغناء في حديث الرضا عليه السلام في جواب من سأله عن السماع، فقال: ان لأهل الحجاز فيه رأيا، قال: و هو في حيز اللهو (3) و قوله عليه السلام في رد من زعم ان النبي صلي الله عليه و آله رخص في أ يقال جئناكم جئناكم.

______________________________

(1) و هو خبر عبد الله بن علي عن علي بن موسي عن آبائه عن الإمام علي عليه السلام كل ما الهي عن ذكر الله فهو

من الميسر «1».

و فيه: أولا: ان الخبر ضعيف السند كما تقدم في مبحث القمار.

و ثانيا: انه بعد ما لا ريب في ان المراد ليس جعل كل ما يوجب الالتهاء عن ذكر الله بمعني الاشتغال الفعلي عنه من الميسر المحرم، اذ كل فعل مباح يكون كذلك، فلا بد من حمله علي ارادة حصول حالة الاحتجاب للنفس من تلك المعصية.

(2) و هو خبر زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام في جواب من خرج في السفر يطلب الصيد بالبزاة و الصقور: انما خرج في لهو لا يقصر «2».

و قريب منه جملة من النصوص.

و فيه: اولا: ان هذه الطائفة تدل علي ان السفر للصيد اللهوي لا يوجب القصر، و هذا لا يلازم الحرمة، اذ وجوب الاتمام أعم من كون السفر معصية.

و ثانيا: انها لو دلت علي الحرمة فانما تدل علي حرمة الصيد اللهوي، و هذه لا تلازم حرمة اللهو بقول مطلق، اذ لعل في هذا القسم منه خصوصية كما تقدم.

(3) المراد به خبر أبي عباد عن الإمام الرضا عليه السلام عن السماع فقال: لاهل الحجاز فيه رأي، و هو في حيز الباطل و اللهو «3».

و فيه أولا: انه ضعيف السند لأن ابا عباد امامي مجهول.

و ثانيا: انه لا يدل علي حرمة اللهو، و كون الغناء المحرم، من أقسامه لا يدل علي حرمة مطلقه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 100، من أبواب ما يكتسب به، حديث 15.

(2) الوسائل، باب 9، من أبواب صلاة المسافر، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 99، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1 (.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 158

الخ. كذبوا (1) ان الله يقول: (لو أردنا أن نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا) الي آخر الآيتين.

و منها ما دل علي ان

اللهو من الباطل (2) بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل كما تقدم في روايات الغناء، ففي بعض الروايات كل لهو المؤمن من الباطل (باطل) ما خلا ثلاثة المسابقة و ملاعبة الرجل أهله الخ. و في رواية علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه، قال: سألته عن اللعب بالأربعة عشر و شبهها، قال: لا نستحب شيئا من اللعب غير الرهان و الرمي (3) الي غير ذلك مما يقف عليه المتتبع.

______________________________

(1) كخبر عبد الأعلي عن الإمام الصادق عليه السلام عن الغناء و قلت: انهم يزعمون ان رسول الله صلي الله عليه و آله رخص في ان يقال جئناكم- الي ان قال- كذبوا إن الله عز و جل يقول: (لو اردنا ان نتخذ لهوا لاتخذناه من لدنا … الخ) «1».

و فيه: اولا: ان الخبر ضعيف السند كما تقدم.

و ثانيا: انه يدل علي ان اللهو، لا يناسب ساحته المقدسة، و هذا لا يلازم حرمته علينا كما هو واضح، و الاستشهاد بالآية الشريفة لحرمة القول المزبور انما هو من قبيل ذكر المناسبات.

(2) و منها ما دل علي ان اللهو من الباطل «2» بضميمة ما يظهر منه حرمة الباطل.

و فيه: انه لم يدل علي حرمة الباطل العرفي دليل، و غاية ما يستفاد من الادلة حرمة قسم خاص منه و قد مر الكلام في ذلك مفصلا.

(3) عدم دلالة خبر علي بن جعفر «3». علي الحرمة واضح.

______________________________

(1) الوسائل، باب 99 من أبواب ما يكتسب به، حديث 15.

(2) الوسائل، باب 1، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

(3) الوسائل، باب 100، من أبواب ما يكتسب به، حديث 14.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 159

و يؤيده ان حرمة اللعب بآلات اللهو الظاهر انه من حيث اللهو

لا من حيث خصوص الآلة.

ففي رواية سماعة، قال ابو عبد الله عليه السلام لما مات آدم شمت به ابليس، و قابيل فاجتمعا في الارض فجعل ابليس و قابيل المعازف و الملاهي شماتة بآدم (علي نبينا و آله و عليه السلام).

فكلما كان في الارض من هذا الضرب الذي يتلذذ به الناس فانما هو من ذلك (1) فان فيه إشارة الي ان المناط هو مطلق التلهي و التلذذ.

و يؤيده ما تقدم من ان المشهور حرمة المسابقة علي ما عدا المنصوص بغير عوض (2)

______________________________

و كما صرح به بعض الاعاظم اني لم أفهم وجه المناسبة لذكر هذه الرواية هنا.

إذ لو كان مراده ما يدل علي ان اللهو من الباطل الذي هو بمنزلة الصغري في هذا الوجه، فليس من ذلك فيها عين و لا أثر.

و إن كان المقصود ذكر رواية تدل علي الكبري و هي حرمة كل باطل، فيرد عليه انها لا تدل علي الحرمة لأن لا نستحب لا يدل عليها.

و إن كان الغرض ذكر خبر يدل علي حرمة اللهو، و هي نتيجة القياس ففيه مضافا الي عدم دلالته علي الحرمة كما عرفت، كان المناسب ذكره قبل قوله.

و منها ما دل علي ان اللهو من الباطل.

(1) و قد استدل بخبر سماعة «1» المذكور في المتن علي حرمة الملاهي، بتقريب انه يدل علي كونها من عمل الشيطان، فيكون صغري لكبري كلية مستفادة من الآية الشريفة (إنما الخمر و الميسر و الانصاب و الازلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه) «2» و هي وجوب اجتناب كلما هو من عمل الشيطان.

و فيه اولا انه لو دل علي الحرمة فانما يدل عليها فيما اذا كان مقرونا بالشماتة لآدم عليه السلام.

و ثانيا ان الآية الكريمة تدل

علي الحرمة لا لمجرد انه من عمل الشيطان بل بما انه رجس من عمل الشيطان، و الا فكل ما هو من عمل الشيطان لا يكون حراما.

و أما ما أفاده المصنف قدس سره بقوله:

(2) و يؤيده ما تقدم من ان المشهور حرمة المسابقة علي ما عدا المنصوص بغير عوض.

______________________________

(1) الوسائل، باب 100، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

(2) المائدة: 90.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 160

فان الظاهر انه لا وجه له عدا كونه لهوا و إن لم يصرحوا بذلك عدا القليل منهم كما تقدم، نعم صرح العلامة في التذكرة بحرمة المسابقة علي جميع الملاعب كما تقدم نقل كلامه في مسألة القمار.

هذا و لكن الاشكال في معني اللهو فانه إن اريد به مطلق اللعب كما يظهر من الصحاح و القاموس.

فالظاهر ان القول بحرمته شاذ مخالف للمشهور و السيرة فان اللعب هي الحركة لا لغرض عقلائي و لا خلاف ظاهرا في عدم حرمته علي الاطلاق. نعم لو خص اللهو بما يكون عن بطر و فسر بشدة الفرح كان الاقوي تحريمه و يدخل في ذلك الرقص و التصفيق و الضرب بالطشت، بدل الدف و كلما يفيد فائدة آلات اللهو و لو جعل مطلق الحركات التي لا يتعلق بها غرض عقلائي مع انبعاثها عن القوي الشهوية، ففي حرمته تردد.

______________________________

فإن الظاهر انه لا وجه له عدا كونه لهوا.

فيرد عليه مضافا الي ما عرفت من عدم حرمته انه يمكن أن يكون وجهه صدق القمار عليه مع توهم حرمته بجميع أفراده.

و لو تنزلنا عما ذكرناه و سلمنا دلالة ما تقدم علي حرمة اللهو بقول مطلق، لا مناص عن حمله علي قسم خاص منه، و ذلك لما عرفت من ان اللهو هو الاشتغال عن

الله تعالي، و حيث لا ريب في ان مجرد الاشتغال الفعلي لا يكون حراما و إلا لزم حرمة جميع الافعال المباحة، فلا محيص عن إرادة حالة الالتهاء عن الله، و هي لا تحصل الا عن بعض الامور، و قد دل الدليل علي ان بعض الاشياء منها، فما لم يدل دليل علي منشئيّة فعل لحصول تلك الحالة لما كان وجه للحكم بحرمته.

حرمة للعب و اللغو

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 161

و اعلم أن هنا عنوانين آخرين اللعب و اللغو (1) أما اللعب فقد عرفت أن ظاهر بعض ترادفهما و لكن مقتضي تعاطفهما في غير موضع من الكتاب العزيز تغايرهما و لعلهما من قبيل الفقير و المسكين اذا اجتمعا افترقا و اذا افترقا اجتمعا، و لعل اللعب يشمل مثل حركات الاطفال الغير المنبعثة عن القوي الشهوية و اللهو ما تلتذ به النفس و ينبعث عن القوي الشهوية، و قد ذكر غير واحد ان قوله تعالي (إنما الحياة الدنيا لعب و لهو و زينة) الآية، بيان ملاذ الدنيا علي ترتيب تدرجه في العمر، و قد جعلوا لكل واحد منها ثمان سنين و كيف كان فلم أجد من أفتي بحرمة اللعب عدا الحلي علي ما عرفت من كلامه و لعله يريد اللهو و إلا فالأقوي الكراهة. (2)

______________________________

(1) قوله و اعلم أن هنا عنوانين آخرين: اللعب و اللغو.

فلا بد من التعرض لهما فالكلام في موردين:

أما اللعب: فهو الفعل لغاية الالتذاذ بلا قصد غاية اخري.

و أما حكمه: فعن الحلي و الطبرسي حرمته بقول مطلق.

(2) و قد اختار المصنف قدس سره كراهته.

و لكن حيث لم يدل دليل علي حرمته و لا علي كراهته، فالأظهر عدم الكراهة ايضا.

و المرسل المروي عن مجمع البيان: كل لعب حرام

الا ثلاثة: لعب الرجل بقوسه و فرسه و أهله. لارساله لا يعتمد عليه، و أظن انه اراد الطبرسي بذلك ما عن النبي صلي الله عليه و آله، المروي في الوسائل في حديث: كل اللهو باطل الا في ثلاث: في تأديبه الفرس، و رميه عن قوسه، و ملاعبته امرأته فانهن من حق «1».

و عليه فيرد عليه- مضافا الي انه انما يكون في اللهو لا اللعب، و مضافا الي ضعف سنده للرفع-: انه يدل علي ان كل اللهو باطل، و لا دليل علي حرمة الباطل.

أضف الي ذلك كله قيام الضرورة علي جواز اللعب في الجملة، و كونه من المباحات كاللعب باللحية أو الأحجار أو الحبل أو نحوها، و عليه فلو دل دليل علي النهي عنه لا بد من حمله علي قسم خاص منه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 1، من أبواب أحكام السبق و الرماية، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 162

و أما اللغو فإن جعل مرادف اللهو كما يظهر من بعض الاخبار (1) كان في حكمه. ففي رواية محمد بن أبي عباد المتقدمة عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ان السماع في حيز اللهو و الباطل. أما سمعت قوله تعالي: و إذا مروا باللغو مروا كراما (2) و نحوها، رواية أبي أيوب حيث أراد باللغو الغناء مستشهدا بالآية و إن أريد به مطلق الحركات اللاغية فالأقوي فيها الكراهة.

و في رواية أبي خالد الكابلي عن سيد الساجدين تفسير الذنوب التي تهتك العصم بشرب الخمر و اللعب بالقمار و تعاطي ما يضحك الناس من اللغو و المزاح، و ذكر عيوب الناس (3) و في وصية النبي صلي الله عليه و آله لأبي ذر رحمهم الله ان الرجل ليتكلم بالكلمة فيضحك الناس

فيهوي ما بين السماء و الارض (4).

______________________________

(1) قوله و أما اللغو فإن جعل مرادف اللهو كما يظهر من بعض الأخبار.

توضيح ما أفاده المصنف قدس سره ان اللغو يكون مرادفا للهو كما يظهر من خبر أبي عباد المتقدم لاستشهاده عليه السلام بالآية الشريفة و (اذا مروا باللغو مروا كراما) «1» لحرمة الغناء الذي قال عليه السلام فيه: انه في حيز الباطل و اللهو.

و لكن يرد عليه- مضافا الي ضعف سنده كما تقدم-: انه انما يدل علي صدق العنوانين في بعض الموارد و هو السماع. حيث انه لغو في نفسه و استماعه يوجب حالة الالتهاء عن الله تعالي، فلا دلالة فيه علي اتحاد مفهومهما.

و الحق ان اللغو له مفهوم ظاهر و هو الفعل الخالي عن الغرض.

و أما حكمه فقد استدل لحرمته في المتن و غيره.

(2) تارة بالآية الشريفة «2».

(3) و اخري برواية أبي خالد الكابلي «3» المذكور في المتن.

(4) و ثالثة بوصية النبي «4» صلي الله عليه و آله لأبي ذر و قد ذكرها المصنف قدس سره.

و في الجميع نظر:

أما الآية الشريفة: فالظاهر و لا أقل من المحتمل عدم ارادة مطلق اللغو منها، حيث

______________________________

(1) سورة الفرقان: آية 73.

(2) سورة الفرقان، آية: 73.

(3) الوسائل، باب 41، من أبواب الامر و النهي من كتاب الامر بالمعروف، حديث 8.

(4) الوسائل، باب 140، من أبواب أحكام العشرة في السفر و الحضر، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 163

الحادية و العشرون: مدح من لا يستحق المدح أو يستحق الذم

ذكره العلامة في المكاسب المحرمة.

______________________________

انها ليست الا في مقام بيان ما يترتب علي التجنب عن اللغو، فلا يمكن التمسك بإطلاقها، و المتيقن منها ارادة الغناء.

مع انه لا ظهور في الآية الا في رجحان التجنب عنه، و لا تدل علي لزومه.

مضافا الي انها في

مقام بيان ما يترتب علي الاعراض عن اللغو، و ان الراجح هو المرور باللغو مرور الكرام، فسبيل هذه الآية سبيل قوله تعالي (و الذين هم عن اللغو معرضون) «1» و قوله تعالي: و إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه «2».

و أما خبر الكابلي: فمضافا الي ضعف سنده لبكر بن عبد الله بن حبيب: انه في مقام بيان الذنوب التي يترتب عليها هذه الخاصية و هي هتك العصم المفروغة ذنبيتها، و ليس في مقام بيان حرمة اللغو.

و إن شئت قلت: ان المستفاد منه حرمة اللغو الموجب لهتك عصم الناس كسخرية المؤمن و نحوها، و لا يستفاد منه حرمة مطلق اللغو.

و أما الخبر المتضمن لوصية النبي صلي الله عليه و آله: فمضافا الي ضعف سنده كما تقدم: ان الظاهر منه انه ربما يتكلم الانسان بكلمة تكون كذلك لا أن كل مزاح كذلك، فلعل ما يكون كذلك هو ما كان من قبيل الغيبة أو السخرية.

و أما ما أورده المحقق الايرواني قدس سره عليه بأن الهوي كناية عن انحطاط مقامه و لو بالاحباط من حسناته و نوافله فلا دلالة فيه علي التحريم.

فيرده: ان هذا يتم في الجملة التي نقلها الشيخ في المتن، و أما في الجملة التي في الخبر و نقلناها و هي قوله فيهوي في جهنم، فلا يتم ذلك كما هو واضح).

مدح من لا يستحق المدح

(1) قوله الحادية و العشرون: مدح من لا يستحق المدح أو يستحق الذم.

______________________________

(1) المؤمنون: آية 26.

(2) القصص: آية 28.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 164

و الوجه فيه واضح من جهة قبحه عقلا (1) و يدل عليه من الشرع قوله تعالي: (و لا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار. (2)

______________________________

ليس محل الكلام هو المدح بالجملة الخبرية

بما ليس فيه، فانه حينئذ يكون كذبا و يدل علي حرمته جميع ما دل علي حرمة الكذب، بل المراد هو المدح بها بما فيه أو مدحه بالجملة الانشائية، ثمّ ان المراد من من لا يستحق المدح هو من كان عدوا لله لكفره أو عصيانه.

و قد استدل المصنف قدس سره لحرمته بأمور:

الاول: حكم العقل بقبح ذلك.

(1) قال و الوجه فيه واضح من جهة قبحه عقلا.

و فيه: ان العقل و إن كان يدرك ذلك و لكن كونه بنحو يلازم حرمته شرعا غير معلوم، و إن شئت قلت: ان العقل يراه خلقا رديا لا محرما ما لم ينطبق عليه عنوان محرم آخر كتقوية الظالم و نحوها و لم يكن الممدوح ممن يجب البراءة عنه لكونه مبدعا في الدين.

(2) الثاني: الآية الشريفة (و لا تركنوا الي الذين ظلموا فتمسكم النار) «1» و تقريب الاستدلال بها: ان الركون هو الميل اليهم، فإذا حرم الميل القلبي حرم المدح بالأولوية، أو ان المدح من مصاديق الميل، إذ الميل أعم من الميل القلبي و الميل الخارجي.

و فيه: ان المنهي عنه هو الركون الي الظالم لا مطلق العاصي و إن كان كل عاص ظالما، إلا ان المتبادر منه بحسب المتفاهم العرفي هو من شاع اطلاق الظالم عليه، أي الحاكم الجائر أو الظالم لغيره بجناية او سرقة.

و يؤيده صحيح أبي حمزة عن سيد الساجدين عليه السلام: إياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين «2». إذ المقابلة آية التعدد، و عليه فلا ربط لها بالمقام، نعم بعض مصاديق مدح من لا يستحق المدح يحرم لكونه ركونا الي الظالم.

______________________________

(1) سورة هود، آية: 114.

(2) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص:

165

و عن النبي صلي الله عليه و آله فيما رواه الصدوق من عظم صاحب دنيا و أحبه طمعا في دنياه سخط الله عليه، و كان في درجته مع قارون في التابوت الاسفل من النار. (1)

و في النبوي الآخر الوارد في حديث المناهي من مدح سلطانا جائرا أو تخفف أو تضعضع له طمعا فيه كان قرينه في النار (2) و مقتضي هذه الادلة حرمة المدح طمعا في الممدوح، و أما لدفع شره فهو واجب.

و قد ورد في عدة أخبار ان شرار الناس الذين يكرمون اتقاء شرهم.

______________________________

(1) الثالث النبوي المذكور في المتن الذي رواه الصدوق «1» و فيه اولا: أن الخبر ضعيف السند لحفص بن عائشة الكوفي و غيره.

و ثانيا: ان الظاهر و لا أقل من المحتمل ان المراد من صاحب دنيا هو السلطان الجائر

و ذلك لوجوه:

الاول: ان تعظيم صاحب المال لا سيما اذا كان من المطيعين لله تعالي طمعا في ماله لم يفت أحد بحرمته، بل السيرة جارية علي جوازه.

الثاني: عدم صحة هذا الاطلاق علي من له المال فقط.

الثالث: سياق سائر عبارات الخبر، و عليه فسبيله سبيل الخبر الآتي.

(2) الرابع: قوله «2» صلي الله عليه و آله في حديث المناهي رواه في المتن.

و فيه: اولا: ان الخبر ضعيف السند لما تقدم.

و ثانيا: انه مختص بمدح السلطان الجائر.

ثمّ انه علي فرض دلالة الدليل علي حرمة مدح من لا يستحق المدح تختص حرمته بما اذا لم يضطر اليه لدفع ضرر، و إلا فلا ريب في جوازه.

و يشهد له- مضافا الي اختصاص الخبرين بغير هذا المورد-: عموم ادلة التقية، فانها تدل علي جوازها في كل خوف و ضرورة.

و قد استدل الشيخ قدس سره و الاستاذ الاعظم عليه بما في

جملة من النصوص: ان شر الناس عند الله يوم القيامة الذين يكرمون اتقاء شرهم «3»

______________________________

(1) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 14.

(2) الوسائل، باب 43، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 70 من أبواب جهاد النفس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 166

الثانية و العشرون: معونة الظالمين في ظلمهم حرام (1)
اشارة

بالادلة الاربعة. (2)

______________________________

و فيه: انه لا يدل علي عدم جواز إكرام المكرمين كما لا يخفي.

حرمة معونة الظالمين

(1) قوله: الثانية و العشرون معونة الظالمين في ظلمهم حرام.

هاهنا مسائل:

الاولي: لا ريب و لا كلام في حرمة معونة الظالمين في ظلمهم.

(2) و تشهد لحرمتها الادلة الاربعة:

أما الاجماع: فواضح.

و أما العقل: فلأنه كما يستقل بقبح الظلم يستقل بقبح إعانة الظالم في ظلمه.

و أما الكتاب: فقوله تعالي: (و لا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار) «1». إذ الركون هو الميل فتدل الآية علي حرمة المعونة بالأولوية، أو المراد به الدخول معهم في ظلمهم.

و أما السنة: فنصوص كثيرة:

كصحيح أبي حمزة عن سيد الساجدين عليه السلام: إياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين «2».

و خبر طلحة بن زيد عن الامام الصادق عليه السلام: العامل بالظلم و المعين له و الراضي به شركاء ثلاثتهم «3» و نحوهما غيرهما.

و قد استدل علي حرمة معونة الظالمين بالآية الشريفة (و لا تعاونوا علي الإثم و العدوان «4».

______________________________

(1) سورة هود، آية: 114.

(2) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

(4) المائدة: 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 167

و هو من الكبائر. (1)

فعن كتاب الشيخ ورام بن أبي فراس، قال: قال عليه السلام من مشي الي ظالم ليعينه و هو يعلم أنه ظالم فقد خرج عن الاسلام، قال: و قال:

عليه السلام إذا كان يوم القيامة ينادي مناد أين الظلمة، أين أعوان الظلمة، أين أشباه الظلمة حتي من برأ لهم قلما أو لاق لهم دواة فيجتمعون في تابوت من حديد ثمّ يرمي بهم في جهنم.

و في النبوي صلي الله عليه و آله من علق سوطا بين يدي سلطان جائر جعلها الله حية طولها سبعون ألف ذراع فيسلطها الله عليه في نار جهنم خالدا فيها مخلدا.

______________________________

و لكن قد تقدم في مبحث الاعانة علي الاثم: ان التعاون غير الاعانة. فراجع.

(1) قوله و هو من الكبائر.

علي فرض صحة تقسيم الذنوب الي الكبائر و الصغائر تكون معونة الظالمين من الكبائر، للتوعيد عليها في كتاب الله تعالي و في النصوص التي اشار المصنف رحمهم الله الي بعضها.

لاحظ خبري ورام بن أبي فراس «1» و النبوي «2».

ثمّ المراد بالظالم هو الظالم للغير كما تقدم في المبحث المتقدم و لا يعم الظالم لنفسه بالمعصية.

المسألة الثانية: تحرم صيرورة الشخص من أعوان الظلمة و تشهد له- مضافا الي الادلة المتقدمة- جملة من النصوص:

كخبر الكاهلي عن مولانا الصادق عليه السلام: من سود اسمه في ديوان ولد سابع مقلوب عباس حشره الله يوم القيامة خنزيرا «3» و نحوه غيره.

و سيأتي في المسألة الثالثة: ان طائفة من النصوص تدل علي حرمة صيرورة الشخص عونا للظالم و إن كان عمله غير مربوط بظلمه، و عليه فترديد المحققين الشيرازيين في حرمة كون الشخص عونا للظالم و لو في ما لا يرتبط بمظالمه بل الافتاء بجوازه في غير محله.

______________________________

(1) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 15.

(2) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 16.

(3) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 2، ص: 168

و أما معونتهم في غير المحرمات فظاهر كثير من الاخبار حرمتها (1) ايضا كبعض ما تقدم.

و قول الصادق عليه السلام في رواية يونس بن يعقوب لا تعنهم علي بناء مسجد.

و قوله عليه السلام ما احب اني عقدت لهم عقدة أو و كيت لهم وكاء. و ان لي ما بين لابتيها لا و لا مدة بقلم ان اعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتي يفرغ الله «يحكم الله عز و جل بين العباد» من الحساب، لكن المشهور عدم الحرمة حيث قيدوا المعونة المحرمة بكونها في الظلم و الاقوي التحريم مع عد الشخص من الاعوان، فان مجرد اعانتهم علي بناء المسجد، ليست محرمة الا انه اذا عد الشخص معمارا للظالم او بناء له، و لو في خصوص المساجد بحيث صار هذا العمل منصبا له في باب السلطان كان محرما، و يدل علي ذلك جميع ما ورد في ذم أعوان الظلمة.

و قول أبي عبد الله عليه السلام في رواية الكاهلي من سود اسمه في ديوان ولد سابع «مقلوب عباس» حشره الله يوم القيامة خنزيرا، و قوله عليه السلام ما اقترب عبد من سلطان جائر الا تباعد من الله.

و عن النبي صلي الله عليه و آله إياكم و أبواب السلطان و حواشيها، فان أقربكم من أبواب السلطان و حواشيها ابعدكم عن الله تعالي.

و أما العمل له في المباحات لأجرة أو تبرعا من غير ان يعد معينا له في ذلك فضلا من أن يعد من أعوانه، فالأولي عدم الحرمة للأصل و عدم الدليل عدا ظاهر بعض الاخبار مثل رواية ابن أبي يعفور، قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه رجل من

اصحابنا فقال له: جعلت فداك ربما أصاب الرجل منا الضيق

______________________________

إعانة الظالم في غير جهة ظلمه

(1) المسألة الثالثة: قال المصنف رحمهم الله و أما معونتهم في غير المحرمات فظاهر كثير من الاخبار حرمتها.

و لكن المشهور بين الاصحاب عدم حرمتها، بل عن العلامة الطباطبائي: الاجماع عليه.

و قد استدل للحرمة بنصوص كثيرة مذكورة في المتن أكثرها فنذكر اولا عبارة المصنف رحمهم الله ثمّ نعقبه بما يحتلج بالبال.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 169

و الشدة فيدعي الي البناء يبنيه أو النهر يكريه أو المسناة يصلحها فما تقول في ذلك، فقال ابو عبد الله عليه السلام: ما احب اني عقدت لهم عقدة أو وكيت له وكاء و ان لي ما بين لابتيها … الي آخر ما تقدم.

و رواية محمد بن عذافر عن أبيه قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام يا عذافر بلغني انك تعامل أبا أيوب و أبا الربيع فما حالك إذا نودي بك في أعوان الظلمة، قال:

فوجم أبي. فقال له أبو عبد الله عليه السلام: لما رأي ما أصابه أي عذافر انما خوفتك بما خوفني الله عز و جل به، قال محمد: فقدم أبي فما زال مغموما مكروبا حتي مات.

و رواية صفوان بن مهران الجمال قال: دخلت علي أبي الحسن الاول عليه السلام فقال لي: يا صفوان كل شي ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، فقلت: جعلت فداك أي شي ء، قال عليه السلام: إكراؤك جمالك من هذا الرجل يعني هارون الرشيد، قلت:

و الله ما أكريته أشرا و لا بطرا و لا لصيد، و لا للهو، و لكن أكريته لهذا الطريق يعني طريق مكة، و لا أتولاه بنفسي و لكن ابعث معه غلماني، فقال لي: يا صفوان أيقع كراؤك عليهم، قلت: نعم،

قال: من أحب بقائهم فهو منهم و من كان منهم كان وروده الي النار، قال صفوان: فذهبت و بعت جمالي عن آخرها فبلغ ذلك إلي هارون فدعاني، فقال لي: يا صفوان بلغني انك بعت جمالك، قلت: نعم، قال: و لم؟.

قلت: أنا شيخ كبير و ان الغلمان «لا يقومون» بالأعمال، فقال: هيهات هيهات اني لا علم من أشار عليك بهذا انما اشار عليك بهذا موسي بن جعفر عليه السلام قلت: ما لي و لموسي بن جعفر عليه السلام قال: دع، هذا عنك و الله لو لا حسن صحبتك لقتلتك.

و ما ورد في تفسير الركون الي الظالم من ان الرجل يأتي السلطان فيحب بقائه الي ان يدخل يده في كيسه فيعطيه و غير ذلك مما ظاهره وجوب التجنب عنهم، و من هنا لما قيل لبعض اني رجل أخيط للسلطان ثيابه فهل تراني بذلك داخلا في أعوان الظلمة، قال له: المعين من يبيعك الابر و الخيوط. و أما انت فمن الظلمة أنفسهم.

و في رواية سليمان الجعفري المروية عن تفسير العياشي ان الدخول في أعمالهم و العون لهم و السعي في حوائجهم عديل الكفر و النظر اليهم علي العمد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 170

من الكبائر التي تستحق بها النار لكن الانصاف ان شيئا مما ذكر لا ينهض دليلا لتحريم العمل لهم علي غير جهة المعونة.

أما الرواية الاولي فلأن التعبير فيها في الجواب بقوله: ما أحب ظاهر في الكراهة.

و أما قوله عليه السلام ان أعوان الظلمة، الخ. فهو من باب التنبيه علي ان القرب الي الظلمة و المخالطة معهم مرجوح و الا فليس من يعمل لهم الاعمال المذكورة في السؤال خصوصا مرة أو مرتين خصوصا مع الاضطرار معدودا من أعوانهم،

و كذلك يقال في رواية عذافر مع احتمال أن يكون معاملة عذافر مع أبي أيوب و أبي الربيع علي وجه يكون معدودا من أعوانهم و عمالهم.

و أما رواية صفوان فالظاهر منها ان نفس المعاملة معهم ليست محرمة بل من حيث محبة بقائهم، و إن لم تكن معه معاملة و لا يخفي علي الفطن العارف بأساليب الكلام ان قوله عليه السلام و من أحب بقائهم كان منهم لا يراد به من أحبهم مثل محبة صفوان بقائهم حتي يخرج كرائه، بل هذا من باب المبالغة في الاجتناب عن مخالطتهم حتي لا يفضي ذلك الي صيرورتهم من أعوانهم و أن يشرب القلب حبهم لأن القلوب مجبولة علي حب من أحسن اليها، و قد تبين مما ذكرنا ان المحرم من العمل للظلمة قسمان:

أحدهما: الاعانة لهم علي الظلم.

و الثاني: ما يعد معهم من أعوانهم و المنسوبين اليهم، بأن يقال: هذا خياط السلطان و هذا معماره. و أما ما عدا ذلك فلا دليل معتبر علي تحريمه.

______________________________

و تنقيح القول في المقام إن النصوص علي كثرتها لا تدل علي الحرمة في هذه المسألة لانها علي طوائف:

الاولي: ما دل علي الحرمة فيما اذا صدق علي المعين عنوان عون الظالم، و كان معدودا في العرف من المنسوبين اليه، بأن يقال: هذا كاتب الظالم مثلا: كحسن محمد بن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 171

______________________________

عذافر و هو الخبر الثاني الذي ذكره في المتن «1».

إذ الظاهر من تطبيق الامام عليه السلام قوله: ان أعوان … الخ ان الرجل المسئول عنه هو من تصيبه الشدة فيلتجئ الي الظالمين بحيث يكون ارتزاقه من قبلهم.

الثانية: ما يدل علي حرمة تعظيم شوكتهم و العمل بما يكون راجعا الي شأن من شئون الرئاسة:

كحسن يونس

بن يعقوب عن الامام الصادق عليه السلام: لا تعنهم علي بناء مسجد «2».

فإن بناء المسجد تعظيم لشوكتهم و تحصيل لشأن من شئون الرئاسة.

الثالثة: ما دل علي حرمة محبتهم: كخبر صفوان الخبر الثالث في المتن «3» الظاهر في المنع عن إكرائه الجمال من هارون الرشيد و فيه: أ تحب بقائهم حتي يخرج كراؤك؟ قلت:

نعم، قال: من أحب بقائهم فهو منهم، و من كان منهم كان ورد النار. بل هذا الخبر أدل علي الجواز، إذ الامام عليه السلام ردعه عن محبة بقائهم.

و علي ذلك يحمل ما في خبر العياشي الآتي: النظر اليهم علي العمد من الكبائر التي بها يستحق النار، أي النظر علي وجه المحبة.

الرابعة: ما يكون ظاهرا في حرمة معونتهم مطلقا ظهورا بدويا:

كصحيح أبي حمزة عن الامام السجاد عليه السلام: إياكم و صحبة العاصين و معونة الظالمين «4».

و موثق السكوني عن النبي صلي الله عليه و آله: إذا كان يوم القيامة نادي مناد: أين أعوان الظلمة و من لاق لهم دواتا أو ربط كيسا أو مد لهم مدة قلم فاحشروهم معهم «5».

و خبر العياشي عن الامام الرضا عليه السلام: الدخول في أعمالهم و العون لهم و السعي في حوائجهم عديل الكفر «6».

______________________________

(1) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

(2) نفس المصدر، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8.

(4) نفس المصدر، حديث 11.

(5) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.

(6) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 172

الثالثة و العشرون: النجش

(بالنون المفتوحة و الجيم الساكنة أو المفتوحة) حرام (1) لما في النبوي المنجبر بالاجماع المنقول عن جامع المقاصد و المنتهي من

لعن الناجش و المنجوش له.

و قوله صلي الله عليه و آله (و لا تناجشوا) و يدل علي قبحه العقل لأنه غش و تلبيس و إضرار.

و هو كما عن جماعة ان يزيد الرجل في ثمن السلعة و هو لا يريد شرائها ليسمعه غيره فيزيد لزيادته بشرط المواطاة مع البائع أو لا بشرطها كما حكي عن بعض و حكي تفسيره أيضا بأن يمدح السلعة في البيع لينفقها و يروجها لمواطاة بينه و بين البائع، أو لا معها.

و حرمته بالتفسير الثاني خصوصا لامع المواطاة يحتاج الي دليل و حكي الكراهة عن بعض.

______________________________

و لكن يتعين حملها علي ان المراد معونتهم في ظلمهم، و ذلك لوجهين:

الاول: قيام الضرورة علي جواز المعونة في الجملة، كبذل الطعام و الشراب لهم و المعاملة معهم.

الثاني: مناسبة الحكم و الموضوع.

فتحصل مما ذكرناه: ان المحرم عناوين أربعة: الاعانة لهم في ظلمهم، و صيرورة الانسان من أعوانهم، و تعظيم شوكتهم، و محبتهم، و أما غير تلكم فلا دليل علي حرمته.

و لا يخفي ان جملة من النصوص المتقدمة ضعيفة السند، إلا انه لأجل مطابقة مضامينها لنصوص معتبرة اغمضنا عن التعرض لها.

حرمة النجش

(1) قوله النجش بالنون المفتوحة و الجيم الساكنة أو المفتوحة حرام.

هذا هو المشهور و عن جامع المقاصد و المنتهي الاجماع عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 173

______________________________

الكلام يقع في مقامين:

الاول: في بيان موضوعه.

الثاني: في بيان حكمه.

أما الاول: فقد وقع النزاع فيه في جهات:

الاولي: ان النجش هل هو زيادة الرجل في ثمن السلعة ليسمعه غيره فيزيد بزيادته أم هو مدح السلعة في البيع لينفقها و يروجها، أم هو الجامع بينهما؟ الظاهر هو الاخير كما يظهر لمن راجع كلمات اللغويين، و قد صرح بالتعميم في مجمع البيان و المنجد. و

هو المحكي عن تاج العروس و إبراهيم الحربي و أبي عبيد.

الثانية: هل يعتبر في صدق النجش المواطاة مع البائع، أم لا؟ ظاهر كلمات أكثر اللغويين- لو لم يكن صريحها- عدم اعتبار ذلك، و ما في كلمات بعضهم من ذكر هذا القيد الظاهر انه واقع موقع الغالب، إذ الغالب عدم النجش إلا مع المواطاة مع البائع كما هو واضح.

الثالثة: هل يعتبر في صدقه بالمعني الاول عدم ارادة الشراء أصلا، أم يكفي عدم الرغبة في شراء العين، و انما يزيد لغرض إيصال النفع الي البائع أو إظهار الثروة و التمول أو غير ذلك؟ الظاهر و لا أقل من المتيقن هو الأول.

الرابعة: هل يعتبر في صدقه وقوع البيع علي أزيد من القيمة السوقية، أم يكفي وقوعه علي أزيد من ما كان يشتريه لو لا النجش، و إن كان بأقل من قيمته السوقية أو بما يساويها؟ وجهان:

المتيقن هو الاول و قد صرح به جمع من اللغويين.

و أما المقام الثاني فقد استدل للحرمة بأمور:

الاول: انه إضرار و هو حرام.

و فيه: ان المشتري انما يقدم علي الضرر باختياره.

الثاني: انه غش و تلبيس، و قد مر ان غش المؤمن في المعاملة حرام.

و فيه: اولا: ان هذا الوجه يختص بما اذا كان الناجش من أهل الخبرة كي تكون

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 174

______________________________

زيادته كاشفة عن أن السلعة تسوي بذلك، و يكون الناجش عالما بأنها لا تسوي بذلك، و المشتري جاهلا به كما لا يخفي.

و ثانيا: ان المتيقن من الغش المحرم في المعاملة هو مزج المبيع أو إخفاء عيبه، و أما مدح السلعة مثلا فليس من هذا القبيل، أ لا تري انه لم يفت أحد بحرمة مدح البائع سلعته ليرغب المشتري فيها، فلو كان

يصدق الغش لكان محرما.

الثالث: حكم العقل بقبحه.

و فيه: ان حكمه بالقبح بحد يستتبع جعل الحرمة غير ثابت.

الرابع: دليل حرمة المغالبة بقول مطلق.

و فيه انه لا دليل عليها، مع انها لا تصدق علي مدح السلعة.

الخامس: أدلة حرمة الكذب، فإن النجش تارة يكون بالكذب الصريح، و أخري يتضمن ذلك لتضمنه الاخبار بأنه مقدم علي الشراء بهذا الثمن، أوانه يسوي بهذه القيمة، مضافا الي وجود مناط حرمة الكذب و هو الاغراء فيه. استدل بهذا الوجه جمع من الاساطين.

و لكن الظاهر ان النجش ان كان بمدح السلعة بما ليس فيها، أو كان بزيادة الثمن بأن يقول: إن هذه السلعة تسوي بهذه القيمة، أواني اشتريه بها و هو لا يريد شرائها، فهو كذب صريح و يكون حراما لذلك. و إلا كما لو مدحها بما فيها و لكن بالغ في مدحها أو زاد الثمن لا بالإخبار، كما لو قال: بعني بهذا الثمن مثلا، فلا وجه لحرمته، إذ مجرد تخيل المشتري انه بنظر الناجش السلعة تسوي بهذه القيمة لا يوجب اتصاف كلامه بالكذب لما عرفت من أن الكذب هو عدم مطابقة مراد المتكلم للواقع، فراجع.

و كون مناط حرمة الكذب الاغراء غير معلوم، بل معلوم العدم لحرمة الكذب و إن كان المخاطب مثلا عالما بعلم المتكلم عدم مطابقة المخبر عنه للواقع.

السادس: خبر عبد الله بن سنان عن الامام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله:

الواشمة و المتوشمة و الناجش و المنجوش ملعونون علي لسان محمد صلي الله عليه و آله «1».

______________________________

(1) الوسائل، باب 49، من أبواب آداب التجارة، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 175

______________________________

و أورد عليه الاستاذ الاعظم: بضعف السند.

و بأنه مختص بصورة مواطاة الناجش مع البائع علي

النجش للعن المنجوش له.

لكن: لا وجه لدعوي ضعف السند سوي وجود محمد بن سنان في طريقه، و هو و إن كان ضعيفا علي المشهور، إلا ان الاظهر اعتبار روايته.

و أما الايراد الثاني: فيدفعه انه يدل علي لعن المنجوش له ايضا لا علي اختصاص لعن الناجش بما اذا كان هناك منجوش له مستحق للذم و اللعن كي تتم دعوي الاختصاص.

فالحق أن يورد عليه: بأن اللعن أعم من الحرمة، لأنه دعاء بالابعاد المطلق الشامل للكراهة، و لذا استعمل في المكروهات في بعض النصوص.

السابع: قول النبي صلي الله عليه و آله: لا تناجشوا و لا تدابروا «1».

و فيه: انه ضعيف السند، إذ في طريقه علي بن عبد العزيز المجهول، و اعتماد الاصحاب عليه غير معلوم، فلا وجه لدعوي الانجبار.

و أورد عليه الاستاذ الاعظم: بأنه مختص بصورة مواطاة الناجش مع البائع، إذ المنهي عنه هو التناجش.

و فيه: ان التناجش ليس هو النجش مع المواطاة، بل هو عبارة عن زيادة اثنين أو أزيد في ثمن السلعة ليسمع غيرهما فيزيد بزيادتهما كما هو المتعارف في الحراج المتداول في هذا الزمان.

الثامن: النبوي: انه صلي الله عليه و آله نهي عن النجش «2».

و فيه: انه مرسل، و دعوي انجبار ضعف السند بعمل الاصحاب تقدم ما فيها.

فتحصل: انه لا دليل علي حرمة النجش من حيث هو ما لم ينطبق عليه عنوان الكذب.

______________________________

(1) الوسائل، باب 49، من أبواب آداب التجارة، حديث 4.

(2) المستدرك، باب 35، من أبواب آداب التجارة، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 176

الرابعة و العشرون: النميمة محرمة

بالأدلة الاربعة (1) و هي نقل قول الغير إلي المقول فيه، كان يقول تكلم فلان فيك بكذا و كذا، قيل هي من نم الحديث من باب قتل و ضرب

أي سعي به لإيقاع فتنة أو وحشة و هي من الكبائر، قال الله تعالي:

) و يقطعون ما أمر الله به أن يوصل و يفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار) (2) و النمام قاطع لما أمر الله بصلته و مفسد قيل: و هي المراد بقوله تعالي: (و الفتنة أكبر من القتل (.

______________________________

حرمة النميمة

(1) قوله الرابعة و العشرون: النميمة محرمة بالادلة الأربعة.

و هي نقل الحديث أو الفعل من قوم إلي قوم علي وجه الفساد و الشر، و يعتبر في صدقها كراهة المنقول عنه، و تعلق غرضه بستره، و ان يكون ذلك القول أو الفعل سوء من شتم، أو غيبة، أو اهانة، فلو كان مدحا فصدق النميمة عليه محل تأمل و ان أوجب الكدورة، و لا يعتبر فيها شي ء آخر.

و قد استدل لحرمتها في المتن بجملة من الآيات:

(2) منها قوله تعالي: (و يقطعون ما امر الله به أن يوصل و يفسدون في الارض اولئك لهم اللعنة و لهم سوء الدار) «1» بدعوي ان النمام قاطع لما أمر الله به أن يوصل و مفسد.

و فيه: ان الآية متضمنة لذم من يكون الوصل عليه واجبا، و هو قاطع له، و ذلك لأن مادة الامر ظاهرة في الوجوب و عليه فهي أجنبية عن المقام، إذ النمام لا يجب عليه الوصل، و تختص بموارد وجوب الوصل كقطع الرحم و نحوه، مع ان الظاهر من الآية ذم قطع الشخص نفسه عن آخر و لا تشمل قطع الشخصين أحدهما عن الآخر.

______________________________

(1) الرعد: 26.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 177

و قد تقدم في باب السحر قوله فيما رواه في الاحتجاج (1) في وجوه السحر و ان من أكبر السحر النميمة يفرق بها

بين المتحابين.

و عن عقاب الاعمال عن النبي صلي الله عليه و آله من مشي في نميمة بين الاثنين سلط الله عليه في قبره نارا تحرقه و إذا خرج من قبره سلط الله عليه تنينا أسود ينهش لحمه حتي يدخل النار، و قد استفاضت الاخبار بعدم دخول النمام الجنة و يدل علي حرمتها مع كراهة المقول عنه لاظهار القول عند المقول فيه جميع ما دل علي حرمة الغيبة و يتفاوت عقوبته بتفاوت ما يترتب عليها من المفاسد و قيل إن حد النميمة بالمعني الاعم كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أم المنقول إليه أم كرهه ثالث (2) و سواء كان الكشف بالقول أم بغيره من الكتابة و الرمز و الايماء

______________________________

و منها: قوله تعالي (و يفسدون في الارض) «1».

و فيه: ان النمام ربما يكون مفسدا و ربما لا توجب النميمة الفساد، فالآية لا تدل علي حرمة النميمة بقول مطلق.

و منها: قوله تعالي: (و الفتنة أشد من القتل) «2» و في موضع آخر: أكبر بدل أشد «3».

و فيه: ان المراد بالفتنة علي ما ذكره المفسرون: الفتنة في الدين، و هو الشرك و الكفر، و انما سمي بها لأنه يؤدي الي الهلاك، و المراد من القتل هو القتل في الاشهر الحرم. فالمعني حينئذ: ان الكفر و الشرك أعظم ذنبا من القتال في الاشهر الحرم، و يؤيد ارادة هذا المعني ملاحظة صدر الآية الشريفة، فهي غريبة عن المقام.

(1) قوله و قد تقدم في باب السحر قوله فيما رواه في الاحتجاج.

و قد مر ان الخبر ضعيف السند، و ان اطلاق السحر عليها مبتن علي نحو من العناية.

(2) قوله كرهه المنقول عنه أم المنقول اليه أم كرهه ثالث.

الظاهران ان العبرة

بكراهة المنقول عنه خاصة.

______________________________

(1) الرعد: 26.

(2) البقرة: 28.

(3) البقرة: 192.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 178

و سواء كان المنقول من الاعمال أم من الاقوال و سواء كان ذلك عيبا و نقصانا علي المنقول عنه أم لا (1) بل حقيقة النميمة إفشاء السر و هتك الستر عما يكره كشفه انتهي موضع الحاجة، ثمّ انه قد يباح ذلك لبعض المصالح (2) التي هي آكد من مفسدة إفشاء السر كما تقدم في الغيبة، بل قيل إنها قد تجب لإيقاع الفتنة بين المشركين لكن الكلام في النميمة علي المؤمنين.

______________________________

(1) قوله سواء كان ذلك عيبا و نقصا علي المنقول عنه أم لا.

الظاهر ان العبرة بكراهة المنقول عنه خاصة.

(2) قوله ثمّ انه قد يباح ذلك لبعض المصالح.

لا كلام في انه اذا احرز قيام مصلحة بالنميمة أقوي من مفسدتها يجوز النميمة بل قد تجب- الا انك عرفت انه لا طريق لنا الي استكشاف ذلك في أكثر الموارد: لعدم علمنا بمناطات الاحكام و مقاديرها، و الكلام فيما اذا انطبق عليها عنوان واجب أو مستحب هو الذي تقدم في مبحث الغيبة فلا نعيد. هذا ما يرجع الي ما أفاده المصنف رحمهم الله.

و الحق أن يقال: إنه تدل علي حرمتها الآية الشريفة: (و لا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم) «1». أي نقال للحديث علي وجه السعاية.

و النصوص المتواترة:

منها ما تضمن ان النمام شر الناس: كصحيح عبد الله بن سنان عن الامام الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه و آله: أ لا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلي يا رسول الله قال:

المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الاحبة «2».

و منها: ما تضمن العقاب عليها: كالنبوي المروي عن عقاب الاعمال: من مشي في نميمة بين اثنين سلط

الله عليه في قبره نارا تحرقه الي يوم القيامة، و اذا خرج من قبره سلط الله عليه تنينا أسود ينهش لحمه حتي يدخل النار «3».

______________________________

(1) القلم: 11 و 12.

(2) الوسائل، باب 164، من أبواب أحكام العشرة، حديث 1.

(3) نفس المصدر، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 179

الخامسة و العشرون: النوح بالباطل (1)

ذكره في المكاسب المحرمة الشيخان و سلار و الحلي و المحقق و من تأخر عنه.

______________________________

و منها: ما تضمن عدم دخول النمام الجنة «1».

و أورد عليه المحقق الايرواني رحمهم الله: بأن عدم دخول الجنة- أي احباط أعماله بالنميمة- أعم من الحرمة، أ لا تري ان المنة تبطل الصدقة و إن كانت واجبة، و لا تكون محرمة.

و فيه: ان ذلك لو تم في بعضها لا يتم في جميع تلك النصوص، أنظر.

صحيح محمد بن قيس عن الامام الباقر عليه السلام: الجنة محرمة علي القتاتين المشائين بالنميمة «2». فان تحريم الجنة لا يكون الا اذا كان الفعل حراما.

بل يدل علي حرمتها جميع ما دل علي حرمة الغيبة فيما اذا كان صدور ذلك القول أو الفعل من المنقول عنه علي وجه محرم و قبيح، و إن لم يكن ذلك معتبرا في صدق النميمة كما هو الحق، و إلا فتدل علي حرمتها بقول مطلق.

و قد استقل العقل بقبحها.

و بالجملة: تدل علي حرمتها الادلة الاربعة.

النياحة

(1) قوله الخامسة و العشرون النوح بالباطل.

و حق القول في المقام يقتضي البحث في موردين:

الاول: في الحكم التكليفي.

الثاني: في الحكم الوضعي.

أما الاول: فقد اختلفت فيه كلمات القوم علي أقوال:

الاول: القول بالحرمة مطلقا، اختاره جمع من الاصحاب.

الثاني: القول بالكراهة كذلك، اختاره في محكي مفتاح الكرامة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 104، من أبواب أحكام العشرة، حديث 7.

(2) نفس المصدر، ح 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص:

180

و الظاهر حرمته من حيث الباطل يعني الكذب و الا فهو في نفسه ليس بمحرم و علي هذا التفصيل دل غير واحد من الاخبار، و ظاهر المبسوط و ابن حمزة التحريم مطلقا كبعض الاخبار و كلاهما محمولان علي المقيد جمعا.

______________________________

الثالث: القول بالتفصيل بين النوح بالباطل فيحرم، و بين النوح بالحق أي ما لم يستلزم محرما فيجوز، نسبه في الحدائق الي المشهور.

ثمّ ان القائلين بالقول الثالث اختلفوا علي أقوال:

منها: جواز النوح بالحق علي كراهة.

و منها: جوازه من غير كراهة.

و منها: جوازه علي كراهة اذا اشترطت فيه الاجرة، و الا فلا كراهة فيه.

و النصوص الواردة في الباب علي طوائف:

الاولي: ما دل علي جوازها مطلقا.

كحسن الحسين بن زيد قال: ماتت ابنة لأبي عبد الله عليه السلام فناح عليها سنة، ثمّ مات له ولد آخر فناح عليه سنة، ثمّ مات اسماعيل فجزع عليه جزعا شديدا فقطع النوح فقيل لأبي عبد الله عليه السلام أ يناح في دارك؟ فقال: ان رسول الله صلي الله عليه و آله لما مات حمزة قال: لكن حمزة لا بواكي عليه «1».

و صحيح يونس بن يعقوب عن الامام الصادق عليه السلام: قال لي أبي: يا جعفر أوقف لي من مالي كذا و كذا لنوادب تندبني عشر سنين بمني أيام مني «2». اللهم إلا أن يقال: انه مختص بالنوح علي الامام و يحتمل اختصاص ذلك بالأئمة عليهم السلام لما فيه من تشييد حبهم و بغض ظالميهم في القلوب، و هما العمدة في الايمان. و بذلك يظهر حال ما تضمن نوح فاطمة عليها السلام لأبيها صلي الله عليه و آله، بل و الفاطميات في كربلاء و غيرها.

______________________________

(1) الوسائل، باب 71، من أبواب الدفن و ما يناسبه، حديث

2.

(2) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 181

______________________________

و صحيح الثمالي المتضمن نوح أم سلمة زوجة النبي صلي الله عليه و آله لابن عمها الوليد في حضوره صلي الله عليه و آله «1» و قريب منها غيرها.

الثانية: ما دل علي المنع من النياحة مطلقا: كحديث المناهي: و نهي عن النياحة «2».

و خبر الزعفراني عن الامام الصادق عليه السلام: و من أصيب بمصيبة فجاء عند تلك المصيبة بنائحة فقد كفرها «3».

و النبوي المروي عن الخصال: ان النائحة اذا لم تتب قبل موتها تقوم يوم القيامة و عليها سربال من قطران «4». و نحوها غيرها.

الثالثة: ما دل علي الكراهة:

كصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن النوح علي الميت أ يصلح؟ قال عليه السلام: يكره «5».

الرابعة: ما دل علي عدم البأس به إن لم يكن بالباطل.

كمرسل الفقيه قال عليه السلام: لا بأس بكسب النائحة اذا قالت صدقا «6». و هو و إن دل بالمطابقة علي حكم الكسب الظاهر في الحكم الوضعي إلا أنه بالالتزام يدل علي الجواز التكليفي فيما اذا قالت صدقا كما لا يخفي.

و الحق في مقام الجمع أن يقال: انه مع قطع النظر عن ضعف سند جملة منها، تحمل الاخبار المانعة علي النوح بغير الصدق و الباطل، و المجوزة علي النوح بالحق، لأن الطائفة الرابعة بمنطوقها تقيد الأخبار المانعة، و بمفهومها تقيد المجوزة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 11.

(3) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

(4) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 12.

(5) الوسائل، باب

17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 13.

(6) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 182

______________________________

و أما الطائفة الثالثة: فحيث انها غير ظاهرة في الكراهة الاصطلاحية فأما إن تحمل علي المنع فسبيلها سبيل الطائفة الثانية.

أو يقال: إنها مجملة لا يستفاد منها أزيد من المرجوحية.

و علي كل تقدير لا دليل علي الكراهة في غير مورد المنع، أما علي الاول فواضح، و أما علي الثاني فلاجمال الخبر و احتمال ارادة المنع منه.

هذا كله مع قطع النظر عن قصور السند، و إلا فالطائفتان الثانية و الرابعة ضعيفتا السند، و عليه فإن قلنا بظهور الطائفة الثالثة في المنع تقع المعارضة بينها و بين الطائفة الاولي لعدم امكان الجمع بالحمل علي الكراهة لدلالة خبر الحسين بن زيد علي عدم الكراهة كما لا يخفي.

فلا بد من الرجوع الي المرجحات و هي تقتضي تقديم الاولي للأشهرية و لمخالفتها للعامة، و إن قلنا بأنها مجملة لا يستفاد منها أزيد من الكراهة فتقدم الاولي للأشهرية فقط.

لا يقال: إن هذه النصوص بعد الجمع بينها تدل علي جواز النياحة مطلقا، و النسبة بينها و بين النصوص الدالة علي حرمة الكذب و حرمة الغناء هي العموم من وجه، فتتساقطان في المجمع فيرجع الي أصالة الحل، و لازم ذلك جوازها و إن كان بالباطل.

فإنه يتوجه عليه ان هذه النصوص تدل علي جواز النوح من حيث هو مع قطع النظر عن العناوين الثانوية المنطبقة عليه في بعض الموارد.

فتحصل: ان الاظهر هو الجواز ما لم ينطبق عليه أحد العناوين المحرمة كالكذب و نحوه.

و أما المورد الثاني ففيه ايضا طوائف من النصوص:

الاولي: ما دل علي جوازه مطلقا:

كخبر أبي بصير عن الامام الصادق عليه السلام:

لا بأس بأجر النائحة التي تنوح علي الميت «1».

______________________________

(1) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 183

السادسة و العشرون: الولاية من قبل الجائر،
اشارة

و هي صيرورته واليا علي قوم منصوبا من قبله محرمة (1) لأن الوالي من أعظم الاعوان،

______________________________

الثانية: ما دل علي المنع كذلك:

كخبر عذافر عنه عليه السلام عن كسب النائحة: تستحله بضرب إحدي يديها علي الاخري «1». أي لا يأخذ الاجر علي النياحة بل علي ما يضم اليها من الاعمال.

الثالثة: ما دل علي الجواز إذا كان بالحق: كمرسل الفقيه المتقدم.

الرابعة: ما دل علي الجواز إذا لم يشارط و قبل النائح ما يعطي:

كموثق حنان عن الامام الصادق عليه السلام: قل لها لا تشارط و تقبل ما اعطيت «2».

الخامسة: ما دل بظاهره علي الكراهة:

كخبر سماعة قال: سألته عن كسب المغنية و النائحة فكرهه «3».

و الحق في مقام الجمع أن يقال: بعد طرح خبر عذافر لجهالته، و مرسل الفقيه لإرساله، و حمل كرهه علي إرادة المنع كما تقدم.

انه يقيد إطلاق الطائفة المجوزة بموثق حنان المفصل بين الاشتراط و عدمه مع قبول ما يعطي، فتكون النتيجة ان كسب النائحة جائز اذا لم تشارط و قبلت ما اعطيت. و الله العالم.

حرمة الولاية من قبل الجائر

(1) قوله السادسة و العشرون، الولاية من قبل الجائر … محرمة.

بلا خلاف في ذلك في الجملة و عن غير واحد دعوي الاجماع عليه بل لعله من

______________________________

(1) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

(2) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

(3) الوسائل، باب 17، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 184

و لما تقدم في رواية تحف العقول من قوله، و أما وجه الحرام من

الولاية فولاية الوالي الجائر و ولاية ولاته فالعمل لهم و الكسب لهم بجهة الولاية معهم حرام محرم معذب فاعل ذلك علي قليل من فعله أو كثير لأن كل شي ء من جهة المعونة له، معصية كبيرة من الكبائر و ذلك ان في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله و احياء الباطل كله و اظهار الظلم و الجور و الفساد و ابطال الكتب، و قتل الانبياء و هدم المساجد و تبديل سنة الله و شرائعه فلذلك حرم العمل معهم و معونتهم، و الكسب معهم الا بجهة الضرورة نظير الضرورة الي الدم و الميتة، الخبر.

و في رواية زياد بن أبي سلمة أهون ما يصنع الله عز و جل بمن تولي لهم عملا أن يضرب عليه سرادق من نار الي أن يفرغ الله عز و جل من حساب الخلائق «الخلق».

______________________________

الواضحات لا لخبر تحف العقول «1» و خبر زياد بن أبي سلمة «2» المذكورين في المتن لضعف سنديهما.

بل للنصوص المستفيضة المعتبرة.

كحسن محمد بن مسلم قال: كنا عند أبي جعفر عليه السلام علي باب داره بالمدينة فنظر الي الناس يمرون أفواجا فقال لبعض من عنده: حدث بالمدينة أمر؟ فقال: جعلت فداك ولي المدينة وال فغدا الناس يهنئونه فقال: ان الرجل ليغدي عليه بالأمر يهنأ به، و انه لباب من أبواب النار «3». و نحوه غيره من النصوص الكثيرة و هذا مما لا كلام فيه.

انما الكلام في انه هل الولاية من قبل الجائر و هي أخذ المنصب منه بنفسها محرمة، و

______________________________

(1) الوسائل، باب 12، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

(3) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 2، ص: 185

ثمّ إن ظاهر الروايات كون الولاية محرمة بنفسها مع قطع النظر عن ترتب معصية عليه من ظلم الغير مع ان الولاية عن الجائر لا تنفك عن المعصية، و ربما كان في بعض الاخبار إشارة الي كونه من جهة الحرام الخارجي.

ففي صحيحة داود بن زربي قال: أخبرني مولي لعلي بن الحسين عليه السلام قال:

كنت بالكوفة فقدم أبو عبد الله عليه السلام الحيرة فأتيته فقلت له: جعلت فداك لو كلمت داود بن علي أو بعض هؤلاء فأدخل في بعض هذه الولايات، فقال: ما كنت لأفعل فانصرفت الي منزلي فتفكرت ما أحسبه انه منعني إلا مخافة أن أظلم أو أجور و اللّٰه لآتينّه و اعطينه الطلاق، و العتاق و الايمان المغلظة أن لا أجورن علي أحد و لا أظلمن و لأعدلن، قال: فأتيته، فقلت جعلت فداك اني فكرت في إبائك علي و ظننت انما منعتني مخافة أن أظلم أو أجور و ان كل امرأة لي طالق، و كل مملوك لي حر و علي أن ظلمت أحدا أوجرت علي «عليه» أحد، بل إن لم أعدل قال: فكيف، قلت: فاعدت عليه الايمان فنظر (فرفع رأسه) الي السماء، و قال: تنال (تناول) هذه السماء ايسر عليك من ذلك بناء علي ان المشار اليه هو العدل و ترك الظلم و يحتمل أن يكون هو الترخص في الدخول، ثمّ انه يسوغ الولاية المذكورة أمران:

______________________________

إن لم ينضم اليها أعمالها؟.

أم تختص الحرمة بالقيام بأعمالها؟.

و علي الثاني فهل المحرم هو مطلق أعمالها.

أو أن المحرم خصوص أعمالها المحرمة؟ وجوه:

أظهرها الاول، و ذلك: لظهور جملة من نصوص الباب في ذلك، و هي النصوص الناهية عن الولاية و المتضمنة للوعيد عليها «1».

و لان الوالي من أعظم

الاعوان لهم، و قد تقدم ان صيرورة الشخص من أعوان

______________________________

(1) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 186

______________________________

الظالم من المحرمات.

و قد استدل المحقق الايرواني رحمهم الله لعدم كونها بنفسها من المحرمات.

بأن منصرف تلك الادلة حرمة الولاية، بمعني القيام بأعمالها، لا مجرد أخذ المنصب.

و بأن أخذ المنصب لو كان حراما في ذاته لما جاز ذلك لأجل غاية مستحبة، و قد ادعي الشيخ رحمهم الله تطابق الادلة علي جوازه لأجل هذه الغاية.

و بالتعليل في خبر تحف العقول لحرمتها بأن في ولاية الوالي الجائر دروس الحق كله و احياء الباطل كله و إظهار الظلم و الجور و الفساد، و إبطال الكتب، و قتل الانبياء، و هدم المساجد، و تبديل سنة الله و شرائعه «1».

و بخبر زياد بن أبي سلمة عن الامام موسي بن جعفر عليه السلام: يا زياد لان اسقط من حالق فاتقطع قطعة قطعة أحب الي من أن أتولي لأحد منهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم الا لما ذا؟ قلت: لا أدري جعلت فداك قال: الا لتفريج كربة عن مؤمن، أوفك اسره، أو قضاء دينه «2».

و في الجميع نظر:

أما الاول: فلانه لا منشأ لدعوي الانصراف سوي الغلبة، و هي لا توجب الانصراف المقيد للاطلاق.

و أما الثاني: فلأنه اجتهاد في مقابل النص.

و أما الثالث: فلضعف سنده كما تقدم.

و أما الرابع: فلأنه ضعيف السند لحسين بن الحسن الهاشمي، مع انه يدل علي ان التولي حرام الا للأمور الثلاثة المذكورة فيه، و ظاهر ذلك هو حرمة نفس الولاية في غير تلك الموارد.

و قد استدل للقول الاخير: بالتعليل في خبر تحف العقول.

و بحسن داود بن زربي، عن أبي عبد الله عليه السلام- في حديث- تناول

السماء ايسر عليك من ذلك «3». مشيرا الي القيام بالعدل.

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

(3) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 187

[مسوغات الولاية المذكورة]
أحدهما: القيام بمصالح العباد (1)
اشارة

بلا خلاف علي الظاهر المصرح به في المحكي عن بعض، حيث قال: إن تقلد الامر من قبل الجائر جائز إذا تمكن معه من إيصال الحق لمستحقه بالإجماع (2) و السنة الصحيحة و قوله تعالي:) … اجعلني علي خزائن الارض … (. (3)

______________________________

و لكن يرد علي الاول: ما تقدم.

و علي الثاني: انه يحتمل ان يكون ذلك اشارة الي الترخيص في الدخول، مع انه لو كان المشار اليه هو العدل يمكن أن يقال بعدم دلالته علي جواز الولاية نفسها، إذ الظاهر ان السائل من العامة كما يظهر من حلفه بالطلاق و العتاق، و عليه، فلم يكن له محيص من التخلص الا بذلك.

فتحصل: ان الاظهر هو حرمة الولاية من حيث هي، و لو انضم اليها عمل محرم يعاقب بعقابين، و لو لم يعمل شيئا من الاعمال المحرمة يعاقب بعقاب واحد.

أخذ الولاية للقيام بمصالح العباد

(1) قوله أحدهما القيام بمصالح العباد.

يجوز أخذ الولاية و تصديها في موردين:

أحدهما: القيام بمصالح العباد.

و قد استدل لجوازه بوجوه:

(2) الأول: الإجماع.

و فيه: انه لمعلومية مدرك المجمعين لا يكون ذلك إجماعا تعبديا.

(3) الوجه الثاني: قوله تعالي حكاية عن يوسف عليه السلام: (اجعلني علي خزائن الارض إنّي حفيظ عليم) «1».

و أورد عليه المحقق الايرواني رحمهم الله و الاستاذ الاعظم: بأن يوسف كان مستحقا للسلطنة، فاقتصاره علي المرتبة التي دونها لا يوجب كونه واليا من قبل الجائر.

______________________________

(1) يوسف: 56.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص:

188

و يدل عليه قبل الاجماع ان الولاية إن كانت محرمة لذاتها كان (جاز) ارتكابها لأجل المصالح و دفع المفاسد التي هي أهم من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر (1) و إن كانت لاستلزامها الظلم علي الغير فالمفروض عدم تحققه هنا، و يدل عليه النبوي الذي رواه الصدوق في حديث

______________________________

و فيه: ان المحرم هو الولاية من قبل الجائر، و تقلد هذا المنصب منه كان الوالي مستحقا لذلك المنصب أم لم يكن.

فالحق في الجواب أن يقال: انه وردت «1» روايات ان قبول يوسف للولاية كان عن كره مع انه كان سببا لحفظ النفوس من الموت بالقحط و الغلاء، و لا شبهة في الجواز في هذا المورد.

و بما ذكرناه ظهر انه لا يمكن الاستدلال له بقبول علي بن موسي الرضا عليه السلام ولاية العهد، فإنه كان عن كره كما نطقت به النصوص «2».

(1) الوجه الثالث ما في المتن ان الولاية إن كانت محرمة لذاتها جاز ارتكابها لأجل المصالح و دفع المفاسد التي هي أهم من مفسدة انسلاك الشخص في أعوان الظلمة بحسب الظاهر.

و أورد عليه: بأنه إن كان المراد من المصالح ما كان من قبيل حفظ النفوس فالمدعي أعم من ذلك و إن كان المراد المصالح غير اللزومية فلا شبهة في ان مجرد ذلك لا يقاوم الجهة المحرمة.

و ذكر المحقق الايرواني رحمهم الله في تأييد ما ذكره المصنف رحمهم الله ما يكون جوابا عن ذلك، و هو: انه يجوز أن يحصل التوازن و التكاسر بين الملاكات، ثمّ المتخلف من ملاك الحكم الالزامي لم يكن الا اليسير غير المقتضي للإلزام.

و فيه: مضافا الي ما مر في مبحث الغناء من أن مورد انطباق عنوانين أحدهما محرم و

الآخر مستحب علي شي ء لا يكون من موارد تزاحم الملاكات، بل من باب التنافي بين الحكمين. فراجع، و قد اعترف المصنف رحمهم الله في ذلك المبحث بأن أدلة الاحكام الالزامية لا تزاحم بأدلة الاحكام الترخيصية- ان المقام من موارد تزاحم الحكمين، حيث ان المحرم هو أخذ المنصب و التولي من قبل الجائر، و المستحب هو قضاء حوائج المؤمنين مثلا، و المفروض عدم قدرة المكلف علي امتثال التكليفين، فلا بد من سقوط أحدهما و لا شبهة

______________________________

(1) الوسائل، باب 48، من أبواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل، باب 48، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 189

المناهي قال: من تولي عرافة قوم أتي به يوم القيامة و يداه مغلولتان الي عنقه، فإن قام فيهم بأمر الله تعالي أطلقه الله، و إن كان ظالما يهوي به في نار جهنم و بئس المصير.

و عن عقاب الاعمال و من تولي عرافة قوم و لم يحسن فيهم حبس علي شفير جهنم بكل يوم ألف سنة و حشر و يداه مغلولتان الي عنقه، فإن قام فيهم بأمر الله اطلقه الله و إن كان ظالما هوي به في نار جهنم سبعين خريفا.

______________________________

أن الساقط في هذا المقام هو الحكم الاستحبابي لا التحريمي كما حقق في محله.

الوجه الرابع: النصوص الكثيرة و قد ذكر المصنف رحمهم الله جملة منها في المكاسب، و البقية مذكورة في كتب الاحاديث كالوسائل.

و تلك النصوص علي طوائف:

منها: ما دل علي ان الوالي و العريف اذا ظلم يعاقب في جهنم، و اذا قام بمصالح العباد يعاقب في خارج جهنم كالنبوي «1».

و نحوه ما عن عقاب الاعمال «2» و هما الخبران في المتن.

و هذه الطائفة تدل علي خلاف المطلوب.

و منها ما دل

علي رجحان فعل الوالي من قضاء حاجة المؤمن و نحوه غير المتضمن لجواز الولاية و لا لعدم الوعيد عليها، و هي متعددة و هذه الطائفة غريبة عن المقام، إذ لا ينكر أحد رجحان تلك الاعمال كانت الولاية محرمة أم لا.

و منها: ما تضمن ان الاحسان بالاخوان كفارة لما تصداه: كمرسل الصدوق قال الصادق عليه السلام: كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان «3». و قوله عليه السلام في خبر زياد المتقدم فإن وليت شيئا من أعمالهم فأحسن الي إخوانك فواحدة بواحدة «4». و هذه الطائفة ايضا أدل علي خلاف المطلوب كما لا يخفي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 45، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.

(2) نفس المصدر، حديث 7.

(3) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

(4) نفس المصدر، حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 190

و لا يخفي ان العريف سيما في ذلك الزمان لا يكون الا من قبل الجائر.

و صحيحة زيد الشحام المحكية عن الامالي عن أبي عبد الله عليه السلام من تولي أمرا من أمور الناس فعدل فيهم و فتح بابه و رفع ستره و نظر في أمور الناس كان حقا علي الله أن يؤمن روعته يوم القيامة و يدخله الجنة. (1)

و رواية زياد بن أبي سلمة عن موسي بن جعفر عليه السلام يا زياد لان أسقط من شاهق «حالق» فأتقطع قطعة قطعة أحب الي من أن أتولي لهم عملا أو أطأ بساط رجل منهم الا لما ذا قلت: لا أدري جعلت فداك، قال: الا لتفريج كربة مؤمن أو فك اسره أو قضاء دينه. (2)

______________________________

(1) و أما صحيح. «1» الشحام عن الامام الصادق عليه السلام المذكور في المتن.

فمضافا الي انه كما يلائم جواز الولاية

يلائم مع حرمتها، و كون الامور المذكورة كفارة لها.

انه لا إطلاق له كي يشمل التولي من قبل الجائر.

و لعله مختص بالتولي من قبل السلطان العادل، أو من تولي بنصب الناس اياه.

(2) و أما قوله عليه السلام في خبر «2» زياد بن أبي سلمة المذكور في المتن (الا لما ذا قلت لا أدري.. قال: عليه السلام الا لتفريج كربة مؤمن) فلا يدل عليه، إذ لا ظهور في الاستثناء في رجوعه الي الجملة الاولي.

بل الظاهر- و لا أقل من المحتمل- هو رجوعه الي الجملة الاخيرة، و عليه فلا يدل علي جواز الولاية و لو في مورد.

فلا يبقي من النصوص إلا قليل من ما ذكروه، و فيه الكفاية.

______________________________

(1) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.

(2) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 191

و رواية علي بن يقطين ان لله تبارك تعالي مع السلطان أولياء يدفع بهم عن أوليائه، قال الصدوق: و في خبر آخر اولئك عتقاء الله من النار، قال و قال الصادق عليه السلام: كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الاخوان. (1)

______________________________

كصحيحي «1» علي بن يقطين، و مرسل «2» الصدوق، المذكورة في المتن.

و الايراد علي الصحيح الاول تارة: بأن له تعالي مع السلطان من هو كذلك لا يلازم أن يكون ذلك واليا من قبله، بل هم عدة من وجوه البلد و أعيانه الذين يختلفون إليه لأجل قضاء حوائج الناس.

و اخري: بأنه لم يشتمل علي ما يدل علي جواز تصديهم للولاية كما عن المحقق الايرواني رحمهم الله في غير محله.

أما الاول: فلأن الظاهر من هذا الكلام ارادة المنصوبين من قبله.

و أما الاعيان المختلفون اليه فهم ليسوا مع السلطان كما

لا يخفي.

و أما الثاني: فلأن التعبير عنهم بأولياء الله من أقوي الادلة علي جواز تصدي الولاية.

و ما دل علي ان القيام بها كفارة لما تصداه، كالمرسل، و خبر زياد المتقدمين لا يصلحان للمعارضة مع تلك النصوص لضعف سنديهما.

أما خبر زياد فلما تقدم، و أما المرسل فلارساله.

مضافا الي ان الظاهر منهما اختصاص ذلك بما اذا كان الدخول في الولاية حراما ابتداء ثمّ تبدل قصده الي الاحسان بالاخوان.

فتحصل: ان الولاية من قبل الجائر جائزة اذا كانت للقيام بمصالح العباد.

______________________________

(1) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1- 2.

(2) نفس المصدر، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 192

و عن المقنع سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل يحب آل محمد و هو في ديوان هؤلاء فيقتل تحت رأيتهم، قال: يحشره الله علي نيته إلي غير ذلك. و ظاهرها (1)

إباحة الولاية من حيث هي مع المواساة و الاحسان بالاخوان فيكون نظير الكذب في الاصلاح و ربما يظهر من بعضها الاستحباب و ربما يظهر من بعضها أن الدخول أولا غير جائز إلا أن الاحسان إلي الاخوان كفارة له كمرسلة الصدوق المتقدمة.

و في ذيل رواية زياد بن أبي سلمة المتقدمة، و إن وليت شيئا من أعمالهم فأحسن الي إخوانك يكون واحدة بواحدة.

______________________________

أقسام الولاية من قبل الجائر

(1) قوله و ظاهرها إباحة الولاية من حيث هي مع المواساة و الاحسان.

يقع الكلام في انه علي فرض عدم الحرمة ما ذا حكمه؟ الاباحة أو الاستحباب أو الوجوب؟ و ملخص الكلام في هذه المسألة يقع:

تارة: فيما تقتضيه القواعد.

و اخري: فيما تقتضيه النصوص الخاصة. و في كلا المقامين.

تارة: يقع البحث في غير الوجوب.

و اخري: فيه.

فهاهنا مواضع للبحث:

الاول: قد يقال: إن مقتضي القواعد استحباب الولاية في غير موارد

وجوبها لكونها مقدمة للمستحب، و قد حقق في محله ان مقدمة المستحب مستحبة.

و فيه: ان مقدمة المستحب انما تتصف بالاستحباب إذا لم تكن محرمة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 193

و الاولي أن يقال: إن الولاية الغير المحرمة منها ما يكون مرجوحة و هي ولاية من تولي لهم لنظام معاشه قاصدا للاحسان في خلال ذلك الي المؤمنين و دفع الضر عنهم. (1)

ففي رواية أبي بصير ما من جبار و إلا و معه مؤمن يدفع الله به عن المؤمنين و هو أقلهم حظا في الآخرة لصحبة الجبار.

و منها ما يكون مستحبة و هي ولاية من لم يقصد بدخوله الا الاحسان الي المؤمنين.

فعن رجال الكشي في ترجمة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إن لله تعالي في أبواب الظلمة من نور الله به البرهان و مكّن له في البلاد ليدفع بهم عن أوليائه و يصلح الله بهم أمور المسلمين. اليهم ملجاء «يلجاء»

______________________________

الموضع الثاني في المقام طائفتان من الاخبار:

الاولي: ما يدل علي كراهة الولاية و هو خبر «1» مهران بن محمد بن أبي نصر كما في الكافي، مهران بن محمد بن أبي بصير كما في التهذيب (هامش المخطوط) المذكور في المتن بعنوان خبر أبي بصير.

الثانية ما يدل علي استحباب الولاية من قبل الجائر كخبر «2» ابن بزيع عن الامام الرضا عليه السلام المذكور في المتن و خبر هشام بن سالم عن الامام الصادق عليه السلام: ان لله مع ولاة الجور أولياء يدفع بهم عن أوليائه، اولئك المؤمنون حقا «3» و نحوه خبر المفضل «4» و صحيح علي بن يقطين المتقدم.

(1) و قد جمع المصنف رحمهم الله بين الطائفتين: بحمل الاولي علي من تولي لهم

لنظام معاشه قاصدا للاحسان في خلال ذلك الي المؤمنين و دفع الضرر عنهم، و حمل الثانية علي من لم يقصد بدخوله إلا الاحسان الي المؤمنين.

و أورد عليه المحقق الايرواني رحمهم الله بأنه جمع تبرعي استحساني لم يساعده سوي

______________________________

(1) الوسائل، باب 44، من أبواب ما يكتسب به، حديث 4.

(2) رواه المامقاني رحمهم الله عن نسخة قديمة لرجال الكشي في ترجمة محمد بن اسماعيل بن بزيع.

(3) المستدرك، باب 39، من أبواب ما يكتسب به، حديث 15.

(4) المستدرك، باب 39، من أبواب ما يكتسب به، حديث 16.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 194

المؤمنين من الضرر و إليهم مرجع ذوي الحاجة من شيعتنا بهم يؤمن الله روعة المؤمنين في دار الظلمة أولئك حقا أولئك أمناء الله في أرضه أولئك نور الله في رعيته يوم القيامة و يزهر نورهم لأهل السموات كما يزهر نور الكواكب الدرية لأهل الارض أولئك من نورهم يوم القيامة تضي ء القيامة خلقوا و الله للجنة و خلقت الجنة لهم فهنيئا لهم ما علي أحدكم أن لو شاء لنال هذا كله. قال قلت: بما ذا جعلت فداك قال: يكون معهم فيسرنا بإدخال السرور علي المؤمنين من شيعتنا فكن منهم يا محمد. (1)

______________________________

الاعتبار بلا شاهد عليه من الاخبار.

و فيه: ان ما ذكره رحمهم الله جمع عرفي، إذ خبر مهران مطلق شامل لما اذا تولي لخصوص الاحسان، أم له مع نظام معاشه، و خبر ابن بزيع مختص بما اذا تولي لخصوص الاحسان لقوله عليه السلام في ذيله: فهنيئا لهم، ما علي أحدكم أن لو شاء لنال هذا كله، قال: قلت: بما ذا جعلني الله فداك؟ قال: يكون معهم فيسرنا بإدخال السرور علي المؤمنين من شيعتنا، فكن معهم يا محمد، فبه

يقيد اطلاق خبر مهران فيختص بما اذا تولي لنظام معاشه، مع كون قصده الاحسان إلي الاخوان، في خلال ذلك، و عليه فتنقلب النسبة بين خبر مهران و اخبار ابن يقطين و هشام و المفضل من التباين الي العموم المطلق، فيقيد اطلاقها به. فتأمل.

فتكون النتيجة ما ذكره المصنف رحمهم الله.

و لكن يرد عليه: ان خبر مهران لا يعتمد عليه لجهالته، و خبرا هشام و المفضل و إن كانا مرسلين الا انه يعتمد عليهما في الحكم بالاستحباب مطلقا لقاعدة التسامح في أدلة السنن، مضافا الي أن في صحيح علي بن يقطين كفاية.

و الاستاذ الاعظم ذكر ان بعض النصوص يدل علي ان الولاية مباحة و قال: ان صحيح الحلبي قال: سئل ابو عبد الله عليه السلام عن رجل مسلم و هو في ديوان هؤلاء و هو يحب آل محمد صلي الله عليه و آله و يخرج مع هؤلاء في بعثهم فيقتل تحت رأيتهم، قال: يبعثه الله علي نيته «1». يدل علي ذلك.

______________________________

(1) الوسائل، باب 48، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 195

و منها ما يكون واجبة و هي ما توقف الامر بالمعروف و النهي عن المنكر الواجبان عليه فان ما لا يتم الواجب إلا به واجب مع القدرة و ربما يظهر من كلمات جماعة عدم الوجوب في هذه الصورة ايضا. (1)

قال في النهاية تولي الامر من قبل السلطان العادل جائز مرغب فيه و ربما بلغ حد الوجوب لما في ذلك من التمكن من الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و وضع الاشياء مواقعها.

و أما سلطان الجور فمتي علم الانسان أو غلب علي ظنه انه متي تولي الامر من قبله أمكن التوصل الي اقامة

الحدود و الامر بالمعروف و النهي عن المنكر و قسمة الاخماس و الصدقات في أربابها وصلة الاخوان و لا يكون مع ذلك مخلا بواجب و لا فاعلا لقبيح فانه يستحب له ان يتعرض لتولي الامر من قبله، انتهي.

و قال في السرائر و أما السلطان الجائر فلا يجوز لأحد أن يتولي شيئا من الامور مختارا من قبله الا ان يعلم أو يغلب علي ظنه، الي آخر. عبارة النهاية بعينها.

و في الشرائع و لو أمن من ذلك أي اعتماد ما يحرم و قدر علي الامر بالمعروف و النهي عن المنكر استحبت.

______________________________

و فيه: ان هذا الصحيح أجنبي عن ما استدل به له، فإنه انما يدل علي أن القتل تحت رأيتهم إن كان بقصد الدفاع عن بيضة الاسلام لا لتقوية سلطانهم يثاب عليه لكونه ناشئا عن هذه النية، أو علي ان القتل تحت رأيتهم لا يوجب ضعفا في إيمانه و انه إن كان مؤمنا حشر مؤمنا و لا ينظر الي عمله. و علي كل تقدير فهو غريب عن المقام.

فتحصل: انه لا شي ء من الولاية الجائزة بمباحة أو مكروهة.

(1) و قد نسب الي المشهور عدم وجوب تصدي الولاية و ان توقف الامر بالمعروف و النهي عن المنكر الواجبان عليها، بل في الجواهر: لم يحك عن أحد التعبير بالوجوب الا عن الحلي في السرائر.

و قد مر أن الكلام في ذلك أيضا يقع في موضعين:

الاول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما تقتضيه النصوص الخاصة.

أما الموضع الاول: فقد استدل لعدم الوجوب بوجوه:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 196

قال في المسالك: بعد ان اعترف ان مقتضي ذلك وجوبها و لعل وجه عدم الوجوب كونه بصورة النائب عن الظالم و عموم النهي عن الدخول معهم و تسويد الاسم

في ديوانهم فإذا لم يبلغ حد المنع فلا أقل من عدم الوجوب، و لا يخفي ما في ظاهره من الضعف كما اعترف به غير واحد لان الامر بالمعروف واجب فإذا لم يبلغ ما ذكره من كونه بصورة النائب الي آخر ما ذكره حد المنع، فلا مانع من الوجوب المقدمي للواجب و يمكن توجيهه بأن نفس الولاية قبيح محرم لانها توجب اعلاء كلمة الباطل و تقوية شوكته فاذا عارضها قبيح آخر و هو ترك الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، و ليس أحدهما أقل قبحا من الآخر فللمكلف فعلها تحصيلا لمصلحة الامر بالمعروف و تركها دفعا لمفسدة تسويد الاسم في ديوانهم الموجب لإعلاء كلمتهم و قوة شوكتهم، نعم يمكن الحكم باستحباب اختيار احدهما لمصلحة لم يبلغ حد الالزام حتي يجعل أحدهما أقل قبحا ليصير واجبا.

______________________________

الوجه الاول ما في الجواهر و هو: انه يعارض ما دل علي الامر بالمعروف و ما دل علي حرمة الولاية من قبل الجائر و لو من وجه، فيجمع بينهما بالتخيير المقتضي للجواز رفعا لقيد المنع من الترك، مما دل علي الوجوب و المنع من الفعل مما دل علي الحرمة.

و فيه: ان المقام من صغريات باب التزاحم لا التعارض المتوقف علي وحدة المتعلق، إذ متعلق الحرمة هو تصدي منصب الولاية، و متعلق الوجوب هو الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و لا ربط لاحدهما بالآخر. غاية الامر لاجل عدم قدرة المكلف علي امتثالهما يقع التنافي بينهما، فلا بد من الرجوع الي مرجحات باب التزاحم، مع انه لو سلم كونه من صغريات باب التعارض ما ذكره رحمهم الله في وجه التخيير من الجمع بين الدليلين بما انه ليس جمعا عرفيا لا يتم، بل يتعين

الرجوع الي المرجحات، و حيث ان النسبة بين الدليلين عموم من وجه، و دلالة كل منهما علي حكم المجمع انما هي بالاطلاق، فلا بد من الحكم بالتساقط و الرجوع الي الاصول- فتأمل- فإن المختار أخيرا تعين الرجوع الي الاخبار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 197

و الحاصل ان جواز الفعل و الترك هنا ليس من باب عدم جريان دليل قبح الولاية، و تخصيص دليله بغير هذه الصورة بل من باب مزاحمة قبحها بقبح ترك الامر بالمعروف، فللمكلف ملاحظة كل منهما و العمل بمقتضاه نظير تزاحم الحقين في غير هذا المقام، هذا ما اشار اليه الشهيد بقوله لعموم النهي الخ.. (1)

و في الكفاية ان الوجوب فيما نحن فيه حسن لو ثبت كون وجوب الامر بالمعروف مطلقا غير مشروط بالقدرة فيجب عليه تحصيلها من باب المقدمة، و ليس بثابت (2) و هو ضعيف لان عدم ثبوت اشتراط الوجوب بالقدرة الحالية العرفية، كاف مع اطلاق أدلة الامر بالمعروف السالم عن التقييد بما عدا القدرة العقلية المفروضة في المقام.

______________________________

العلاجية في موارد التعارض بالعموم من وجه مطلقا.

(1) الوجه الثاني: ما أفاده الشهيد رحمهم الله و أوضحه المصنف رحمهم الله و هو: انه يزاحم ما دل علي حرمة الولاية مع ما دل علي الامر بالمعروف و النهي عن المنكر المتوقفين عليها، فللمكلف ملاحظة كل منهما و العمل بمقتضاه نظير تزاحم الحقين، فتارة تكون ناحية الوجوب أهم فيؤخذ بها، و اخري تكون ناحية الحرمة أهم فتقدم، و ثالثة تتساويان فيكون المكلف مخيرا في اختيار ايهما شاء، و حيث انه في المقام لم يحرز أهمية الوجوب بهذا الحد فلا وجه للحكم بالوجوب.

و فيه: ان هذا يتم بناء علي عدم تمامية ما اختاره المحقق النائيني و

تبعه جمع منهم الاستاذ الاعظم من أنه اذا تزاحم تكليفان و لم يحرز أهمية أحدهما و كانا طوليين يكون التكليف بالمتقدم فعليا دون المتأخر، مستدلا عليه بأن سقوط كل من التكليفين المتزاحمين بناء علي كون التخيير بين المتزاحمين عقليا لا يكون الا بامتثال الآخر، و بما ان امتثال التكليف بالمتأخر متأخر خارجا لتأخر متعلقه علي الفرض فلا يكون للتكليف بالمتقدم مسقط في عرضه فيتعين امتثاله علي المكلف بحكم العقل، و الا ففي صورة عدم احراز أهمية الوجوب يتعين البناء علي حرمة الولاية و عدم جوازها، فضلا عن الوجوب.

(2) الوجه الثالث ما اشار اليه المحقق السبزواري صاحب الكفاية، و حاصله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 198

نعم ربما يتوهم انصراف الاطلاقات الواردة الي القدرة العرفية الغير المحققة في المقام لكنه تشكيك ابتدائي لا يضر بالاطلاقات و أضعف منه ما ذكره بعض بعد الاعتراض علي ما في المسالك بقوله: و لا يخفي ما فيه، قال: و يمكن توجيه عدم الوجوب بتعارض ما دل علي وجوب الامر بالمعروف و ما دل علي حرمة الولاية عن الجائر بناء علي حرمتها في ذاتها و النسبة عموم من وجه فيجمع بينهما بالتخيير المقتضي للجواز رفعا لقيد المنع من الترك من أدلة الوجوب، و قيد المنع من الفعل من أدلة الحرمة. و أما الاستحباب فيستفاد حينئذ من ظهور الترغيب فيه في خبر محمد بن اسماعيل و غيره الذي هو ايضا شاهد للجمع خصوصا بعد الاعتضاد بفتوي المشهور و بذلك يرتفع اشكال عدم معقولية الجواز بالمعني الاخص في مقدمة الواجب ضرورة ارتفاع الوجوب للمعارضة إذ عدم المعقولية مسلم فيما لم يعارض فيه مقتضي الوجوب انتهي.

و فيه ان الحكم في التعارض بالعموم من وجه هو التوقف

و الرجوع الي الاصول لا التخيير كما قرر في محله و مقتضاها إباحة الولاية للاصل و وجوب

______________________________

ان دليل الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، مقيد بالقدرة الشرعية، و دليل حرمة الولاية مطلق من هذه الجهة، و قد حقق في محله انه اذا تزاحم تكليفان احدهما مشروط بالقدرة شرعا دون الآخر يقدم المشروط بالقدرة عقلا علي المشروط بالقدرة شرعا. إذ ملاك الحكم غير المشروط بالقدرة شرعا تام لا قصور فيه، و لا مانع عن جعل الحكم علي طبقه فيكون حكمه فعليا و موجبا لعجز المكلف عن امتثال التكليف الآخر و مانعا عن تحقق ملاكه المتوقف علي القدرة عليه علي الفرض.

و هذا بخلاف المشروط بالقدرة شرعا، إذ جعله يتوقف علي تمامية ملاكه، و هي تتوقف علي عدم فعلية الحكم الآخر، فلو استند عدم فعليته الي فعلية الحكم المشروط بالقدرة شرعا لزم الدور، و هذا الوجه هو الذي اشار اليه في محكي الكفاية، و هو حسن إن ثبت كون وجوب الامر بالمعروف و النهي عن المنكر مشروطا بالقدرة شرعا، و إلا فيكفي في نفي اعتبارها اطلاق الادلة، و حيث انه لا دليل عليه و الانصراف لو كان فانما هو بدوي يزول بأدني التفات، فالصحيح عدم تمامية هذا الوجه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 199

الامر بالمعروف لاستقلال العقل به كما ثبت في بابه، ثمّ علي تقدير الحكم بالتخيير فالتخيير الذي يصار اليه عند تعارض الوجوب و التحريم هو التخيير الظاهري و هو الأخذ بأحدهما بالتزام الفعل أو الترك لا التخيير الواقعي. ثمّ المتعارضان بالعموم من وجه لا يمكن الغاء ظاهر كل منهما مطلقا، بل بالنسبة الي مادة الاجتماع لوجوب ابقائهما علي ظاهرهما في مادتي الافتراق فيلزمك استعمال كل من الامر

و النهي في أدلة الامر بالمعروف و النهي عن الولاية في الالزام و الاباحة. (1)

______________________________

الموضع الثاني: في حكم الولاية التي توقف عليها الامر بالمعروف و النهي عن المنكر بحسب النصوص الخاصة.

الظاهر انها تقتضي الحكم بالوجوب إذ بعد تخصيص أدلة حرمة الولاية بالنصوص المتقدمة الدالة علي جواز الولاية للقيام بمصالح المسلمين الشاملة للمقام، إما لكون ذلك من تلك المصالح أو بالفحوي لا معارض و لا مزاحم لما دل علي وجوب المقدمة، فلا مانع من اتصافها به.

و دعوي ان تلك النصوص المتضمنة لاستحباب الولاية، كما تخصص دليل حرمة الولاية.

كذلك تخصص أدلة الامر بالمعروف، لعدم تعقل وجوب الامر بالمعروف مع استحباب مقدمته.

مندفعة لا بما في المتن من ان دليل استحباب الشي ء الذي قد يكون مقدمة لواجب لا يعارض أدلة وجوب ذلك الواجب إذ استحباب الشي ء في ذاته، لا ينافي وجوبه بالغير: فانه يرد عليه ان تلك النصوص متضمنة للاستحباب المقدمي، لا الذاتي و ما ذكره رحمهم الله يتم في الثاني.

بل لان تلك النصوص انما تدل علي مطلق الرجحان، فيحكم في المقام بالوجوب، لاجل وجوب ذي المقدمة.

فتحصل: ان الاقوي وجوب الولاية فيما اذا كان هناك، معروف متروك، أو منكر مركوب، يجب فعلا الامر بالاول و النهي عن الثاني.

(1) قوله فيلزمك استعمال كل من الامر و النهي في أدلة الامر بالمعروف و النهي عن الولاية.

و فيه: ان الالتزام بالاباحة، ليس لاجل استعمال الامر و النهي فيها، حتي يورد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 200

ثمّ دليل الاستحباب أخص لا محالة من أدلة التحريم فيخصص به فلا ينظر بعد ذلك في أدلة التحريم بل لا بد بعد ذلك من ملاحظة النسبة بينه و بين أدلة وجوب الامر بالمعروف و من المعلوم المقرر في

غير مقام ان دليل استحباب الشي ء الذي قد يكون مقدمة لواجب لا يعارض أدلة وجوب ذلك الواجب فلا وجه لجعله شاهدا علي الخروج عن مقتضاها، لان دليل الاستحباب مسوق لبيان حكم الشي ء في نفسه مع قطع النظر عن الملزمات العرضية كصيرورته مقدمة لواجب أو مأمورا به لمن يجب اطاعته أو منذورا و شبهه، فالاحسن (1) في توجيه كلام من عبر بالجواز مع التمكن من الامر بالمعروف ارادة الجواز بالمعني الاعم و أما من عبر بالاستحباب فظاهره ارادة الاستحباب العيني الذي لا ينافي الوجوب الكفائي نظير قولهم يستحب تولي القضاء لمن يثق من نفسه مع انه واجب كفائي لاجل الامر بالمعروف الواجب كفاية أو يقال (2) إن مورد كلامهم ما اذا لم يكن هنا معروف متروك يجب فعلا الامر به او منكر مفعول يجب النهي عنه كذلك، بل يعلم بحسب العادة تحقق مورد الامر بالمعروف و النهي عن المنكر بعد ذلك، و من المعلوم انه لا يجب تحصيل مقدمتهما قبل تحقق موردهما خصوصا مع عدم العلم بزمان تحققه و كيف كان فلا اشكال في وجوب تحصيل الولاية اذا كان هناك معروف متروك أو منكر مركوب يجب فعلا الامر بالاول و النهي عن الثاني.

______________________________

عليه: بأنه مستلزم لاستعمال اللفظ في أكثر من معني، بل من جهة سقوط الامر و النهي عن المجمع فيحكم بالاباحة للاصل.

(1) قوله فالاحسن في توجيه كلام من عبر بالجواز.

هذا التوجيه لا يلائم مع كلماتهم، لما تري انهم يفصلون بين الولاية من قبل العادل، التي تكون مقدمة للامر بالمعروف، و بين الولاية من قبل الجائر إذا وقعت مقدمة لذلك، و حكموا في الاولي بالوجوب، و في الثانية بعدمه.

(2) و به ظهر ما في توجيه الثاني

للقول بعدم الوجوب.

مع انه يرد عليه ان لازم الوجه الثاني عدم الاستحباب اذ الاستحباب المتوهم ثبوته علي هذا ليس الا الاستحباب التهيئي الذي لا دليل عليه في المقام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 201

الثاني: مما يسوغ الولاية الاكراه عليه بالتوعيد علي تركها (1)
اشارة

من الجائر بما يوجب ضررا بدنيا أو ماليا عليه أو علي من يتعلق به بحيث يعد الاضرار به اضرارا به و يكون تحمل الضرر عليه شاقا علي النفس كالاب و الولد و من جري مجراهما، و هذا مما لا إشكال في تسويغه ارتكاب الولاية المحرمة في نفسها لعموم قوله تعالي: (إلا أن تتقوا منهم تقاة) (2) في الاستثناء عن عموم (لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء) و النبوي صلي الله عليه و آله رفع عن أمتي ما اكرهوا عليه و قولهم عليهم السلام التقية في كل ضرورة، و ما من شي ء إلا و قد أحله الله لمن اضطر اليه الي غير ذلك مما لا يحصي كثرة من العمومات و ما يختص بالمقام

و ينبغي التنبيه علي أمور:
اشارة

______________________________

قبول الولاية عن كره

(1) قوله الثاني: مما يسوغ الولاية الاكراه عليها بالتوعيد علي تركها.

لا خلاف و لا إشكال في جواز الولاية إذا اكره عليها و توعد علي تركها بما يشق علي المكره تحمله، سواء كان ضررا ماليا أم عرضيا، و سواء تعلق بنفسه أم بمن يعد الاضرار به إضرارا به.

و يشهد له: عموم أدلة التقية «1» و عموم ما دل علي رفع ما استكره عليه «2» و حديث نفي الضرر «3» إذ حرمة الولاية ضرر علي الشخص في الفرض فهي مرفوعة به.

(2) و أما الآية الشريفة (الا أن تتقوا منهم تقاة) «4» فهي غريبة عن المقام لكونها استثناء عن عموم ما دل علي حرمة مودة الكفار.

و كذلك لا يصح الاستدلال بحديث نفي الاضطرار، إذ الاضطرار غير الاكراه و هو لا يصدق بمعناه اللغوي في أغلب موارد الاكراه علي الولاية.

______________________________

(1) الوسائل، باب 24، من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما.

(2)- الوسائل، باب 56، من

أبواب جهاد النفس.

(3) الوسائل، باب 12، من أبواب إحياء الموات.

(4) سورة آل عمران، آية: 29.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 202

الاول: أنه كما يباح بالاكراه نفس الولاية المحرمة، كذلك يباح به ما يلزمها من المحرمات الاخر و ما يتفق في خلالها مما يصدر الامر به من السلطان الجائر ما عدا اراقة الدم إذا لم يمكن التفصي عنه، و لا إشكال في ذلك انما الاشكال في ان ما يرجع الي الاضرار بالغير (1) من نهب الاموال و هتك الاعراض و غير ذلك من العظائم هل تباح كل ذلك بالاكراه و لو كان الضرر المتوعد به علي ترك المكره عليه أقل بمراتب من الضرر المكره عليه كما اذا خاف علي عرضه من كلمة خشنة لا يليق به فهل يباح بذلك اعراض الناس و أموالهم و لو بلغت ما بلغت كثرة و عظمة، أم لا بد من ملاحظة الضررين و الترجيح بينهما، وجهان: من اطلاق الاكراه، و ان الضرورات تبيح المحظورات.

______________________________

حكم الاضرار بالناس مع الاكراه عليه

(1) قوله انما الاشكال في ان ما يرجع الي الاضرار بالغير.

لا كلام في انه كما يباح بالاكراه نفس الولاية المحرمة كذلك يباح به ما يلزمها من المحرمات الاخر و ما يتفق مما يصدر الامر به من السلطان الجائر عدا إراقة الدم.

انما الاشكال في ان ما يرجع الي الاضرار بالغير من نهب الاموال و هتك الاعراض و ما شاكل هل يباح بالاكراه، و إن كان الضرر المتوعد به علي ترك المكره عليه أقل بمراتب من الضرر المكره عليه، أم لا بد من ملاحظة الضررين و الترجيح بينهما؟ و في المسألة وجوه و أقوال اربعة:

الاول: ما اختاره المصنف رحمهم الله و هو ارتفاع حرمة الاضرار بالغير بالاكراه مطلقا، و لو

كان الضرر المتوعد به علي ترك المكره عليه أقل بمراتب من الضرر المكره عليه.

الثاني: عدم ارتفاع حرمته كذلك.

الثالثة التفصيل بين ما إذا كان الضرر الذي توعد به أعظم أو مساويا فترتفع الحرمة، و بين ما اذا كان أقل فلا ترتفع.

الرابع: ما اختاره الاستاذ الاعظم و هو التفصيل بين ما اذا كان الضرر الذي توعده

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 203

و من أن المستفاد من أدلة الاكراه تشريعه لدفع الضرر فلا يجوز دفع الضرر بالاضرار بالغير، و لو كان ضرر الغير أدون فضلا عن أن يكون أعظم و إن شئت قلت: ان حديث رفع الاكراه و رفع الاضطرار مسوق للامتنان علي جنس الامة و لا حسن في الامتنان علي بعضهم بترخيصه في الاضرار بالبعض الآخر، فاذا توقف دفع الضرر عن نفسه علي الاضرار بالغير لم يجز و وجب تحمل الضرر هذا، و لكن الاقوي هو الأول (1) لعموم دليل نفي الاكراه لجميع المحرمات حتي الاضرار بالغير ما لم يبلغ الدم، و عموم نفي الحرج، فان إلزام الغير تحمل الضرر و ترك ما اكره عليه حرج و قوله صلي الله عليه و آله انما جعلت التقية لتحقن به الدماء، فاذا بلغ الدم فلا تقية. حيث انه دل علي ان حد التقية بلوغ الدم فتشرع لما عداه.

______________________________

المكره) بالكسر (أمرا مباحا في نفسه، كما اذا اكرهه الجائر علي نهب مال غيره و جلبه اليه و إلا فيحمل أموال نفسه اليه فلا ترتفع الحرمة، و بين ما اذا كان ذلك الضرر أمرا محرما كما إذا اكرهه علي أن يلجئ شخصا آخر الي فعل محرم كالزنا و إلا أجبره علي ارتكابه بنفسه، فتقع المزاحمة و يرجع الي قواعد باب التزاحم.

و قد استدل

المصنف رحمهم الله لما اختاره بوجوه:

(1) الاول: عموم دليل نفي الاكراه «1» لجميع المحرمات حتي الاضرار بالغير ما لم يبلغ الدم.

و فيه: ان الحديث كغيره مما دل علي نفي الاكراه مسوق في مقام الامتنان علي الامة، و الحكم بجواز الاضرار مناف للامتنان بالاضافة إلي ذلك الغير، و إن كان موافقا للامتنان بالاضافة إلي المكره، فلا يكون مشمولا للحديث.

(2) الوجه الثاني: عموم نفي الحرج «2» فان إلزام الغير بتحمل الضرر و ترك ما أكره عليه حرج.

و فيه: اولا: ان الحرج المنفي في الشريعة هي المشقة التي لا تتحمل عادة، و بديهي أن الوقوع في الضرر لا يستلزم ذلك مطلقا، فلا يصح التمسك لجواز الاضرار بدليل نفي الحرج بقول مطلق.

______________________________

(1) الوسائل، باب 56، من أبواب جهاد النفس.

(2) سورة الحج، آية: 79.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 204

و أما ما ذكره من استفادة كون نفي الاكراه لدفع الضرر فهو مسلم، بمعني دفع توجه الضرر و حدوث مقتضيه لا بمعني دفع الضرر المتوجه بعد حصول مقتضيه.

بيان ذلك انه اذا توجه الضرر الي شخص بمعني حصول مقتضيه فدفعه عنه بالاضرار بغيره غير لازم بل غير جائز في الجملة فاذا توجه ضرر علي المكلف باجباره علي مال و فرض ان نهب مال الغير دافع له، فلا يجوز للمجبور نهب مال غيره لدفع الجبر (الضرر) عن نفسه، و كذلك اذا اكره علي نهب مال غيره فلا يجب تحمل الضرر بترك النهب لدفع الضرر المتوجه الي الغير و توهم انه كما يسوغ النهب في الثاني لكونه مكرها عليه فيرتفع حرمته، كذلك يسوغ في الاول لكونه مضطرا اليه.

أ لا تري انه لو توقف دفع الضرر علي محرم آخر غير الاضرار بالغير كالافطار في شهر رمضان

أو ترك الصلاة أو غيرهما ساغ له ذلك المحرم.

______________________________

و ثانيا: ان دليل نفي الحرج يعارض ما دل علي نفي الضرر الدال علي عدم جواز الاضرار بالغير من جهة تضرره، و النسبة عموم من وجه، اللهم إلا أن يقال: إن دليل نفي الضرر لا يشمل المقام للعلم الاجمالي بجعل حكم ضرري في المقام من الاباحة أو التحريم، إذ كل منهما يوجب ضررا علي شخص، فيبقي دليل نفي الحرج بلا معارض، فالعمدة هي الايراد الاول.

الوجه الثالث: النصوص «1» المتضمنة: انه انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغ الدم فلا تقية. حيث انها تدل علي ان حد التقية بلوغ الدم، فتشرع لما عداه.

و فيه: انه إن أريد بهذه الجملة انه كلما سوغت التقية لحفظ شي ء إذا بلغته التقية فلا تقية، فهي علي خلاف المطلوب أدل، إذ التقية انما شرعت لحفظ الاعراض و الاموال ايضا، و لازم ذلك ان لا يشرع هتك عرض الغير و نهب ماله بالتقية، و إن أريد بها ان التقية انما شرعت لخصوص حفظ الانفس فلازمه عدم شمول نصوص التقية في غير مورد كون الضرر المتوعد به هو قتل النفس، مع انه لا ريب في شمولها لغير ذلك المورد، فلا مناص عن التصرف في كلمة) إنما (.

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب الامر و النهي و ما يناسبهما.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 205

و بعبارة اخري: الاضرار بالغير من المحرمات فكما يرتفع حرمته بالاكراه، كذلك يرتفع بالاضطرار لان نسبة الرفع إلي ما أكرهوا عليه، و ما اضطروا اليه علي حد سواء مدفوع بالفرق بين المثالين في الصغري بعد اشتراكهما في الكبري المتقدمة، و هي ان الضرر المتوجه الي شخص لا يجب دفعه بالاضرار بغيره بأن

الضرر في الاول متوجه الي نفس الشخص فدفعه عن نفسه بالاضرار بالغير، غير جائز (1) و عموم رفع ما اضطروا اليه لا يشمل الاضرار بالغير المضطر اليه لانه مسوق للامتنان علي الامة فترخيص بعضهم في الاضرار بالآخر لدفع الضرر عن نفسه و صرف الضرر الي غيره مناف للامتنان بل يشبه الترجيح بلا مرجح فعموم ما اضطروا اليه في حديث الرفع مختص بغير الاضرار بالغير من المحرمات.

و أما الثاني: فالضرر فيه أولا و بالذات متوجه الي الغير بحسب الزام المكره (2) بالكسر و إرادته الحتمية و المكره بالفتح و إن كان مباشرا إلا انه

______________________________

اللهم أن يقال: إن المراد بها انه انما قررت التقية لئلا ينتهي آخر الامر الي اراقة الدم، و إن كان في أول الحال يجوز التقية لغيرها.

و بعبارة اخري: العمدة في مصلحة التقية حفظ النفس فلا تنافي جوازه التقية لغيره ايضا كحفظ المال أو العرض، و علي ذلك فهي مسوقة لبيان عدم جواز التقية في تلف النفس لا لجوازها في غير ذلك المورد كي يستفاد منها جواز إضرارا لغير لدفع الضرر عن نفسه.

الوجه الرابع: ما يكون مركبا من صغري، و كبري.

(2) أما الاولي: فهي ان مورد الاكراه الضرر متوجه الي الغير ابتداء بحسب اكراه المكره (بالكسر) و ارادته الحتمية و المكره (بالفتح). و إن كان مباشرا، الا انه ضعيف لا ينسب اليه توجيه الضرر الي الغير حتي يقال انه أضر بالغير كي لا يتضرر نفسه، نعم لو تحمل الضرر و لم يضر بالغير فقد صرف الضرر عن الغير الي نفسه عرفا.

(1) و أما الثانية: فهي ان المستفاد من الادلة: ان تشريع نفي الاكراه انما هو لدفع الضرر، فلا يجوز دفع الضرر عن نفسه بالاضرار

بالغير، و لا يلزم تحمله لدفعه عن الغير

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 206

ضعيف لا ينسب اليه توجيه الضرر الي الغير حتي يقال: إنه أضر بالغير لئلا يتضرر نفسه، نعم لو تحمل الضرر و لم يضر بالغير فقد صرف الضرر عن الغير الي نفسه عرفا، لكن الشارع لم يوجب هذا و الامتنان بهذا علي بعض الامة لا قبح فيه كما انه لو اراد ثالث الاضرار بالغير لم يجب علي الغير تحمل الضرر و صرفه عنه الي نفسه هذا كله مع ان أدلة نفي الحرج كافية في الفرق بين المقامين (1) فانه لا حرج في ان لا يرخص الشارع دفع الضرر عن أحد بالإضرار بغيره بخلاف ما لو الزم الشارع الإضرار علي نفسه لدفع الضرر المتوجه الي الغير فانه حرج قطعا.

______________________________

لأن ذلك مناف للامتنان، فتكون النتيجة عدم وجوب تحمل الضرر في المقام لدفع الضرر عن الغير.

و في الصغري نظر لأن الإكراه لا يوجب سلب اختيار المكره بالفتح و صيرورته كالآلة، بل هو بعد علي كونه مختارا فيه و فعله الجزء الاخير من العلة، و لولاه لما تحقق الاضرار بالغير، و عليه فهو يضر بالغير اختيارا دفعا للضرر عن نفسه.

و إن شئت قلت: إن الاكراه انما يوجب تخيير المكره بين الاضرار بالغير و بين تحمل الضرر علي فرض العدم، فلا يكون من توجه الضرر الي الغير ابتداء نظير ما اذا توجه سيل الي داره، الذي لا كلام في عدم وجوب صرفه الي نفسه.

(1) هذا هو الوجه الخامس: و هو ان في الزام الشارع الاضرار علي نفسه لدفع الضرر المتوجه الي الغير حرجا قطعا، و هذا بخلاف ما اذا كان الضرر متوجها اليه ابتداء، و لا حرج في تحمله

و عدم الاضرار بغيره دفعا له، فيرتفع بأدلة نفي الحرج.

و فيه: ما تقدم من أن مطلق تحمل الضرر لا يكون حرجيا.

و استدل للقول الثاني: بإطلاق أدلة حرمة الاضرار بالغير بعد عدم شمول أدلة نفي الاكراه و الحرج و الضرر للمقام كما تقدم، و يؤيده انه لو عمت جملة نفي الاكراه من الحديث للمقام لعمت جملة نفي الاضطرار لوحدة السياق، و تلك الجملة لا تعم كما صرح به الشيخ رحمهم الله و لم يجوز أحد الاضرار بالغير في صورة الاضطرار، فكذلك هذه الجملة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 207

الثاني: إن الاكراه يتحقق بالتوعد بالضرر علي ترك المكره عليه ضررا متعلقا بنفسه أو ماله أو عرضه أو بأهله، ممن يكون ضرره راجعا الي تضرره و تألمه، و أما إذا لم يترتب علي ترك المكره عليه الا الضرر علي بعض المؤمنين (1)

ممن يعد أجنبيا من المكره (بالفتح) فالظاهر انه لا يعد ذلك إكراها عرفا إذ لا خوف له يحمله علي فعل ما أمر به و بما ذكرنا من اختصاص الاكراه بصورة خوف لحوق الضرر بالمكره نفسه أو بمن يجري مجراه كالاب و الولد، صرح في الشرائع و التحرير و الروضة و غيرها.

______________________________

و فيه: ان هذا الوجه و إن كان تاما في نفسه، إلا انه ربما يزاحم حرمة الاضرار محرم آخر و هو ما اذا كان الضرر المتوعد به أمرا محرما، و حينئذ فلا بد من الرجوع الي مرجحات باب التزاحم.

و استدل للقول الثالث: بأن نسبة جميع الناس الي الله سبحانه نسبة واحدة، فالكل بمنزلة عبد واحد، فالضرر المتوجه الي أحد شخصين كأحد الضررين المتوجه الي شخص واحد، فلا بد من ملاحظة أقل الضررين، و عند التساوي يحكم بالتخيير.

و فيه:

ان هذا وجه اعتباري استحساني لا يعتمد عليه.

مع انه إذا كان الضرر المتوعد به أمرا مباحا في نفسه كيف يحكم بالتخيير بين ذلك و بين الامر المحرم، و هو الاضرار بالغير.

فالاظهر هو القول الرابع.

قبول الولاية لدفع الضرر عن الغير

(1) قوله إذا لم يترتب علي ترك المكره عليه الا الضرر علي بعض المؤمنين.

إذا كان الضرر المتوعد به علي ترك المكره عليه مما يتعلق بالاجنبي فهل يعد إكراها أم لا؟ الاكراه عبارة عن الحمل علي فعل يكرهه المكره بالفتح مع التوعد علي تركه بما يكرهه، كان ذلك أمرا متعلقا بنفسه أو عشيرته أو الاجانب، فلو فرض شخص يكره ضرر كل مؤمن- و إن كان أجنبيا عنه بالمرة- يصدق الاكراه بالتوعد بالضرر المتعلق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 208

نعم لو خاف علي بعض المؤمنين جاز له قبول الولاية المحرمة بل غيرها من المحرمات الالهية التي أعظمها التبري من أئمة الدين لقيام الدليل علي وجوب مراعاة المؤمنين و عدم تعريضهم للضرر مثل ما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: و لان تبرأ منا ساعة بلسانك و أنت موال لنا بجنانك لتبقي علي نفسك روحها الذي هو قوامها و ما لها الذي به نظامها و جاهها الذي به تمسكها و تصون من عرف بذلك من اوليائنا و إخوانك فان ذلك أفضل من أن تتعرض الهلاك و تنقطع به عن عملك في الدين و صلاح إخوانك المؤمنين، و اياك ثمّ اياك أن تترك التقية التي أمرتك بها فانك شائط بدمك و دماء إخوانك معرض بنعمتك و نعمتهم للزوال مدل لهم في أيدي أعداء دين الله، و قد أمرك باعزازهم فانك إن خالفت وصيتي كان ضررك علي إخوانك و نفسك أشد من ضرر الناصب لنا

الكافر بنا الحديث.

لكن لا يخفي انه لا يباح بهذا النحو من التقية الاضرار بالغير لعدم شمول أدلة الاكراه لهذا لما عرفت من عدم تحققه مع عدم لحوق ضرر بالمكره و لا بمن يتعلق به و عدم جريان أدلة نفي الحرج إذ لا حرج علي المأمور لان المفروض تساوي من أمر بالاضرار به و من يتضرر بترك هذا الامر من حيث النسبة الي المأمور مثلا لو أمر الشخص بنهب مال مؤمن و لا يترتب علي مخالفة المأمور به الا نهب مال مؤمن آخر فلا حرج حينئذ في تحريم نهب مال الاول بل تسويغه لدفع النهب عن الثاني قبيح بملاحظة ما علم من الرواية المتقدمة من الغرض في التقية خصوصا مع كون المال المنهوب للاول أعظم بمراتب. فانه يشبه بمن فر من المطر الي الميزاب بل اللازم في هذا المقام عدم جواز الاضرار بمؤمن، و لو لدفع الضرر الاعظم من غيره، نعم الا لدفع ضرر النفس في وجه مع ضمان ذلك الضرر و بما ذكرنا ظهر ان اطلاق جماعة لتسويغ ما عدا الدم من المحرمات بترتب ضرر مخالفة المكره عليه علي نفس المكره و علي أهله أو علي الاجانب من المؤمنين، لا يخلو من بحث الا ان يريدوا الخوف علي خصوص نفس بعض المؤمنين فلا اشكال في تسويغه لما عدا الدم من المحرمات إذ لا تعادل نفس المؤمن شي ء، فتأمل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 209

قال في القواعد و تحرم الولاية من الجائر إلا مع عدم التمكن من الامر بالمعروف و النهي عن المنكر أو مع الاكراه بالخوف علي النفس أو المال أو الاهل أو علي بعض المؤمنين فيجوز ائتمار ما يأمره الا القتل، انتهي.

و لو أراد بالخوف

علي بعض المؤمنين الخوف علي أنفسهم دون أموالهم و إعراضهم لم يخالف ما ذكرنا، و قد شرح العبارة بذلك بعض الاساطين فقال: الا مع الاكراه بالخوف علي النفس من تلف أو ضرر في البدن أو المال المضر بالحال من تلف أو حجب أو العرض من جهة النفس أو الاهل أو الخوف فيما عدا الوسط علي بعض المؤمنين فيجوز حينئذ ائتمار ما يأمره انتهي.

و مراده بما عدا الوسط الخوف علي نفس بعض المؤمنين و أهله و كيف كان فهنا عنوانان الاكراه و دفع الضرر المخوف عن نفسه، و عن غيره من المؤمنين من دون اكراه.

______________________________

بالاجنبي و لو فرض انه لا يكره الضرر المتعلق بولده و بنفسه لما صدق الاكراه فالضابط هو ذلك، لا القرب و البعد.

و في مورد لا يصدق الاكراه، كما إذا كان الشخص ممن لا يتأثر بضرر المؤمنين لو حمله الظالم علي قبول الولاية أو علي غيرها مما حرمه الله تعالي غير الاضرار بالغير و توعد علي تركه بالاضرار بالمؤمنين، جاز ذلك المحرم بذلك.

لما دل من الادلة علي جواز الولاية لاصلاح أمر المؤمنين و دفع الضرر عنهم «1».

و ما دل علي مشروعية التقية لحفظ المؤمنين عن المهالك و المضرات «2»، فانه إذا صار المحرم مباحا لدفع الضرر عن المؤمنين مع عدم الاكراه علي قبول الولاية صار مباحا مع الاكراه عليه بلا فرق كما لا يخفي.

انما الكلام في انه لو كان المحمول عليه هو الاضرار بالغير، و كان الضرر المتوعد

______________________________

(1) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به.

(2) الوسائل، باب 24، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 210

و الاول يباح به كل محرم (1) و الثاني إن كان متعلقا بالنفس جاز له

كل محرم حتي الاضرار المالي بالغير لكن الاقوي استقرار الضمان عليه إذا تحقق سببه لعدم الاكراه المانع عن الضمان أو استقراره. (2)

و أما الاضرار بالعرض بالزنا و نحوه (3) ففيه تأمل، و لا يبعد ترجيح النفس عليه و إن كان متعلقا بالمال فلا يسوغ معه الاضرار بالغير أصلا حتي في اليسير من المال فاذا توقف دفع السبع عن فرسه بتعريض حمار غيره للافتراس لم يجز و إن كان متعلقا بالعرض، ففي جواز الاضرار بالمال مع الضمان أو العرض الاخف من العرض المدفوع عنه تأمل. و أما الاضرار بالنفس أو العرض الاعظم فلا يجوز بلا اشكال هذا و قد وقع في كلام بعض تفسير الاكراه بما يعم لحوق الضرر. قال في المسالك ضابط الاكراه المسوغ للولاية الخوف علي النفس أو المال أو العرض عليه أو علي بعض المؤمنين انتهي. و يمكن أن يريد بالاكراه مطلق المسوغ للولاية لكن صار هذا التعبير منه قدس سره منشأ لتخيل غير واحد ان الاكراه المجوز لجميع المحرمات هو بهذا المعني.

______________________________

به هو ما يرجع الي الغير، فقد اختار الشيخ قدس سره عدم جواز الاضرار: لإطلاق ادلة حرمته بعد فرض عدم شمول أدلة نفي الاكراه و الحرج للمقام.

و هو حسن، بل قد عرفت في التنبيه الاول انه مع صدق الاكراه ايضا لا يجوز، لان رفعه خلاف الامتنان علي الامة.

(1) قوله و الاول يباح به كل محرم.

قد عرفت انه لا يباح به الاضرار بالغير.

(2) قوله لعدم الاكراه المانع عن الضمان أو استقراره.

الاكراه ايضا لا يصلح لرفع الضمان، لورود الحديث في مقام الامتنان علي الامة و لا امتنان في رفع الضمان علي الامة.

(3) قوله و أما الاضرار بالعرض بالزنا و نحوه ففيه تأمل.

ملخص القول

في المقام ان المتوعد به إن كان تلف النفس المحترمة جاز الاضرار

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 211

الثالث: انه قد ذكر بعض مشايخنا المعاصرين انه يظهر من الاصحاب ان في اعتبار عدم القدرة علي التفصي من المكره عليه و عدمه أقوالا (1) ثالثها التفصيل بين الاكراه علي نفس الولاية المحرمة فلا يعتبر و بين غيرها من المحرمات فيعتبر فيه العجز عن التفصي و الذي يظهر من ملاحظة كلماتهم في باب الاكراه عدم الخلاف في اعتبار العجز عن التفصي إذا لم يكن حرجا و لم يتوقف علي ضرر كما إذا اكره علي أخذ المال من مؤمن فيظهر انه أخذ المال و جعله في بيت المال مع عدم أخذه واقعا أو أخذه جهرا، ثمّ رده اليه سرا كما كان يفعله ابن يقطين و كما إذا أمره بحبس مؤمن فيدخله في دار واسعة من دون قيد و يحسن ضيافته، و يظهر انه حبسه و شدّد عليه و كذا لا خلاف في انه لا يعتبر العجز عن التفصي إذا كان فيه ضرر كثير و كان منشأ زعم الخلاف ما ذكره في المسالك في شرح عبارة الشرائع، مستظهرا

______________________________

بالغير، لما علم من اهتمام الشارع بحفظ النفس المحترمة، و إن كان غير ذلك من أقسام الضرر المتوجه الي الغير، فلا يباح به الاضرار بالغير المحرم إذ بعد فرض عدم الدليل المخرج عما دل علي حرمة الاضرار، و عدم المزاحم له لا وجه لرفع اليد عنه، نعم، إذا كان ذلك أمرا محرما علي هذا الشخص دخل في باب التزاحم، و لا بد من إجراء أحكامه، و علي كل تقدير لو أضر بالغير لما سقط ضمانه.

يعتبر العجز عن التفصي في الاكراه

(1) قوله الثالث: ذكر بعض مشايخنا المعاصرين انه يظهر

من الأصحاب ان في اعتبار عدم القدرة علي التفصي من المكره عليه و عدمه أقوالا:

الكلام يقع في مقامين:

الاول: في الاقوال في المسألة.

الثاني: في بيان المختار.

أما المقام الاول: فقد توهم ان في المسألة أقوالا ثلاثة.

ثالثها التفصيل بين الاكراه علي الولاية فلا يعتبر العجز عن التفصي و بين الاكراه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 212

منه خلاف ما اعتمد عليه قال في الشرائع، بعد الحكم بجواز الدخول في الولاية دفعا للضرر اليسير مع الكراهة و الكثير بدونها إذا اكرهه الجائر علي الولاية جاز له الدخول و العمل بما يأمره مع عدم القدرة علي التفصي منه الا في الدماء المحرمة «المحترمة» فانه لا تقية فيها «شرائع» انتهي.

قال في المسالك ما ملخصه ان المصنف ذكر في هذه المسألة شرطين الاكراه و العجز عن التفصي و هما متغايران، و الثاني أخص (1) و الظاهر ان مشروطهما مختلف فالاول شرط لأصل قبول الولاية و الثاني شرط للعمل بما يأمره، ثمّ فرع عليه ان الولاية ان أخذت مجردة عن الامر بالمحرم فلا يشترط في جوازه الاكراه.

و أما العمل بما يأمره من المحرمات فمشروط بالاكراه خاصة و لا يشترط فيه الالجاء اليه بحيث لا يقدر علي خلافه (2) و قد صرح به الاصحاب في كتبهم فاشتراط العجز عن التفصي غير واضح الا ان يريد به أصل الاكراه الي أن قال:

ان الاكراه مسوغ لامتثال ما يؤمر به و إن قدر علي المخالفة مع خوف الضرر انتهي موضع الحاجة من كلامه.

______________________________

علي غيرها من المحرمات فيعتبر فيه العجز عن التفصي.

أما القول باعتبار العجز عن التفصي مطلقا ما لم يكن حرجيا و لم يترتب عليه ضرر فهو المشهور بين الاصحاب.

كما ان المشهور بينهم عدم اعتباره إذا كان حرجيا أم

ضرريا، و عدم اعتبار عدم القدرة العقلية علي خلافه.

(1) و ما توهمه الشهيد الثاني قدس سره في محكي المسالك من أن المحقق اعتبر العجز العقلي غير صحيح.

و أما القول بعدم اعتباره مطلقا فالظاهر ان منشأ زعمه ما اوهمته عبارة الشهيد قدس سره في بيان مختاره،

و لكن الحق انه لا يقول بذلك.

بل مراده من العجز الذي نفي اعتباره هو العجز العقلي، و قد عرفت ان هذا مما تطابقت عليه كلماتهم.

و الشاهد علي أن مراده ذلك.

(2) قوله و لا يشترط فيه الالجاء اليه بحيث لا يقدر علي خلافه، و قد صرح به

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 213

أقول: لا يخفي علي المتأمل ان المحقق قدس سره لم يعتبر شرطا زائدا علي الاكراه إلا ان الجائر إذا أمر الوالي بأعمال محرمة في ولايته كما هو الغالب، و أمكن في بعضها المخالفة واقعا و دعوي الامتثال ظاهرا كما مثلنا لك سابقا قيد امتثال ما يؤمر به بصورة العجز عن التفصي (1) و كيف كان فعبارة الشرائع واقعة علي طبق المتعارف من تولية الولاة و أمرهم في ولايتهم بأوامر كثيرة يمكنهم التفصي عن بعضها، و ليس المراد بالتفصي المخالفة مع تحمل الضرر كما لا يخفي، و مما ذكرنا يظهر فساد ما ذكره من نسبة عدم الخلاف المتقدم الي الاصحاب من انه علي القول باعتبار العجز عن التفصي لو توقف المخالفة علي بذل مال كثير لزم علي هذا القول، ثمّ قال: و هو أحوط بل و أقرب.

______________________________

الاصحاب في كتبهم.

و أما القول بالتفصيل فمنشأ زعمه هو ما احتمله في المسالك من عبارة الشرائع حيث قال المحقق قدس سره: اذا اكرهه الجائر علي الولاية جاز له الدخول و العمل بما يأمره مع عدم القدرة

علي التفصي.

فإنه احتمل فيها احتمالات:

منها: ان الولاية لا تشترط بالاكراه، بل المشروط به هو العمل بما يأمره الجائر.

و منها: ان الولاية و العمل معا مشروطان بالاكراه فقط دون العجز عن التفصي.

و منها: التفصيل بين الولاية و العمل، فيقيد الاولي بالاكراه و الثاني بالعجز عن التفصي، و المتوهم توهم إن كل واحد من هذه الاحتمالات قول برأسه فنقل ان في المقام قولا بالتفصيل.

(1) المصنف قدس سره قد دفع الاحتمال الاخير بأنه فرق.

بين الولاية، حيث انه لا يقدر المكره علي التفصي عنها من دون ضرر و لا كلفة.

و بين ما اذا أمر الوالي بأعمال محرمة في ولايته فانه يتمكن غالبا من عدم الموافقة و دعوي الامتثال ظاهرا من أخذ المال جهرا ثمّ رده اليه سرا و نحو ذلك.

و المحقق قدس سره كان متفطنا لذلك فلذا صرح باعتبار العجز عن التفصي الذي هو معتبر في صدق الاكراه في إباحة تلك الاعمال خاصة، و هو حسن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 214

الرابع: ان قبول الولاية مع الضرر المالي الذي لا يضر بالحال رخصة لا عزيمة (1) فيجوز تحمل الضرر المذكور لان الناس مسلطون علي أموالهم، بل ربما يستحب تحمل ذلك الضرر للفرار عن تقوية شوكتهم.

______________________________

و أما المقام الثاني: فالاظهر اعتبار العجز عن التفصي إذا لم يكن حرجيا أم ضرريا لعدم صدق الاكراه بدونه، و لا فرق بين هذا المحرم و سائر المحرمات الالهية. و سيأتي تنقيح القول في ذلك في مبحث اعتبار الاختيار في المتعاقدين في الجزء الثالث من هذا الشرح.

فانتظر.

قبول الولاية مع الضرر المالي رخصة

(1) قوله الرابع: ان قبول الولاية مع الضرر الذي لا يضر بالحال رخصة.

لا ينبغي التوقف في جواز تحمل الضرر المالي و عدم قبول الولاية المحرمة، لان مقتضي حديث رفع

الاكراه انما هو رفع الحرمة، و لا يكون هو متكفلا للوجوب، و لا دليل غيره.

فلا بد من الرجوع الي القواعد و هي تقتضي جواز تحمل الضرر، لان الناس مسلطون علي أموالهم «1».

و قد استدل لعدم جوازه:

بأن في دفع المال إعانة علي الاثم، و هي محرمة.

و فيه: أولا: ان الاعانة علي الاثم لا دليل علي حرمتها كما تقدم.

و ثانيا: ان دفع المال الي الجائر من قبيل تجارة التاجر مع اعطاء الكمرك، و لا يصدق عليه الاعانة كما أسلفناه في محله.

______________________________

(1) البحار، ج 1، ص 154.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 215

الخامس: لا يباح بالاكراه قتل المؤمن و لو توعد علي تركه بالقتل إجماعا (1) علي الظاهر المصرح به في بعض الكتب، و إن كان مقتضي عموم نفي الاكراه و الحرج الجواز.

______________________________

حكم قتل المؤمن بالاكراه أو بالتقية
اشارة

(1) قوله الخامس: لا يباح بالاكراه قتل المؤمن و لو توعد علي تركه بالقتل اجماعا.

و تحقيق القول في المقام يقتضي البحث في مقامين:

الاول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: في النصوص الخاصة.

أما المقام الاول: فقد عرفت ان حديث رفع الاكراه لوروده مورد الامتنان لا يصلح لرفع حرمة القتل في المقام، إذ لا امتنان في رفعها علي الامة، فهو لا يشمل المقام.

و أما أدلة التقية فهي و إن دلت علي إباحة المحرمات لحفظ المؤمنين عن المهالك و المضرات.

إلا انها لا تدل علي الجواز في المقام، لانها انما شرعت لحفظ نفوس المؤمنين و أعراضهم و أموالهم، فاذا توقف حفظ شي ء منها علي إتلاف نظيره من شخص آخر لا تكون هناك تقية لارتفاع الغاية.

و عليه فإن كان التوعيد بغير القتل لم يجز القتل بلا كلام.

و إن كان به فقد يتوهم ان حرمة القتل حينئذ تزاحم حرمة الالقاء في الهلكة و وجوب التحفظ

علي النفس، إذ الامر دائر بين القاء النفس في الهلكة، و بين قتل المؤمن، و لا مناص عن اختيار أحدهما. فلا بد من الرجوع الي مرجحات باب التزاحم، فإن ثبت أهمية أحدهما تعين و الا تخير بين الامرين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 216

إلا انه قد صح من الصادقين (1) عليهما السلام انه انما شرعت التقية ليحقن بها الدم.

فإذا بلغت الدم فلا تقية و مقتضي العموم انه لا فرق بين أفراد المؤمنين من حيث الصغر و الكبر و الذكورة و الانوثة و العلم و الجهل و الحر و العبد و غير ذلك.

______________________________

و دعوي ان الآية الشريفة: (وَ كَتَبْنٰا عَلَيْهِمْ فِيهٰا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) «1» تدل علي ان الدماء المحترمة ليس أحدها أهم من الآخرين فلا وجه لملاحظة الاهم و المهم في ذلك.

مندفعة بأنها واردة في القصاص و لا ربط لها بالمقام.

و لكنه توهم فاسد، إذ قتل الغير إيجاد لما يرفع القتل عن نفسه، و تركه ترك لذلك لا انه القاء لها في التهلكة، و إيجاد ما يرفع القتل و إن كان واجبا في الجملة، لكن لا دليل علي وجوبه اذا انحصر الدفع بقتل غيره، و علي هذا فحيث ان هلاك أحدهما مما لا بد منه، و يمتاز قتل الغير بارتكاب محرم، فلا وجه لتسويغه.

فتحصل: ان مقتضي القواعد عدم جواز القتل.

و أما المقام الثاني: فالنصوص ايضا تقتضي ذلك.

لاحظ صحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام: انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية «2».

و موثق الثمالي عن الامام الصادق عليه السلام: انما جعلت التقية ليحقن بها الدم فاذا بلغت التقية الدم فلا تقية «3» و نحوهما غيرهما.

و إلي ذلك أشار المصنف قدس

سره.

(1) بقوله إلا انه قد صح عن الصادق عليهما السلام.

فانها تدل علي ان حفظ النفس اذا توقف علي أي محرم يجوز ذلك، و لكنه اذا توقف علي إراقة دم محترم لا تكون التقية حينئذ مشروعة و لا يجوز ذلك.

و ما نقله المحقق المجلسي قدس سره عن بعض و اختاره المحقق الايرواني قدس سره من أن المراد.

______________________________

(1) المائدة، آية: 46.

(2) الوسائل، باب 31، من أبواب الامر و النهي، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 31، من أبواب الامر و النهي، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 217

و لو كان المؤمن مستحقا للقتل (1) لحد ففي العموم وجهان من اطلاق قولهم عليهم السلام لا تقية في الدماء و من ان المستفاد من قوله عليه السلام ليحقن بها الدم. فإذا بلغ الدم فلا تقية ان المراد الدم المحقون دون المأمور بإهراقه و ظاهر المشهور الاول.

و أما المستحق للقتل قصاصا فهو محقون الدم بالنسبة الي غير ولي الدم و مما

______________________________

بهذه الاحاديث ان التقية انما شرعت لحفظ النفس، فاذا كان الشخص مقتولا علي كل حال اتقي أو لم يتق فلا تقية لانتفاء ما هو الغرض من تشريع التقية. فهي غير مربوطة بالمقام.

غير صحيح، إذ لو احتمل ارادة هذا المعني من بعضها و لم تكن خلاف الظاهر، مع انه محل منع، لا تحتمل في موثق الثمالي، إذ قوله عليه السلام فيه: فاذا بلغت التقية الدم فلا تقية كالصريح في المعني الذي أشرنا اليه كما لا يخفي.

فما هو المشهور- بل المجمع عليه- من عدم جواز قتل المؤمن و لو توعد علي تركه بالقتل منطبق علي القواعد، و تشهد به النصوص الخاصة.

حكم المستحق للقتل

بقي في المقام فروع تعرض لها المصنف قدس سره:

(1) الاول: ما ذكره بقوله

و لو كان المؤمن مستحقا للقتل.

المستحق للقتل إن كان مهدور الدم لكل احد لا ريب في انه ليس مشمولا للنصوص المتقدمة، و انه يجوز قتله لو أكره عليه بالاولوية ما لم تترتب عليه الفتنة.

و إن كان مهدور الدم لكل أحد و لكن بإجازة الحاكم الشرعي كمن استحق القتل بالحد.

أو كان مهدور الدم لشخص معين أو جماعة كذلك كالمستحق للقتل قصاصا،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 218

ذكرنا يظهر سكوت الروايتين عن حكم دماء أهل الخلاف (1) لان التقية انما شرعت لحقن دماء الشيعة فحدها بلوغ دمهم لا دم غيرهم. (2) و بعبارة اخري محصل الرواية لزوم نقض الغرض من تشريع التقية في إهراق الدماء لانها شرعت لحقنها فلا يشرع لاجلها إهراقها.

و من المعلوم انه اذا اكره المؤمن علي قتل مخالف فلا يلزم من شرعية التقية في قتله إهراق ما شرع التقية لحقنه هذا كله في غير الناصب.

و أما الناصب فليس محقون الدم، و انما منع منه حدوث الفتنة فلا اشكال في مشروعية قتله للتقية و مما ذكرنا يعلم حكم دم الذمي و شرعية التقية في إهراقه.

و بالجملة فكل دم غير محترم بالذات عند الشارع خارج عن مورد الروايتين فحكم إهراقه حكم سائر المحرمات التي شرعت التقية فيها.

______________________________

فحكمه حكم سائر النفوس المحترمة، فلا يجوز قتله و لو مع التقية أو الاكراه.

و ما ذكره المحقق الايرواني قدس سره من ان النصوص منصرفة الي محقون الدم بقول مطلق فيرجع فيما عداه الي عموم رفع ما استكرهوا، و مقتضاه جواز القتل في المقام.

غير صحيح لعدم تمامية دعوي الانصراف بل مقتضي اطلاقها الشمول لكل محقون الدم.

نعم هي منصرفة عن مهدور الدم بقول مطلق، مع انه قد عرفت انه مع قطع النظر عن

النصوص الخاصة القواعد تقتضي عدم جواز القتل- فراجع ما حققناه- و النصوص الخاصة لا مفهوم لها كي تقيد الاطلاقات الاولية.

حكم قتل المخالف

(1) قوله و مما ذكرنا يظهر سكوت الروايتين عن حكم دماء أهل الخلاف.

هذا هو الفرع الثاني: و هو انه اذا اكره علي قتل المخالف فهل يجوز ذلك أم لا؟ فقد اختار المصنف قدس سره و تبعه الاستاذ أعظم: انه يجوز مع التقية أو بالاكراه.

(2) و استدل له: بأن النصوص الدالة علي أن حد التقية هو الدم مختصة بدماء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 219

بقي الكلام في ان الدم يشمل الجرح و قطع الاعضاء (1) أو يختص بالقتل وجهان من اطلاق الدم و هو المحكي عن الشيخ، و من عمومات التقية و نفي الحرج و الاكراه و ظهور الدم المتصف بالحقن في الدم المبقي للروح (2) و هو المحكي عن الروضة و المصابيح و الرياض و لا يخلو عن قوة.

______________________________

الشيعة، إذ الغرض من التقية هو حفظها، و عليه فلا مخصص لعمومات التقية و نفي الاكراه.

و فيه: إن ما ذكر من ان التقية انما شرعت لحفظ دماء الشيعة مسلم، كما ان ما ذكر من اختصاص نصوص المقام بها لا كلام فيه.

و لكن بما ان أدلة التقية و نفي الاكراه انما وردت في مورد الامتنان، و شمولها للمقام مناف له فلا تشمل قتل المخالفين فهو باق علي حكمه الاولي و هو عدم الجواز ما لم يزاحم هذا الحكم حكم أهم.

اللهم إلا أن يقال: إن أدلة التقية انما وردت في مقام الامتنان علي الشيعة لا علي الامة كما هو الشأن في دليل رفع الاكراه، و علي ذلك فهي تشمل قتل المخالفين و ترتفع الحرمة بها.

الفرع الثالث:

(1) ما ذكره المصنف قدس

سره بقوله: بقي الكلام في ان الدم يشمل الجرح و قطع الاعضاء.

(2) و استدل المصنف قدس سره لما قواه من جواز الجرح و قطع الاعضاء في مورد الاكراه و التقية: بأن ظاهر النصوص الخاصة الدالة علي انه لا تقية في الدم هو الاختصاص بالدم المبقي للروح، و عليه فمقتضي عمومات التقية و نفي الحرج و الاكراه هو ذلك.

و فيه: ان تلك الادلة لورودها مورد الامتنان لا تشمل الجرح و القطع، فلا بد من الرجوع الي ما دل علي حرمة ذلك من الادلة الاولية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 220

خاتمة: فيما ينبغي للوالي العمل به في نفسه و في رعيته،

روي شيخنا الشهيد الثاني قدس سره في رسالته المسمي بكشف الريبة عن أحكام الغيبة بإسناده عن شيخ الطائفة عن المفيد عن جعفر بن محمد بن قولويه عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد ابن عيسي، عن أبيه محمد بن عيسي الاشعري عن عبد الله بن سليمان النوفلي، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فاذا بمولي لعبد الله النجاشي قد ورد عليه فسلم و أوصل اليه كتابا ففضه و قرأه، فاذا أول سطر فيه بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاء سيدي و جعلني من كل سوء فداه و لا أراني فيه مكروها، فانه ولي ذلك و القادر عليه، اعلم سيدي و مولاي اني بليت بولاية الاهواز فإن رأي سيدي و مولاي ان يحد لي حدا و يمثل لي مثالا لاستدل به علي ما يقربني الي الله عز و جل و إلي رسوله و يلخص لي في كتابه ما يري لي العمل به، و فيما ابذله «ابتذله» و اين اضع زكاتي و فيمن اصرفها و بمن آنس و إلي من استريح و

بمن اثق و آمن و ألجأ اليه في سري فعسي أن يخلصني الله تعالي بهدايتك و ولايتك فانك حجة الله علي خلقه و أمينه في بلاده لا زالت نعمته عليك. قال عبد الله بن سليمان فأجابه أبو عبد الله عليه السلام.

بسم الله الرحمن الرحيم حاطك الله بصنعه و لطف بك بمنه و كلاك برعايته فانه ولي ذلك.

و أما بعد: فقد جاءني رسولك بكتابك فقرأته و فهمت جميع ما ذكرته و سألت عنه و ذكرت انك بليت بولاية الاهواز و سرني ذلك و ساءني و سأخبرك بما ساءني من ذلك و ما سرني إن شاء الله تعالي.

و أما سروري بولايتك فقلت عسي أن يغيث الله بك ملهوفا خائفا من أولياء آل محمد صلي الله عليه و آله و يعز بك ذليلهم و يكسو بك عاريهم و يقوي بك ضعيفهم و يطفي بك نار المخالفين عنهم.

و أما الذي ساءني من ذلك فان أدني ما أخاف عليك أن تعثر بولي لنا فلا تشم رائحة حظيرة القدس، فاني ملخص لك جميع ما سألت عنه فإن انت عملت به و لم تجاوزه رجوت أن تسلم إن شاء الله تعالي أخبرني يا عبد الله أبي عن آبائه عليهم السلام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 221

عن علي عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله انه قال: من استشاره أخوه المؤمن المسلم فلم يمحضه النصيحة سلب «سلب» اللّٰه لبّه عنه.

و اعلم أني سأشير عليك برأيي إن أنت عملت به تخلصت مما أنت تخافه.

و اعلم أن خلاصك و نجاتك في حقن الدماء و كف الاذي عن أولياء الله و الرفق بالرعية و التأني و حسن المعاشرة مع لين في غير ضعف و

شدة في غير عنف و مداراة صاحبك و من يرد عليك من رسله و ارفق برعيتك «و ارتق فتق رعيتك» بأن توقفهم علي ما وافق الحق و العدل إن شاء الله تعالي، و اياك و السعاة و أهل النمائم فلا يلزقن «يلتزقن» بك منهم أحد و لا يراك الله يوما و ليلة و أنت تقبل منهم صرفا و لا عدلا فيسخط الله عليك و يهتك سترك و أحذر مكر خوزي الاهواز فان أبي أخبرني عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ان الايمان لا يثبت في قلب يهودي و لا خوزي أبدا؟! و أما من تأنس به و تستريح اليه و تلجئ أمورك اليه فذلك الرجل الممتحن المستبصر الامين الموافق لك علي دينك و ميز أعوانك و جرب الفريقين، فإن رأيت هنالك رشدا فشأنك و اياه، و اياك أن تعطي درهما أو تخلع ثوبا أو تحمل علي دابة في غير ذات الله لشاعر أو مضحك أو ممزح الا اعطيت مثله في ذات الله و ليكن جوائزك و عطاياك و خلعك للقواد و الرسل و الاحفاد و أصحاب الرسائل و أصحاب الشرط و الاخماس. و ما اردت أن تصرف في وجوه البر و النجاح و الصدقة و الفطرة و الحج و الشرب و الكسوة التي تصلي فيها و تصل بها، و الهدية التي تهديها الي الله عز و جل و رسوله من أطيب كسبك و انظر «اجهد» يا عبد الله ان لا تكنز ذهبا و لا فضة فتكون من أهل هذه الآية: (الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله … ) و لا تستصغرن من حلو أو فضل طعام تصرفه في

بطون خالية تسكن بها غضب الله رب العالمين.

و اعلم أني سمعت أبي يحدث عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام ان رسول الله صلي الله عليه و آله «انه سمع عن النبي صلي الله عليه و آله» قال يوما لأصحابه ما آمن بالله و اليوم الآخر من بات شبعانا وجاره جائع فقلنا: هلكنا يا رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: من فضل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 222

طعامكم و من فضل تمركم و رزقكم و خلقكم و خرقكم تطفئون بها غضب الرب تعالي و سأنبئك بهوان الدنيا و هو ان شرفها علي من مضي من السلف و التابعين، فقد حدثني أبي محمد بن علي بن الحسين، قال: لما تجهز الحسين عليه السلام إلي الكوفة أتاه ابن عباس فناشده الله و الرحم أن يكون هو المقتول بالطف، فقال: أنا أعرف بمصرعي منك و ما وكدي من الدنيا الا فراقها.

أ لا أخبرك يا ابن عباس بحديث أمير المؤمنين عليه السلام و الدنيا فقال له: بلي لعمري اني أحب ان تحدثني بأمرها، فقال أبي قال علي بن الحسين عليه السلام سمعت أبا عبد الله الحسين عليه السلام يقول: حدثني أمير المؤمنين عليه السلام قال: اني بفدك في بعض حيطانها، و قد صارت لفاطمة عليها السلام فاذا انا بامرأة قد قحمت (حجمت) علي و في يدي مسحاة و أنا أعمل بها، فلما نظرت اليها طار قلبي مما تداخلني من جمالها فشبهتها ببثينة بنت عامر الجحمي و كانت من أجمل نساء قريش، فقالت: يا ابن أبي طالب هل لك أن تتزوج بي فاغنيك عن هذه المسحات و أدلك علي خزائن الارض فيكون لك ما بقيت و لعقبك من بعدك

فقال لها: من أنت حتي أخطبك من أهلك، قال: فقالت أنا الدنيا، قال لها: فارجعي و اطلبي زوجا غيري فلست من شأني فأقبلت علي مسحاتي و أنشأت أقول:

لقد خاب من غرته دنيا دنية* و ما هي ان غرت قرونا بنائل (بطائل) اتتنا علي زيّ العزيز بثنية* و زينتها في مثل تلك الشمائل فقلت لها غري سواي فانني* عزوف من الدنيا و لست بجاهل و ما أنا و الدنيا فان محمدا صلي الله عليه و آله* أحل صريعا بين تلك الجنادل و هيهات امني بالكنوز و ودها* و أموال قارون و ملك القبائل أ ليس جميعا للفناء مصيرنا* و يطلب من خزانها بالطوائل فغري سواي انني غير راغب* بما فيك من عز و ملك و نائل فقد قنعت نفسي بما قد رزقته* فشأنك يا دنيا و أهل الغوائل فاني أخاف الله يوم لقائه* و أخشي عذابا دائما غير زائل»

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 223

فخرج من الدنيا و ليس في عنقه تبعة لأحد حتي لقي الله تعالي محمودا غير ملوم و لا مذموم، ثمّ اقتدت به الائمة من بعده بما قد بلغكم لم يتلطخوا بشي ء من بوائقها، و قد وجهت اليك بمكارم الدنيا و الآخرة.

و عن الصادق المصدق رسول الله صلي الله عليه و آله فإن أنت عملت بما نصحت لك في كتابي هذا ثمّ كانت عليك من الذنوب و الخطايا كمثل أوزان الجبال و أمواج البحار رجوت الله أن يتجافي «يتحامي» عنك جل و عز بقدرته يا عبد الله اياك أن تخيف مؤمنا، فإن أبي حدثني عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب عليه السلام انه كان يقول: من نظر الي مؤمن نظرة ليخيفه بها

أخافه الله يوم لا ظل الا ظله و حشره في صورة الذر لحمه و جسده و جميع أعضائه حتي يورده مورده و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله قال: من أغاث لهفانا من المؤمنين أغاثه الله يوم لا ظل الا ظله و أمنه من «يوم» الفزع الاكبر و أمنه من سوء المنقلب.

و من قضي لاخيه المؤمن حاجة قضي الله له حوائج كثيرة إحداها الجنة، و من كسا أخاه المؤمن جبة عن عري كساه الله من سندس الجنة و استبرقها و حريرها، و لم يزل يخوض في رضوان الله ما دام علي المكسو منها سلك، و من أطعم أخاه من جوع أطعمه الله من طيبات الجنة، و من سقاه من ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، و من أخدم أخاه أخدمه الله من الولدان المخلدين و اسكنه مع أوليائه الطاهرين و من حمل أخاه المؤمن علي راحلة «رحله» حمله الله علي ناقة من نوق الجنة و باهي به الملائكة المقربين يوم القيامة و من زوج أخاه امرأة يأنس بها و يشد عضده و يستريح اليها زوجه الله من الحور العين و آنسه بمن أحبه من الصديقين من أهل بيت نبيه صلي الله عليه و آله و إخوانه و آنسهم به، و من أعان أخاه المؤمن علي سلطان جائر اعانه الله علي اجازة الصراط عند زلة الاقدام، و من زار أخاه المؤمن في منزله لا لحاجة منه اليه كتب من زوار الله و كان حقيقا علي الله أن يكرم زائره.

يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام انه سمع رسول الله صلي الله عليه

و آله يقول لأصحابه يوما: معاشر الناس انه ليس بمؤمن من آمن بلسانه و لم يؤمن بقلبه فلا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 224

تتبعوا عثرات المؤمنين، فانه من تتبع عثرة مؤمن يتبع الله «اتبع الله» عثرته يوم القيامة و فضحه في جوف بيته، و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام قال: أخذ الله ميثاق المؤمن علي أن لا يصدق في مقالته و لا ينتصف من عدوه و علي أن لا يشفي غيظه الا بفضيحة نفسه لان المؤمن «كل مؤمن» ملجم و ذلك لغاية قصيرة و راحة طويلة، أخذ الله ميثاق المؤمن علي أشياء أيسرها عليه مؤمن مثله، يقول بمقالة يبغيه و يحسده و شيطان يغويه و يمقته و سلطان يقفوا أثره و يتبع عثراته و كافر بالذي هو مؤمن به يري سفك دمه دينا و إباحة حريمه غنما فما بقاء المؤمن بعد هذا.

يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله قال: نزل جبرائيل عليه السلام فقال: يا محمد ان الله يقرئك «يقرأ عليك» السلام و يقول: اشتققت للمؤمن اسما من اسمائي سميته مؤمنا، فالمؤمن مني و أنا منه من استهان بمؤمن «مؤمنا» فقد استقبلني بالمحاربة. يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله انه قال يوما: يا علي لا تناظر رجلا حتي تنظر في سريرته، فإن كانت سريرته حسنة فان الله عز و جل لم يكن ليخذل وليه و إن كانت سريرته ردية فقد يكفيه مساوئه فلو جهدت أن تعمل به أكثر ما عمل به من معاصي الله عز و جل الله

تعالي ما قدرت عليه.

يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام عن النبي صلي الله عليه و آله انه قال: أدني الكفر أن يسمع الرجل من أخيه الكلمة فيحفظها عليه يريد أن يفضحه بها اولئك لا خلاق لهم.

يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام أنه قالا (من قال في مؤمن ما رأت عيناه و سمعت أذناه ما يشينه و يهدم مروته)، فهو من الذين قال الله عز و جل: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم).

يا عبد الله و حدثني أبي عن آبائه عن علي عليه السلام انه قال: من روي عن أخيه المؤمن رواية يريد بها هدم مروته و شينه «و ثلبه» اوبقه «اوثقه» الله بخطيئته يوم القيامة حتي يأتي بالمخرج «بمخرج» مما قال و لن يأتي بالمخرج منه أبدا و من أدخل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 225

علي أخيه المؤمن سرورا فقد أدخل علي أهل بيت نبيه عليهم السلام سرورا، و من أدخل علي أهل بيت نبيه عليهم السلام سرورا فقد أدخل علي رسول الله صلي الله عليه و آله سرورا، و من أدخل علي رسول الله صلي الله عليه و آله سرورا فقد سر الله و من سر الله فحقيق علي الله أن يدخله جنته، ثمّ اني أوصيك بتقوي الله و ايثار طاعته و الاعتصام بحبله، فانه من اعتصم بحبل الله فقد هدي الي صراط مستقيم فاتق الله و لا تؤثر أحدا علي رضاه و هواه. فإن وصية الله عز و جل الي خلقه لا يقبل منهم غيرها و لا يعظم سواها.

و اعلم أن الخلق «الخلائق» لم يوكلوا بشي ء

أعظم من تقوي «التقوي» الله فانه وصيتنا أهل البيت فإن استطعت أن تنال من الدنيا شيئا يسأل الله عنه «تسأل عنه» غدا فافعل.

قال عبد الله بن سليمان، فلما وصل كتاب الصادق عليه السلام الي النجاشي نظر فيه، فقال: صدق و الله الذي لا إله الا هو مولاي فما عمل أحد بما في هذا الكتاب الا نجي، قال: فلم يزل عبد الله يعمل به ايام حياته «1». (1)

______________________________

(1) الوسائل، باب 49، من أبواب ما يكتسب به.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 226

السابعة و العشرون: هجاء المؤمن حرام

بالادلة الاربعة (1) لانه همز و لمز و أكل اللحم و تعيير و إذاعة سر و كل ذلك كبيرة موبقة، فيدل عليه فحوي جميع ما تقدم في الغيبة (2) بل البهتان أيضا بناء علي تفسير الهجاء بخلاف المدح كما عن الصحاح فيعم ما فيه من المعايب، و ما ليس فيه كما عن القاموس و النهاية و المصباح لكن مع تخصيصه فيها بالشعر.

و أما تخصيصه بذكر ما فيه بالشعر كما هو ظاهر جامع المقاصد فلا يخلو عن تأمل.

______________________________

حرمة هجاء المؤمن

(1) قوله السابعة و العشرون: هجاء المؤمن حرام بالادلة الاربعة.

الهجاء في اللغة عد معايب الشخص، صرح بذلك في القاموس، و هذا في الجملة مما لا خلاف فيه، و انما وقع الخلاف بين القوم في موردين:

الاول: في انه هل يعتبر في صدقه أن يكون ذلك بالشعر كما عن جامع المقاصد، أم لا كما عن غيره.

الثاني: في أنه هل يختص ذلك بذكر ما فيه من المعايب، أم يعم ذكر ما ليس فيه منها؟ و لكن حيث لم يرد نص علي حكم الهجاء من حيث هو، و الاجماع و إن انعقد علي حرمته، إلا انه ليس إجماعا تعبديا، فالاولي الاغماض

عن بيان ذلك و صرف عنان الكلام الي بيان الادلة.

(2) و قد استدل المصنف قدس سره لحرمته بالادلة الاربعة قال: لانه همز و لمز و أكل اللحم و تعيير و إذاعة سر، و كل ذلك كبيرة موبقة، فيدل عليه فحوي جميع ما تقدم في الغيبة.

و ظاهر كلامه هذا صدق جميع هذه العناوين في جميع موارد الهجو.

و هو غير تام كما سيظهر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 227

و لا فرق في المؤمن بين الفاسق و غيره. (1)

و أما الخبر محصوا ذنوبكم بذكر الفاسقين، فالمراد به الخارجون عن الايمان أو المتجاهرون بالفسق (2) و احترز بالمؤمن عن المخالف فانه يجوز هجوه لعدم احترامه.

______________________________

و حق القول في المقام أن الهجو ربما يكون بالجملة الخبرية، و ربما يكون بالجملة الانشائية.

أما الاول: فإن كان الهجو بما فيه من المعايب كان حراما لكونه غيبة و اهانة و تعييرا، و إن كان بما ليس فيه كان حراما من جهة الكذب و الاهانة و التعيير.

و أما الثاني: فهو يكون حراما لما دل من النصوص علي حرمة هتك المؤمن و اهانته و تعييره.

بقي في المقام فروع:

(1) الاول ما ذكره المصنف بقوله و لا فرق في المؤمن بين الفاسق و غيره.

فيحرم هجو الفاسق و غيره و الشاهد به اطلاق الادلة.

و أما الخبر: محصوا ذنوبكم بذكر الفاسقين «1».

(2) فقد حمله المصنف قدس سره علي ارادة الخارجين عن الايمان أو المتجاهرين بالفسق، و لكن هذا الحمل خلاف الظاهر لا يصار اليه مع عدم القرينة.

فالاولي أن يقال: إنه يحتمل في الخبر وجوه:

الاول: ما فهمه المصنف قدس سره منه.

الثاني: تذكر أحوالهم و عاقبة أمرهم و ان مصيرهم الي النار الموجب للارتداع عن المعاصي و التوبة عن ما فعله من الذنوب.

الثالث:

تذكيرهم عذاب الله كي يرتدعوا عن المعاصي، و علي الاخيرين فهو أجنبي عن المقام، هذا كله في غير المعلن بالفسق.

و أما هو فإن كان الهجو بالجملة الخبرية و كان بما فيه من المعايب و لم يستلزم الهجو اهانة و هتكا زائدا عما يلازم اغتيابه، جاز لما دل علي جواز غيبة المتجاهر بالفسق، و الا فلا يجوز لعموم الادلة و عدم المخصص، إذ الدليل المخرج مختص بغيبة المتجاهر بالفسق لا بكل ما يكون اهانة له.

______________________________

(1) لم اعثر علي اصل له في كتب الحديث و انما هو مذكور في المكاسب. و مفتاح الكرامة، و حواشي الشهيد علي القواعد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 228

و كذا يجوز هجاء الفاسق المبدع (1) لئلا يؤخذ ببدعه «ببدعته» لكن بشرط الاقتصار علي المعايب الموجودة فيه فلا يجوز بهته بما ليس فيه لعموم حرمة الكذب و ما تقدم من الخبر في الغيبة من قوله عليه السلام في حق المبتدعة باهتوهم لكيلا يطمعوا في إضلالكم «الفساد في الاسلام» محمول علي اتهامهم و سوء الظن بهم بما يحرم اتهام المؤمن به (2) بأن يقال: لعله زان او سارق و كذا اذا زاده ذكر ما ليس فيه من باب المبالغة و يحتمل ابقائه علي ظاهره بتجويز الكذب عليهم لاجل المصلحة، فان مصلحة تنفير الخلق عنهم أقوي من مفسدة الكذب.

و في رواية أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له ان بعض أصحابنا يفترون و يقذفون من خالفهم «من مخالفيهم» فقال: الكف عنهم أجمل، ثمّ قال لي:

و الله يا أبا حمزة ان الناس كلهم أولاد بغايا ما خلا شيعتنا، ثمّ قال: نحن أصحاب الخمس و قد حرمناه علي جميع الناس ما خلا شيعتنا و في

صدرها دلالة علي جواز الافتراء و هو القذف علي كراهة، ثمّ اشار عليه السلام الي اولوية قصد الصدق بارادة الزنا من حيث استحلال حقوق الائمة عليهم السلام.

______________________________

(1) هذا هو الفرع الثاني: و هو انه هل يجوز هجو الفاسق المبدع في الدين أم لا؟ وجهان: أقواهما الاول،، و ذلك لانه فيما كان الهجو بما فيه بالجملة الخبرية أو بالجملة الانشائية مقتضي الاصل ذلك بعد كون أدلة حرمة الغيبة و حرمة الاهانة و الهتك مختصة بالمؤمن غير الشامل له.

و فيما كان الهجو بما ليس فيه بالجملة الخبرية يدل عليه.

صحيح داود بن سرحان عن الامام الصادق عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه و آله في أهل الريب و البدع: و أكثروا من سبهم و القول فيهم و الوقيعة، و باهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الاسلام و يحذرهم الناس و لا يتعلمون من بدعهم … الخ «1».

(2) و حمله علي ارادة اتهامهم و سوء الظن بهم بما يحرم اتهام المؤمن به و عدم تجويز الكذب عليهم كما احتمله المصنف قدس سره خلاف الظاهر لا يصار اليه بلا قرينة، و هذا يدل علي الجواز في الشق الاول ايضا كما لا يخفي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 39، من أبواب الامر و النهي، ح 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 229

الثامنة و العشرون: الهجر

(بالضم) و هو الفحش من القول و ما استقبح التصريح به منه. (1)

ففي صحيحة أبي عبيدة البذاء من الجفاء و الجفاء في النار.

و في النبوي صلي الله عليه و آله ان الله حرم الجنة علي كل فحاش بذي قليل الحياء لا يبالي بما قال، و لاما قيل فيه و في رواية سماعة اياك ان تكون فحاشا.

و في النبوي صلي الله

عليه و آله ان من شر عباد الله من يكره مجالسته لفحشه.

و في رواية من علامات شرك الشيطان الذي لا شك (يشك) فيه أن يكون فحاشا لا يبالي بما قال و لاما قيل فيه الي غير ذلك من الاخبار.

هذا آخر ما تيسر تحريره من المكاسب المحرمة.

______________________________

الثالث: هل يجوز هجو المخالفين أم لا؟ فيه ايضا وجهان بل وجوه.

و الحق أن يقال: إن هجوهم بما فيهم أو بالجملة الانشائية جائز لما تقدم من اختصاص أدلة حرمة الغيبة و الاهانة و الهتك بالمؤمنين القائلين بإمامة الائمة الاثني عشر كما تقدم تنقيح القول في ذلك في مبحث الغيبة، و إن كان بما ليس فيهم من المعايب فغير جائز لعموم أدلة حرمة الكذب و البهتان.

و استدل للجواز: بخبر «1» أبي حمزة المذكور في المتن.

و فيه: ان الخبر ضعيف السند لعلي بن العباس لا يعتمد عليه.

حرمة الهجر

(1) قوله الثامنة و العشرون الهجر.

لا خلاف بين المسلمين في حرمة الهجر و هو الفحش و القول القبيح.

و تشهد له اخبار كثيرة «2» روي كثير منها المصنف قدس سره في المتن.

و مقتضي اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون المخاطب مؤمنا أو مسلما أو كافرا ذكرا أو انثي صغيرا أو كبيرا بل يمكن أن يقال إن الاطلاقات يشمل ما اذا كان المقول له من كبهائم كما أفاده المحقق التقي قدس سره.

______________________________

(1) راجع الوسائل، باب 73 و 72 من أبواب جهاد النفس.

(2) نفس المصدر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 230

[النوع] الخامس: مما يحرم التكسب به ما يجب علي الانسان فعله (1) عينا أو كفاية تعبدا أو توصلا
اشارة

علي المشهور كما في المسالك (2) بل عن مجمع البرهان كان دليله الاجماع.

و الظاهر ان نسبته الي الشهرة في المسالك في مقابل قول السيد المخالف في وجوب تجهيز الميت علي غير الولي لا في حرمة أخذ الاجرة علي

تقدير الوجوب عليه.

و في جامع المقاصد الاجماع علي عدم جواز أخذ الاجرة علي تعليم صيغة النكاح أو القائها علي المتقاعدين، انتهي. و كان لمثل هذا و نحوه ذكر في الرياض ان علي هذا الحكم الاجماع في كلام جماعة و هو الحجة، انتهي.

______________________________

أخذ الاجرة علي الواجبات
اشارة

(1) قوله الخامس مما يحرم التكسب به ما يجب علي الانسان فعله.

علي المشهور، و عليه الفتوي- كما عن المسالك، و عن مجمع البرهان: الاجماع عليه-.

و لكن: في المسألة أقوالا:

(2) الاول: هو المنع مطلقا نسبه الشهيد قدس سره الي المشهور.

الثاني: ما نسب الي السيد المرتضي قدس سره و هو الجواز في الواجب الكفائي كأجرة تغسيل الموتي و تكفينهم و دفنهم و إن كان تعبديا.

الثالث: ما عن المصابيح عن فخر المحققين، و هو التفصيل بين التعبدي فلا يجوز، و التوصلي فيجوز.

الرابع: ما عن فخر المحققين قدس سره في الايضاح، و هو الجواز في الكفائي التوصلي، و عدم الجواز في غيره.

الخامس: ما عن الرياض، و هو الجواز في الواجبات الكفائية التي تكون واجبة كفاية لانتظام المعاش، و عدم الجواز في غيرها.

السادس: ما عن مفتاح الكرامة، و هو التفصيل بين ما كان الغرض الاهم منه الدنيا فيجوز، و بين ما كان الغرض الاهم منه الآخرة فلا يجوز.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 231

______________________________

السابع: ما عن المصابيح، و هو الجواز في الواجب التوصلي الكفائي و العيني الذي كان وجوبه للضرورة، و عدم الجواز في غيرهما.

الثامن: ما يظهر من المصنف قدس سره من التفصيل بين العيني التعييني و الكفائي التعبدي فلا يجوز، و الكفائي التوصلي و التخييري التوصلي فيجوز و التخييري التعبدي فالتردد.

التاسع: ما اختاره جمع من المحققين و هو الجواز مطلقا.

و ليعلم أنه لا سبيل في هذه المسألة الي

دعوي الاجماع و الاستدلال به، إذ مضافا الي معلومية مدرك المجمعين، انه مع هذا الاختلاف بين الفقهاء كيف يمكن دعوي الاجماع في المقام.

موضوع هذه المسألة

و قبل الدخول في البحث و بيان المختار لا بد من بيان محل الكلام، إذ لا بد في كل مسألة من الحفظ علي موضوعها و البحث في خصوص الحيثية التي يبحث عنها في تلك المسألة و جعل الجهات الاخر مفروغا عنها كي لا تختلط تلك الجهة بغيرها، و موضوع البحث في المقام هي جهات ثلاث:

الاولي: منافاة العبادية لأخذ الاجرة.

الثانية: منافاة الوجوب بما هوله.

الثالثة: منافاة الوجوب التعبدي النيابي لأخذ الاجرة، نظرا الي عدم وقوعه قربيا عن المنوب عنه، بعد الفراغ عن سائر الجهات المعتبرة في صحة عقد الاجارة، كأن لا يكون العمل الذي وقعت الاجارة عليه مما اعتبر الشارع فيه المجانية، فإن الاجارة حينئذ باطلة لذلك، و إن كان ذلك العمل مستحبا كالاذان، أو مباحا أو مكروها.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 232

______________________________

و اعلم أن موضوع هذه المسألة ما اذا كان الواجب علي العامل منفعة تعود الي من يبذل بإزائه المال (1) كما لو كان كفائيا و اراد سقوطه منه فاستأجر غيره أو كان عينيا علي العامل و رجع نفعه منه الي باذل المال كالقضاء للمدعي اذا وجب عينا.

و بعبارة اخري: مورد الكلام ما لو فرض مستحبا لجاز الاستيجار عليه لان الكلام في كون مجرد الوجوب علي الشخص مانعا عن أخذ الاجرة عليه، فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه لا يجوز أخذ الاجرة عليه لا لوجوبها بل لعدم وصول عوض المال الي باذله، فان النافلة أيضا كذلك.

و لما كان نظر المصنف قدس سره في المكاسب الي خصوص الجهة الثانية ذكر مبنيا علي ذلك

أمرين:

(1) الأول: ان موضوع هذه المسألة ما اذا كان الواجب علي العامل منفعة تعود الي من يبذل

بإزائه المال كما لو كان كفائيا و اراد سقوطه منه، فمثل فعل الشخص صلاة الظهر عن نفسه لا يجوز أخذ الاجرة عليه، لا لوجوبها بل لعدم وصول عوض المال الي باذله.

و لا بأس بالاشارة الاجمالية الي هذه الكبري الكلية مقدمة للبحث.

و قد استدل لاعتبار هذا الشرط بوجهين:

الاول: ان الاجارة بدونه سفهية و أكل للمال بالباطل.

الثاني: إن المبادلة في الاجارة انما تكون بين منفعة معينة و العوض المعلوم، فلا بد من عود المنفعة الي باذل العوض و الا انتفت المبادلة و الاجارة، إذ قوامها بدخول كل من العوضين في المكان الذي خرج منه الآخر.

و فيهما نظر:

أما الاول: فلانه لا دليل علي بطلان كل معاملة سفهية كما سيأتي تنقيح القول في ذلك في الجزء الثالث من هذا الشرح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 233

______________________________

و من هنا يعلم فساد الاستدلال علي هذا المطلب، بمنافاة ذلك للاخلاص في العمل لانتقاضه طردا و عكسا بالمندوب و الواجب التوصلي. (1)

مع ان المؤجر ربما ينتفع بمنفعة عائدة الي غيره، كما اذا انتفع من تعلم أحكام الصلاة مثلا من فعل المستأجر صلاة الظهر عن نفسه، بل يمكن أن يقال: إن التسبيب الي تحقق الخير و الاعانة علي البر و التقوي مما يترتب عليه الثواب- أي الفائدة الاخروية- فالاستئجار المزبور لترتب هذه الفائدة عليه لا يكون سفهيا.

اللهم إلا أن يقال: إن هذه فائدة فعل المؤجر نفسه و الذي يعتبر في خروج الاجارة عن السفهية و كونها أكلا للمال بالباطل كون العمل المستأجر عليه مما له فائدة عائدة الي المؤجر، إذ هو المقابل بالمال.

مضافا الي أن كون الله مطاعا لو

كان هو المقصود من الاجارة لما كانت الاجارة سفهية كما لا يخفي.

و أما الثاني: فلان حقيقة الاجارة لا تقتضي أزيد من قابلية العمل لصيرورته مملوكا للمستأجر، و أما كون المنفعة راجعة اليه فهو مما لم يدل عليه دليل.

(1) الأمر الثاني: ان الاستدلال علي عدم جواز أخذ الأجرة علي الواجب، بمنافاة ذلك للاخلاص في العمل.

غير تام، لان العجز عن العمل لاجل عدم تمشي القربة موجود في العبادات غير الواجبة و القدرة عليه لاجل عدم اعتبار القربة في التوصلي من الواجب ثابتة، فهذا الوجه غير مربوط بمورد النقض و الابرام، و لا ملازم له كي يصح الاستدلال المزبور.

و عليه فلا يرد عليه ما أورده السيد الفقيه، بقوله: الانتقاض الطردي لا يضر بالاستدلال، إذ لا مانع من كون الدليل أعم من المدعي في الجملة، و أما الانتقاض العكسي فهو مضر إن كان الغرض إثبات تمام المدعي كما هو الظاهر في المقام.

لكن لا يخفي ان هذا الوجه لم يظهر مما ذكره في قوله: و اعلم … الي آخره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 234

______________________________

عدم منافاة التعبدية لأخذ الاجرة

و كيف كان: فقد عرفت ان البحث هنا يقع في مقامات:

المقام الاول: في ان التعبدية هل تنافي أخذ الاجرة أم لا؟ و حيث أن المانع المتنازع فيه هي التعبدية فلا فرق في هذا المقام بين الواجب و المستحب.

و قد استدل: لعدم جواز أخذ الاجرة علي التعبديات بوجوه:

الاول: انه يعتبر في صحة العبادات ان يؤتي بها بقصد القربة، و أخذ الاجرة عليها ينافي القربة و الاخلاص، إذ قصد ذلك يوجب انقلاب داعي الاخلاص في العبادة المستأجر عليها الي داعي أخذ الاجرة، فيكون عقد الاجارة رافعا للتمكن من العمل المستأجر عليه، و يوجب ذلك بطلان الاجارة لا محالة،

إذ التمكن منه شرط في صحة الاجارة و ما يلزم من صحته فساده باطل.

و بعد اصلاح ذلك بأن المراد من شريك العلة و ما ادعي كونه في عرض قصد القربة ليس هو قصد تملك الاجرة لانه انما يكون بنفس الايجار لا بالعمل الخارجي.

و لا تسلم الاجرة خارجا، لانه يمكن للاجير تسلمها قبل العمل أو بعد العمل الخالي عن قصد القربة، أو اخباره كذبا بالعمل.

بل المراد استحقاق مطالبة الاجرة.

يرد عليه- مضافا الي منع اقتضاء عقد الاجارة انقلاب الداعي دائما، إذ يمكن أن يلاحظ العامل في إتيان العمل استحقاق ذلك و يأتي به خالصا لوجه الله تعالي و إن علم بترتب ذلك عليه فيكون ذلك عنده من المقارنات-.

ان العامل لما علم انه لا يستحق مطالبة الاجرة شرعا الا بإتيان العمل المستأجر عليه المتوقف علي قصد القربة، لا محالة يقصد ذلك و يكون استحقاق المطالبة من قبيل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 235

______________________________

الداعي الي الداعي لا شريك الداعي.

فإن قلت: انه اذا فرضنا عدم كون الامتثال بذاته داعيا، بل من حيث كونه مقتضيا لاستحقاق الاجرة فلا محالة يكون الامتثال علة ناقصة و متممها حيثية استحقاق الاجرة فلا تكون العلة التامة هي قصد القربة.

أجبنا عنه: بأن استحقاق الاجرة بما انه غاية للفعل المغيي بالامتثال لكون ذلك هو مورد الاجارة، لا للفعل وحده و لا لغايته كذلك، فهو إنما يكون علة لعلة الفعل لا علة له و لا شريكا لعلته، و يكون الفعل منبعثا عن قصد الامتثال، و قصد الامتثال منبعثا عن استحقاق الاجرة، و الانبعاث الثاني لا يضر بالانبعاث الاول، و لا يوجب نقصا فيه.

فإن قيل: ان تحقق عنوان المستأجر عليه- اعني العبادة- يتوقف علي أمرين:

أحدهما: ذات العبادة و هو فعل

الصلاة مثلا.

الثاني: عنوان الامتثال فالقاصد للعبادة يقصد تحقق العنوان المستأجر عليه بكل من جزئيه، فيكون الداعي بالاضافة الي نفس الفعل أمرين:

الاول: تحقق هذا الجزء من المستأجر عليه.

الثاني: قصد الامتثال، فيكون من قبيل التشريك في الداعي لا من قبيل الداعي للداعي، و انما يكون من هذا القبيل ما اذا كان المستأجر عليه نفس الامتثال، و من البديهي ان المستأجر عليه هو العمل العبادي لا التعبد بالعمل، و إلي هذا الوجه استند المحقق التقي قدس سره في ان قصد استحقاق الأجرة في عرض قصد الامتثال لا في طوله.

توجه عليه: ان مورد الاجارة انما هو المقيد بما هو مقيد، أي العبادة المقيدة بهذا القيد لا ذات المقيد و القيد بما هما ملحوظان بنحو المعني الاسمي، فيكون قصد تحقق العنوان المستأجر عليه كقصد استحقاق الاجرة في طول قصد الامتثال لا في عرضه، مع ان قصد تحقق العنوان المستأجر عليه غير معتبر في سقوط الامر بالاجارة كما ستعرف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 236

______________________________

الوجه الثاني: ما استند اليه جماعة منهم المحقق النائيني قدس سره و هو: أنه يعتبر في تحقق العبادة الاخلاص طولا كما يعتبر عرضا، و إلا لما وقعت العبادة ممحضة علي وجه الاخلاص، لان النتيجة تابعة لأخس المقدمات، فإذا لم تنته سلسلة العلل و الدواعي بجميع حلقاتها الي الله تعالي فهي غير خالصة لوجه الله تعالي، فيعود المحذور المتقدم و هو ان عقد الاجارة يوجب رفع التمكن من العمل المستأجر عليه.

و أجيب عنه: تار: بالنقض بعبادة أكثر الناس، حيث انها تكون لاجل الخوف من عذابه أو الطمع في ثوابه، و لا كلام لأحد في صحة هذه العبادات، و دلت عليها النصوص مثل:

حسن هارون عن الامام الصادق عليه السلام: العباد

ثلاثة: قوم عبدو الله عز و جل خوفا فتلك عبادة العبيد و قوم عبدوا الله تبارك و تعالي طلبا للثواب فتلك عبادة الأجراء و قوم عبدوا الله عز و جل حبا له فتلك عبادة الاحرار، و هي أفضل العبادة «1».

و ما عن جماعة من بطلان العبادة إذا قصد بفعلها الثواب أو الخلاص من العقاب، بل عن بعضهم، دعوي الاجماع عليه.

يكون المراد به ما كان هذا القصد هو الداعي الي العمل، لا من قبيل الداعي الي الداعي، نعم، الدرجة العالية من العبادة ما كانت الغاية القصوي من العبادة هي الله فقط، و يكون الخلوص طولا أيضا، و هي مختصة بالمعصومين عليهم السلام، فقد قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما عبدتك خوفا من نارك، و لا طمعا في جنتك، لكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك «2».

و اخري: بالنقض بالصلاة لسعة الرزق و لاداء الدين و لقضاء الحاجة.

و أورد عليه المصنف قدس سره و تبعه المحقق النائيني قدس سره و هو إيراد علي الاول ايضا: بأنه

______________________________

(1) الوسائل، باب 9، من أبواب مقدمة العبادات، حديث 1.

(2) مرآة العقول، باب النية، ج 1، ص 101.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 237

______________________________

فرق بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرب اليه بالعمل، و بين الغرض الحاصل من غيره و هو استحقاق الاجرة، فإن طلب الحاجة من الله تعالي و لو كانت دنيوية محبوب عند الله، فلا يقدح في العبادة، بل ربما يؤكدها.

و فيه: أن كون النفع منه تعالي لا يوجب اتصاف الفعل بعنوان حسن مضاف الي المولي، فإن كل نفع و ضرر منه تعالي، و لذا قطع الاصحاب ببطلان العبادة إذا اتي بها بداعي الثواب أو دفع العقاب كما صرح به الشهيد قدس

سره و معه لا يعقل تأكد الاخلاص و العبادية بذلك.

و يمكن الجواب عن هذا الوجه- مضافا الي ما مر- بجواب حلي أفاده بعض المحققين و هو:

ان الفعل المنبعث عن دعوة الامر عدل في العبودية، و إحسان الي المولي، و هو من العناوين الممدوح علي فاعلها بالذات، و لا يعقل تخلف هذا العنوان الحسن بالذات عن الفعل الماتي بداعي الامر، كما لا يعقل تخلف كونه ممدوحا علي فاعله عن هذا العنوان الحسن بالذات، و من الواضح أن ترتب فائدة دنيوية علي هذا الفعل الممدوح علي فاعله لا يخرجه عن كونه ممدوحا علي فاعله، فلا يعقل مانعيته عن وقوعه ممدوحا علي فاعله مع فرض ترتبه عليه، فإن ما يتفرع علي الشي ء لا يعقل أن يكون مانعا عنه.

مع انه قد عرفت أن تملك الأجرة انما يكون بالايجار، و تسلمها لا يتوقف علي إتيان العبادة مع قصد القربة، فالداعي الي الإتيان بالعمل المستأجر عليه صحيحا و عن قصد القربة الذي لا يطلع عليه الا علام الغيوب ليس الا الاستحقاق شرعا.

و بعبارة اخري: أمر المولي بالإتيان بما اشتغلت ذمته به من العبادة و الخوف من الله تعالي فهذا ايضا غرض مطلوب من الخالق. فتدبر فانه دقيق.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 238

______________________________

الوجه الثالث: ان دليل صحة الاجارة انما هو عموم) أَوْفُوا بِالْعُقُودِ («1».

و هو لا يعقل ان يشمل المقام، إذ اللازم من شموله أخذ داعي الامر الذي هو قيد في متعلق الاجارة قيدا في متعلق الامر بالوفاء، و هو باطل لما حقق في محله من عدم معقولية أخذ قصد الامر في متعلق الامر، فاذا ذهب الامر بالوفاء لم يبق ما يكون دليلا علي صحة الاجارة و الاصل في المعاملات هو الفساد.

و

فيه: اولا: انه قد حقق في محله إمكان أخذ قصد الامر في متعلق الامر الاول، و علي فرض عدم امكانه يمكن أخذه في متعلق الامر الثاني.

و ثانيا: أن دليل صحة الاجارة لا ينحصر بالامر بالوفاء بالعقود، بل في آية التجارة عن تراض «2». غني و كفاية.

الوجه الرابع: ان دليل صحة الاجارة هو عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و هو لا يمكن شموله للمقام، إذ الوفاء عبارة عن إتيان العمل المستأجر عليه أداء لحق المستأجر، و هذا لا يجتمع مع الاتيان به أداء لحق الله سبحانه و امتثالا لأمره.

و عليه فإن قصد الوفاء فقد ذهب الخلوص و فسدت العبادة و هو مع ذلك لا يكون وفاء.

و إن قصد الاخلاص فلم يقصد الوفاء بعقد الاجارة، فلا بد و أن ترفع اليد عن الامر بالوفاء لعدم التمكن من امتثاله علي كل تقدير، فاذا ذهب الامر بالوفاء لم يبق ما يكون دليلا علي صحة الاجارة.

و فيه: أولا: ما تقدم من عدم انحصار دليل صحة الاجارة بعموم آية الوفاء بالعقود.

و ثانيا: ان الوفاء بالعقد الذي أمر به ليس عبارة عن إتيان العمل المستأجر عليه بقصد انه مخصوص بالمستأجر و مملوك له، بل هو عبارة عن إتيان ما يكون وفاء بالحمل

______________________________

(1) المائدة: 2.

(2) النساء: 30.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 239

______________________________

الشائع، أي مصداق هذا العنوان غير المتوقف تحققه علي قصد كونه للمستأجر، فلا يعتبر في امتثال الامر بالوفاء بالعقد قصد هذا العنوان كي يكون ذلك منافيا لقصد الخلوص.

الوجه الخامس: ان الامر العبادي المتعلق بالعبادة تعبدي، و الامر الاجاري المتعلق بالعمل المستأجر عليه توصلي، فيلزم من صحة الاجارة المتعلقة بها اجتماع أمرين متخالفين في شي ء واحد و هو محال.

و فيه: ان الفرق بين التوصلي و

التعبدي انما هو من ناحية المتعلق، بناء علي ما حققناه في محله من أن قصد الامر مأخوذ في متعلق الامر إذ ربما يعتبر فيه قصد القربة لعدم حصول الغرض الا به، فالواجب تعبدي، و ربما لا يعتبر فيه ذلك، فالواجب توصلي، و الامر في الموردين واحد و لا تعدد فيه.

و عليه فالامر الاجاري المتعلق بالعبادة انما يكون مثل الامر المتعلق بها نفسها، بلا تفاوت بينهما، و المتعلق لكل منهما انما هو ذات العمل مع قصد القربة، فيندك أحدهما في الآخر و يكون أمرا مؤكدا كما في غير المقام.

فتحصل: ان شيئا مما استدل به علي منافاة صفة العبادية للاجارة لا يتم، و مقتضي القاعدة جواز أخذ الاجرة علي العبادات.

و كذلك الاخذ بعنوان الجعالة إذا تمت سائر الشروط المعتبرة لعمومات صحة المعاملات.

و تؤيدها النصوص المتضمنة للترغيب علي العبادات بذكر فوائدها من سعة الرزق و اداء الدين و غيرهما، و المثوبة علي فعلها و الترهيب علي تركها بذكر ما يستتبعها من الهلكة و العقوبة، إذ هذه النصوص تدل علي انه لا تنافي بين العبادة و الاتيان بها لجلب المنافع و دفع المضرات.

و للقوم مسالك اخر في تصحيح العبادة التي تعلقت الاجارة بها و عدم منافاة صفة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 240

و قد يرد ذلك بأن تضاعف الوجوب بسبب الاجارة يؤكد الاخلاص (1)

و فيه مضافا الي اقتضاء ذلك الفرق بين الاجارة و الجعالة (2) حيث إن الجعالة لا يوجب العمل علي العامل انه إن أريد ان تضاعف الوجوب يؤكد اشتراط الاخلاص فلا ريب ان الوجوب الحاصل بالاجارة توصلي لا يشترط في حصول

______________________________

العبادية للاجارة.

أحدها: ان الوفاء بالعقد أمر محبوب عقلا و شرعا و هو من صفات المؤمنين، فغاية العمل العبادي

ايضا محبوبة، فلا تنتهي سلسلة العلل الي غير الله تعالي.

و فيه: ان هذا في نفسه و إن كان تاما، إلا ان محل الكلام هو أعمال الاجراء الخارجية التي يؤتي بها بداعي استحقاق الاجرة لا من حيث ان الوفاء بالعقد محبوب شرعي.

ثانيها: ما أفاده المحققان كاشف الغطاء و صاحب الجواهر و هو: ان المصحح للعبادية هو الامر المتعلق بالعبادة، و الامر الاجاري المتعلق بها لا ينافيها بل يؤكد الاخلاص.

(1) و إليه اشار المصنف قدس سره بقوله تضاعف الوجوب بسبب الإجارة يؤكد الإخلاص.

و لا يبعد أن يكون مرادهما ما ذكرناه آنفا من انحفاظ الاخلاص طولا، إذ الداعي الاول هو امتثال الامر المتعلق بالعبادة، و الداعي الي هذا الداعي هو امتثال الامر الاجاري، أي استحقاق الاجرة شرعا الذي مر انه عبارة اخري عن كون الداعي الامر الالهي، و الخوف منه سبحانه فسلسلة العلل منتهية اليه تعالي، و عليه فهو متين غايته.

و لا يرد عليه شي ء مما أورده المصنف قدس سره من الايرادات الثلاثة:

الاول: ان مقتضي ذلك الفرق بين الاجارة و الجعالة، حيث ان الجعالة لا توجب العمل علي العامل و إليه اشار بقوله:

(2) اقتضاء ذلك الفرق بين الإجارة و الجعالة.

و فيه: ان صاحب الجواهر ادعي ان الاجارة من جهة تسبيبها الوجوب أيضا يؤكد الاخلاص و لم يدع انه المصحح للعبادية حتي يرد عليه ما ذكر، فلازم ما ذكره عدم تأكد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 241

ما وجب به قصد القربة مع ان غرض المستدل منافاة قصد أخذ المال لتحقق الاخلاص في العمل لا لاعتباره في وجوبه و إن أريد انه يؤكد تحقق الاخلاص من العامل فهو مخالف للواقع قطعا (1) لان ما لا يترتب عليه اجر دنيوي أخلص مما

يترتب عليه ذلك بحكم الوجدان، هذا مع ان الوجوب الناشئ من الاجارة انما يتعلق بالوفاء بعقد الاجارة و مقتضي الاخلاص المعتبر في ترتب الثواب علي موافقة هذا الامر و لو لم يعتبر في سقوطه هو إتيان الفعل من حيث استحقاق المستأجر له بإزاء ماله، فهذا المعني ينافي وجوب اتيان العبادة لاجل استحقاقه تعالي اياه (2) و لذا لو لم يكن هذا العقد واجب الوفاء كما في الجعالة لم يمكن قصد الاخلاص مع قصد استحقاق العوض فلا إخلاص هنا حتي يؤكده وجوب الوفاء بعد الايجاب بالاجارة، فالمانع حقيقة هو عدم القدرة علي ايجاد الفعل الصحيح بإزاء العوض سواء كانت المعاوضة لازمة أم جائزة.

______________________________

الخلوص في الجعالة لا عدم تحقق الاخلاص.

(1) الثاني: قوله فهو مخالف للواقع. و حاصله انه إن أريد ان تضاعف الوجوب يؤكد اشتراط الاخلاص، فلا ريب ان الوجوب الحاصل بالاجارة توصلي، و إن أريد انه يؤكد تحقق الاخلاص من العامل فهو مخالف للواقع قطعا، لان ما لا يترتب عليه أجر دنيوي أخلص مما يترتب عليه ذلك وجدانا.

و فيه: ما عرفت من ان الداعي الي اتيان العبادة بقصد الامر ليس الا الاستحقاق شرعا للاجرة و الامر الاجاري بالاتيان بما اشتغلت به من العمل، لا تملك الاجرة و لا تسلمها.

(2) الثالث ان تأكد الإخلاص انما يكون بالتعبد بالأمرين، و التعبد بالأمر الاجاري لا يتحقق الا أن يؤتي بمتعلقه بقصد حصول الوفاء و إتيان الفعل من حيث استحقاق المستأجر له، و هذا المعني ينافي وجوب اتيان الفعل لاجل استحقاقه تعالي اياه.

و فيه: ما تقدم من أن المأمور به بالامر الاجاري ليس هو إتيان العمل المستأجر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 242

______________________________

عليه بقصد انه وفاء، بل المأمور به ذات ما

هو وفاء، أي ما يصدق عليه الوفاء بالحمل الشائع، فلا يعتبر في امتثاله الاتيان بالعمل من حيث استحقاق المستأجر له كي ينافي ذلك الاخلاص فراجع و تدبر.

ثالثها: ما أفاده السيد الفقيه في حاشيته و غيره و هو: الغاء الامر بالصلاة عن الوساطة، و تصحيح العبادة بنفس امتثال الامر الاجاري.

و لهم في ذلك تقريبان:

الاول: ان الامر الاجاري و إن كان توصليا إلا ان التوصلي ما لا يعتبر في سقوطه قصد الأمر لا انه لا يمكن التقرب به و عليه فلو أتي بالعبادة المستأجر عليها بداعي امتثال الامر الإجاري صحت و وقعت عبادة.

و فيه: ان مورد الاجارة اما ذات تلك العبادة من غير قصد القربة فلازم صحة الاجارة سقوط أمرها بإتيانها و إن لم يقصد القربة لكون هذا الامر توصليا و هو خلف، و إن كان هو العمل المقيد بقصد الامر المتعلق به نفسه فالمفروض في هذا الوجه عدم كفايته في الخلوص، و إن كان هو العمل المقيد بداعي امتثال الامر الاجاري، فهو يرجع الي التقريب الثاني، و ستعرف ما فيه.

الثاني: ان الامر الاجاري ليس مطلقا توصليا، بل هو تابع للغرض المترتب علي متعلقه، فإن كان مترتبا علي العمل مع عدم قصد القربة فالامر توصلي، و إن كان مترتبا عليه معه فهو تعبدي، فإن كان مورده مثل الصلاة و الصيام كان مرجع الامر الاجاري الي ايجاب الصلاة و الصوم و هما تعبديان، و إن كان مورده مثل الكتابة و الخياطة كان مرجعه الي الامر بالخياطة و الكتابة و هما توصليتان، و الدليل علي كون الامر الاجاري في المورد الاول تعبديا هو الدليل علي كون الامر بالصلاة و الصيام تعبديا، إذ لا فرق في الصوم الذي سنخه سنخ

التعبدي بين أنحاء الامر به.

و فيه: ان المحذور لم يكن عدم قابلية الامر المتعلق بتلك العبادة المستأجر عليها لان يكون قصده موجبا للعبادية كي يدفع المحذور بذلك، بل المحذور كان هو ان الاتيان

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 243

و أما تأتي القربة في العبادات المستأجرة (1) فلان الاجارة انما تقع علي الفعل المأتي به تقربا الي الله نيابة عن فلان، توضيحه ان الشخص يجعل نفسه نائبا عن فلان في العمل متقربا الي الله، فالمنوب عنه يتقرب اليه تعالي بعمل نائبه و تقربه، و هذا الجعل في نفسه مستحب لانه احسان الي المنوب عنه و ايصال نفع اليه و قد يستأجر الشخص عليه فيصير واجبا بالاجارة وجوبا توصليا لا يعتبر فيه

______________________________

بداعي استحقاق الاجرة ينافي الخلوص، و في هذا المحذور لا فرق بين قصد الامر المتعلق بتلك العبادة و بين قصد الامر الاجاري.

فالصحيح ما ذكرناه من ان قصد استحقاق الاجرة انما يكون في طول قصد الامر، فلا يضر بالعبادة، مع انه لو سلم كونه في عرضه أو اعتبرنا الاخلاص طولا ايضا فقصد استحقاق الاجرة لا ينافيها، بل هو قصد عبادي ايضا.

و لو تنزلنا عن جميع ما ذكرناه و سلمنا ان قصده غير قربي و يكون في عرض قصد القربة يدخل المقام في الكبري الكلية المذكورة في كتاب الصلاة في مبحث النية من ان الضمائم غير المحرمة هل تضر بصحة العبادة أم لا؟ و قد ذكروا ان هناك صورا:

الاولي: أن يكون كل من الداعيين ضعيفا، بحيث لو كان وحده لما أثر في صدور الفعل.

الثانية: ان يكون الداعي القربي مستقلا في الداعوية و غيره تبعيا.

الثالثة: عكس ذلك.

الرابعة ان يكون كل منهما مستقلا في الداعوية، إلا انه انما يستند الفعل اليهما

من باب عدم معقولية اجتماع علتين تامتين علي معلول واحد.

لا كلام في الصحة في الصورة الثانية و الفساد في الصورة الاولي و الثالثة، و قد وقع الخلاف في الصورة الرابعة، و اختار جمع من الاساطين الصحة فيها، فعلي هذا لا وجه للحكم بالبطلان مطلقا في المقام، و تمام الكلام في هذه الكبري الكلية موكول الي محله، و قد اشبعنا الكلام فيها في الجزء الخامس من فقه الصادق.

(1) ما أفاده في العبادات المستأجرة سيأتي البحث عنه في المقام الثالث مفصلا فلا وجه لاطالة البحث فيه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 244

التقرب، فالاجير انما يجعل نفسه لاجل استحقاق الاجرة نائبا عن الغير في إتيان العمل الفلاني تقربا الي الله. فالاجرة في مقابل النيابة في العمل المتقرب به الي الله التي مرجع نفعها الي المنوب عنه، و هذا بخلاف ما نحن فيه لان الاجرة هنا في مقابل العمل تقربا الي الله لان العمل بهذا الوجه لا يرجع نفعه الا الي العامل لان المفروض انه يمتثل ما وجب علي نفسه بل في مقابل نفس العمل فهو يستحق نفس العمل و المفروض ان الاخلاص اتيان العمل لخصوص أمر الله تعالي. و التقرب يقع للعامل دون الباذل و وقوعه للعامل يتوقف علي ان لا يقصد بالعبادة سوي امتثال امر الله تعالي فإن قلت: يمكن للاجير ان يأتي بالفعل مخلصا لله تعالي بحيث لا يكون للاجارة دخل في اتيانه فيستحق الاجرة فالاجارة غير مانعة من قصد الاخلاص.

قلت: الكلام في ان مورد الاجارة لا بد ان يكون عملا قابلا لان يوفي به بعقد الاجارة و يؤتي به لاجل استحقاق المستأجر اياه، و من باب تسليم مال الغير اليه و ما كان من قبيل العبادة

غير قابل لذلك.

فإن قلت: يمكن أن يكون غاية الفعل التقرب، و المقصود من اتيان هذا الفعل المتقرب به استحقاق الاجرة كما يؤتي بالفعل تقربا الي الله و يقصد منه حصول المطالب الدنيوية كأداء الدين وسعة الرزق و غيرهما من الحاجات الدنيوية.

قلت: فرق بين الغرض الدنيوي المطلوب من الخالق الذي يتقرب اليه بالعمل و بين الغرض الحاصل من غيره و هو استحقاق الاجرة. فان طلب الحاجة من الله تعالي سبحانه و لو كانت دنيوية محبوب عند الله فلا يقدح في العبادة بل ربما يؤكدها و كيف كان فذلك الاستدلال حسن في بعض موارد المسألة و هو الواجب التعبدي في الجملة الا ان مقتضاه جواز أخذ الاجرة في التوصليات و عدم جوازه في المندوبات التعبدية فليس مطردا و لا منعكسا.»

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 245

______________________________

عدم منافاة الوجوب بما هو لأخذ الاجرة

المقام الثاني: في بيان أن الوجوب بما هو هل ينافي أخذ الاجرة أم لا؟ و تنقيح القول في هذا المقام بالبحث في موارد:

الاول: في الواجب العيني التعييني غير النظامي.

الثاني: في الواجب الكفائي.

الثالث: في الواجب التخييري.

الرابع: في الواجبات النظامية.

أما المورد الاول: فمقتضي العمومات هو صحة الاجارة و عدم مانعيته عنها.

و قد ذكر في وجه المنافاة وجوه:

الاول: ان عمل الحرفي نفسه ليس بمال، و انما يقابل بالمال لما دل علي انه محترم، فاذا وجب فقد سقط احترامه.

و فيه: ان المالية من الاعتبارات العقلائية، و انما يعتبرها العقلاء لكل ما يرغبون اليه لما فيه من الاغراض و الفوائد العقلائية، و من البديهي ان عمل الحر من تلك الامور فهو مال.

و لو تنزلنا عن ذلك فلا ريب انه يصير مالا بمجرد وقوع المعاملة عليه نظير الكلي في الذمة، و لذا لا كلام في انه لو فوت

أحد عمل الحر بعد وقوع المعاملة عليه يكون ضامنا له، و هذا المقدار يكفي في صحة المعاملة كما سيأتي التعرض له في كتاب البيع.

مع انه لو فرض عدم ماليته لا وجه للحكم بأنه يقابل بالمال لاحترامه، إذ الدليل انما دل علي ثبوت الحرمة لمال المسلم، فان كان للعمل حرمة فهي لكونه مالا و مع فرض عدمه لا حرمة له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 246

نعم قد استدل علي المطلب بعض الاساطين في شرحه علي القواعد بوجوه أقواها، ان التنافي بين صفة الوجوب و التملك ذاتي لان المملوك و المستحق لا يملك و لا يستحق ثانيا توضيحه ان الذي يقابل المال لا بد أن يكون كنفس المال مما يملكه المؤجر حتي يملكه المستأجر في مقابل تمليكه المال اياه، فاذا فرض العمل واجبا لله ليس للمكلف تركه فيصير نظير العمل المملوك للغير (1) أ لا تري انه اذا آجر نفسه لدفن الميت لشخص لم يجز ان يؤجر نفسه ثانيا من شخص آخر لذلك العمل و ليس الا لان الفعل صار مستحقا للاول و مملوكا له، فلا معني لتمليكه ثانيا للآخر مع فرض بقائه علي ملك الاول. و هذا المعني موجود فيما اوجبه الله تعالي خصوصا فيما يرجع الي حقوق الغير حيث ان حاصل الايجاب هنا جعل الغير مستحقا لذلك العمل من هذا العامل كأحكام تجهيز الميت التي جعل الشارع الميت مستحقا لها علي الحي فلا يستحقها غيره ثانيا، هذا و لكن الانصاف ان هذا

______________________________

(1) هذا هو الوجه الثاني و حاصله ان عمل الحر و إن كان مالا في نفسه لكنه اذا وجب سقط احترامه، لان الوجوب عليه رافع لاختياره و تسلطه علي الترك، فهو مقهور علي ايجاده، و

يستوفي العمل منه من دون دخل لرضاه و اذنه المقومين لاحترام المال في ذلك.

و استشهد لذلك: بأنه لو فرض ان المولي أمر بعض عبيده بعمل، و كان يرجع نفعه الي غيره، فأخذ العبد العوض من ذلك الغير علي ذلك العمل عد أكلا للمال مجانا و بلا عوض.

و فيه: انه إن كان المدعي ان الوجوب الشرعي يوجب سلب المالية عن العمل، فيرد عليه: ان الوجوب انما يوجب سلب الاحترام، بمعني انه لا يجوز التصرف فيه لأحد الا مع اذنه و رضاه، و له السلطان عليه، و ليس لأحد مزاحمته، و لا يوجب سلب الاحترام من حيث ماليته المقتضية ان لا يذهب هدرا و بلا تدارك، و نظير المقام ترخيص الشارع المارة في الاكل من الثمرة و ترخيص الاكل من بيوت الاقارب، فإن هذا الترخيص

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 247

______________________________

يوجب سلب الاحترام بالمعني الاول و لا يوجب سلب المالية كي لا يصح أخذ العوض في هذين الموردين.

و إن كان المدعي ان العمل الواجب علي المكلف لا يعقل أن يصير واجبا ثانيا بالوجوب الاجاري.

فيرد عليه: انه يلتزم بالتأكد، فيكون لازمه الامتثال من جهتين.

و إن كان المدعي انه يعتبر في صحة الاجارة أن يكون للمستأجر إجبار الاجير علي ذلك العمل. فإذا كان الفعل واجبا عليه فهذا الحق ثابت له قبل الاجارة من باب الامر بالمعروف، فلا تترتب عليها ثمرة فلا تصح.

فيرد عليه: أنه بالاجارة يثبت هذا الحق فيكون ثابتا من ناحيتين، و تظهر الثمرة في موردين:

الاول: ما إذا لم يمكن اجباره علي الفعل من باب الامر بالمعروف، و أمكن اجباره من باب كونه مملوكا له و لو بالرجوع الي المحاكم العرفية الثاني: ما اذا كان من وجب عليه جاهلا

بالوجوب.

و بالجملة: مجرد الوجوب الشرعي لا يوجب سلب المالية عن الشي ء، و معه لا وجه لمنافاته مع صحة الاجارة.

الوجه الثالث: ما أفاده المحقق النائيني قدس سره و هو: انه يعتبر في صحة المعاملة- مضافا الي كون كل من المتعاملين مالكا لما يبذله أو بحكمه، و ايجادها بسبب خاص و آلة مخصوصة-: أن لا يكون محجورا عن التصرف فيه من جهة تعلق حق الغير به، أو غير ذلك من أسباب الحجر، لتكون له السلطنة الفعلية علي التصرف فيه، و الايجاب يوجب سقوط ملك التصرف و سلب الاختيار و دفع السلطنة فلا محالة تفسد المعاملة.

و فيه: ان توقف نفوذ المعاملة علي السلطنة الوضعية المستتبعة لكون مورد المعاملة ملكا طلقا و لم يتعلق به حق الغير، و المتعاملين بالغين عاقلين مختارين غير محجورين بأحد أسباب الحجر بديهي.

و أما كون الايجاب موجبا لسلب هذه السلطنة فهو أول

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 248

______________________________

الكلام، نعم الايجاب يوجب رفع السلطنة التكليفية المنتزعة من جواز الفعل و الترك و نفوذ المعاملة غير متوقف عليها.

فإن قلت: انه يعتبر في صحة المعاملة القدرة علي التسليم، و مع الوجوب لا قدرة له علي الفعل و الترك، إذ القدرة متقومة بالطرفين الفعل و الترك.

قلت: انه لم ترد آية و لا رواية دالة علي اعتبار القدرة علي التسليم، و انما نقول به لانه مقتضي وجوب الوفاء بالعقد، أو لانعقاد الاجماع عليه.

أو للنبوي «1» نهي النبي عن بيع الغرر.

و وجوب العمل لا ينافي مع ما تقتضيه هذه الادلة.

أما الاول: فلانه يتأكد وجوب العمل بوجوب التسليم.

و أما الثاني: فلان المتيقن منه إمكان وصول العمل الي المستأجر، و المفروض في المقام تحققه.

و أما الثالث: فلانه لا غرر مع إمكان الوصول كما

لا يخفي.

الوجه الرابع: ما نسب الي الشيخ الكبير كاشف الغطاء قدس سره و هو: ان إيجاب العمل يوجب صيرورته مملوكا لله تعالي و مستحقا له، و فيما كان راجعا الي حقوق الغير يوجب صيرورة الغير مستحقا لذلك العمل من هذا العامل، و لا يجوز تمليك المملوك ثانيا.

و فيه: أنه لو كان المدعي ان الايجاب يقتضي كون العمل مملوكا لله بالملكية الاعتبارية نظير ملكية العمل لأحد المخلوقين.

فيرد عليه: ان الايجاب ليس الا إبراز شوق المولي بالفعل و هذا غير الملكية.

و إن كان المدعي انه يوجب خروج العمل عن تحت سلطنة العبد و دخوله في سلطان المولي و ما هو داخل في سلطان الغير لا يجوز تمليكه.

______________________________

(1) الدعائم، ج 2، ص 19.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 249

______________________________

فيرد عليه: ان جميع افعال العباد تحت سلطان المولي تشريعا لا تكوينا، من غير فرق بين ما اذا أوجبها و ما اذا لم يوجبها، فإن السلطنة التشريعية عبارة اخري عن ان زمام هذا العمل بيد الشارع و له جعل أي حكم اراد له، و هذا المعني ثابت قبل الايجاب، فالايجاب لا يوجب حدوث سلطنة مانعة عن التمليك. نعم هو يوجب سلب سلطنة المكلف تشريعا عن هذا العمل، و هو لا ينافي التمليك كما تقدم.

و بالجملة: المراد من الملكية لله: ان كان هي الملكية الاعتبارية فالايجاب لا يقتضي تلك و إن كان ثبوت سلطنة تكوينية و سلب سلطنة العبد تكوينا فهو خلاف الواقع وجدانا، و إن كان بمعني السلطنة التشريعية فهي ثابتة قبل الايجاب، و كونه موجبا لسلب سلطنة العبد تشريعا لا ينافي التمليك.

هذا فيما اذا لم يكن الإيجاب للغير، و أما في ما كان له، فهو لا يوجب مالكية ذلك الغير

له، و لذا يجوز استيجار الأجير لخياطة ثوب الغير، فإن العمل مملوك للمستأجر لا لذلك الغير فتدبر حتي لا يشتبه عليك جعل العمل للغير بإيجابه له. هذا هو الحق في الجواب.

لا ما ذكره الأستاذ الأعظم- وفاقا لغيره من الأساطين-: من أن ملكية المستأجر انما هي في طول ملكيته تعالي، و اجتماع الملكيتين الطوليتين أمر ممكن لا محذور فيه، و لاما ذكره بعض آخر من أن ملكيته تعالي ليست من سنخ ملك العباد، فانها بمعني الاحاطة الوجودية بالأملاك و ملاكها.

إذ يرد علي الأول: انه لم يظهر لنا الفرق بين الملكيتين العرضيتين و الطوليتين، بل الظاهر هو استحالة اجتماعهما مطلقا.

و يرد علي الثاني: ان المدعي يدعي ان الإيجاب يوجب ثبوت ملكية اعتبارية له تعالي غير تلك الملكية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 250

______________________________

الوجه الخامس: ما نسب الي الشيخ الكبير ايضا، و هو: ان الإجارة لو صحت كان لازمها مالكية المستأجر لذلك العمل و من لوازم الملكية التي لا تنفك عنها جواز الابراء و الاقالة و التأجيل، و حيث ان هذه الآثار لا تثبت للواجب المستأجر عليه، فيكشف ذلك عن عدم الملك، و هو يكشف عن بطلان الإجارة.

و فيه: ان هذه الآثار انما تثبت للمستأجر عليه من حيث الأمر الإجاري، و عدم ثبوتها له من حيث وجوبه من قبل الله تعالي لا ينافي صحة الإجارة، فالإبراء يوجب عدم استحقاق المستأجر للعمل، و التأجيل يوجب عدم لزوم التعجيل من حيث استحقاقه، و الإقالة توجب انتفاء الوجوب الإجاري.

الوجه السادس: ما نسب الي المحقق النائيني قدس سره ايضا، و هو: انه يعتبر في صحة الإجارة كون الأجير مالكا لعمله كي يملكه المستأجر بالإجارة، و الوجوب يوجب نفي ملكيته له، و بعبارة اخري:

يعتبر أن يكون العمل ممكن الحصول للمستأجر، فلو لم يكن كذلك كما اذا تعلق تكليف به مباشرة لم تصح الإجارة.

و فيه: ان الوجوب الذي حقيقته ابراز شوق المولي لا يوجب سلب الملكية عن العمل كما تقدم، و اعتبار كونه ممكن الحصول انما هو يرجع الي اعتبار القدرة علي التسليم الذي عرفت انه لا ينافي مع الوجوب.

الوجه السابع: ما نسب الي المحقق الخراساني قدس سره احتماله، و هو: ان بذل العوض علي ما يتعين علي الأجير لغو.

و فيه: انه لا لغوية فيه مع عدم العلم بصدوره منه، أو لان يكون له اجباره علي الفعل، مع ان الموجب لفساد الإجارة مع لغوية بذل العوض ليس الا كون المعاملة سفهية، و هولا يوجب البطلان كما تقدمت الإشارة اليه.

الوجه الثامن: ان الايجاب انما يكون ناشئا عن مصلحة موجودة في الفعل عائدة الي من يجب عليه، فأخذ العوض علي ما تعود فائدته اليه أكل للمال بالباطل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 251

الوجه ايضا لا يخلو عن الخدشة لإمكان منع المنافاة بين الوجوب الذي هو طلب الشارع الفعل و بين استحقاق المستأجر له، و ليس استحقاق الشارع للفعل و تملكه المنتزع من طلبه من قبيل استحقاق الآدمي و تملكه الذي ينافي تملك الغير و استحقاقه.

ثمّ ان هذا الدليل باعتراف المستدل يختص بالواجب العيني.

______________________________

و فيه: ان الموجب لكون أخذ العوض أكلا للمال بالباطل انما هو عدم كونه ذا فائدة عائدة الي المستأجر، و عدم ترتب غرض عقلائي عليه، و لو كون الله تعالي مطاعا لا كونه ذا فائدة عائدة الي الأجير.

الوجه التاسع: ما نسب الي المحققين النراقيين و المحقق القمي قدس سره و هو: انه لا يجوز توقيف الواجب علي شرط، و صحة

الإجارة تستلزم ذلك، لانها توجب توقيف الواجب علي أخذ الأجرة.

و فيه: انه لا يعتبر في صحة الاجارة كون الشخص غير بان علي الفعل، فلا مانع من استئجاره علي عمل لو لم يستأجره ايضا كأن يأتي به، فتصح الإجارة و لا يلزم منه توقيف الواجب علي شرط.

فتحصل: ان شيئا مما استدل به علي عدم جواز أخذ الأجرة علي الواجب لا يدل عليه.

فالأظهر جوازه، فعلي هذا لا يبقي مورد للبحث في الموارد الثلاثة الاخر، فإن الجواز في تلك الموارد أولي من الجواز في هذا المورد.

و لكن لا بأس بالبحث فيها بناء علي عدم الجواز هنا.

أخذ الأجرة علي الواجب الكفائي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 252

و أما الكفائي فاستدل علي عدم جواز أخذ الأجرة عليه بأن الفعل متعين له فلا يدخل في ملك آخر (1) و بعدم نفع المستأجر فيما يملكه أو يستحقه غيره (2)

لأنه بمنزلة قولك استأجرتك لتملك منفعتك المملوكة لك أو لغيرك، و فيه منع وقوع الفعل له بعد إجارة نفسه للعمل للغير فان آثار الفعل حينئذ ترجع الي الغير فاذا وجب انقاذ غريق كفاية أو ازالة النجاسة عن المسجد فاستأجر واحد غيره فثواب

______________________________

و قد استدل لعدم جواز أخذ الأجرة علي الواجب الكفائي بما نقله المصنف قدس سره بقوله:

(1) ان الفعل متعين له فلا يدخل في ملك آخر و بعدم نفع المستأجر فيما يملكه.. الي آخره.

توضيح هذا الوجه: ان الواجب الكفائي انما يعود نفعه من المصلحة المقتضية لإيجابه و الثواب المترتب عليه الي الأجير نفسه، فهو متعين له و مختص به لاختصاص فوائده به، و ما يكون كذلك لا يمكن أن يدخل في ملك آخر،. إذ دخول العمل في ملك الغير انما هو فيما يعود نفعه اليه.

و بهذا ظهر أمران:

(2)

الأول ان قوله: و بعدم نفع المستأجر … الي آخره تفسير لقوله: بأن الفعل متعين له، لا دليل آخر، و يشهد لذلك- مضافا الي ما تقدم-: اقتصار المصنف قدس سره علي جواب واحد.

الثاني: ان ما ذكره السيد الفقيه في تعليقته من أن هذا الوجه يرجع الي الوجه السابق و هو التنافي بين الوجوب و التملك.

غير تام، و الظاهر ان هذا الإيراد نشأ من الخلط بين قول متعين له و متعين عليه فتدبر حتي لا يشتبه عليك الأمر.

و الجواب عن ذلك هو ما أشار اليه المصنف قدس سره في صدر المبحث.

و هو: ان في جميع الواجبات الكفائية فائدة تعود الي المستأجر، و هو سقوط التكليف عن المستأجر بمباشرة الأجير.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 253

الإنقاذ و الإزالة يقع للمستأجر (1) دون الأجير المباشر لهما، نعم يسقط الفعل عنه لقيام المستأجر به و لو بالاستنابة، و من هذا القبيل الاستئجار للجهاد مع وجوبه كفاية علي الأجير و المستأجر.

و بالجملة فلم أجد دليلا علي هذا المطلب وافيا بجميع أفراده عدا الإجماع الذي لم يصرح به الا المحقق الثاني لكنه موهون بوجود القول بخلافه من أعيان الأصحاب من القدماء و المتأخرين علي ما يشهد به الحكاية و الوجدان.

أما الحكاية فقد نقل المحقق و العلامة قدس سره و غيرهما القول بجواز أخذ الأجرة علي القضاء عن بعض، فقد قال في الشرائع: أما لو أخذ الجعل من المتحاكمين ففيه خلاف، و كذلك العلامة قدس سره في المختلف. و قد حكي العلامة الطباطبائي في مصابيحه عن فخر الدين و جماعة التفصيل بين العبادات و غيرها، و يكفي في ذلك ملاحظة الأقوال التي ذكرها في المسالك في باب المتاجر. و أما ما وجدناه فهو

أن ظاهر المقنعة بل النهاية و محكي المرتضي جواز الأجر علي القضاء مطلقا، و ان أول بعض كلامهم بإرادة الارتزاق و قد اختار جماعة جواز أخذ الأجر عليه اذا لم يكن متعينا أو تعين و كان القاضي محتاجا، و قد صرح فخر الدين في الإيضاح بالتفصيل بين الكفائية التوصلية و غيرها فجوز أخذ الأجرة في الأول.

______________________________

(1) و أما ما ذكره في المقام بما حاصله: ان الثواب المترتب علي الواجب الكفائي يرجع الي المستأجر.

فيرد عليه: ان ثواب الفعل لو قصد الأجير به القربة لا يعود الي المستأجر و انما الذي يحصله المستأجر هو ثواب التسبيب الي فعل الخير الذي هو مترتب علي فعل نفسه.

و هو قدس سره بعد نقل كلمات القوم و اثبات عدم الإجماع علي عدم الجواز كما يظهر لمن راجع كلماته و كلمات القوم يختار جواز أخذ الأجرة علي الواجب الكفائي التوصلي.

و استدل له الأستاذ الأعظم: بأن من يجب عليه الفعل في الواجب الكفائي انما هو عنوان أحد المكلفين، و من الواضح أن إيقاع الإجارة علي مباشرة شخص معين، و أخذ الأجرة علي تلك الخصوصية، ليس من قبيل أخذ الأجرة علي الواجب فإن ما أخذت عليه الأجرة ليس بواجب، و ما هو واجب لم تؤخذ عليه الأجرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 254

قال في شرح عبارة والده في القواعد في الاستئجار علي تعليم الفقه ما لفظه:

الحق عندي ان كل واجب علي شخص معين لا يجوز للمكلف أخذ الأجرة عليه و الذي وجب كفاية. فإن كان مما لو أوقعه بغير نية لم يصح و لم يزل الوجوب فلا يجوز أخذ الأجرة عليه لأنه عبادة محضة. و قال اللّٰه تعالي: (وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ

لَهُ الدِّينَ) حصر غرض الأمر في انحصار غاية الفعل في الإخلاص و ما يفعل بالعوض لا يكون كذلك، و غير ذلك يجوز أخذ الأجرة عليه الا ما نص الشارع علي تحريمه كالدفن. انتهي. نعم رده في محكي جامع المقاصد بمخالفة هذا التفصيل لنص الأصحاب.

أقول: لا يخفي ان الفخر أعرف بنص الأصحاب من المحقق الثاني، فهذا والده قدس سره صرح في المختلف بجواز أخذ الأجرة علي القضاء اذا لم يتعين و قبله المحقق في الشرائع غير انه قيد صورة عدم التعيين بالحاجة و لأجل ذلك اختار العلامة الطباطبائي في مصابيحه ما اختاره فخر الدين من التفصيل، و مع هذا فمن أين الوثوق علي إجماع لم يصرح به الا المحقق الثاني مع ما طعن به الشهيد الثاني علي اجماعاته بالخصوص في رسالته في صلاة الجمعة.

______________________________

و يرد عليه اولا: ان المكلف في الواجب الكفائي انما هو جميع آحاد المكلفين، غاية الأمر يكون التكليف المتوجه الي كل أحد تكليفا مشروطا بعدم اتيان الآخرين به، و علي هذا اذا وقعت الإجارة علي مباشرة شخص معين مع ترك الآخرين فقد وقعت علي الواجب.

و ثانيا: انه لو سلم كون المكلف هو عنوان أحد المكلفين، و لكن لا كلام في ان الفعل الصادر من أحدهم انما يكون مصداقا للواجب لصدق عنوان أحد المكلفين عليه و اذا كان العمل من أحد المكلفين مملوكا لله تعالي و مسلوب الاحترام و القدرة فعمل الأجير مصداق لما هو مملوك له و مسلوب الاحترام و القدرة. فلا يجوز أخذ الأجرة عليه.

فالأظهر انه تجري عمدة الوجوه المتقدمة في الواجب الكفائي ايضا، لا سيما اذا تعين علي الأجير لعدم اقدام أحد علي العمل، أو امتناع الكل عن العمل مجانا.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 2، ص: 255

فالذي ينساق اليه النظر ان مقتضي القاعدة في كل عمل له منفعة محللة مقصودة جواز أخذ الأجرة و الجعل عليه و إن كان داخلا في العنوان الذي اوجبه الله علي المكلف، ثمّ ان صلح ذلك الفعل المقابل بالأجرة لامتثال الإيجاب المذكور أو اسقاطه به أو عنده (1) سقط الوجوب مع استحقاق الأجرة و إن لم يصلح استحق الأجرة (2) و بقي الواجب في ذمته لو بقي وقته و الا عوقب علي تركه. و أما مانعية مجرد الوجوب من صحة المعاوضة علي الفعل فلم يثبت علي الإطلاق بل اللازم التفصيل فإن كان العمل واجبا عينيا تعيينيا «تعينيا» لم يجز أخذ الأجرة لأن أخذ الأجرة عليه مع كونه واجبا مقهورا من قبل الشارع علي فعله أكل للمال بالباطل، لأن عمله هذا لا يكون محترما لأن استيفائه منه

______________________________

(1) قوله ثمّ ان صلح ذلك الفعل المقابل بالأجرة لامتثال الإيجاب المذكور او اسقاطه به او عنده سقط الوجوب.

وقع الخلاف بين المحشين في بيان المراد من هذه العبارة لما فيه من القلق و الاضطراب حتي أن السيد الفقيه قال و أما السقوط عنده فلم أفهم المراد منه.

و الذي يخطر بالبال في بيان مراده قدس سره ان الفعل المقابل بالاجرة.

تارة يصلح لامتثال الايجاب و هو إنما يكون فيما اذا قصد امتثال الامر في إتيان العمل المستأجر عليه مع قصد استحقاق الاجرة بناء علي المختار من عدم منافاته للخلوص او بدونه بناء علي المنافاة.

و اخري يصلح لاسقاط الواجب به- و هو ما اذا كان العمل المستأجر عليه توصليا و اتي به الاجير لا بقصد امتثال الامر فانه يسقط الواجب به و يستحق الاجرة.

و ثالثة يصلح لسقوط الواجب عنده و هو

فيما اذا كان الواجب المستأجر عليه توصليا و قد اوجبه الشارع بعنوان المجانية فاتي به الاجير بقصد الاجرة كدفن الميت اذا اتي به الاجير لا مجانيا بل بقصد أخذ الاجرة و عليه فلا يقع مصداقا للواجب و لكن مع ذلك يسقط الوجوب لارتفاع الموضوع، و في جميع هذه الصور يستحق الاجرة.

(2) قوله و إن لم يصلح استحق الأجرة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 256

لا يتوقف علي طيب نفسه لانه يقهر عليه مع عدم طيب النفس و الامتناع، و مما يشهد بما ذكرناه انه لو فرض ان المولي أمر بعض عبيده بفعل لغرض و كان مما يرجع نفعه أو بعض نفعه الي غيره فأخذ العبد العوض من ذلك الغير علي ذلك العمل عد أكلا للمال مجانا بلا عوض، ثمّ انه لا ينافي ما ذكرنا حكم الشارع بجواز أخذ الاجرة علي العمل، بعد ايقاعه كما اجاز للوصي أخذ أجرة المثل أو مقدار الكفاية لان هذا حكم شرعي لا من باب المعاوضة، ثمّ لا فرق فيما ذكرناه بين التعبدي من الواجب و التوصلي مضافا في التعبدي الي ما تقدم من منافاة أخذ الاجرة علي العمل للاخلاص كما نبهنا عليه سابقا، و تقدم عن الفخر قدس سره و قرره عليه بعض من تأخر عنه، و منه يظهر عدم جواز أخذ الاجرة علي المندوب اذا كان عبادة يعتبر فيها التقرب.

و أما الواجب التخييري فإن كان توصليا فلا أجد مانعا عن جواز أخذ الاجرة علي أحد فرديه بالخصوص (1) بعد فرض كونه مشتملا علي نفع

______________________________

هذا فيما اذا كان المستأجر عليه عبادة و بنينا علي منافاة قصد أخذ الاجرة للخلوص فإن الواجب حينئذ لا يسقط وجوبه و مع ذلك يستحق الاجرة لاحترام عمله،

و عليه فإن بقي الوقت وجبت الاعادة و إلا عوقب علي تركه، هذا ما يرجع الي شرح العبارة.

و لكن الاظهر عدم استحقاق الاجرة في الصورتين الاخيرتين كما سيظهر وجهه فانتظر.

أخذ الاجرة علي الواجب التخييري

و أما المورد الثالث: و هو أخذ الاجرة علي أحد فردي الواجب التخييري بالخصوص.

(1) ففي المتن فلا أجد مانعا عن جواز أخذ الأجرة.

فقد استدل الاستاذ الاعظم علي جوازه: بأن الواجب انما هو عنوان أحد الفردين و متعلق الإجارة انما هو الإتيان بفرد خاص، فما هو واجب غير ما يؤخذ الاجرة عليه.

و فيه: ان مورد الإجارة ان كان تخصيص الواجب بخصوصية خارجة عن حريم متعلق الوجوب قابلة للانفكاك عن الواجب أو غير قابلة له، كما اذا استأجره

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 257

محلل للمستأجر و المفروض انه محترم لا يقهر المكلف عليه (1) فجاز أخذ الاجرة بإزائه، فاذا تعين دفن الميت علي شخص و تردد الامر بين حفر أحد موضعين فاختار الولي أحدهما بالخصوص لصلابته أو لغرض آخر فاستأجر ذلك لحفر ذلك الموضع بالخصوص لم يمنع من ذلك كون مطلق الحفر واجبا عليه مقدمة للدفن و إن كان تعبديا.

فإن قلنا بكفاية الإخلاص بالقدر المشترك و إن كان إيجاد خصوص بعض الافراد لداع غير الاخلاص فهو كالتوصلي.

و إن قلنا بأن اتحاد وجود القدر المشترك مع الخصوصية مانع عن التفكيك بينهما في القصد كان حكمه كالتعييني.

و أما الكفائي فإن كان توصليا أمكن أخذ الاجرة علي إتيانه لاجل باذل الاجرة فهو العامل في الحقيقة، و إن كان تعبديا لم يجز الامتثال به و أخذ الاجرة عليه، نعم يجوز النيابة إن كان مما يقبل النيابة لكنه يخرج عن محل الكلام لان محل الكلام أخذ الاجرة علي ما هو واجب علي الاجير

لا علي النيابة فيما هو واجب علي المستأجر، فافهم.

______________________________

لان يمتثل الامر بالدفن الواجب عليه بتخصيصه بأرض صلبة، أو أن يستأجر الخياط الذي وجب عليه خياطة ثوب زيد، و كان مخيرا في موضع الخياطة، بأن يخيط ذلك الثوب في منزله لتعلق غرض عقلائي به صح ما ذكر، فإن تخصيص الواجب بهذه الخصوصية ليس بواجب.

و أما إن كان مورد الاجارة هو الحصة الخاصة و الفرد الخاص.

و بعبارة اخري: الواجب المتخصص بالخصوصية، فلا يتم، إذ العمل المستأجر عليه حين وقوعه يقع مصداقا لما هو مملوك لله تعالي، و مسلوب الاحترام و القدرة، و ما يجوز أن يقهر عليه، فعلي فرض كون هذه الامور مانعة عن صحة الاجارة لم تصح في المقام.

و بما ذكرناه ظهر ما في استدلال المصنف قدس سره للجواز.

(1) قال إنه محترم لا يقهر المكلف عليه فجاز أخذ الأجرة بإزائه.

نعم لو كان مراده الفرض الاول- كما لعله الظاهر من عبارة المكاسب- تم ما ذكره.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 258

ثمّ إنه قد يفهم من أدلة وجوب الشي ء كفاية كونه حقا لمخلوق يستحقه علي المكلفين (1) فكل من أقدم عليه فقد ادي حق ذلك المخلوق فلا يجوز له أخذ الاجرة منه و لا من غيره ممن وجب عليه ايضا كفاية و لعل من هذا القبيل تجهيز الميت و انقاذ الغريق بل و معالجة الطبيب لدفع الهلاك.

______________________________

(1) قوله كونه حقا لمخلوق يستحقه علي المكلفين.

حاصله: انه يفهم من أدلة وجوب بعض الاشياء كونه حقا لمخلوق يستحقه علي المكلفين فكل من أقدم عليه فقد أدي حق ذلك المخلوق فلا يجوز أخذ الاجرة عليه.

و فيه: بناء علي عدم مانعية الوجوب عن صحة الاجارة- كما هو المختار- أو عدم مانعية الوجوب الكفائي عن

صحة الاجارة- كما اختاره المصنف- قدس سره كونه حقا لا يكفي في عدم جواز الاخذ ما لم يثبت كونه حقا مجانيا، و مع ثبوته لا فرق بين كونه حقا للمخلوق و ما لم يكن كذلك.

و بالجملة: المدار علي المجانية لا علي حقيته للمخلوق.

أما عدم جواز أخذ الاجرة في الفرض الاول فواضح.

و أما جوازه فيما كان حقا للمخلوق فلما تقدم في المورد الاول في جواب الوجه الرابع من ان ايجاب العمل للغير غير جعل العمل له، و هو لا يوجب مالكية ذلك الغير، فلا يمنع عن أخذ الاجرة فراجع ما ذكرناه.

لا يقال: إن مرجع هذا الجواب الي منع ثبوت حق للمخلوق في العمل، و إن الثابت انما هو حكم ينتفع به ذلك الغير.

فإنه يجاب: إن ذلك تام، و لكن ندعي انه في الموارد التي ادعوا ثبوت حق للمخلوق كتجهيز الميت و تعليم الجاهل لا يستفاد من الادلة أزيد من ما ذكرناه، و لا يمكن استفادة كون العمل مملوكا و مستحقا له، و لذا احالوا استفادة ذلك فيها الي لطف قريحة، نعم لو ثبت في مورد ان الشارع الاقدس اعتبر الاستحقاق لا يبعد دعوي ظهوره في كونه بنحو المجانية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 259

ثمّ إن هنا اشكالا مشهورا و هوان الصناعات التي تتوقف النظام عليها يجب كفاية لوجوب إقامة النظام، بل قد يتعين بعضها علي بعض المكلفين عند انحصار المكلف القادر فيه مع ان جواز أخذ الاجرة عليها مما لا كلام لهم فيه (1) و كذا يلزم أن يحرم علي الطبيب أخذ الاجرة علي الطبابة بوجوبها عليه كفاية أو عينا كالفقاهة و قد تفصي منه بوجوه:

أحدها: الالتزام بخروج ذلك بالاجماع و السيرة القطعيين. (2)

______________________________

فما ذكره بعض المحققين

من أنه اذا كان اعتبار الاستحقاق تارة بنحو المجانية و اخري بنحو العوضية، فمجرد دلالة الدليل علي الاستحقاق للعمل لا يجدي في سقوط الاحترام ما لم يدل علي ان استحقاق العمل بنحو المجانية، و حيث انه عمل محترم لا دليل علي اسقاط احترامه فلعامل مطالبة أجرة مثل عمله.

خلاف الظاهر.

و لكن منه يظهر وجه آخر لعدم مانعية ثبوت الحق عن أخذ العوض و هو حسن.

أخذ الاجرة علي الواجبات النظامية

(1) هذا هو المورد الرابع: فالظاهر انه لا خلاف بينهم في جواز أخذ الأجرة علي الواجبات النظامية، أي ما وجب لحفظ النظام من الحرف و الصناعات المتوقف عليها النظام.

و حيث إن المنسوب الي أكثر الاصحاب عدم جواز أخذ الاجرة علي الواجب جعل ذلك نقضا عليهم.

و هم أجابوا عنه بأجوبة:

و لكن بناء علي ما عرفت من جواز أخذ الاجرة علي الواجب مطلقا لا مورد لهذا الايراد اصلا.

و كيف كان: فقد أجابوا عنه بأمور:

(2) الأول: خروج ذلك بالإجماع و السيرة القطعيين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 260

الثاني: الالتزام بجواز أخذ الاجرة علي الواجبات اذا لم تكن تعبدية (1) و قد حكاه في المصابيح عن جماعة، و هو ظاهر كل من جوز أخذ الاجرة علي القضاء بقول مطلق يشمل صورة تعينه عليه كما تقدم حكايته في الشرائع و المختلف عن بعض، و فيه ما تقدم سابقا من أن الاقوي عدم جواز أخذ الاجرة عليه. (2)

الثالث: ما عن المحقق الثاني من اختصاص جواز الاخذ بصورة قيام من به الكفاية فلا يكون حينئذ واجبا. (3)

و فيه: ان ظاهر العمل و الفتوي جواز الاخذ و لو مع بقاء الوجوب الكفائي بل مع وجوبه عينا للانحصار.

______________________________

و فيه: ان مستند المنع لم يكن عدم الدليل في مقام الاثبات علي الجواز

أو الدليل علي عدمه، كي يخرج عنه بذلك، بل كان المانع مانعا ثبوتيا، و انه لا يعقل صحة الاجارة مع كون موردها واجبا، فلو قام الدليل علي الجواز في مورد لا بد من الالتزام بأحد أمرين علي سبيل منع الخلو: كشف ذلك الدليل عن بطلان تلك القاعدة، أورد ذلك الدليل و عدم العمل به.

(1) و قد عرفت ان هذا هو الجواب الصحيح و انه يجوز أخذ الأجرة علي الواجب و ان الوجوب لا يمنع عن ذلك.

فما أفاده المصنف قدس سره بقوله:

(2) الأقوي عدم جواز أخذ الأجرة عليه، غير تام.

(3) الثالث: ما عن المحقق الثاني من اختصاص جواز الأخذ بصورة قيام من به الكفاية، فلا يكون حينئذ واجبا.

و فيه: انه إن أريد بذلك وجود من يقوم به، فمرجع ذلك الي جواز أخذ الاجرة علي الواجب الكفائي مطلقا، و قد أنكر ذلك المحقق.

و إن كان المراد قيام الغير به.

فيرد عليه: انه لا خلاف بينهم في جواز أخذ أول من يقوم بالفعل الاجرة علي عمله

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 261

الرابع: ما في مفتاح الكرامة من ان المنع مختص بالواجبات الكفائية المقصودة لذاتها كأحكام الموتي و تعليم الفقه دون ما يجب لغيره، كالصنائع. (1)

و فيه: ان هذا التخصيص إن كان لاختصاص معاقد اجماعاتهم أو عنوانات كلامهم فهو خلاف الموجود منها و إن كان الدليل يقتضي الفرق فلا بد من بيانه.

الخامس: ان المنع عن أخذ الاجرة علي الصناعات الواجبة لاقامة النظام، يوجب اختلال النظام لوقوع أكثر الناس في المعصية بتركها أو ترك الشاق منها و الالتزام بالاسهل فانهم لا يرغبون في الصناعات الشاقة أو الدقيقة إلا طمعا في الاجرة و زيادتها علي ما يبذل لغيرها من الصناعات، فتسويغ أهل الاجرة

عليها لطف في التكليف بإقامة النظام «. (2)

______________________________

(1) و بعبارة اخري: ان المنع مختص بالواجبات النفيسة التي وجبت لذاتها، كدفن الميت، دون الواجبات الغيرية كالصناعات التي هي مقدمة لحفظ النظام الواجب.

و فيه اولا: ان المانع المتوهم انما هو الوجوب من حيث هو وجوب و لا فرق في ذلك بين النفسي و الغيري.

و ثانيا انه قد حقق في محله ان السبب التوليدي واجب بعين الوجوب المتعلق بالمسبب لا بوجوب آخر، و فعل الصنائع و الحرف بالنسبة الي ما يترتب عليها من حفظ النظام من هذا القبيل، إذ لا واسطة بين هذه الافعال و حفظ النظام، و انما يحفظ النظام بها.

(2) و بعبارة اخري: ان حفظ النظام انما يتوقف علي تلك الصناعات و الحرف و هي و ان لم تتوقف علي أخذ الاجرة و تجويزه، و لكن بما ان أكثر الناس انما يتصدون للصناعات الشاقة طمعا في الاجرة أو زيادتها، فمع عدم جواز أخذ الاجرة يتركونها أو يختارون الاعمال السهلة دون الشاقة، فلا ينحفظ النظام لاجل العصيان، فقاعدة اللطف تقتضي تسويغ أخذ الاجرة تقريبا للعباد الي امتثال التكاليف النظامية.

و بهذا ظهر مقابلة هذا الوجه للوجه السابع في المكاسب.

فما أفاده المحقق الايرواني قدس سره من: ان مآل هذا الوجه الي الوجه السابع، غير تام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 262

و فيه: ان المشاهد بالوجدان ان اختيار الناس للصنائع الشاقة و تحملها ناش عن الدواعي الاخر غير زيادة الاجرة (1) مثل عدم قابليته لغير ما يختار أو عدم ميله اليه او عدم كونه شاقا عليه لكونه ممن نشاء في تحمل المشقة أ لا تري ان اغلب الصنائع الشاقة من الكفائيات كالفلاحة و الحرث و الحصاد و شبه ذلك لا تزيد

أجرتها علي الاعمال السهلة.

السادس: ان الوجوب في هذه الامور مشروط بالعوض (2) قال بعض الاساطين بعد ذكر ما يدل علي المنع عن أخذ الاجرة علي الواجب. اما ما كان واجبا مشروطا، فليس بواجب قبل حصول الشرط فتعلق الاجارة به قبله لا مانع منه و لو كانت هي الشرط في وجوبه فكل ما وجب كفاية من حرف و صناعات لم تجب الا بشرط العوض باجارة أو جعالة او نحوهما، فلا فرق بين وجوبها العيني للانحصار و وجوبها الكفائي لتأخر الوجوب عنه و عدمه قبلها كما ان بذل الطعام و الشراب للمضطر ان بقي علي الكفاية أو تعين يستحق فيه أخذ العوض علي الاصح لان وجوبه مشروط بخلاف ما وجب مطلقا بالاصالة كالنفقات أو بالعارض كالمنذور و نحوه، انتهي كلامه قدس سره.

و فيه: ان وجوب الصناعات ليس مشروطا ببذل العوض، لانه لاقامة النظام التي هي من الواجبات المطلقة فإن الطبابة و الفصد و الحجامة و غيرها مما يتوقف عليه بقاء الحياة في بعض الاوقات واجبة بذل له العوض أم لم يبذل.

______________________________

(1) أورد عليه المصنف قدس سره بأن المشاهد بالوجدان أن اختيار الناس للصنائع الشاقة ليس ناشئا عن زيادة الاجرة بل عن دواع اخر، و ظاهره تسليم هذا الوجه علي هذا التقدير.

و فيه: ان ما اقتضته قاعدة اللطف في جميع التكاليف من جعل الثواب علي الموافقة و العقاب علي المخالفة كاف في التقريب الي الامتثال هنا و لا حاجة الي شي ء آخر.

(2) حاصله: ان وجوب تلك الصناعات ليس مطلقا بل هو مشروط بالعوض، فلا يعقل أن يكون أخذ العوض منافيا له.

و فيه: انه إن أريد بذلك كون أخذ العوض شرطا للوجوب بمعني انه لا وجوب لها قبل الايجار.

منهاج

الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 263

السابع: ان وجوب الصناعات المذكورة لم يثبت من حيث ذاتها، و انما ثبت من حيث الامر بإقامة النظام (1) و إقامة النظام غير متوقفة علي العمل تبرعا بل تحصل به و بالعمل بالاجرة فالذي يجب علي الطبيب لاجل إحياء النفس و إقامة النظام هو بذل نفسه للعمل لا بشرط التبرع به بل له أن يتبرع به و له ان يطلب الاجرة، و حينئذ فإن بذل المريض الاجرة وجب عليه العلاج و إن لم يبذل الاجرة و المفروض أدا ترك العلاج الي الهلاك اجبره الحاكم حسبة علي بذل الاجرة فيستحق الاجرة في ماله و إن لم يكن له مال. ففي ذمته فيؤدي في حياته أو بعد مماته من الزكاة أو غيرها.

و بالجملة فما كان من الواجبات الكفائية ثبت من دليله وجوب نفس ذلك العنوان، فلا يجوز أخذ الاجرة عليه بناء علي المشهور. و أما ما أمر به من باب اقامة النظام فاقامة النظام تحصل ببذل النفس للعمل به في الجملة. و أما العمل تبرعا فلا، و حينئذ فيجوز طلب الاجرة من المعمول له اذا كان أهلا للطلب منه، و قصدها اذا لم يكن ممن يطلب منه كالغائب الذي يعمل فيما له عمل لدفع الهلاك عنه، و كالمريض المغمي عليه و فيه انه اذا فرض وجوب احياء النفس وجب العلاج لكونه مقدمة له فأخذ الاجرة عليه غير جائز فالتحقيق علي ما ذكرنا سابقا ان الواجب اذا كان عينيا تعينيا لم يجز أخذ الاجرة عليه و لو كان من الصناعات فلا يجوز للطبيب أخذ الاجرة علي بيان الدواء او تشخيص الداء.

______________________________

فيرد عليه: ان لازمه عدم الوجوب قبل الايجار و قبل ان يبذل الباذل العوض

و لازم ذلك عدم انحفاظ النظام و إن أريد به كونه شرط الواجب كما يظهر من تمثيله ببذل الطعام و الشراب للمضطر.

فيرد عليه: اولا: انه لا ريب في عدم وجوب أخذ العوض، إذ لا كلام في انه يجوز العمل مجانا.

و ثانيا: ان العمل حينئذ يصير واجبا، غاية الامر بالوجوب الضمني، و لم يفرق المشهور بين الواجب الضمني و الاستقلالي في عدم جواز أخذ الاجرة عليه.

(1) محصله: ان وجوب تلك الصناعات ليس لأجل ذاتها، بل لأجل اقامة النظام و هي لا تتوقف علي العمل تبرعا بل تحصل به و بالعمل بالاجرة فالواجب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 264

و أما أخذ الوصي الاجرة علي تولي أموال الطفل الموصي عليه الشامل بإطلاقه لصورة تعين العمل عليه (1) فهو من جهة الاجماع و النصوص المستفيضة علي ان له ان يأخذ شيئا (2) و انما وقع الخلاف في تعيينه فذهب

______________________________

هو العمل لا بشرط من المجانية و أخذ العوض.

و فيه: ان مقتضي هذا الوجه جواز أخذ الاجرة علي جميع الواجبات سوي ما وجب مجانا، و بعبارة اخري: ان المانع المتوهم لم يكن ظهور الادلة في المجانية، بل كان هو التنافي بين صفة الوجوب و أخذ العوض، فلا يعقل علي هذا جعل الوجوب علي شي ء مشروطا بالعوض، و لا مطلقا بالنسبة اليه.

الثامن: ان هذه الصناعات انما تجب لحفظ النظام، و هو إنما يتوقف علي التكسب بها فايجابها تبرعا نقض للغرض.

و فيه: ان من المشاهد بالوجدان استقامة النظام لو أتي بها تبرعا، فالصغري ممنوعة.

التاسع: ما أفاده المحقق النائيني قدس سره و هو: ان الواجب علي الاجير هو بذل عمله، أي تعلق التكليف أو الوضع بالمعني المصدري لا بنتيجة عمله التي هي المعني لاسم المصدر،

فإن الطبيب و ان وجب عليه الطبابة عينا إلا انه مالك لعمله، و الاجرة تقع بإزاء العمل الذي هو مناط مالية المال لا بإزاء قوله من حيث الاصدار و بالجملة: متعلق الوجوب في الواجبات النظامية هو العمل بالمعني المصدري، و عليه فلا مانع من أخذ الاجرة علي نتيجة العمل.

و فيه: ان الفعل من حيث المعني المصدري عين الفعل من حيث اسم المصدر، و الفرق بينهما اعتباري كما حقق في محله، و عليه فالواجب بعينه هو العمل المستأجر عليه.

(1) المصنف قدس سره بعد بنائه علي عدم جواز أخذ الأجرة علي الواجب العيني التعييني أورد علي نفسه بنقوض ثلاثة:

الاول: جواز أخذ الوصي الاجرة علي عمله حتي مع وجوب العمل عليه عينا.

و أجاب عنه بوجهين:

احدهما: ما أفاده سابقا: و هو: ان هذا حكم شرعي لا من باب المعاوضة.

(2) ثانيهما: ما أفاده في المقام: و هو: انه من جهة الإجماع و النصوص

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 265

جماعة الي ان له أجرة المثل حملا للاخبار علي ذلك، و لانه اذا فرض احترام عمله بالنص و الاجماع فلا بد من كون العوض أجرة المثل.

و بالجملة فملاحظة النصوص و الفتاوي في تلك المسألة يرشد الي خروجها عما نحن فيه و أما باذل المال للمضطر (1) فهو إنما يرجع بعوض المبذول لا بأجرة البذل (2) فلا يرد نقضا في المسألة.

______________________________

المستفيضة الدالة علي ان للوصي ان يأخذ شيئا، المحمول علي أجرة المثل فتوي و نصا، بملاحظة احترام عمله.

و في كلا الوجهين نظر:

أما الاول: فمضافا الي مناقضته للوجه الثاني: إذ لو لم يكن عوضا بل كان حكما تعبديا لما كان العمل محترما في نظر الشارع كي يحمل ذلك علي أجرة المثل.

انه ينافي مع صحيح هشام

بن الحكم قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عمن تولي مال اليتيم ماله أن يأكل منه؟ فقال عليه السلام: ينظر الي ما كان غيره يقوم به من الاجر لهم فليأكل بقدر ذلك «1». فإن ظاهره كون ما يأخذه الوصي عوضا عن عمله.

و أما الثاني: فلانه إذا كان أخذ العوض علي الواجب مناقضا لوجوبه عقلا و لا يجتمعان فلا بد من توجيه تلك النصوص و الفتاوي.

فالصحيح أن يقال: إنه بناء علي عدم جواز أخذ الاجرة علي الواجب- كما هو المفروض في هذه النقوض- تحمل النصوص علي ان الشارع الاقدس ولاية اعتبر كون الصغير مستحقا لعمل الوصي بعوض، فكأنه عامل الطرفان علي ذلك، فلا يكون من قبيل أخذ العوض علي الواجب، بل ايجاب العمل نشأ من استحقاق الصغير له، فهو من قبيل وجوب أداء ما يستحقه الغير.

(1) النقص الثاني: انه يجب بذل المال للمضطر، مع انه لا كلام في لزوم العوض عليه، و اجاب عنه.

(2) بأن العوض انما هو للمبذول، و الواجب هو البذل، فما هو الواجب غير ما جعل العوض له.

______________________________

(1) الوسائل، باب 72، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 266

و أما رجوع الام المرضعة بعوض ارضاع اللباء مع وجوبه عليها (1) بناء علي توقف حياة الولد عليه، فهو إما من قبيل بذل المال للمضطر (2) و أما من قبيل رجوع الوصي بأجرة المثل من جهة عموم آية: (فان أرضعن لكم فآتوهن أجورهن) فافهم. (3)

______________________________

و أورد عليه السيد الفقيه: بأنه في المقام ايضا يرجع بعوض المبذول الذي هو العمل، و الواجب انما هو بذل العمل، فما هو الواجب شي ء، و ما يؤخذ عوضه شي ء آخر.

يرد علي السيد قدس سره: ان

بذل العمل ليس الا ايجاده، و قد حقق في محله ان الايجاد و الوجود متحدان ذاتا و متغايران بالاعتبار، فالعمل عين بذله و ايجاده لا شي ء في مقابله، و هذا بخلاف بذل الاعيان فإنه غير المبذول.

و يرد علي المصنف قدس سره: ان ملاك عدم جواز أخذ الاجرة علي الواجب عند المصنف قدس سره هو سقوط احترامه، و ان استيفائه منه لا يتوقف علي طيب نفسه، و هذا الملاك بعينه موجود في المبذول ايضا، إذ الواجب و إن كان بذله الا ان لازمه عدم دخل طيب نفسه في التصرف في المبذول و اتلافه الذي هو الملاك في سلب الاحترام عنده، و المفروض ان المال الذي لا احترام له لا يجوز أخذ العوض عليه، فلا مناص عن الالتزام بعدم جواز أخذ العوض إذا وجب البذل عينا علي هذا المسلك.

لكنك عرفت فساد المبني.

(1) النقص الثالث: انه يجب علي الأم المرضعة ارضاع اللبن بناء علي توقف الحياة عليه، مع انه يجوز أخذ العوض عليه.

و أجاب عنه بجوابين:

(2) أحدهما: ما ذكره في الجواب عن النقض الأول.

(3) الثاني: ما أجاب به عن النقض الثاني، و قد عرفت ما في كليهما.

و لما كانت هذه الوجوه، غير تامة عند المصنف قدس سره فقد قيد عدم جواز أخذ الاجرة علي الواجب النظامي بما اذا كان وجوبه عينيا تعينيا و حيث توجه الي ان الاصحاب ملتزمون بجواز أخذها حتي في هذه الصورة- كما اذا تعينت الطبابة علي طبيب- فلذا تصدي للجواب عنه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 267

و إن كان كفائيا جاز الاستيجار عليه فيسقط الواجب بفعل المستأجر عليه عنه، و عن غيره و إن لم يحصل الامتثال و من هذا الباب أخذ الطبيب الاجرة علي

حضوره عند المريض (1) اذا تعين عليه علاجه، فان العلاج و إن كان معينا عليه الا ان الجمع بينه و بين المريض مقدمة للعلاج واجب كفائي بينه و بين أولياء المريض فحضوره أداء للواجب الكفائي كإحضار الاولياء الا انه لا بأس بأخذ الاجرة عليه، نعم يستثني من الواجب الكفائي ما علم من دليله صيرورة ذلك العمل حقا للغير (2) يستحقه من المكلف كما قد يدعي ان الظاهر من أدلة وجوب تجهيز الميت ان للميت حقا علي الاحياء في التجهيز فكل من فعل شيئا منه في الخارج فقد ادي حق الميت فلا يجوز أخذ الاجرة عليه، و كذا تعليم الجاهل أحكام عباداته الواجبة عليه و ما يحتاج اليه كصيغة النكاح و نحوها لكن تعيين هذا يحتاج الي لطف قريحة. هذا تمام الكلام في أخذ الاجرة علي الواجب.

و أما الحرام فقد عرفت عدم جواز أخذ الأجرة عليه.

______________________________

(1) بأن أخذ العوض انما يكون لمقدمة هذا الواجب التي هي واجبة بالوجوب الكفائي، إذ الطبابة مثلا انما تتوقف علي الجمع بين الطبيب و المريض، و هو كما يكون بحضور الطبيب عند المريض، كذلك يكون باحضار الاولياء المريض عند الطبيب.

و يرد عليه: قدس سره ان الطبابة بمعني اعلام الدواء واجبة علي الطبيب، و مقدمة هذا الواجب التي يعقل ان تصير واجبة بالوجوب المقدمي انما هي ما يكون فعل الطبيب نفسه، و لا يعقل أن يجب الاحضار بالوجوب المقدمي المترشح من وجوب الطبابة المتوجه الي الطبيب كما لا يخفي، فالحضور ايضا واجب عيني لا يجوز أخذ العوض عليه، مع ان لازم هذا الوجه هو عدم جواز أخذ العوض في صورة الاحضار، و بناء المشهور علي الجواز في هذه الصورة ايضا.

(2) تقدم الكلام

في ذلك مفصلا و عرفت عدم تماميته فلا نعيد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 268

و أما المكروه و المباح فلا اشكال في جواز أخذ الاجرة عليهما. و أما المستحب و المراد منه ما كان له نفع قابل لان يرجع الي المستأجر ليصح الاجارة من هذه الجهة فهو بوصف كونه مستحبا علي المكلف لا يجوز أخذ الاجرة عليه لان الموجود من هذا الفعل في الخارج لا يتصف بالاستحباب الا مع الاخلاص الذي ينافيه اتيان الفعل لاستحقاق المستأجر اياه كما تقدم في الواجب، و حينئذ فإن كان حصول النفع المذكور منه متوقفا علي نية القربة لم يجز أخذ الاجرة عليه (1) كما اذا استأجر من يعيد صلاته ندبا ليقتدي به لان المفروض بعد الاجارة عدم تحقق الاخلاص و المفروض مع عدم تحقق الاخلاص عدم حصول نفع منه عائد الي المستأجر و ما يخرج بالاجارة عن قابلية انتفاع المستأجر به لم يجز الاستئجار عليه، و من هذا القبيل الاستئجار علي العبادة لله تعالي أصالة لا نيابة و اهداء ثوابها الي المستأجر، فان ثبوت الثواب للعامل موقوف علي قصد الاخلاص المنفي مع الاجارة و إن كان حصول النفع غير متوقف علي الاخلاص جاز الاستئجار عليه (2) كبناء المساجد و اعانة المحاويج، فان من بني لغيره مسجدا عاد الي الغير نفع بناء المسجد و هو ثوابه و إن لم يقصد البناء من عمله الا أخذ الاجرة و كذا من استأجر غيره لإعانة المحاويج و المشي في حوائجهم، فان الماشي لا يقصد الا الاجرة الا ان نفع المشي عائد الي المستأجر.

______________________________

أخذ الاجرة علي المستحب
اشارة

هذا تمام الكلام في أخذ الاجرة علي الواجب، و به يظهر حال أخذ الاجرة علي المستحب، و انه لا إشكال فيه

بوجه.

و لكن المصنف قدس سره فصل في أخذ الاجرة عليه بين أن تكون فائدة ذلك العمل- التي هي ملاك صحة الاجارة- مترتبة عليه اذا اتي به مع قصد الاخلاص كالصلاة المعادة التي نفعها جواز الاقتداء به، المتوقف علي تحقق الاخلاص.

(1) فاختار عدم جواز أخذ الأجرة و بين ما لم تكن الفائدة كذلك، بل كانت مترتبة علي العمل و إن لم يتحقق الاخلاص كبناء المساجد و نحوه.

(2) فاختار الجواز، و حيث ان مبني هذا التفصيل منافاة صفة العبادية

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 269

و من هذا القبيل استئجار الشخص للنيابة عنه في العبادات (1) التي تقبل النيابة كالحج و الزيارة و نحوهما، فان نيابة الشخص عن غيره فيما ذكر و إن كان مستحبا الا ان ترتب الثواب للمنوب عنه و حصول هذا النفع له لا يتوقف علي قصد النائب الاخلاص في نيابته بل متي جعل نفسه بمنزلة الغير و عمل العمل بقصد التقرب الذي هو تقرب المنوب عنه بعد فرض النيابة انتفع المنوب عنه سواء فعل النائب هذه النيابة بقصد الاخلاص في امتثال أوامر النيابة عن المؤمن أم لم يلتفت اليها اصلا، و لم يعلم بوجودها فضلا عن أن يقصد امتثالها، أ لا تري أن أكثر العوام

______________________________

للاجارة، و قد اشبعنا الكلام في ذلك و عرفت ان الاتيان بقصد استحقاق الاجرة لا ينافي الاخلاص فلا مورد لهذا التفصيل.

فالاظهر هو جواز أخذ الاجرة علي المستحب مطلقا كما هو المشهور بين الاصحاب.

و أما ما أفاده في وجه بطلان الاجارة من انه يعتبر في الاجارة أن يكون للعمل المستأجر عليه نفع عائد الي المستأجر.

فقد تقدم الكلام فيه في اول هذا المبحث.

حقيقة النيابة في العبادات

(1) قوله و من هذا القبيل استئجار الشخص للنيابة عنه

في العبادات.

المقام الثالث: فيما يتعلق بالنيابة في العبادات، و ما أورد عليها من الايرادات التي ذكرت مانعة عن أخذ الاجرة علي العمل العبادي النيابي. و تلك الايرادات ثلاثة:

الاول: ما تقدم من الاشكال في أخذ الاجرة علي التعبديات غير النيابية من منافاة أخذ الاجرة للاخلاص المعتبر في العبادة.

الثاني: ان النائب لا أمر له الا بالنيابة، و هو مضافا الي كونه توصليا لو قصد به التقرب كان ذلك تقربا له بالنسبة الي أمر نفسه لا بالأمر المتوجه الي المنوب عنه المتعلق بالعبادة.

الثالث: ما نسب الي المحقق الخراساني قدس سره و هو: أن تقرب النائب يوجب

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 270

الذين يعملون الخيرات لأمواتهم لا يعلمون ثبوت الثواب لأنفسهم في هذه النيابة، بل يتخيل (يتخيلون) النيابة مجرد احسان الي الميت لا يعود نفع منه الي نفسه، و التقرب الذي يقصده النائب بعد جعل نفسه نائبا هو تقرب المنوب عنه لا تقرب النائب، فيجوز أن ينوب لاجل مجرد استحقاق الاجرة عن فلان بأن ينزل نفسه منزلته في اتيان الفعل قربة الي الله، ثمّ اذا عرض هذه النيابة الوجوب بسبب الاجارة فالاجير غير متقرب في نيابته لان الفرض عدم علمه احيانا بكون النيابة راجحة شرعا يحصل بها التقرب، لكنه متقرب بعد جعل نفسه نائبا عن غيره فهو متقرب بوصف كونه بدلا و نائبا عن الغير فالتقرب يحصل للغير.

فإن قلت الموجود في الخارج من الاجير ليس الا الصلاة عن الميت مثلا و هذا متعلق الاجارة و النيابة، فإن لم يمكن الاخلاص في متعلق الاجارة لم يترتب علي تلك الصلاة نفع للميت، و إن أمكن الاخلاص لم يناف لأخذ الاجرة كما ادعيت و ليست النيابة عن الميت في الصلاة المتقرب بها الي

الله تعالي شيئا، و نفس الصلاة شيئا آخر حتي يكون الاول متعلقا للاجارة، و الثاني: موردا للاخلاص قلت: القربة المانع اعتبارها من تعلق الاجارة هي المعتبرة في نفس متعلق الاجارة، و إن اتحد خارجا مع ما يعتبر فيه القربة مما لا يكون متعلقا للاجارة فالصلاة الموجودة في الخارج علي جهة النيابة فعل للنائب من حيث انها نيابة عن الغير، و بهذا الاعتبار ينقسم في حقه الي المباح و الراجح و المرجوح و فعل للمنوب عنه، بعد نيابة النائب يعني تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه في هذه الافعال «. (1)

______________________________

حصول القرب لنفسه لا للمنوب عنه، اذ القرب المعنوي كالقرب الحسي، فالتقرب المعتبر في العمل العبادي النيابي غير قابل للنيابة.

أما الايراد الاول فقد أجابوا عنه بأجوبة كلها مبتنية علي تسليم منافاة أخذ الاجرة للاخلاص و حيث عرفت عدم منافاته له فلا مورد لهذا الايراد اصلا.

(1) أحدها: ما فهمه الأستاذ الأعظم و غيره من كلام المصنف قدس سره في

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 271

و بهذا الاعتبار يترتب عليه الآثار الدنيوية و الاخروية لفعل المنوب عنه الذي لم يشترط فيه المباشرة و الاجارة تتعلق به بالاعتبار الاول: و التقرب بالاعتبار الثاني (1) فالموجود في ضمن الصلاة الخارجية فعلان نيابة صادرة عن الاجير النائب، فيقال: نائب عن فلان، و فعل كأنه صادر عن المنوب عنه فيمكن أن يقال علي سبيل المجاز صلي فلان، و لا يمكن أن يقال ناب فلان فكما جاز اختلاف هذين الفعلين في الآثار فلا ينافي اعتبار القربة في الثاني جواز الاستئجار علي الاول الذي لا يعتبر فيه القربة، و قد ظهر مما قررناه وجه ما اشتهر بين المتأخرين فتوي و عملا من جواز الاستئجار علي العبادات

للميت و ان الاستشكال

______________________________

المقام، و هو: ان للنائب فعلين:

أحدهما: فعل جانحي قلبي، و هو جعل نفسه بدلا عن المنوب عنه في الاتيان بتكاليفه و تنزيل نفسه منزلته، و هذه هي حقيقة النيابة و الامر المتعلق بها أمر غير عبادي و الاجرة انما تجعل في مقابل هذا الفعل.

ثانيهما: ما هو فعل جارحي، و هو ذات العمل كالصلاة و الحج، و الامر المتعلق به أمر تعبدي، و لم تجعل الاجرة بإزائه، و لكل من الفعلين غاية مترتبة عليه، فلا تنافي بين كون النيابة بقصد أخذ الاجرة و ذات العبادة بداعي الاخلاص، و هذا الوجه هو الذي ذكره المصنف قدس سره في كتاب القضاء.

و فيه: انه اذا كانت الاجرة بإزاء النيابة نفسها لزم استحقاقها بمجرد ذلك التنزيل القلبي و إن لم يأت بالمنوب فيه، و هو بديهي البطلان، و إن كانت بإزاء نفس العمل عاد المحذور.

(1) ثانيها: ما هو المستفاد من عبارة المكاسب في المقام و عبارة الفرائد في مبحث أصالة الصحة، و حاصله: ان العبادة النيابية كالصلاة اذا تحققت في الخارج كان لها اعتباران، و باعتبار هي فعل النائب، و لذا يجب عليه مراعاة الاجزاء و الشرائط، و باعتبار هي فعل المنوب عنه، و لذا يراعي فيها القصر و الاتمام، و هي بالاعتبار الاول لا يجب التقرب فيها كي يمنع عن أخذ الاجرة و بالاعتبار الثاني

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 272

في ذلك بمنافاة ذلك لاعتبار التقرب فيها ممكن الدفع خصوصا بملاحظة ما ورد من الاستئجار للحج و دعوي خروجه بالنص فاسدة لان مرجعها الي عدم اعتبار القربة في الحج و اضعف منها دعوي ان الاستئجار علي المقدمات كما لا يخفي مع ان ظاهر ما ورد في استئجار

مولانا الصادق عليه السلام للحج عن ولده اسماعيل كون الاجارة علي نفس الافعال.

______________________________

عبادة لا يؤخذ عليها الاجرة، فلا مانع من وقوعها قربية محضة عن المنوب عنه.

و بالجملة: العبادة النيابية فعل لشخصين اعتبارا، و هي بأحد الاعتبارين قربية و بالاعتبار الآخر غير قربية، و الاجرة انما تكون بإزائها بالاعتبار الثاني.

و فيه: انه بما ان الفعل الخارجي واحد حقيقة، و هو منسوب الي النائب بالذات،

و إلي المنوب عنه بالعرض، و المحرك و الداعي نحو هذا الفعل أمران علي الفرض: امتثال الامر المتعلق به، و استحقاق الاجرة، فعلي فرض كون ذلك مانعا عن الخلوص لم يتمحض الفعل في الاخلاص.

و بعبارة اخري: ما هو منسوب الي النائب بالذات بعينه منسوب الي المنوب عنه بالعرض، فلا يعقل أن يكون الداعي لكل منهما غير الداعي الي الآخر.

و بالجملة: الموجود الخارجي واحد، و الداعي انما يدعو إلي ذلك، فاذا كان الداعي متعددا لزم عدم تمحضه في الاخلاص.

ثالثها: ما حكاه المصنف قدس سره في كتاب القضاء عن غيره، و حاصله: ان النية مشتملة علي قيدين: أحدهما: كون الفعل خالصا لله، ثانيهما: كونه عن الغير بأجرة او بغيرها و ما يؤخذ عليه الاجر انما هو القيد الثاني اعني النيابة عن المنوب عنه بمعني أنه مستأجر علي النيابة، و قيد القربة علي حاله لا تعلق للاجارة به الا من حيث كونه قيدا للعمل المستأجر عليه.

و بالجملة: ما يؤخذ عليه الاجر انما هو القيد الثاني دون المقيد بقصد القربة أو نفس امتثال الامر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 273

______________________________

و فيه: ان هذا الوجه مع دقته يوجب رفع الاشكال من حيث التشريك في الداعي خاصة، و أما محذور عدم تمحض الخلوص طولا فهو يبقي علي حاله، إذ الصلاة

عن قصد القربة انما يؤتي بها لاجل الاجرة فلا اخلاص طولا، و المفروض في هذا المقام لزومه.

رابعها: ان عنوان النيابة يلحق الفعل المنوب فيه، و به يصير متعلقا للاجارة و هو كون العمل عن فلان، فالعمل من حيث ذاته عبادة، و من حيث وصفه- أي تقيده بكونه عن الغير- معاملة محضة يؤخذ عليه الأجرة.

و فيه: انه من حيث كون الفعل واحدا حقيقة و خارجا فالداعيان المفروضان إما أن يكونا محركين نحوه في عرض واحد فيلزم عدم الخلوص عرضا، أو يكون أخذ الاجرة في طول الداعي القربي فيلزم عدم تمحض الخلوص طولا.

فتحصل: انه علي فرض منافاة أخذ الاجرة للعبادية لا يمكن تصحيح العبادات النيابية بوجه.

و أما الايراد الثاني فقد أجاب عنه المحقق اليزدي في درره بما حاصله: ان مباشرة الفاعل تارة: تكون دخيلة في حصول الغرض المترتب علي الفعل، فلا يسقط الامر بفعل الغير و إن لم يكن العمل عباديا، و اخري: لا تكون دخيلة فيه، فلا مانع من صيرورة الأمر المتعلق به محركا للغير لإيجاد ذلك الفعل مراعاة لصديقه و استخلاصه من المحذورات المترتبة علي ذلك الامر من العقاب و البعد عن ساحة المولي.

و الظاهر ان الي هذا نظر المحقق النائيني قدس سره حيث قال: إن الامر الاجاري تعلق بإتيان العبادة بداعي الامر المتوجه الي المنوب عنه.

و فيه: انه اذا كان الغرض مترتبا علي فعل كل واحد منهما بما هو لزم كون الامر متوجها اليهما، غاية الامر بما ان الغرض واحد و يحصل بفعل كل منهما، يكون الوجوب كفائيا، فيخرج عما هو محل الكلام، و إن كان مترتبا علي فعل المنوب عنه خاصة، غاية الامر أعم من المباشري و التسبيبي، و ما بالذات و ما

بالعرض.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 274

______________________________

فمثله لا يصلح الا لتوجه الامر الي المنوب عنه المحرك نحو الفعل أعم من المباشرة و التسبيب، و لكن هذا الامر لا يعقل أن يكون محركا للنائب نحو الفعل، إذ التكليف غير المتوجه اليه كيف يحركه، نعم اذا كان الغرض يحصل بفعله و كان الواجب توصليا لزم سقوط التكليف بفعله لحصول الغرض لا للامتثال.

و بالجملة: الامر المتعلق به لا يعقل محركيته نحو عمل غيره الصادر باختياره و ارادته.

و ربما يجاب عنه كما عن بعض المحققين: بأن النيابة من الاعتبارات العقلائية لها آثار عند العقلاء، فاذا امضاها الشارع الاقدس لزم ترتب تلك الآثار عليها، فاذا كان المنوب فيه من العبادات كان مقتضي امضاء النيابة توجه التكليف المتوجه الي المنوب عنه الي النائب ايضا.

و فيه: انه إن أريد بذلك توجه ذلك التكليف اليه فهو غير معقول، إذ الفرد المشخص كيف يمكن توسعته؟ و إن أريد انتسابه اليه بالعرض، فيرد عليه: ان البعث العرضي لا يجدي في الانبعاث الحقيقي،.

و إن أريد توجه تكليف آخر الي النائب فهو يحتاج الي دليل.

و الصحيح في الجواب عن هذا الايراد أن يقال: إنه دلت النصوص المستفيضة علي توجه أمر استحبابي الي جميع الناس في النيابة عن الميت و الحي في بعض الموارد، و هو أمر عبادي نظير الامر المتوجه الي المنوب عنه، و هو متعلق بالفعل المعنون بعنوان النيابة عن الغير، و عليه فالنائب انما يأتي بالعبادة بداعي الامر المتوجه الي نفسه لا بالأمر العبادي المتوجه الي المنوب عنه.

و أما الايراد الثالث و حاصله: ان التقرب المعنوي كالتقرب الحسي لا يقبل النيابة، إذ لا يعقل تقرب النائب و حصول القرب للمنوب عنه، و ما لم ينتسب الي

المنوب عنه عمل قربي لم تفرغ ذمته عن العمل القربي المكلف به، و لهذا الايراد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 275

ثمّ اعلم أنه كما لا يستحق الغير بالاجارة ما وجب علي المكلف علي وجه العبادة كذلك، لا يؤتي علي وجه العبادة لنفسه ما استحقه الغير منه بالاجارة. (1)

______________________________

التزم بعض بأن باب النيابة باب إهداء الثواب.

و التزم المحقق الخراساني قدس سره علي ما نسب اليه بعدم لزوم قصد التقرب علي النائب و إن رضا المنوب عنه بما نسب اليه كاف في مقربية العمل له.

و لكن بما ان باب النيابة ممتاز عن باب اهداء الثواب، و حديث كفاية رضا المنوب عنه في مقربية العمل له لا يجدي بالنسبة الي الميت، فلا بد من جواب آخر.

و الحق في هذا المقام أن يقال: إن سقوط التكليف عن المنوب عنه انما هو لحصول الغرض من اتيان النائب بذلك العمل نيابة عنه الذي عرفت انه مأمور به بالامر الاستحبابي و قصد النائب التقرب انما يكون لاجل الامر المتوجه الي النائب نفسه، و حصول القرب المعنوي بالمعني الملازم لفراغ الذمة عن التكاليف انما يكون لاجل فراغ ذمة المنوب عنه عنها، و بالمعني الآخر لا نتعقله، و اعطاء الثواب انما هو باختيار الله تعالي فقد وعد علي اعطائه بالمنوب عنه لو أتي النائب بالعمل نيابة عنه.

(1) قوله: ثمّ اعلم انه كما لا يستحق الغير بالإجارة ما وجب علي المكلف.

الظاهر تمامية ما أفاده قدس سره بناء علي منافاة أخذ الاجرة للعبادية، إذ كما ان لازم تلك عدم صحة الاجارة علي العبادة كما تقدم، كذلك. لازمها عدم وقوع ما يؤتي به لاستحقاق الغير بالاجارة علي وجه العبادة لنفسه لفرض عدم اجتماع الخلوص مع الاتيان بداعي استحقاق

الغير بالاجارة.

فلا يرد عليه ما أورده السيد الفقيه قدس سره من: ان عمدة المنع في المسألة السابقة انما هي عدم امكان الخلوص في التعبديات و لزوم كون الاكل بالباطل و اللغوية و السفهية في غيرها و في المقام لا يجري شي ء من الوجهين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 276

فلو استؤجر لإطافة صبي أو مغمي عليه فلا يجوز الاحتساب في طواف نفسه (1) كما صرح به في المختلف.

______________________________

و اضعف من ذلك استدلال المحقق التقي لما أفاده المصنف قدس سره بأن أكل المال بإزاء هذا الفرد الواجب أكل له بالباطل، إذ المدعي ليس عدم استحقاق الاجرة، بل عدم وقوعه عبادة عن نفسه.

الطواف المستأجر عليه لا يحتسب عن نفسه

(1) قوله: فلو استؤجر لإطافة صبي أو مغمي عليه فلا يجوز الاحتساب في طواف نفسه.

محصل القول في هذا الفرع: انه إن قلنا: بأن في إطافة الصبي غير المميز و المغمي عليه يكون الطواف هو فعل المحمول و الحامل ليس الا كالدابة، فحكم هذا الفرع حكم الفرع الآتي، و ستعرف تنقيح القول فيه.

و إن قلنا: بأن الطواف من فعل الحامل و هو الطائف حقيقة فقد يقال: بأن المثال داخل في الكبري الكلية المتقدمة، لان هذا الطواف الشخصي وقع مصب الاجارة فلا يصح أن يؤتي به علي وجه العبادية لنفسه.

و لعله الي هذا نظر العلامة قدس سره حيث عنون الفرع الآتي و استدل له بوجه آخر.

و لكن يرد عليه: ان طواف كل شخص هي الحركة القائمة به حول البيت، و انما يقال بأن الحامل طائف من جهة ان تلك الحركة توجد بفعله و يعتبر في صحته ما يعتبر في طواف نفسه، و عليه فحيث انه في الاطافة تكون حركتان قائمتان بالحامل و المحمول، فلا محالة يكون لهما ايجادان

لاتحاد الايجاد و الوجود ذاتا، فلا مانع من كون أحدهما مورد الاجارة و الآخر مأمورا به بالامر العبادي الايجابي، و لا يلزم اتحاد مورد الاجارة مع مورد ذلك الامر كي يلزم المحذور المتقدم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 277

بل كذلك لو استؤجر لحمل غيره في الطواف (1) كما صرح به جماعة تبعا للاسكافي لان المستأجر يستحق الحركة المخصوصة عليه، لكن ظاهر جماعة جواز الاحتساب في هذه الصورة لان استحقاق الحمل غير استحقاق الاطافة به كما لو استؤجر لحمل متاع و في المسألة أقوال، قال في الشرائع و لو حمله حامل في الطواف أمكن أن يحتسب كل منهما طوافه عن نفسه (2) انتهي.

و قال في المسالك هذا اذا كان الحامل متبرعا أو حاملا بجعالة أو كان مستأجرا للحمل في طوافه، اما لو استؤجر للحمل مطلقا لم يحتسب للحامل لان الحركة المخصوصة قد صارت مستحقة عليه لغيره فلا يجوز صرفها الي نفسه، و في المسألة أقوال هذا أجودها انتهي. و اشار بالاقوال الي القول بجواز الاحتساب مطلقا كما هو ظاهر الشرائع و ظاهر القواعد علي اشكال، و القول الآخر ما في الدروس من انه يحتسب لكل من الحامل و المحمول ما لم يستأجره للحمل لا في طوافه، انتهي.

و الثالث: ما ذكره في المسالك من التفصيل.

و الرابع: ما ذكره بعض محشي الشرائع من استثناء صورة الاستئجار علي الحمل.

و الخامس: الفرق بين الاستئجار للطواف به و بين الاستئجار لحمله في الطواف و هو ما اختاره في المختلف، و بني فخر الدين في الايضاح جواز الاحتساب في صورة الاستئجار للحمل التي استشكل والده قدس سره فيها علي ان ضم نية التبرد الي الوضوء قادح أم لا و المسألة مورد نظر و

إن كان ما تقدم من المسالك لا يخلو عن وجه.

______________________________

الاجير لحمل غيره في الطواف

(1) قوله: بل كذلك لو استؤجر لحمل غيره في الطواف.

و ملخص القول أنه في المسألة أقوال:

(2) أحدها: جواز الاحتساب مطلقا و قد استظهره المصنف قدس سره من الشرائع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 278

______________________________

الثاني: ما عن المسالك من انه يحتسب لكل من الحامل و المحمول في صورة كون الحامل متبرعا أو حاملا بجعالة أو كان مستأجرا للحمل في طوافه لنفسه، أما لو استؤجر للحمل مطلقا لم يحتسب للحامل.

الثالث: ما عن جماعة منهم الاسكافي و هو: انه لا يجوز الاحتساب عن نفسه فيما اذا استؤجر للاطافة بغيره أو لحمله في الطواف و لو كان الحمل في طواف نفسه، و به يفترق عما في المسالك.

الرابع: ما عن المختلف من انه يجوز الاحتساب عن نفسه لو استؤجر للحمل في الطواف، و لا يجوز ذلك لو استؤجر للطواف.

و أما ما عن الدروس من: انه يحتسب لهما الا ان يستأجره علي حمله لا في طوافه.

فإن أريد به استثناء الاستئجار لا في طوافه اي المقيد بعدم حمله في طواف نفسه، فهو يرجع الي القول بالجواز مطلقا، لان القائل بالجواز كذلك لا يقول به في هذه الصورة.

و إن أريد به استثناء الاستئجار علي الحمل، مطلقا الا علي الحمل في طواف نفسه من جواز الاحتساب، فهو يرجع الي ما عن المسالك فهو ليس قولا خامسا علي كل تقدير.

و التحقيق هو القول الاول، إذ ما يستحقه المستأجر انما هو الحمل فقط، فلا ينافي مع طواف نفسه.

و دعوي انه اذا آجره علي الحمل في الطواف تكون حركته حول البيت مملوكة للمستأجر، فكيف يسوغ له ان يحسبها من طواف نفسه كما عن المحقق الايرواني قدس سره.

مندفعة بما

تقدم من ان المملوك هي حركة المحمول لا الحامل و إن كانتا متلازمتين، مع انه قد مر في مبحث أخذ الاجرة علي الواجب عدم التنافي بين المملوكية و الوجوب، نعم لو كان نائبا عن الغير في الطواف لم يصح أن يحتسب به عن نفسه، إذ الفعل الواحد لا يعقل وقوعه عن شخصين و امتثالا للامرين المتوجهين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 279

ثمّ إنه قد ظهر مما ذكرناه من عدم جواز الاستئجار علي المستحب إذا كان من العبادات انه لا يجوز أخذ الاجرة علي اذان المكلف لصلاة نفسه (1) إذا كان مما يرجع نفع منه الي الغير يصح لاجله الاستئجار كالاعلام بدخول الوقت

______________________________

الي النائب المقتضي كل منهما للاتيان بفرد غير ما يقتضيه الآخر، فهو نظير ما لو كان عليه قضاء صلاة ظهر و كان في وقت ظهر اليوم، فكما انه لا يجوز أن يأتي بصلاة واحدة امتثالا للامرين القضائي و الادائي فكذلك في المقام بلا تفاوت اصلا.

و مما يدل علي ما اخترناه من الجواز في صورة الحمل و الاطافة.

حسن حفص بن البختري عن الإمام الصادق عليه السلام: في المرأة تطوف بالصبي و تسعي به هل يجزي ذلك عنها و عن الصبي؟ فقال عليه السلام: نعم «1».

و حسن الهيثم التميمي عنه عليه السلام: عن رجل كانت معه صاحبة لا تستطيع القيام علي رجلها فحملها زوجها في محمل فطاف بها طواف الفريضة بالبيت و بالصفا و المروة أ يجزيه ذلك الطواف عن نفسه طوافه بها؟ فقال عليه السلام: ايها الله اذا «2».

فانهما يدلان علي ان حمل الغير في الطواف و إطافة الصبي لا ينافيان مع قصد الحامل و المطوف الطواف عن نفسه لكون كل منهما مما لا مساس له

بالآخر، فكذلك اذا وقع الحمل أو الإطافة مصب الإجارة مع ان مقتضي اطلاقهما الجواز في فرض الإجارة و قد عرفت ان هذا هو مقتضي القاعدة ايضا، و الله العالم.

أخذ الأجرة علي الأذان

(1) المشهور بين الأصحاب عدم جواز أخذ الأجرة علي الأذان بل عليه الإجماع كما عن غير واحد حكايته.

و استدل له المصنف قدس سره بالقاعدة التي اشار اليها و هي عدم جواز أخذ الاجرة علي العبادات، و لكن قد عرفت عدم تماميتها، و مع ذلك الاظهر عدم جواز أخذ الاجرة عليه، للنصوص الخاصة. لاحظ.

______________________________

(1) الوسائل، باب 50، من أبواب الطواف، حديث 3، كتاب الحج.

(2) الوسائل، باب 50، من أبواب الطواف، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 280

أو الاجتزاء به في الصلاة و كذا اذان المكلف للإعلام عند الأكثر كما عن الذكري و علي الأشبه كما في الروضة و هو المشهور كما في المختلف و مذهب الأصحاب الا من شذ كما عنه و عن جامع المقاصد، و بالإجماع كما عن محكي المختلف بناء علي انها عبادة يعتبر فيها وقوعها لله، فلا يجوز ان يستحقها الغير.

و في رواية زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السلام انه أتاه رجل، فقال له: و الله اني أحبك لله، فقال له: لكني أبغضك لله، قال: و لم؟ قال: لانك تبغي في الاذان أجرا و تأخذ علي تعليم القرآن أجرا. (1)

و في رواية حمران الواردة في فساد الدنيا و اضمحلال الدين. و فيها قوله عليه السلام

و رأيت الاذان بالأجرة و الصلاة بالأجر، و يمكن أن يقال: ان مقتضي كونها عبادة عدم حصول الثواب اذا لم يتقرب بها لا فساد الإجارة مع فرض كون العمل مما ينتفع به و إن لم يتقرب به،

نعم لو قلنا: بأن الاعلام بدخول الوقت المستحب كفاية لا يتأتي بالاذان الذي لا يتقرب به صح ما ذكر لكن ليس كذلك، و أما الروايات فضعيفة، و من هنا استوجه الحكم بالكراهة في الذكري و المدارك و مجمع البرهان و البحار بعد أن حكي عن علم الهدي قدس سره.

______________________________

صحيح محمد بن مسلم عن الإمام الباقر عليه السلام لا تصل خلف من يبغي علي الاذان و الصلاة بالناس أجرا و لا تقبل شهادته «1».

فإنه يدل علي ان الاخذ فاسق لا يجوز الصلاة خلفه و لا تقبل شهادته.

و حسن حمران عن الامام الصادق عليه السلام الوارد في فساد الدنيا و اضمحلال الدين و رأيت الاذان بالاجر و الصلاة بالاجر «2».

(1) و يؤيده خبر زيد بن علي المذكور في المتن «3». و هو ضعيف السند لحسين بن علوان و غيره.

______________________________

(1) الوسائل، باب 32، من أبواب الشهادات، حديث 6.

(2) الوسائل، باب 41، من أبواب الامر و النهي من كتاب الامر بالمعروف، حديث 6.

(3) الوسائل، باب 30 من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 281

و لو اتضحت دلالة الروايات (1) أمكن جبر سند الاولي بالشهرة مع ان رواية حمران حسنة علي الظاهر بابن هاشم.

______________________________

و خبر السكوني: قال النبي صلي الله عليه و آله لعلي عليه السلام: و لا تتخذن مؤذنا يأخذ علي أذانه أجرا «1».

و مقتضي اطلاق النصوص عدم الفرق بين الاذان للصلاة، و الاذان الاعلامي إن ثبت مشروعيته، أي كونه غير أذان الصلاة و من غير فرق بين اعتبار قصد القربة في الأذان الاعلامي و عدمه، و من غير فرق بين كون الاذان مما ينتفع به و إن لم يتقرب به و عدمه.

و بذلك يظهر

ما في ترديد المصنف قدس سره في الحكم بعدم الجواز في الاذان الاعلامي، و اضعف منه افتاء جمع بالكراهة.

(1) و ظاهر المصنف قدس سره في المتن حيث قال: و لو اتضحت دلالة الروايات، عدم وضوح دلالتها.

أما عدم ظهور الاولي: فلعدم الملازمة بين المبغوضية و كونه فاعلا للمحرم، لامكان كون بعض مراتب المبغوضية علي ارتكاب المكروه، و يؤيده اقترانه بأخذ الاجرة علي تعليم القرآن الذي دلت النصوص علي جوازه.

و أما عدم ظهور الثانية: فلانه لا ريب في ان المراد باضمحلال الدين تعطيل أحكامه، و عليه فيمكن أن يكون المراد به في الخبر شيوع ارتكاب المكروه و هو أخذ الاجر للاذان لا ارتكاب المحرم.

و لكن الانصاف ان هذا خلاف ظاهر الحسن، مضافا الي ما تقدم من ان الصحيح كالنص في عدم الجواز فاذا لا ترديد في الحكم.

اخذ الاجرة علي الامامة

______________________________

(1) الوسائل، باب 38، من أبواب الاذان و الاقامة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 282

و من هنا يظهر وجه ما ذكروه في هذا المقام من حرمة أخذ الاجرة علي الامامة (1) مضافا الي موافقتها للقاعدة المتقدمة من ان ما كان انتفاع الغير به موقوفا علي تحققه علي وجه الاخلاص فلا يجوز الاستئجار عليه لان شرط العمل المستأجر عليه قابلية ايقاعه لاجل استحقاق المستأجر له حتي يكون وفاء بالعقد، و ما كان من قبيل العبادة غير قابل لذلك، ثمّ ان من الواجبات التي يحرم أخذ الاجرة عليها عند المشهور تحمل الشهادة بناء علي وجوبه (2) كما هو أحد الاقوال في المسألة لقوله تعالي (و لا يأب الشهداء إذا ما دعوا) المفسر في الصحيح بالدعاء للتحمل، و كذلك أداء الشهادة لوجوبه عينا أو كفاية و هو مع الوجوب العيني واضح.

______________________________

(1) قوله

و من هنا يظهر وجه ما ذكروه في هذا المقام من حرمة أخذ الأجرة علي الامامة.

و فيه: مضافا الي ما عرفت من ان مقتضي القاعدة جواز أخذ الاجرة علي الواجب، و العبادة: انه بناء علي عدم جواز أخذها عليهما يجوز أخذ الاجرة علي الامامة علي القاعدة، إذ الامامة لا يعتبر في تحققها قصد الامام لها، فضلا عن اعتبار قصد القربة، و لذا لو صلي و اقتدي به جماعة من غير ان يلتفت هو بذلك صحت الجماعة و عليه فلو أخذ الاجرة علي الامامة لا مانع منه حتي علي هذا المسلك.

نعم، يدل علي عدم جوازه صحيح محمد بن مسلم المتقدم، بل و كذلك حسن حمران بناء علي دلالته علي عدم الجواز و ارادة الصلاة بالناس من قوله: و الصلاة بالاجر.

أما المبني الاول: فقد مر ما فيه، و أما الثاني: فالانصاف عدم ظهوره في ذلك، و علي ذلك فالعمدة هو الصحيح.

أخذ الاجرة علي الشهادة

(2) وجوب أداء الشهادة مع استدعاء صاحب الحق للتحمل مورد اتفاق الاصحاب و الكتاب و السنة المستفيضة شاهدان به.

و بدون استدعاء صاحب الحق وجوبه هو المشهور بين الاصحاب كما في المسالك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 283

و أما مع الوجوب الكفائي فلان المستفاد من أدلة الشهادة كون التحمل و الاداء حقا للمشهود له علي الشاهد، فالموجود في الخارج من الشاهد حق للمشهود له لا يقابل بعوض للزوم مقابلة حق الشخص بشي ء من ماله فيرجع الي أكل المال بالباطل (1) و منه يظهر انه كما لا يجوز أخذ الاجرة من المشهود له، كذلك لا يجوز من بعض من وجبت عليه كفاية اذا استأجره لفائدة اسقاطها عن نفسه، ثمّ انه لا فرق في حرمة الاجرة بين توقف التحمل او

الاداء علي قطع مسافة طويلة و عدمه.

______________________________

و أما تحمل الشهادة مع دعوة صاحب الحق ففي الجواهر وجوبه المشهور بين الاصحاب شهرة عظيمة و انما الخلاف في انه واجب عيني أو كفائي و قد اشبعنا الكلام في المسألتين في الجزء الخامس و العشرين من كتابنا فقه الصادق.

و الكلام في المقام انما هو في أخذ الاجرة عليهما.

فقد استدل لعدم جوازه بوجهين:

الاول: انه لا يجوز أخذ الاجرة علي الواجب.

(1) الثاني: ما في المتن و هو ان المستفادة من الأدلة ان تحمل الشهادة و أدائها حقان ثابتان للمشهود له علي الشاهد فالموجود في الخارج من الشاهد حق للمشهود له لا يقابل بالمال للزوم مقابلة حق الشخص بشي ء من ماله فيرجع الي أكل المال بالباطل. و فيهما نظر:

أما الاول: فلما تقدم مستوفي من جواز أخذ الاجرة علي الواجب.

و أما الثاني: فلان المستفاد من الادلة، انما هو حكم شرعي علي نهج ساير الاحكام الشرعية، غاية الامر كونه ايجابا للغير، و الفرق بينه و بين جعل العمل للغير في غاية الوضوح.

مع انه لو ثبت كونهما حقين انه اذا كان اعتبار الاستحقاق بنحو المجانية لم يجز أخذ الاجرة عليهما، و أما اذا لم يكن كذلك فالاظهر جوازه كما تقدم في أخذ الاجرة علي الواجب الكفائي، و عليه فحيث لم يثبت ذلك في المقام فالاظهر جواز أخذ الاجرة.

نعم لو امتنع المشهود له عن أداء الاجرة، فان كان ذلك بعد عقد الاجارة وجب علي الشاهد التحمل و الاداء بالعوض المسمي، و إن كان قبله وجبا مجانا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 284

نعم لو احتاج الي بذل مال فالظاهر عدم وجوبه (1) و لو أمكن احضار الواقعة عند من يراد تحمله للشهادة فله ان يمتنع من الحضور

و يطلب الاحضار بقي الكلام في شي ء (2) و هوان كثيرا من الاصحاب صرحوا في كثير من الواجبات و المستحبات التي يحرم أخذ الاجرة عليها بجواز ارتزاق مؤديها من بيت المال المعد لمصالح المسلمين و ليس المراد أخذ الاجرة او الجعل من بيت المال لان ما دل علي تحريم العوض لا فرق فيه بين كونه من بيت المال أومن غيره، بل حيث استفدنا من دليل الوجوب كونه حقا للغير يجب ادائه اليه عينا او كفاية فيكون أكل المال بازائه أكلا له بالباطل كان اعطائه العوض من بيت المال اولي بالحرمة لانه تضييع له و اعطاء مال المسلمين بازاء ما يستحقه المسلمون علي العامل. بل المراد انه اذا قام المكلف بما يجب عليه كفاية أو عينا مما يرجع الي مصالح المؤمنين (المسلمين) و حقوقهم كالقضاء و الافتاء و الاذان و الاقامة و نحوها و رأي ولي المسلمين المصلحة في تعيين شي ء من بيت المال له في اليوم او الشهر او السنة من جهة قيامه بذلك الامر لكونه فقيرا يمنعه القيام بالواجب المذكور عن تحصيل ضرورياته فيعين له ما يرفع حاجته و إن كان أزيد من أجرة المثل أو أقل منها و لا فرق بين أن يكون تعيين الرزق له بعد القيام او قبله حتي انه لو قيل له اقض في البلد و انا اكفيك مئونتك من بيت المال جاز و لم يكن جعالة، و كيف كان فمقتضي القاعدة عدم جواز الارتزاق الا مع الحاجة علي وجه يمنعه القيام بتلك المصلحة عن اكتساب المئونة. فالارتزاق مع الاستغناء و لو بكسب لا يمنعه القيام بتلك المصلحة غير جائز و يظهر من اطلاق جماعة في باب القضاء خلاف ذلك

بل صرح غير واحد بالجواز مع وجدان الكفاية.

______________________________

(1) قوله نعم لو احتاج الي بذل مال فالظاهر عدم وجوبه.

ان قلنا بان المستفاد من الادلة حرمة الاباء و الكتمان للشهادة- فعدم وجوب بذل المال واضح، إذ لا يتوقف امتثال هذا التكليف علي الحضور اينما استحضروه بل هو يمتثل بعدم الاباء و الامتناع لو احضرت الواقعة عنده.

و إن قلنا بأن التحمل و الاداء واجبان، فهما و إن كانا واجبين مطلقين، و مقدمة الواجب المطلق واجبة الا انه بمقتضي حديث نفي الضرر، يحكم بعدم وجوبه.

(2) قوله بقي الكلام في شي ء

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 285

خاتمة تشتمل علي مسائل

الاولي: [حرمة بيع المصحف]
اشارة

صرح جماعة كما عن النهاية و السرائر و التذكرة و الدروس و جامع المقاصد بحرمة بيع المصحف (1) و المراد به كما صرح به في الدروس خطه و ظاهر المحكي عن نهاية الاحكام اشتهارها بين الصحابة حيث تمسك علي الحرمة بمنع الصحابة و عليه تدل ظواهر الاخبار المستفيضة.

______________________________

قد تقدم الكلام في هذا الفرع في مبحث الرشوة مفصلا، و عرفت ان الارتزاق من بيت المال المعد لمصالح المسلمين جائز لمن قام بالوظائف التي يعود نفعها الي المسلمين و إن لم يجز أخذ الاجرة عليها لان الارتزاق غير أخذ الاجرة.

و عرفت ان الاظهر ما هو المشهور بين الاصحاب من جواز الارتزاق حتي مع عدم الحاجة.

فتقييد المصنف قدس سره له في المقام بالحاجة غير تام.

مع انه قد مر من المصنف قدس سره جواز اعطاء الامام من خراج الاراضي للقاضي و إن لم يكن محتاجا ان رأي مصلحة في ذلك.

نعم ما كان من الحقوق مختصا بالفقراء كالكفارات و الاوقاف المختصة بهم لا يجوز اعطائه بغير المحتاج.

حرمة بيع المصحف

خاتمة: في بيان مسائل:

(1) الأولي: صرح جماعة بحرمة بيع المصحف.

و قبل

التعرض لحكم المسألة لا بد من تقديم أمرين:

الاول: ان المصحف عبارة عن الاوراق المتضمنة للخطوط علي حد سائر الكتب دون خصوص الخط كما عن الدروس و ارتضاه المصنف قدس سره و الشاهد علي ذلك هو الفهم العرفي أ لا تري ان أحدا لا يحتمل أن يكون المراد بالجواهر عند اطلاقها خصوص الخطوط المنقوشة في ذلك الكتاب.

و بالجملة لا أظن الترديد في ذلك بحسب المتفاهم العرفي.

الثاني: ان الخطوط المنقوشة سواء كانت من قبيل الجواهر كالخطوط المنقوشة

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 286

ففي موثقة سماعة لا تبيعوا المصاحف فان بيعها حرام، قلت: فما تقول في شرائها، قال: اشتر منه الدفتين و الحديد و الغلاف و اياك ان تشتري منه الورق.

و فيه القرآن مكتوب فيكون عليك حراما و علي من باعه حراما (1) و مضمرة عثمان ابن عيسي قال: سألته عن بيع المصاحف و شرائها، قال «فقال» لا تشتر كلام الله و لكن اشتر الجلد و الحديد و الدفة (الدفتين) و قل اشتري منك هذا بكذا و كذا.

و رواه في الكافي عن عثمان بن عيسي عن سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام و رواية جراح المدائني في بيع المصاحف، قال: لاتبع الكتاب و لا تشتره و بع الورق و الاديم و الحديد.

______________________________

بالحبر، أو كانت من قبيل الاعراض او هيئات الأموال.، انما تقابل بالمال لانها يرغب اليها

و يبذل بازائها العوض، بل ربما تكون عمدة النظر اليها و لا نظر الي الاوراق اصلا، كما انه ربما يكون كل منهما منظورا اليها و يجعل العوض بازائهما معا.

و بالجملة: لا يعتبر في صدق مفهوم البيع كون المبيع من الجواهر.

مضافا الي ما تقدم من انها ربما تكون من قبيل الجواهر.

و عليه: فما أورده

الاستاذ الاعظم علي المصنف قدس سره بأن الخط بما هو خط غير قابل للبيع، غير وارد.

إذا عرفت هذين الامرين. فاعلم أن النصوص الواردة في المقام علي طائفتين:

الاولي: ما دل علي المنع و هي قسمان:

الاول: ما يكون ظاهرا في المنع عن بيع الاوراق المشتملة علي الخطوط المقيدة بها التي عليها يحمل المصحف عند اطلاقه.

(1) كخبر «1» سماعة عن الإمام الصادق عليه السلام المذكور في المتن.

و الظاهر من قوله و اياك ان تشتري منه الورق و فيه القرآن مكتوب بيع الورق المقيد بالخطوط المنقوشة، فينطبق علي ما في صدره من النهي عن بيع المصاحف.

و لكن الخبر ضعيف السند، لان في طريقه الحسن بن علي بن أبي حمزة الذي هو ضعيف، و الغريب تعبير المصنف قدس سره عن هذا الخبر بالموثق.

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 287

(1) و رواية عبد الله بن سيابة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ان المصاحف لن تشتري فاذا اشتريت فقل: انما اشتري منك الورق و ما فيه من الاديم و حليته و ما فيه من عمل يدك بكذا و كذا. و ظاهر قوله عليه السلام ان المصاحف لن تشتري انها لا تدخل في ملك أحد علي وجه العوضية عما بذله من الثمن، و انها اجل من ذلك و يشير اليه تعبير الامام في بعض الاخبار بكتاب الله و كلام الله الدال علي التعظيم و كيف كان، فالحكم في المسألة واضح بعد الاخبار و عمل من عرفت حتي مثل الحلي الذي لا يعمل بأخبار الآحاد.

______________________________

(1) و خبر «1» عبد الرحمن بن سليمان، في الوسائل عبد الرحمن بن سيابة، و تبعه المصنف، و

في المصدر عبد الرحمن بن سليمان عن الامام الصادق عليه السلام لاحظ المتن. و هذا الخبر مجهول لعبد الرحمن.

و خبر جراح المدائني عن الامام الصادق عليه السلام في بيع المصاحف قال: لاتبع الكتاب و لا تشتره و بع الاديم و الورق و الحديد «2» و هذا الخبر ايضا ضعيف لقاسم بن سليمان و جراح.

القسم الثاني: ما يكون ظاهرا في المنع عن بيع الخطوط المنقوشة.

كموثق «3» سماعة عنه عليه السلام رواه في المتن مع اختلاف عن بيع المصاحف و شرائها، فقال: لا تشتر كتاب الله عز و جل و لكن اشتر الحديد و الورق و الدفتين و قل: اشتري منك هذا بكذا و كذا.

و ظاهره حرمة جعل الخطوط مبيعا سواء جعلت كذلك مستقلة أوفي ضمن بيع المجموع.

و رواه الشيخ في محكي التهذيب و فيه: لا تشتر كلام الله.. الي آخره.

ثمّ انه قد يتوهم التنافي بين الاخبار الثلاثة الاخيرة و الخبر الاول، بدعوي انها تدل علي جواز بيع الورق، و الخبر الاول يدل علي عدم جوازه.

و قد دفع التنافي صاحب الجواهر قدس سره بحمل الاخبار المجوزة علي ارادة شراء الورق قبل أن يكتب بها علي أن يكتبها، فيكون العقد في الحقيقة متضمنا لمورد البيع و مورد الاجارة بقرينة قوله عليه السلام و ما عملته يدك بكذا ضرورة عدم صلاحية العمل لكونه موردا للبيع، فلا بد من تنزيله علي الاجارة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 7.

(3) نفس المصدر، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 288

(1) و ربما يتوهم هنا ما يصرف هذه الأخبار عن ظواهرها مثل رواية أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله

عليه السلام عن بيع المصاحف و شرائها، قال: انما كان يوضع الورق عند القامة و المنبر، قال: و كان بين الحائط و المنبر قدر ممرّ شاة أو رجل و هو منحرف، فكان الرجل يأتي فيكتب السورة (البقرة) و يجي ء آخر فيكتب السورة، و كذلك كانوا ثمّ انهم اشتروا بعد ذلك، قلت: فما تري في ذلك؟ قال:

اشتريه أحب الي من أن أبيعه و مثله رواية روح بن عبد الرحيم. و زاد فيه قلت:

فما تري ان اعطي علي كتابته أجرا قال: لا بأس و لكن هكذا كانوا يصنعون فانها تدل علي جواز الشراء من جهة حكايته عن المسلمين بقوله، ثمّ انهم اشتروا بعد ذلك و قوله اشتريه احب الي من أن أبيعه و نفي البأس عن الاستئجار لكتابته كما في أخبار اخر غيرها، فيجوز تملك الكتابة بالاجرة فيجوز وقوع جزء من الثمن بإزائها عند بيع المجموع المركب منها و من القرطاس و غيرهما لكن الانصاف أن لا دلالة فيها علي جواز اشتراء خط المصحف، و انما تدل علي ان تحصيل المصحف في الصدر الاول كان بمباشرة كتابته ثمّ قصرت الهمم فلم يباشروها بأنفسهم و حصلوا المصاحف بأموالهم شراء و استئجارا و لا دلالة فيه علي كيفية الشراء و ان الشراء و المعاوضة لا بد أن لا يقع الا علي ما عدا الخط من القرطاس و غيره.

______________________________

و فيه: ان قوله: و ما عملته … الي آخره الظاهر ان المراد به هو مثل التصحيف و خياطة الكراريس لا الكتابة، و ايضا الظاهر ان المراد به هو الأثر الحاصل من هذه الاعمال لا نفس الفعل، و الا فلا وجه لجعل العمل بعد وقوعه موردا للاجارة.

فالمتعين في دفع المنافاة ان يقال:

إن المراد من الخبر الاول الورق المشتمل علي الخطوط كما تقدم و من الاخبار المجوزة الورق المجرد.

(1) الطائفة الثانية: ما دل علي الجواز: كصحيح أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام عن بيع المصاحف و شرائها فقال عليه السلام: انما كان يوضع عند القامة و المنبر- الي ان قال- اشتريه أحب إلي من أن أبيعه «1» و نحوه خبر روح بن عبد الرحيم «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8.

(2) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 9.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 289

و في بعض الروايات دلالة علي أن الاولي مع عدم مباشرة الكتابة بنفسه أن يستكتب بلا شرط ثمّ يعطيه ما يرضيه مثل رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أم عبد الله بنت الحسن ارادت أن تكتب مصحفا فاشترت ورقا من عندها ودعت رجلا فكتب لها علي غير شرط فاعطته فرغ خمسين دينارا و انه لم تبع المصاحف الا حديثا، و مما يدل علي الجواز رواية عنبسة الوراق قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام اني رجل أبيع المصاحف، فإن نهيتني لم ابعها، قال: الست تشتري ورقا و تكتب فيه، قلت: نعم و أعالجها قال: لا بأس بها و هي و إن كانت ظاهرة في الجواز إلا أن ظهورها من حيث السكوت عن كيفية البيع في مقام الحاجة الي البيان فلا تعارض ما تقدم من الاخبار المتضمنة للبيان. (1) و كيف كان فالاظهر في الاخبار ما تقدم من الاساطين المتقدم اليهم الاشارة.

______________________________

و خبر عنبسة الوراق- المهمل المجهول- عن الامام الصادق عليه السلام المذكور في المتن «1».

(1) و قد جمع

المصنف قدس سره بين الطائفتين بحمل الأخبار المانعة علي المنع عن بيع الخط، و الاخبار المجوزة علي جواز بيع ما عدا الخط لعدم التعرض فيها للكيفية، بدعوي أن نصوص الجواز واردة في مقام بيان أن الناس قصرت هممهم عن تحصيل المصاحف الا بالمال، و أما أن كيفية شرائها و انه هل كانت المعاملة علي ما عدا الكتابة أو معها فهي غير متعرضة لذلك، ففي ذلك يرجع الي النصوص المانعة.

و فيه: ان مورد نصوص الجواز بيع المصاحف، و المصحف إن كان عبارة عن خصوص الخط- كما عليه بنائه قدس سره تبعا للدروس- فهي صريحة في جواز بيع ما تضمنت نصوص المنع المنع عن بيعه، و إن كان عبارة عن الاوراق المشتملة علي الخطوط فحيث ان الكتابة مقومة لمصحفية المصحف لعدم صدق المصحف علي ما عدا الكتابة بالبداهة فهي كالصريحة في جواز ايقاع المعاملة علي ما يشمل الكتابة، فعلي كل تقدير هذا حمل تبرعي لا شاهد له.

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 290

______________________________

و اضعف منه ما ذكره بعض مشايخنا المحققين و هو حمل المانعة علي المنع عن ايقاع المعاملة علي القرآن و كلام الله، أي جعل هذا عنوانا للمبيع، و حمل نصوص الجواز علي ارادة بيع ما ينطبق عليه القرآن من دون أن يقصد في البيع هذا العنوان المنطبق عليه، فيكون محصل الكلام عبر بالجلد و الحديد و أثر عمل الله و لا تعبر بالقرآن و المصحف.

فالصحيح في مقام الجمع حمل نصوص المنع علي الكراهة لصراحة قوله عليه السلام في صحيح أبي بصير اشتريه أحب الي من أن أبيعه في الجواز.

و علي فرض ابقاء ظهور الاخبار المانعة علي

حاله لا يستفاد منها الا الحرمة التكليفية و هي لا تلازم الفساد كما تقدم في أول الكتاب مفصلا.

و ليعلم أن متعلق الحكم كراهة أو حرمة تكليفية أم وضعية هو البيع، و استفادة ثبوت هذا الحكم لجميع أنحاء النقل و الانتقال متوقفة علي فهم المناط، أو ثبوت أن الخطوط لا تكون كسائر الاموال و لا تكون مملوكة لأحد، و هما كما تري، لا سيما الاخير كيف و قد دلت الروايات علي ان المصحف من الحبوة، و يكون مختصا بالولد الاكبر، و مع عدمه ينتقل الي سائر الورثة.

فما أفاده المحقق الايرواني قدس سره من أنه يمكن جعل الاخبار المانعة اشارة الي عدم قبول المصحف للنقل و لو بالاسباب غير الاختيارية كالارث ضعيف.

و الظاهر ان النصوص المانعة لا تشمل مبادلة المصحف بالمصحف، إذ الظاهر منها ان النهي عن بيعه انما هو لاجل تعظيم القرآن و انه أجل من أن يجعل بإزائه ثمن بخس، و هذا المحذور لا يترتب علي المبادلة المزبورة.

و مقتضي القاعدة جواز أخذ الاجرة علي كتابة القرآن لكونها عملا محترما، و لم يثبت التلازم في الحكم بين أخذ الاجرة علي الكتابة و البيع، مع انه تدل علي جوازه جملة من النصوص.

كصحيح علي بن جعفر قال: و سألته عن الرجل هل يصلح له أن يكتب المصحف بالاجر؟ قال: لا بأس به «1» و نحوه غيره.

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب ما يكتسب به، حديث 13.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 291

بقي الكلام في المراد من حرمة البيع و الشراء (1) بعد فرض ان الكاتب للمصحف في الاوراق المملوكة مالك للاوراق، و ما فيها من النقوش فان النقوش إن لم تعد من الاعيان المملوكة عرفا بل من صفات المنقوش

الذي تتفاوت قيمته بوجودها و عدمها فلا حاجة الي النهي عن بيع الخط فانه لا يقع بإزائه جزء من الثمن حتي يقع في حيز البيع و إن عدت من الاعيان المملوكة عرفا، فإن فرض بقائها علي ملك البائع بعد بيع الورق و الجلد فيلزم شركته مع المشتري و هو خلاف الاتفاق و إن انتقلت الي المشتري فان كان بجزء من العوض فهو البيع المنهي عنه. لان بيع المصحف المركب من الخط و غيره ليس الا جعل جزء من الثمن بإزاء الخط و إن انتقلت اليه قهرا تبعا لغيره لا لجزء من العوض نظير بعض ما يدخل في المبيع فهو خلاف مقصود المتبايعين مع ان هذا كالتزام كون المبيع هو الورق المقيد بوجود هذه النقوش فيه لا الورق و النقوش، فان النقوش غير مملوكة بحكم الشارع مجرد تكليف صوري إذ لا أظن أن يعطل أحكام الملك فلا تجري علي الخط المذكور إذا بنينا علي انه ملك عرفا قد نهي عن المعاوضة عليه، بل الظاهر انه إذا لم يقصد بالشراء الا الجلد و الورق كان الخط باقيا علي ملك البائع فيكون شريكا بالنسبة. فالظاهر انه لا مناص عن التزام التكليف الصوري أو يقال إن الخط لا يدخل في الملك شرعا، و إن دخل فيه عرفا فتأمل.

و لأجل ما ذكرنا التجأ بعض الي الحكم بالكراهة و أولوية الاقتصار في المعاملة علي ذكر الجلد و الورق بترك إدخال الخط فيه احتراما، و قد تعارف الي الآن تسمية ثمن القرآن هدية.

______________________________

المراد من حرمة بيع المصحف

(1) قوله بقي الكلام في المراد من حرمة البيع و الشراء.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 292

______________________________

محصل ما ذكره انه لا ريب في ان الكاتب للمصحف في الاوراق المملوكة له،

مالك للاوراق مع ما فيها من الخطوط و النقوش.

و علي ذلك فإما أن تكون النقوش من الاعيان المملوكة او لا.

و علي الثاني: فلا حاجة الي النهي عن بيع الخط فإنه لا يقع بإزائه جزء من الثمن حتي يقع في حيز البيع.

و علي الاول: فإما أن يبقي الخط في ملك البائع أو ينتقل الي المشتري، فإن بقي في ملك البائع لزم كون المصحف مشتركا بين البائع و المشتري، و هو بديهي البطلان و مخالف للاتفاق، و إن انتقل الي المشتري في مقابل جزء من الثمن فهو البيع المنهي عنه، و إن انتقل اليه تبعا لغيره فهو خلاف مقصود المتبايعين لفرض بنائهما علي ايقاع المعاوضة علي غير الخط، و يعتبر في ما يدخل في الملك تبعا لغيره عدم بناء المتعاملين علي عدم الدخول كما لا يخفي، مع ان هذا مجرد تكليف صوري.

و بهذا البيان يظهر ان الالتزام بكون المبيع هو الورق المقيد بوجود هذه النقوش فيه علي نحو دخول التقيد و خروج القيد لا يفيد.

هذا محصل كلامه، و به يندفع بعض ما أورد عليه الناشئ عن عدم التأمل في ما أفاده قدس سره.

و التحقيق أن يقال: إن في المقام احتمالا آخر، و يدور الامر بين الالتزام به و بين الالتزام بالاحتمال الثالث، ففي الحقيقة يدور الامر لمن اراد الفرار من ايقاع المعاملة المرجوحة بين احتمالين:

الاول: أن يكون المبيع هو الجلد و الورق و الغلاف و الحديد، مشروطا بأن يملك البائع الخطوط و النقوش مجانا، و لا يعتبر التصريح بذلك لقيام القرينة القطعية علي ان عليه بناء المتعاملين في العقد، إذ من المعلوم أن غرض المشتري هو تملك المصحف.

الثاني: أن يكون المبيع بالاصالة هو ما عدا الخط، و

انما تنتقل الخطوط الي المشتري تبعا و قهرا بحكم من الشارع الاقدس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 293

ثمّ إن المشهور بين العلامة قدس سره و من تأخر عنه عدم جواز بيع المصحف من الكافر (1) علي الوجه الذي يجوز بيعه من المسلم، و لعله لفحوي ما دل علي عدم تملك الكافر للمسلم (2) و ان الاسلام يعلو و لا يعلي عليه (3) فان الشيخ قدس سره قد استدل به علي عدم تملك الكافر للمسلم.

______________________________

فإن قلت: لازم كل من الاحتمالين عدم ثبوت الخيار لو ظهر عيب في الخطوط، و الظاهر انه خلاف الاتفاق.

قلت: إنه يمكن أن يكون وجه ثبوت الخيار حينئذ هو تخلف الشرط المبني عليه العقد و هي صحة الخطوط، فيكون الثابت حينئذ خيار تخلف الشرط.

بيع المصحف من الكافر

(1) قوله ثمّ ان المشهور بين العلامة قدس سره و من تأخر عنه عدم جواز بيع المصحف من الكافر.

و قد استدل لعدم جواز بيعه من الكافر- علي تقدير القول بجواز بيعه من المسلم- بوجوه غير مختصة بالبيع، بل هي علي فرض الدلالة جملة منها تدل علي عدم تملك الكافر للمصحف، و بعضها يدل علي عدم جواز تمليكه اياه.

فهاهنا قسمان من الوجوه:

الاول: ما استدل به علي عدم تملك الكافر للمصحف و هو أمران:

(2) أحدهما فحوي ما دل، علي عدم تملك الكافر للمسلم «1» إذ العبد إن لم يتملكه الكافر بمجرد اتصافه بالايمان فالقرآن الذي هو حقيقة الاحكام الشرعية و المعارف الالهية أولي بعدم التملك.

(3) ثانيهما: النبوي المعروف الإسلام يعلو و لا يعلي عليه «2» بدعوي ان ملك الكافر للمصحف المتضمن لجميع المعارف الإسلامية علو للكافر علي الإسلام.

______________________________

(1) الوسائل، باب 28، من أبواب عقد البيع و شروطه.

(2) الوسائل، باب 11 من أبواب

موانع الارث، حديث 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 294

و من المعلوم أن ملك الكافر للمسلم إن كان علوا علي الاسلام فملكه للمصحف أشد علوا عليه و لذا لم يوجد هنا قول بتملكه و اجباره علي البيع كما قيل به في العبد المسلم، و حينئذ فلو كفر المسلم انتقل مصحفه الي وارثه و لو كان الوارث هو الامام هذا،، و لكن ذكر في المبسوط في باب الغنائم ان ما يوجد في دار الحرب من المصاحف و الكتب التي ليست بكتب الزندقة و الكفر داخل في الغنيمة و يجوز بيعها. و ظاهر ذلك تملك الكفار للمصاحف و الا لم يكن وجه لدخولها في الغنيمة بل كانت من مجهول المالك المسلم و ارادة غير القرآن من المصاحف بعيدة.

______________________________

و فيهما نظر.

إذ يرد علي النبوي اولا انه ضعيف السند غير منجبر بشي ء.

و ثانيا: ان المصحف لا يكون متضمنا للمعارف الاسلامية بل هو متضمن لنقوش و خطوط كاشفة عن تلك المعارف، و الاستعلاء علي الخطوط ليس استعلاء علي الاسلام و معارفه.

و ثالثا: ما ذكره السيد الفقيه بقوله: ان هذا الخبر يحتمل معان خمسة:

أحدها: بيان كون الاسلام أشرف المذاهب، و هو خلاف الظاهر جدا. الثاني: بيان انه يعلو من حيث الحجة و البرهان. الثالث: انه يعلو بمعني يغلب علي سائر الاديان. الرابع:

انه لا ينسخ. الخامس: ما اراده الفقهاء من ارادة بيان الحكم الشرعي الجعلي بعدم علو غيره عليه.

و اذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

و لكن الظاهر منه غير الاخير، إذ ارادة الانشاء من مثل هذه الجملة الخبرية خلاف الظاهر.

و يرد علي الفحوي:

اولا: انه لا دليل علي عدم تملكه اياه، بل مقتضي ما دل علي انه يجبر علي البيع و انه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2،

ص: 295

______________________________

يجب عليه ذلك هو تملكه له.

و ثانيا: ان في تملك الكافر للمسلم و تسلطه عليه ذلا عليه و اهانة، بخلاف تملك المصحف فإنه ليس في ذلك ذل.

و ثالثا: ان الاولوية ممنوعة لما تقدم آنفا من ان المصحف انما هو خطوط و نقوش كاشفة عن تلك الاحكام و المعارف، و أفضليتها من المؤمن ممنوعة، أ لا تري انه لو دار الامر بين اتلافه و قتل النفس المحترمة لا ريب في تقديمه عليه.

و أما القسم الثاني: فهو أمران:

الاول: ان تمليك المصحف للكافر هتك له و هو حرام.

و فيه: ان مجرد تمليكه اياه لا يكون هتكا مطلقا، نعم ربما يوجب التسليط له هتكا كما انه ربما يلازم تسليط المسلم عليه هتكا. و بعبارة اخري: النسبة بين تسليط الكافر علي المصحف و بين هتكه عموم من وجه.

مع ان ذلك من صغريات الاعانة علي الاثم، إذ اعطاء المصحف له لا يكون هتكا، بل هو اعانة عليه كما لا يخفي، و قد تقدم في مسألة بيع العنب ممن يجعله خمرا انه لا دليل علي حرمة الاعانة علي الاثم.

مع ان هذا الوجه لو تم لدل علي الحرمة، و هي لا تستلزم الفساد.

الثاني: ان تمليكه للكافر يستلزم تنجيسه للعلم العادي بأن الكافر يمسه مع الرطوبة.

و فيه: اولا: انه لا علم بالملازمة، بل الظاهر ان النسبة بين العنوانين عموم من وجه.

و ثانيا: انه لو سلمت الملازمة فانما هي بين الاعطاء الخارجي و التنجيس لابين التمليك و التنجيس.

و ثالثا: ان هذا ايضا من صغريات الاعانة علي الاثم.

و رابعا: ان الحرمة لا تستلزم الفساد.

فتحصل: ان الاقوي تملك الكافر للمصحف و جواز بيعه له، علي القول بجواز بيعه من المسلم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 296

و الظاهر

ان ابعاض المصحف في حكم الكل (1) إذا كانت مستقلة. و أما المتفرقة في تضاعيف غير التفاسير من الكتب للاستشهاد بلفظه أو معناه فلا يبعد عدم اللحوق لعدم تحقق الاهانة (2) و في إلحاق الادعية المشتملة علي اسماء الله تعالي كالجوشن الكبير مطلقا، أو مع كون الكافر ملحدا بها دون المقر بالله المحترم (3) لأسمائه لعدم الاهانة و العلو وجوه.

______________________________

حكم بيع أبعاض المصحف

(1) قوله و الظاهر ان ابعاض المصحف في حكم الكل يقع الكلام في موردين:

الاول: في بيع الابعاض للمسلم علي القول بعدم جواز بيعه له.

الثاني في تمليكها للكافر.

أما المورد الاول فإن كانت الابعاض مستقلة لا يجوز بيعها، لان القرآن و كلام الله و كتاب الله، تصدق علي الكل و علي البعض.

مع انه من الضروري عدم دخل ضم بعض القرآن الي بعض في هذا الحكم.

مضافا الي ان قوله عليه السلام في خبر سماعة المتقدم، و اياك ان تشتري الورق و فيه القرآن شامل لاي ورق كتب فيه القرآن بلا ريب، و إن كانت متفرقة في تضاعيف الكتب للاستشهاد و الاستدلال ككتب الفقه و غيرها، فلا شبهة في جواز البيع لقيام السيرة القطعية علي ذلك.

و أما المورد الثاني، فالظاهر انه لا فرق بين القرآن و ابعاضه، و في ابعاضه بين المستقلة و المتفرقة في الكتب.

(2) و استدل المصنف قدس سره للجواز في الأبعاض المتفرقة، بعدم تحقق الإهانة.

و فيه: اولا ان الدليل للمنع لم يكن منحصرا بحرمة الاهانة، بل المصنف قدس سره لم يستدل بذلك.

و ثانيا: انه اذا تحققت الاهانة لم يكن فرق، بين المستقلة و غير المستقلة.

(3) قوله دون المقر بالله المحترم.

و فيه: اولا ان المدرك للمنع لو كان هو عدم جواز العلوّ لم يكن فرق بين فرق

الكفار.

و ثانيا: ان الاقرار بالله لا يلازم احترامه لجميع اسمائه تعالي كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 297

و في إلحاق الاحاديث النبوية بالقرآن وجهان: حكي الجزم به عن الكركي و فخر الدين (قدس سرهما) و التردد بينها عن التذكرة و علي اللحوق فيلحق اسم النبي صلي الله عليه و آله بطريق أولي لانه أعظم من كلامه (1) و حينئذ فيشكل ان يملك الكفار الدراهم و الدنانير المضروبة في زماننا المكتوب عليها اسم النبي صلي الله عليه و آله إلا أن يقال إن المكتوب فيها غير مملوك عرفا و لا يجعل بإزاء الاسم الشريف المبارك من حيث انه اسمه صلي الله عليه و آله جزء من الثمن فهو كإسمه المبارك المكتوب علي سيف أو علي باب دار أو جدار إلا أن يقال إن مناط الحرمة التسليط لا المعاوضة، بل و لا التمليك و يشكل ايضا من جهة مناولتها الكافر مع العلم العادي بمسه اياه خصوصا مع الرطوبة.

الثانية: جوائز السلطان و عماله (2)
اشارة

بل مطلق المال المأخوذ منهم مجانا أو عوضا لا يخلو عن أحوال لانه إما ان لا يعلم في جملة أموال هذا الظالم مال محرم يصلح لكون المأخوذ هو من ذلك المال. و إما أن يعلم و علي الثاني فإما أن لا يعلم أن ذلك المحرم أو شيئا منه هو داخل في المأخوذ. و إما أن يعلم ذلك و علي الثاني فإما أن يعلم تفصيلا. و إما أن يعلم اجمالا فالصور أربع:

______________________________

(1) قوله قدس سره لأنه أعظم من كلامه.

لم يقيموا دليلا علي الاعظمية سوي انه لا يجوز للمحدث مس اسمه و يجوز له مس كلامه.

و لكنه غير تام، إذ لو تم ذلك لما كان يثبت به الاعظمية أ لا

تري انه يجوز مس المحدث لبدنه مع انه أعظم من اسمه بلا كلام.

جوائز السلطان الصورة الاولي

(2) قوله جوائز السلطان و عماله بل مطلق المال المأخوذ.

محل البحث انما هو كل ما أخذ، من أي شخص، لا يتورع، و لا يجتنب عن الحرام، و

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 298

[الصورة الأولي أن لا يعلم في جملة أموال هذا الظالم مال محرم]

أما الاولي: فلا اشكال فيها في جواز الاخذ و حلية التصرف. (1)

______________________________

التخصيص بجوائز السلطان و عماله انما هو لاجل الغلبة.

ثمّ المال المأخوذ من الجائر مجانا أو بعنوان المعاملة لا يخلو عن أحوال، إذ الاخذ ربما لا يعلم بوجود مال حرام في أموال الجائر، أو يعلم بوجوده و لكن يعلم بعدم كون المأخوذ من تلك الاموال، و ربما يعلم بوجوده فيها و علي الثاني، فاما ان لا يعلم بوجود مال حرام في المأخوذ أو يعلم بذلك، و علي الاخير، تارة يعلم بوجود الحرام فيه تفصيلا و اخري يعلم به اجمالا فالصور أربع.

(1) قوله اما الأولي فلا اشكال فيها في جواز الأخذ.

الصورة الاولي أن يأخذ المال من الجائر مع عدم علمه بوجود حرام في أمواله يصلح أن يكون المأخوذ من ذلك، و كما أفاده لا إشكال في جواز الاخذ في هذه الصورة و ذلك لوجوه:

الاول: عموم قاعدة اليد التي هي من القواعد التي عليها بناء العقلاء و عمل المتدينين، و تدل عليها جملة من النصوص، و هي امارة لملكية ما تحت يد كل شخص له، كما اشبعنا الكلام في ذلك في رسالة القواعد الثلاث.

الثاني: أصالة الصحة الجارية في اعطاء الجائر مجانا او مع العوض.

و أورد عليها بإيرادين:

أحدهما: ما أفاده الاستاذ الاعظم و هو: ان مدرك هذا الاصل انما هو السيرة و هي من الادلة اللبية، فلا بد من الاخذ بالمتيقن،

و هو نفس العقود و الايقاعات مع احراز أهلية المتصرف للتصرف، فلا يكون المقام مجري لها، إذ الشك في المقام في اهلية الجائر للاعطاء.

و فيه: ما حققناه في الرسالة المشار اليها، من أن أصالة الصحة تجري في موارد الشك من ناحية شرائط العوضين و المتعاقدين ايضا كما تجري في موارد الشك في صحة العقد من جهة الشك في شرائط العقد لقيام السيرة علي ذلك.

ثانيهما: ما أفاده بعض مشايخنا المحققين قدس سره و هو: ان أصالة الصحة لا تنفع في جواز

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 299

للاصل و الاجماع (1) و الاخبار الآتية. (2)

______________________________

القبض فيما كان القبض جزء الناقل كالهبة، فإن جوازه فيها ليس مترتبا علي صحة العقد، مع ان صحة العقد تتوقف علي جوازه.

و فيه: ان الشك في جواز القبض لا يعتني به لجريان أصالة الصحة في نفس الاعطاء الخارجي، و لا يدفع هذا الاحتمال بإجراء اصالة الصحة في العقد كي يرد المحذور المذكور.

(1) و قد استدل المصنف قدس سره لجواز الأخذ في هذه الصورة بوجهين آخرين:

أحدهما: الاجماع.

و فيه: ان مدرك المجمعين معلوم، فليس هو اجماعا تعبديا كاشفا عن رأي المعصوم.

ثانيهما: الاصل.

إن أريد به قاعدة اليد، أو أصالة الصحة، فالاستدلال به متين.

و إن أريد به أصالة الاباحة، فيرد عليه: ان هذا الاصل محكوم لأصالة عدم انتقال ذلك المال الخاص الي الجائر من مالكه السابق، و عدم صيرورة الجائر مالكا له.

(2) الثالث: الروايات الخاصة الواردة في المقام.

كصحيح أبي ولاد قال: قلت: لابي عبد الله عليه السلام: ما تري في رجل يلي اعمال السلطان ليس له مكسب الا من اعمالهم و انا أمر به فانزل عليه فيضيفني و يحسن الي و ربما أمر لي بالدراهم و الكسوة و

قد ضاق صدري من ذلك، فقال لي: كل و خذ منه فلك المهنا و عليه الوزر «1».

و صحيح أبي المعزا قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام و انا عنده فقال: اصلحك الله أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم آخذها؟ قال عليه السلام: نعم «2» و نحو هما غير هما.

______________________________

(1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 300

لكن ربما يوهم بعض الاخبار انه يشترط في حل مال الجائر ثبوت مال حلال له (1) مثل ما عن الاحتجاج عن الحميري انه كتب الي صاحب الزمان عجل الله تعالي فرجه الشريف يسأله عن الرجل يكون من وكلاء الوقف مستحلا (مستحل) لما في يده و لا يتورع (يرع) عن أخذ ماله ربما نزلت في قرية و هو فيها أو أدخل منزله، و قد حضر طعامه فيدعوني اليه فإن لم أكل من طعامه عاداني عليه فهل يجوز لي أن أكل من طعامه و اتصدق بصدقة و كم مقدار الصدقة و ان اهدي هذا الوكيل هدية الي رجل آخر فيدعوني الي ان انال منها و انا اعلم أن الوكيل لا يتورع عن أخذ ما في يده فهل علي فيه شي ء ان انا نلت منه، الجواب ان كان لهذا الرجل مال او معاش غير ما في يده فاقبل بره و الا فلا بناء علي ان الشرط في الحلية هو وجود مال آخر فاذا لم يعلم به لم يثبت الحل لكن هذه الصورة قليل التحقق.

______________________________

و هذه النصوص اما مختصة بهذه الصورة او تدل علي حكمها بالاطلاق او بالاولوية كما سيأتي.

(1) قوله انه يشترط في حل مال

الجائر ثبوت مال حلال له.

و حاصله ان خبر الاحتجاج «1» المروي في المتن يدل علي ان شرط الحلية وجود مال حلال للجائر و الا فلا يجوز.

و أورد عليه السيد الفقيه و تبعه الاستاذ الاعظم: بأن مورد كلامنا هي الصورة الاولي و هي ما اذا لم يعلم باشتمال أموال الجائر علي مال محرم، و مفروض الرواية عكس ذلك، و ثبوت مال محرم فيها، لان مال الوقف الذي في يده مال محرم، و يحتمل ان يكون ما أخذه السائل منه.

و لكن: يمكن أن يقال: إن نظر المصنف قدس سره الي ان الرواية شاملة للمورد من جهة أنه يمكن في مورد الرواية أن يكون مال الوقف معينا علم السائل بصرفه في غير محله، و لا يحتمل أن يكون ما اعطي له منه، و لكن احتمل أن يكون من حرام آخر لعدم تورعه عن الحرام، فمن عدم الاستفصال يستكشف ثبوت الحكم في هذه الصورة ايضا.

______________________________

(1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 15.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 301

اما الثانية: [يعلم بوجود مال محرم للجائر لكن لا يعلم بأن الجائزة منه]
اشارة

فإن كانت الشبهة فيها غير محصورة (1) فحكمها كالصورة الاولي (2) و كذا إذا كانت محصورة بين ما لا يبتلي المكلف به و بين ما من شأنه الابتلاء به كما اذا علم أن الواحد المردد بين هذه الجائزة و بين أم ولده المعدودة من خواص نسائه مغصوب و ذلك لما تقرر في الشبهة المحصورة من اشتراط تنجز تعلق التكليف فيها بالحرام الواقعي بكون كل من المشتبهين بحيث يكون التكليف بالاجتناب عنه منجزا، لو فرض كونه هو المحرم الواقعي لا مشروطا بوقت الابتلاء المفروض انتفائه في أحد هما في المثال، فان التكليف غير منجز بالحرام الواقعي علي أي تقدير لاحتمال

كون المحرم في المثال هي ام الولد و توضيح المطلب في محله.

______________________________

هذا غاية ما يمكن أن يقال في توجيه كلامه، الا أن في النفس من ذلك شيئا، فالصحيح ان يورد عليه بضعف سند الرواية لارسالها.

الصورة الثانية

(1) قوله و أما الثانية فإن كانت الشبهة غير محصورة.

الصورة الثانية: هي ما لو علم باشتمال اموال الجائر علي الحرام و يحتمل كون المأخوذ من ذلك الحرام.

و قد أفاد المصنف قدس سره ان لهذه الصورة موردين:

الاول: كون الشبهة فيها غير محصورة او كون أحد الأطراف خارجا عن محل الابتلاء.

الثاني: كون الشبهة محصورة و كون جميع الاطراف داخلة في محل الابتلاء.

(2) و قال: انه في المورد الأول يكون حكم هذه الصورة حكم الصورة الأولي، إذ العلم الاجمالي انما يوجب التنجز اذا كان التكليف المعلوم فعليا علي كل تقدير، و الا فوجود هذا العلم كعدمه، فلو كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء، حيث ان التكليف لو كان في ذلك الطرف لا يكون فعليا منجزا بل يكون الحكم معلقا علي التمكن، فلا يكون هذا العلم الاجمالي منجزا.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 302

______________________________

و فيه: انه قد حققنا في زبدة الاصول ان الدخول في محل الابتلاء لا يكون من شرائط صحة التكليف.

و بعبارة اخري: اذا فرضنا الشي ء مقدورا عقلا يصح التكليف به و لو كان خارجا عن محل الابتلاء و عليه فالعلم الاجمالي بوجود التكليف في أحد الاطراف التي يكون بعضها خارجا عن محل الابتلاء يكون منجزا.

كما انه حققنا ان كون الشبهة غير محصورة لا يوجب عدم تنجيز العلم الاجمالي، نعم اذا كان بعض الاطراف غير مقدور بالقدرة العقلية لا يكون العلم الاجمالي منجزا، و تمام الكلام في ذلك موكول الي محله.

و لكن لا

بأس بالتنبيه علي أمر و هو: ان المصنف قدس سره في فرائده بعد ما اختار عدم تنجيز العلم الاجمالي اذا كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء عنون مسألة اخري و هي: انه اذا شك في كون أحد الاطراف داخلا في محل الابتلاء او خارجا عنه، هل يكون العلم الاجمالي منجزا أم لا؟ و اختار فيها التنجيز.

و استدل له: بأن مقتضي الاطلاقات هو ثبوت التكليف لو كان في ذلك الطرف، و لا يعتني باحتمال خروجه عن محل الابتلاء و عليه فالعلم الاجمالي المزبور يكون منجزا.

و أورد عليه السيد الفقيه في حاشيته في المقام: بأن الابتلاء لو كان شرطا فانما يكون بالنسبة الي التنجيز لا إلي أصل التكليف، فهو شرط عقلي في مرتبة متأخرة عن مرتبة المطلق، فلا يكون الاطلاق وافيا بدفع الشك الراجع الي حكم العقل، فهو نظير الشك في شرائط طريق الامتثال.

و فيه: ان ما أفاده المصنف قدس سره و إن لم يكن تاما لكونه تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية، و هو لا يجوز، الا ان هذا الايراد لا يرد عليه، إذ لا يعقل كونه شرطا لتنجز التكليف، و ذلك لان المراد من عدم تنجز التكليف ان كان انه في صورة الترك و عدم الفعل

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 303

ثمّ انه صرح جماعة بكراهة الاخذ. (1)

و عن المنتهي الاستدلال له باحتمال الحرمة و بمثل قولهم عليهم السلام دع ما يريبك و قولهم عليهم السلام من ترك الشبهات نجي من المحرمات (2) الخ.

______________________________

في الشبهات التحريمية لا يعاقب عليه، فهو في جميع المحرمات الداخلة في محل الابتلاء كذلك، و إن كان المراد ان التكليف يكون بنحو لو خولف لا يعاقب عليه فهذا مما لا يمكن الالتزام

به، إذ فرض ذلك فرض الابتلاء فتدبر فانه دقيق، فعلي فرض كونه شرطا فانما هو شرط لفعلية التكليف و عليه فيصح التمسك بالاطلاق مع قطع النظر عما ذكرناه.

و كيف كان: فتحصل ان حكم هذا المورد حكم المورد الثاني، و سيجي ء تنقيح القول في ذلك فانتظر.

لا يكره أخذ المال من الجائر لو جاز

و تمام الكلام في هذا المورد ببيان أمور: منها ما ذكره المصنف قدس سره بقوله:

(1) صرح جماعة بكراهة الأخذ.

و استدل له بوجوه:

الاول: ما عن المنتهي، و هو احتمال أن يكون المأخوذ حراما واقعيا و إن جاز الاخذ و التصرف ظاهرا.

و فيه: ان هذا الاحتمال موجود حتي فيما يؤخذ من عدول المؤمنين، و لا اختصاص له بما يؤخذ من الجائر، مع ان هذا لا يصلح مدركا للكراهة الشرعية، غاية الامر كونه منشأ لرجحان التجنب تحفظا عن الوقوع في الحرام الواقعي، و لا يترتب علي هذا الرجحان سوي الفرار من الوقوع في المحرم الواقعي.

(2) الثاني: النصوص الدالة علي حسن الاحتياط. كقوله عليه السلام: دع ما يريبك الي ما لا يريبك «1» و قوله عليه السلام: الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكة «2» و نحوهما غيرهما.

______________________________

(1) الوسائل، باب 12، من أبواب صفات القاضي.

(2) نفس المصدر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 304

و ربما يزاد علي ذلك بأن أخذ المال منهم يوجب محبتهم فإن القلوب مجبولة علي حب من أحسن اليها و يترتب عليه من المفاسد ما لا يخفي. (1)

و في الصحيح ان أحدكم لا يصيب من دنياهم شيئا الا اصابوا من دينه مثله (2) و ما عن الامام الكاظم من قوله عليه السلام: لو لا اني اري من ازوجه بها من عزاب آل «بني» أبي طالب لئلا ينقطع نسله ما قبلتها ابدا. (3)

______________________________

و

فيه: انه تارة نقول ان هذه الاخبار مختصة بما اذا اشتبه الحكم الظاهري ايضا بمعني ان الواقعة غير معلومة الحكم حتي ظاهرا، فهي اجنبية عن المقام لكون الحكم الظاهري و هو الجواز معلوما لقاعدة اليد.

و اخري: نقول بشمولها لما اذا اشتبه حكمها الواقعي و إن كان الحكم الظاهري معلوما فيرد علي الاستدلال بها: انه علي هذا لا يختص هذا الحكم بما يؤخذ من يد الجائر، لوجود احتمال الحرمة الواقعية في نوع الاموال حتي المأخوذة من عدول المؤمنين.

مع ان مفاد هذه الاخبار ليس هو الكراهة الشرعية، فانها تدل علي الرجحان العقلي الذي لا يترتب عليه سوي عدم الوقوع في المحتمل.

(1) الثالث: ان أخذ المال يوجب محبتهم، فإن القلوب مجبولته علي حب من أحسن اليها، و يترتب عليه من المفاسد ما لا يخفي.

و فيه: ان المنهي عنه هو محبتهم، فالموضوع ليس هو المال المشتبه بل من هذه الجهة لا فرق بين المشتبه و معلوم الحلية.

(2) الرابع: ما في الصحيح: ان احدكم لا يصيب من دنياهم شيئا إلا أصابوا من دينه مثله «1».

و فيه: انه ليس في مقام انشاء الحكم بل الظاهر منه كونه ارشادا الي ان ذلك يستلزم محبة بقائهم، و هي مرجوحة و لا أقل من احتمال ذلك مع ان هذا لا يختص بالمال المشتبه.

(3) الخامس قول الإمام الكاظم عليه السلام في خبر الفضل «2». المذكور في المتن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 42، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

(2) الوسائل، باب 50، من أبواب ما يكتسب به، حديث 11.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 305

ثمّ انهم ذكروا ارتفاع الكراهة بأمور:

منها أخبار المجيز بحليته بأن (1) يقول هذه الجائزة من تجارتي أو زراعتي أو نحو ذلك مما يحل للأخذ

التصرف فيه، و ظاهر المحكي عن الرياض تبعا لظاهر الحدائق انه مما لا خلاف فيه و اعترف ولده في المناهل بأنه لم يجد له مستندا مع انه لم يحك التصريح به الا عن الاردبيلي، ثمّ عن العلامة الطباطبائي و يمكن أن يكون المستند ما دل علي قبول قول ذي اليد فيعمل بقوله كما لو قامت البينة علي تملكه (2)

و شبهة الحرمة و إن لم ترتفع بذلك الا ان الموجب للكراهة ليس مجرد

______________________________

فإنه يدل علي ان قبول الهدية في نفسه مرجوح، و انما قبلها الامام لمصلحة أهم و هي بقاء نسل أبي طالب.

و فيه: ان الظاهر و لا أقل من المحتمل كون منشأ مرجوحية قبولها له عليه السلام انما هو كراهة قبول المنة منهم لا كراهة قبول الهدية شرعا، و يشهد لذلك ان ما أخذه عليه السلام من الرشيد إن كان من أمواله الشخصية أو من بيت المال أو من مجهول المالك جاز له أخذه من غير كراهة، أما علي الاول فواضح، و أما علي الاخيرين فلان بيت المال و مجهول المالك للامام عليه السلام، و إن كان من معروف لم يجز أخذه حتي لاستيفاء هذه المصلحة المهمة.

فتحصل: انه لا دليل علي الكراهة شرعا.

رافع الكراهة عن جوائز السلطان

(1) قوله منها اخبار المجيز بحليته.

الثاني: نسب الي المشهور: ارتفاع الكراهة علي تقدير ثبوتها بأخبار المجيز بحليته و انه من أمواله الشخصية، بل عن بعضهم: نفي الخلاف فيه، و لكن لم يذكروا لذلك مستندا سوي ما في المكاسب.

(2) بأنه يمكن أن يكون المستند ما دل علي قول ذي اليد فيعمل بقوله كما لو قامت البينة علي تملكه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 306

الاحتمال و إلا لعمت الكراهة أخذ المال من كل أحد، بل

الموجب له كون الظالم مظنة الظلم و الغصب (1) و غير متورع عن المحارم نظير كراهة سؤر من لا يتوقي النجاسة، و هذا المعني يرتفع بأخباره الا اذا كان خبره كيده مظنة للكذب لكونه ظالما غاصبا فيكون خبره حينئذ كيده و تصرفه غير مفيد الا للاباحة الظاهرية الغير المنافية للكراهة فيخص (فيختص) الحكم برفع الكراهة بما اذا كان مأمونا في خبره، و قد صرح الاردبيلي قدس سره بهذا القيد في أخبار وكيله و بذلك يندفع ما يقال من انه لا فرق بين يد الظالم و تصرفه و بين خبره في كون كل منهما مفيدا للملكية الظاهرية غير مناف للحرمة الواقعية المقتضية للاحتياط، فلا وجه لوجود الكراهة الناشئة عن حسن الاحتياط مع اليد و ارتفاعها مع الاخبار فتأمل.

و منها إخراج الخمس (2) منه حكي عن المنتهي و المحقق الاردبيلي قدس سره، و ظاهر الرياض هنا ايضا عدم الخلاف، و لعله لما ذكر في المنتهي في وجه استحباب إخراج الخمس من هذا المال من ان الخمس مطهر للمال المختلط يقينا بالحرام فمحتمل الحرمة أولي بالتطهير (3) به، فإن مقتضي الطهارة بالخمس صيرورة

______________________________

و هو فاسد، فإن أخباره بحليته يكون أمارة الملكية، كما أن يده أمارة لها، فإن كانت الكراهة ثابتة مع اليد من جهة احتمال الحرمة كانت ثابتة مع أخباره بها، إذ به لا يقطع بالحلية، و عليه فما استدل به علي ثبوت الكراهة يدل علي ثبوتها حتي مع الاخبار لو تمت دلالته عليه.

(1) و ما ذكره المصنف قدس سره من ان الموجب له كون الظالم مظنة الظلم و الغصب لا مجرد احتمال ذلك فإذا أخبر المجيز بحلية الجائزة و كان مأمونا في خبره لا محالة لا يكون

مظنة ذلك بل يكون احتمالا مجردا و هو لا يوجب الكراهة.

فيه: ان مقتضي الادلة المتقدمة كون الموجب مجرد الاحتمال الموجود مع الاخبار ايضا.

(2) قوله و منها إخراج الخمس.

و قد استدل لكونه رافعا للكراهة بوجهين:

(3) أحدهما: ما عن العلامة قدس سره و هو: ان الخمس يطهر المال المختلط بالحرام يقينا، فمحتمل الحرمة أولي بالتطهير منه، فإن المستفاد من النصوص الواردة في المقيس عليه

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 307

المال حلالا واقعيا فلا يبقي حكم الشبهة كما لا يبقي في المال المختلط يقينا بعد إخراج الخمس. نعم (لكن» يمكن الخدشة في أصل الاستدلال بأن الخمس انما يطهر المختلط بالحرام حيث ان بعضه حرام و بعضه حلال فكأن الشارع جعل الخمس بدل ما فيه من الحرام (1) فمعني تطهيره تخليصه بإخراج الخمس مما فيه من الحرام، فكان المقدار الحلال طاهرا في نفسه الا انه قد تلوث بسبب الاختلاط مع الحرام بحكم الحرام و هو وجوب الاجتناب، فإخراج الخمس مطهر له عن هذه القذارة العرضية. و أما المال المحتمل لكونه بنفسه حراما، و قذرا ذاتيا فلا معني لتطهيره بإخراج خمسه بل المناسب لحكم الاصل حيث جعل الاختلاط قذارة عرضية كون الحرام قذر العين، و لازمه ان المال المحتمل الحرمة غير قابل للتطهير فلا بد من الاجتناب عنه.

______________________________

صيرورة المال حلالا واقعيا بعد إخراج الخمس، و مقتضي جريانه بالاولوية في المقام الحلية الواقعية، فلا يبقي اشتباه حتي تبقي الكراهة.

(1) و أورد عليه المصنف قدس سره بأن الحلال المختلط بالحرام المعلوم وجوده المجهول قدره انما يكون طاهرا ذاتا، و انما صار قذرا عرضا بواسطة الاختلاط بالحرام، فيمكن تطهيره بإخراج الخمس، فكأن الشارع جعل ذلك مصالحة و الخمس بدلا عما فيه من الحرام، و

هذا لا يجري في مورد يحتمل كون المال بتمامه حراما و قذرا ذاتا، فانه لا معني لتطهيره باخراج خمسه.

و لكن: يمكن الجواب عن هذا الايراد بأن في المقيس عليه انما يحكم بطهارة المال و إن كان في الواقع مقدار الحرام أزيد من الخمس، فاذا فرضنا صيرورة الحرام الواقعي طاهرا و حلالا واقعا بإخراج الخمس لكون ذلك مصالحة في نظر الشارع فليكن في المحتمل كذلك، و مجرد احتمال القذارة الذاتية في مجموع المال لا يمنع من ذلك، فيكون المقام نظير ما لو كان مال مرددا بين شخصين و تصالحا علي النصف مثلا.

مع انه يمكن تصوير صورة يكون المقام مثل المقيس عليه، و هي ما لو علم بحلية بعض الجائزة و احتمل حرمة الباقي مع الجهل بقدره، فاذا ثبت استحباب الخمس في هذه الصورة و ارتفعت الكراهة بذلك ثبت الاستحباب و ارتفعت الكراهة في غير هذه الصورة ايضا بعدم القول بالفصل.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 308

نعم يمكن أن يستأنس أو يستدل علي استحباب الخمس بعد فتوي النهاية التي هي كالرواية ففيها كفاية (1) في الحكم بالاستحباب و كذلك فتوي السرائر مع عدم العمل فيها إلا بالقطعيات.

______________________________

فالاولي في مقام الايراد علي أصل الاستدلال أن يقال: إن الاولوية ظنية لا اعتبار بها، إذ لعل التخميس حكم العلم بالحرام لا واقع الحرام.

مع ان مقتضي هذا الوجه هو الحكم بوجوب التخميس لا استحبابه لان ذلك لازم اتحاد الملاك في الموردين.

ثانيهما: ان النصوص الدالة علي حلية المال المختلط بإخراج خمسه مطلقة شاملة لما اذا احتمل كون جميع المال حراما، لو لم يكن ذلك هو الغالب من موردها، و مع ذلك فاذا أثر التخميس في حلية البقية كان معناه ان التخميس يرفع كل

منقصة في المال.

و بعبارة اخري: كان معناه رفع أثر العلم الاجمالي و الشك البدوي، فإذا كان رافعا لأثر الاحتمال هناك كان رافعا لأثر الاحتمال في المقام لعدم القول بالفصل و للعلم بعدم دخل اقتران العلم في رفع أثر الاحتمال.

و فيه: انه لا دليل علي رفع أثر الاحتمال و الشك البدوي، فإن غاية ما يستفاد من تلك النصوص ارتفاع أثر العلم الاجمالي، فاذا فرضنا احتمال الحرمة في جميع المال و كون أثر ذلك كراهة الاخذ فلا تدل النصوص علي رفع هذه الكراهة.

تذييل

(1) قوله بعد فتوي النهاية التي هي كالرواية ففيها كفاية في الحكم بالاستحباب.

الثالث: قد استدل لاستحباب إخراج الخمس في المقام- و إن لم يكن رافعا لأثر الكراهة- بوجوه:

أحدها: فتوي النهاية التي هي كالرواية باستحباب الخمس في جوائز السلطان، فإن ذلك بضميمة أخبار من بلغ يوجب ثبوت الاستحباب.

و فيه: ان اخبار من بلغ لا تشمل فتوي الفقيه، و فتوي النهاية كالرواية و ليست برواية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 309

بالموثقة المسئول فيها عن عمل السلطان يخرج فيه الرجل، قال عليه السلام: لا إلا ان لا يقدر علي شي ء يأكل و يشرب و لا يقدر علي حيلة فان فعل فصار في يده شي ء، فليبعث بخمسه الي أهل البيت (1) فان موردها و إن كان ما يقع في يده بإزاء العمل الا ان الظاهر عدم الفرق بينه و بين ما يقع في اليد علي وجه الجائزة.

و يمكن أن يستدل له ايضا بما دل علي وجوب الخمس في الجائزة مطلقا (2)

و هي عدة أخبار مذكورة في محلها، و حيث ان المشهور غير قائلين بوجوب الخمس في الجائزة حملوا تلك الاخبار علي الاستحباب، ثمّ ان ان المستفاد مما تقدم من

اعتذار الكاظم عليه السلام من قبول الجائزة بتزويج عزاب الطالبيين لئلا ينقطع نسلهم، و من غيره ان الكراهة ترتفع بكل مصلحة هي أهم في نظر الشارع من الاجتناب عن الشبهة «. (3)

______________________________

(1) ثانيها موثق عمار «1» عن الإمام الصادق عليه السلام المذكور في المتن.

و فيه: ان ظهور الامر في الوجوب بضميمة ما ارتكز في الاذهان من وجوب الخمس في ارباح المكاسب، يوجب ظهور الخبر في ارادة ثبوت الخمس بعنوان ربح المكسب لا بعنوان المال المشتبه، و لا أقل من إجماله و احتمال ارادة ذلك.

(2) ثالثها ما في المتن قال و يمكن أن يستدل له ايضا بما دل علي وجوب الخمس في الجائزة «2».

و حيث ان المشهور غير قائلين بوجوب الخمس في الجائزة، فتحمل تلك الاخبار علي الاستحباب.

و فيه: ان تلك النصوص ان حملت علي الاستحباب، أو أبقيت علي ظاهرها من الوجوب، تكون دالة علي ثبوت الخمس في الجائزة بعنوان ربح المكسب لا بعنوان آخر، فتعتبر زيادتها عن مئونة السنة و مضي الحول، و هذا غير ما هو محل الكلام.

فتحصل: انه كما لا دليل علي ارتفاع الكراهة باخراج الخمس، لا دليل علي استحبابه فيها بعنوان المال المشتبه.

(3) هذا هو الوجه الثالث: مما ذكر كونه رافعا للكراهة و هو وجود مصلحة في الجائزة هي أهم في نظر الشارع من الاجتناب عن الشبهة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 48، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يجب فيه الخمس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 310

و يمكن أن يكون اعتذاره عليه السلام اشارة (1) إلي أنه لو لا صرفها فيما يصرف فيه المظالم المردودة لما قبلها فيجب أو ينبغي أن يأخذها ثمّ يصرفها في مصارفها و هذه

الفروع كلها بعد الفراغ عن إباحة أخذ الجائزة و المتفق عليه من صورها صورة عدم العلم بالحرام في ماله أصلا أو العلم بوجود الحرام مع كون الشبهة غير محصورة أو محصورة ملحقة بغير المحصورة علي ما عرفت، و إن كانت الشبهة محصورة (2) بحيث تقتضي قاعدة الاحتياط لزوم الاجتناب عن الجميع لقابلية تنجز التكليف بالحرام المعلوم إجمالا فظاهر جماعة المصرح به في المسالك و غيره الحل و عدم لحوق حكم الشبهة المحصورة هنا.

______________________________

و استدل لذلك المصنف قدس سره باعتذار الامام الكاظم عليه السلام عن قبول الجائزة بتزويج عزاب الطالبيين لئلا ينقطع نسلهم.

و فيه: ما عرفت من أن الوجه في امتناعه عن قبولها انما هو لزوم المنة و المهانة لا الكراهة مع ان هذه الكبري الكلية لو تمت لم تفد شيئا، إذ الشأن انما هو في تشخيص الصغري و هو مشكل.

(1) قوله و يمكن أن يكون اعتذاره عليه السلام اشارة.

محصل مراده انه يمكن أن يكون أخذه عليه السلام للمال من الجائر بعنوان انه مجهول المالك و صرفه في مصارفه و عليه فهو اجنبي عن المقام.

و يحتمل أن يكون، مراده أن اعتذاره يدل علي رفع الكراهة بصرف المال في مصارف المظالم، فيكون هذا بخصوصه رافعا للكراهة و لا دلالة فيه علي كون مطلق المصلحة رافعا لها.

و فيه ايا منهما كان مراده يرد عليه- انه خلاف الظاهر، إذ الظاهر من التعليل بعدم انقطاع النسل- و تزويج عزاب آل أبي طالب، ان المصلحة الموجبة للقبول هي ذلك لا كون آل أبي طالب مصارف له.

حكم الجائزة مع العلم بوجود الحرام

(2) قوله و إن كانت الشبهة محصورة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 311

قال في الشرائع: جوائز السلطان الجائر إن علمت حراما بعينها فهي حرام، و نحوه

عن نهاية الاحكام و الدروس و غيرهما، قال في المسالك التقييد بالعين اشارة الي جواز أخذها و إن علم أن في ماله مظالم كما هو مقتضي حال الظالم و لا يكون حكمه حكم المال المختلط بالحرام في وجوب اجتناب الجميع للنص علي ذلك، انتهي.

______________________________

المورد الثاني: كون الشبهة محصورة، و كون جميع الاطراف داخلة في محل الابتلاء.

و قد مر أن حكم المورد الاول حكم هذا المورد، و كيف كان:

فيقع الكلام في مقامين:

الاول: فيما تقتضيه القواعد.

الثاني: فيما تقتضيه النصوص الخاصة.

أما المقام الاول: فتارة يجيز الجائر بعض أمواله المعين لأحد مجانا أو مع العوض، أو يجيز التصرف فيه.

و اخري يجيز جميع أمواله، أو يجيز التصرف في الجميع.

و ثالثة: يجيز التصرف في شي ء غير معين منها علي سبيل العموم البدلي.

فالكلام في موارد:

أما المورد الاول: فالحق هو انحلال العلم الاجمالي بوجود الحرام في أمواله الي العلم التفصيلي بحرمة التصرف في بقية أمواله، اما لكونها مغصوبة، أو لعدم إذن الجائر في التصرف فيها، و الشك البدوي في جواز التصرف في خصوص الجائزة، و عليه فمقتضي قاعدة اليد هو جواز التصرف، و لا تعارضها قاعدة اليد في بقية الاموال لما تقدم من حرمة التصرف فيها علي كل تقدير.

نعم، إذا فرضنا ان المكلف مخاطب بخطاب بالنسبة اليها كما اذا جعل الجائر بقية أمواله في معرض البيع و تمكن المكلف من شرائها، تسقط قاعدة اليد بالمعارضة، لكن ذلك

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 312

أقول: ليس في أخبار الباب ما يكون حاكما علي قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة بل هي مطلقة أقصاها كونها من قبيل قولهم عليهم السلام كل شي ء لك حلال أو كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال، و قد تقرر حكومة

قاعدة الاحتياط علي ذلك فلا بد حينئذ من حمل الاخبار علي مورد لا يقتضي القاعدة لزوم الاجتناب عنه كالشبهة الغير المحصورة أو المحصورة التي لم يكن كل من محتملاتها موردا لابتلاء المكلف أو علي ان ما يتصرف فيه الجائر بالاعطاء يجوز أخذه حملا لتصرفه علي الصحيح (1) أو لان تردد الحرام بين ما ملكه الجائر و بين غيره من قبيل التردد بين ما ابتلي به المكلف، و ما لم يبتل به و هو ما لم يعرضه الجائر لتمليكه فلا يحرم قبول ما ملكه لدوران الحرام بينه و بين ما لم يعرضه لتمليكه. (2)

______________________________

فرض نادر الوقوع في أموال الاشخاص الذين يكون الشخص عالما بوجود الحرام في أموالهم من الجائر و عماله و الآكلين للربا و الغاصبين لأموال الناس و السارقين و غيرهم.

و تدل علي جواز التصرف في الجائزة في هذا المورد بعد انحلال العلم الاجمالي أصالة الصحة بالتقريب المتقدم في الصورة الاولي.

و عليه فالايراد علي المصنف قدس سره حيث علل الجواز بقوله.

(1) حملا لتصرفه علي الصحيح.

بأنه إن أريد بأصالة الصحة حمل فعل المسلم علي الصحيح فيما اذا كان ذا وجهين فهي لا توجب ترتب آثار الصحيح عليه، و إن أريد بها أصالة الصحة في العقود و الايقاعات فلا ريب انها لا تثبت كون العوضين ملكا للمتبايعين كما عن الاستاذ الاعظم.

غير صحيح، إذ الظاهر ان مراده هو الثاني، و قد عرفت دفع هذا الايراد فراجع.

و لعله الي ما ذكرناه نظر المصنف قدس سره من ما ذكره من ان القاعدة لا تقتضي لزوم الاجتناب في هذا المورد معللا بقوله.

(2) لان تردد الحرم بين ما ملكه الجائر و بين غيره من قبيل التردد بين ما ابتلي

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2،

ص: 313

______________________________

به المكلف و ما لم يبتل به فلا يحرم قبول ما ملكه لدوران الحرام بينه و بين ما لم يعرضه لتمليكه.

و ان كان ذلك غير ظاهر منه و لكن لا مناص من حمله عليه كما لا يخفي.

و قد استدل للجواز في هذا المورد بوجوه اخر:

منها: ان الشبهة من قبيل غير المحصورة من جهة أن مجموع الاشخاص الذين يكون العلم حاصلا بوجود الحرام في أموالهم من السلطان و عماله و الآكلين للربا و السارقين و غيرهم بمنزلة شخص واحد بالنسبة الي هذا المكلف، و من المعلوم أن أموالهم من حيث المجموع من غير المحصورة.

و فيه: مضافا الي ما تقدمت الاشارة اليه من عدم الفرق في تنجيز العلم الاجمالي بين كون الشبهة محصورة أو غير محصورة ان الشبهة علي هذا التقدير من باب الكثير في الكثير.

و منها: لزوم العسر و الحرج من التجنب عن أموالهم لسد باب المعاش.

و فيه: ان هذا لو تم لاقتضي عدم التجنب في كل مورد لزم منه ذلك، فلو فرضنا عدم لزومه في مورد او بالنسبة الي شخص خاص لما اقتضي هذا الوجه جواز تصرفه لما حقق في محله من أن المنفي في أدلة نفي العسر و الحرج هو الشخصي منهما لا النوعي.

و منها: ان الجائر باعطاء الجائزة يدعي ملكيتها ضمنا، و حيث انه لا معارض له في هذه الدعوي فلا بد من سماعها.

و فيه: انه و إن دل خبر منصور بن حازم «1» علي ان من ادعي كون شي ء ملكا له و لا معارض له يحكم بأنه له، الا انه غير مربوط بالمقام الذي يعلم بوجود الحرام في الاموال التي تحت يد الجائر الذي يكون تسلطه عليها متضمنا لدعوي ملكية الجميع

كما لا يخفي.

و منها: أصالة الحل.

______________________________

(1) الوسائل، باب 17، من أبواب كيفية الحكم، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 314

______________________________

و فيه: ان الاستدلال بها يتم فيما كان المأخوذ من المباحات الاصلية و شك في حرمته من جهة احتمال أن يكون غير المجيز قد حازه و قد أخذ الجائر منه ظلما، و أما في الاموال التي تكون مسبوقة بيد اخري يقينا فهذا الاصل محكوم لأصالة عدم الانتقال.

و أما المورد الثاني: كما اذا كان للجائر مائة تومان و أجاز لأحد أن يتصرف فيها أو ملكها اياه و علم ذلك الشخص بكون مقدار منها مال الغير و قد أخذه ظلما، فلا ريب في عدم جواز التصرف للعلم الاجمالي غير المنحل في هذا المورد الموجب لعدم جريان شي ء من القواعد و الاصول الدالة علي جواز التصرف في المال المشتبه المأخوذ من الغير.

و أما المورد الثالث: فالقول بجواز التصرف فيه و عدمه مبنيان علي انحلال العلم الاجمالي و عدمه، إذ علي الاول يجوز لما ذكرناه في المورد الاول، و علي الثاني لا يجوز لما تقدم في المورد الثاني.

و قد اختار المصنف قدس سره عدم الانحلال و تبعه الاستاذ الاعظم.

و ذهب المحقق النائيني و تبعه المحقق الايرواني قدس سره الي الانحلال.

و الحق هو الثاني، و ذلك بناء علي ما حققناه في الاصول من شمول أدلة الاصول لأطراف العلم الاجمالي بنحو التخيير و عدم لزوم محذور من ذلك، غاية الامر التزمنا بلزوم الاجتناب عن جميع الاطراف للنصوص الخاصة الواردة في الموارد المخصوصة، حيث إن المستفاد منها كبري كلية واضح، فان مورد تلك النصوص ما اذا تمكن المكلف من ارتكاب جميع الاطراف، ففيما لا يمكن ذلك يكون المرجع هي أدلة الاصول.

و أما علي

القول بعدم شمولها لها و لو بنحو التخيير، فلان عدم جريان الاصول في طرفي العلم الاجمالي انما يكون لاجل التعارض، و هو انما يكون من جهة أن من جريانهما معا يلزم الترخيص في المعصية، فاذا فرضنا انه لا يلزم من جريانهما معا الترخيص في المعصية لعدم القدرة علي الجمع بين الاطراف تكوينا أو تشريعا لا مانع من جريانهما معا. و تمام الكلام في ذلك موكول الي محله.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 315

فالتكليف بالاجتناب عن الحرام الواقعي غير منجز عليه كما أشرنا اليه سابقا فلو فرضنا موردا خارجا عن هذه الوجوه المذكورة كما اذا اراد أخذ شي ء من ماله مقاصة أو أذن له الجائر في أخذ شي ء من أمواله علي سبيل التخيير، أو علم أن المجيز قد أجازه من المال المختلط في اعتقاده بالحرام بناء علي ان اليد لا تؤثر في حل ما كلف ظاهرا بالاجتناب عنه كما لو علمنا ان الشخص أعارنا أحد الثوبين المشتبهين في نظره فانه لا يحكم بطهارته. فالحكم في هذه الصور بجواز أخذ بعض ذلك مع العلم بالحرام فيه «عنه» و طرح قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة في غاية الاشكال بل الضعف فلنذكر النصوص الواردة في هذا المقام و

______________________________

و لكن الانصاف عدم جواز التصرف في هذا المورد حتي مع انحلال الاجمالي، إذ قد عرفت ان المجوز للتصرف في مورد الشك انما هو قاعدة اليد و أصالة الصحة، و جريان كل منهما في مورد يتوقف علي احتمال صحة التصرف حتي في ظاهر الشرع و لو أحرز انه لا يجوز له ذلك و لو في ظاهر الشرع لما كان المورد مورد الشي ء منهما كما لا يخفي، و عليه فاذا اجاز الظالم مع علمه

بحرمة بعض ما تحت يده في التصرف في الجميع بنحو العموم البدلي فهو قد أجاز التصرف في المحرم المعلوم تفصيلا أو اجمالا.

و علي كل تقدير ليس له ذلك، فاذا لم تجر قاعدة اليد و أصالة الصحة- و حيث يحتمل حرمة التصرف فيما يختاره و مقتضي الاصول الموضوعية المشار اليها سابقا عدم جواز التصرف- فلا يجوز له ذلك.

و بما ذكرناه ظهر انه في المورد الاول إذا لم يحتمل صحة تصرفه في ظاهر الشرع- كما اذا احرز انه اجازه من المال المختلط في اعتقاده بالحرام- لا يجوز التصرف فيه.

فتحصل: ان مقتضي القواعد عدم جواز التصرف في الجائزة في الموردين الاخيرين و في المورد الاول اذا علم ان المجيز أقدم علي التصرف في الشبهة المحصورة الواقعة تحت يده.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 316

نتكلم في مقدار شمول كل واحد منها بعد ذكره حتي يعلم عدم نهوضها للحكومة علي القاعدة.

فمن الاخبار التي استدل بها في هذا المقام قوله عليه السلام كل شي ء فيه حلال و حرام فهو لك حلال حتي تعرف الحرام منه بعينه فتدعه و قوله عليه السلام كل شي ء لك حلال حتي تعرف الحرام منه بعينه (1) و لا يخفي ان المستند في المسألة لو كان مثل هذا لكان الواجب. أما التزام ان القاعدة في الشبهة المحصورة عدم وجوب الاحتياط مطلقا كما عليه شرذمة من متأخري المتأخرين أو أن مورد الشبهة المحصورة من جوائز الظلمة خارج عن عنوان الاصحاب.

______________________________

فإن قيل: إن أدلة البراءة تدل علي الجواز، اجبنا عنه بما ذكره المصنف قدس سره.

بقوله: و قد تقرر حكومة قاعدة الاحتياط علي ذلك.

و إيراد الاستاذ الاعظم عليه بأن العجب منه حيث انه في الاصول شيد اساس تقديم أدلة البراءة علي

ادلة الاحتياط، فكيف التزم في المقام بحكومة قاعدة الاحتياط علي البراءة.

مندفع بأن ما أفاده في الاصول انما هو في الاحتياط الشرعي، و كلامه في المقام في الاحتياط العقلي الذي هو مقتضي العلم الاجمالي و قد شيد في الاصول اساس تقديمه علي ما كان من قبيل قولهم عليهم السلام كل شي ء لك حلال «1» أوكل ما كان فيه حلال و حرام فهو لك حلال «2» راجع الفرائد.

أما المقام الثاني: فقد استدل لجواز التصرف في المأخوذ من الجائر في هذه الصورة بطوائف من النصوص:

الاولي: النصوص الدالة علي حل الاشياء ما لم تثبت حرمتها.

و إليها اشار المصنف قدس سره.

(1) قال فمن الأخبار التي استدل بها في المقام قوله عليه السلام كل شي ء لك حلال «3».

______________________________

(1) الوسائل، باب 61، من أبواب الاطعمة المباحة، حديث 2.

(2) نفس المصدر، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 61، من أبواب الاطعمة المباحة، حديث 7 و باب 4، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 317

و علي أي تقدير، فهو علي طرف النقيض مما تقدم عن المسالك. (1)

______________________________

و فيه: ان هذه النصوص لا تختص بما يؤخذ من يد الجائر، و قد تقرر في الاصول عدم شمولها لأطراف العلم الاجمالي أما لامتناعه أو لأجل النصوص الواردة في خصوص العلم الاجمالي كما هو الحق.

(1) قوله فهو علي طرف النقيض مما تقدم.

أما علي القول بأن القاعدة في الشبهة المحصورة عدم وجوب الاحتياط فلانه التزم في المسالك بكون القاعدة هو الوجوب.

و أما علي القول بأن مورد الشبهة المحصورة من جوائز الظلمة خارج عن عنوان الاصحاب: فلانه التزم بخروجه عنه تخصيصا لا تخصصا.

الطائفة الثانية: النصوص الواردة في باب الربا الدالة علي ان ما أخذ زائدا عن رأس

المال اذا لم يعلم صاحبه فهو حلال.

كصحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام: في المال الذي ورثه ممن كان يربي: ان كنت تعلم بأن فيه مالا معروفا ربا و تعرف أهله فخذ رأس مالك ورد ما سوي ذلك، و إن كان مختلطا فكله هنيئا فإن المال مالك «1». و نحوه غيره.

و قد ذكرها السيد في الحاشية و استدل بها لهذا القول.

و فيه: انها واردة في الربا و دالة علي ان المال المأخوذ بهذا العنوان يصير حلالا بالتوبة إذا اختلط، و يكون هذا المورد كجملة من الموارد التي اذن الشارع الاقدس في التصرف في مال الغير من غير رضاه و كونه حلالا واقعا كأكل المارة و أكل اللقطة و التصرف في الاراضي المتسعة و غيرها، فلا يكون هناك حرام، بل جميع المال للمتصرف، و عليه فهي أجنبية عن المقام.

و هو قد استدل في ضمن الاستدلال بهذه الطائفة بخبرين آخرين:

أحدهما: موثق سماعة عن الامام الصادق عليه السلام: إن كان خلط الحرام حلالا فاختلطا جميعا فلم يعرف الحلال من الحرام فلا بأس «2»..

______________________________

(1) الوسائل، باب 5، من أبواب الربا حديث 3.

(2) الوسائل، باب 4، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 318

و منها صحيحة أبي ولاد قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام ما تري في رجل يلي أعمال السلطان ليس له مكسب الا من أعمالهم، و أنا أمر به و أنزل عليه فيضيفني و يحسن الي و ربما أمر لي بالدراهم و الكسوة، و قد ضاق صدري من ذلك، فقال لي:

كل و خذ منها فلك المهنأ «الحظ» و عليه الوزر، و الاستدلال به علي المدعي لا يخلو عن نظر (1) لان الاستشهاد إن

كان من حيث حكمه عليه السلام بحل مال العامل المجيز للسائل فلا يخفي ان الظاهر من هذه الرواية و من غيرها من الروايات حرمة ما يأخذه عمال السلطان بإزاء عملهم له، و ان العمل للسلطان من المكاسب المحرمة فالحكم بالحل ليس الا من حيث احتمال كون ما يعطي من غير أعيان ما يأخذه من السلطان بل مما اقترضه أو اشتراه في الذمة.

______________________________

و فيه: انه وارد في مقام بيان حكم ما تحت يده من مال مخلوط، و يدل علي حليته مطلقا.

و لكن لا بد في مقام الجمع بينه و بين نصوص التخميس التي هي أخص منه من حمله علي ارادة الحلية بعد التخميس، ثمّ للجمع بينه و بين سائر النصوص يحمل علي صورة الجهل بقدر الحرام و صاحبه كما اشبعنا الكلام في ذلك في الجزء السابع من فقه الصادق في كتاب الخمس.

ثانيهما: خبر محمد بن أبي حمزة عن رجل قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: اشتري الطعام فيجيئني من يتظلم و يقول ظلمني فقال عليه السلام: اشتره «1».

و فيه: مضافا الي ضعف سنده للارسال: انه غير ظاهر في صورة العلم الاجمالي بوجود الحرام في مال ذلك العامل، و مجرد دعوي الظلم لا يفيد لاثباته.

الطائفة الثالثة: النصوص الدالة علي جواز أخذ الجائزة من الجائر سواء كان الاخذ مع العوض أو بدونه: كصحيح أبي ولاد «2». المذكور في المتن.

و أورد عليه المصنف قدس سره بقوله:

(1) لأن الاستشهاد إن كان من حيث حكمه عليه السلام بحل مال العامل المجيز.

______________________________

(1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 319

و أما من حيث ان

ما يقع من العامل بيد السائل لكونه من مال السلطان حلال لمن وجده فيتم الاستشهاد لكن فيه مع ان الاحتمال الاول مسقط للاستدلال علي حل المشتبه المحصور الذي تقضي القاعدة لزوم الاحتياط فيه لان الاعتماد حينئذ علي اليد كما فرض مثله في غير الظلمة ان الحكم بالحل علي هذا الاحتمال غير وجيه الا علي تقدير كون المال المذكور من الخراج و المقاسمة المباحين للشيعة إذ لو كان من صلب مال السلطان أو غيره لم يتجه حله لغير المالك بغير رضاه لان المفروض حرمته علي العامل لعدم احترام عمله (1) و كيف كان. فالرواية اما من أدلة حل مال السلطان المحمول بحكم الغلبة الي الخراج و المقاسمة. و أما من أدلة حل المال المأخوذ من المسلم لاحتمال كون المعطي مالكا له و لا اختصاص له بالسلطان أو عماله أو مطلق الظالم أو غيره. و أين هذا من هذا المطلب الذي هو حل ما في يد الجائر مع العلم إجمالا بحرمة بعضه المقتضي مع حصر الشبهة للاجتناب عن جميعه.

______________________________

محصل ما أورده عليه المصنف قدس سره. ان الاستشهاد به.

إن كان من حيث حكمه عليه السلام بحل مال العامل المجيز للسائل.

فيرد عليه: ان الحكم بالحل حينئذ انما يكون من حيث احتمال كون ما يعطي من غير أعيان ما يأخذه من السلطان، بل مما اقترضه أو اشتراه في الذمة، لظهوره بقرينة قوله عليه السلام و عليه الوزر الظاهر في ارادة وزر ما يأخذه من الاجرة في حرمة ما يأخذه عمال السلطان بإزاء عملهم له، و إن العمل للسلطان من المكاسب المحرمة، و عليه فمفاده اجنبي عن المقام لاختصاصه بما إذا علم بحرمة بقية أمواله تفصيلا و شك في حرمة خصوص

الجائزة، و لا إشكال في الجواز في هذا الفرض بحسب القواعد ايضا لجريان قاعدة اليد فيها بلا معارض، و أين ذلك مما هو مفروض الكلام- أي العلم الاجمالي بوجود الحرام في أمواله- مع كون الشبهة محصورة و كون جميع أطرافه محل الابتلاء المقتضي للزوم الاحتياط.

(1) و إن كان من حيث حكمه عليه السلام بأن ما يقع من مال العامل بيد السائل لكونه من مال السلطان حلال لمن وجده.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 320

و مما ذكرنا يظهر الكلام في مصححة أبي المعزا أمر بالعامل فيجيزني بالدراهم اخذها، قال: نعم و قلت: و احج بها قال: و حج بها.

و رواية محمد بن هشام أمر بالعامل فيصلني بالصلة أقبلها قال: نعم، قلت: و احج بها. قال: نعم، و حج بها.

و رواية محمد بن مسلم و زرارة عن أبي جعفر عليه السلام جوائز السلطان ليس بها بأس الي غير ذلك من الاطلاقات (1) التي لا تشمل من صورة العلم الاجمالي

______________________________

فيرد عليه: ان الحكم بالحل علي هذا التقدير غير وجيه الا علي تقدير كون المال المذكور من الخراج و المقاسمة المباحين للشيعة، إذ لو كان من صلب مال السلطان أو غيره لم يتجه حله لغير مالكه بغير رضاه، إذ المفروض حرمته علي العامل لعدم احترام عمله.

و فيه: ان الظاهر دلالة الخبر علي جواز التصرف فيما يؤخذ من عمال السلطان حتي في مورد اقتضاء القواعد عدم الجواز علي كل من التقديرين.

اما علي التقدير الاول: فلعدم اختصاصه بالصورة المفروضة، بل مقتضي اطلاقه هو الجواز حتي فيما لم يعلم تفصيلا بحرمة بقية أمواله، بل علم اجمالا بوجود المال الحرام في أمواله المحتمل أن يكون المأخوذ منه، و قوله ليس له مكسب غيره لا

يقتضي الاختصاص بها، بل غايته معرضية ما عنده لان يكون من الاموال المأخوذة من السلطان.

و أما علي التقدير الثاني: فلان مقتضي اطلاق الرواية جواز الاخذ مع احتمال كون المأخوذ من الخراج و المقاسمة، و حملها علي صورة العلم بكونه من أحدهما، مضافا الي منافاته للاطلاق حمل علي الفرد النادر، فتدل علي حلية المأخوذ بمجرد احتمال كونه من الاموال المباحة للسائل حتي مع العلم الاجمالي بوجود الحرام في أمواله، لو لم ندع اختصاصها بهذا المورد.

(1) و بما ذكرنا ظهرت دلالة سائر النصوص علي الجواز و الحلية كصحيح أبي المعزا المتقدم و حسن «1» زرارة و محمد بن مسلم- او صحيحهما- و خبر «2» محمد بن هشام. المذكورة في المتن.

و غير ذلك من الروايات المطلقة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

(2) نفس المصدر، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 321

بوجود الحرام الا الشبهة الغير المحصورة (1) و علي تقدير شمولها لصورة العلم الاجمالي مع انحصار الشبهة فلا تجدي لان الحل فيها مستند الي تصرف الجائر بالاباحة و التمليك و هو محمول علي الصحيح مع انه لو أغمض النظر عن هذا اورد بشمول الاخبار لما اذا أجاز الجائر من المشتبهات في نظره بالشبهة المحصورة و لا يجري هنا أصالة الصحة في تصرفه يمكن استناد الحل فيها الي ما ذكرنا سابقا من ان تردد الحرام بين ما اباحه الجائر أو ملكه و بين ما بقي تحت يده من الاموال التي لا دخل فيها للشخص المجاز تردد بين ما ابتلي به المكلف من المشتبهين، و بين ما لم يبتل به و لا يجب الاجتناب حينئذ عن شي ء منهما من غير فرق بين هذه المسألة و غيرها

من موارد الاشتباه مع كون أحد المشتبهين مختصا بابتلاء المكلف به.

ثمّ لو فرض نص مطلق في حل هذه الشبهة مع قطع النظر عن التصرف و عدم الابتلاء بكلا المشتبهين لم ينهض للحكومة علي قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة (2) كما لا ينهض ما تقدم من قولهم عليهم السلام كل شي ء حلال، الخ.

______________________________

(1) قوله لا تشمل … الا الشبهة الغير المحصورة.

و قد حمل المصنف قدس سره هذه الطائفة من النصوص علي الشبهة غير المحصورة أو المحصورة التي يكون بعض أطرافها خارجا عن محل الابتلاء، ثمّ قال:

(2) انه لو فرض نص مطلق في حل هذه الشبهة مع قطع النظر عن التصرف و عدم الابتلاء بكلا المشتبهين لم ينهض للحكومة علي قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة.

و يرد علي ما أفاده، أولا: انه خلاف اطلاق النصوص، فإنها مطلقة شاملة للشبهة المحصورة و غيرها، فتخصيصها بمورد خاص يحتاج الي دليل مخصص مفقود.

و يرد علي ما أفاده ثانيا: ان المحقق في الاصول عنده قدس سره و قد تبعناه ان العلم الاجمالي بالنسبة الي الموافقة القطعية انما يكون بنحو الاقتضاء لا العلية، أي تجب الموافقة القطعية ما لم يرد ترخيص في المخالفة الاحتمالية، و الا فلا تجب و علي ذلك، فالعلم الاجمالي المقتضي للاحتياط لا يصلح لرد هذه النصوص، مع انه قد عرفت انحلال العلم الاجمالي في الموردين من الموارد الثلاثة المتقدمة اللذين هما محل الكلام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 322

و مما ذكرنا يظهر ان اطلاق الجماعة لحل ما يعطيه الجائر مع عدم العلم بحرمته عينا ان كان شاملا لصورة العلم الاجمالي بوجود حرام في الجائزة مردد بين هذا و بين غيره مع انحصار الشبهة فهو مستند الي حمل تصرفه علي الصحة

أو إلي عدم الاعتناء بالعلم الاجمالي لعدم ابتلاء المكلف بالجميع لا لكون هذه المسألة خارجة بالنص من حكم الشبهة المحصورة. نعم قد يخدش في حمل تصرف الظالم علي الصحيح من حيث انه مقدم علي التصرف فيما في يده من المال المشتمل علي الحرام علي وجه عدم المبالات بالتصرف في الحرام فهو كمن أقدم علي ما في يده من المال المشتبه المختلط عنده بالحرام، و لم يقل أحد بحمل تصرفه حينئذ علي الصحيح لكن الظاهر ان هذه الخدشة غير مسموعة عند الاصحاب، فانهم لا يعتبرون في الحمل علي الصحيح احتمال تورع المتصرف عن التصرف الحرام لكونه حراما بل يكتفون باحتمال صدور الصحيح منه و لو لدواع اخر.

و أما عدم الحمل فيما اذا أقدم المتصرف علي الشبهة المحصورة الواقعة تحت يده فلفساد تصرفه في ظاهر الشرع فلا يحمل علي الصحيح الواقعي، فتأمل.

فإن المقام لا يخلو عن اشكال و علي أي تقدير، فلم يثبت من النص و لا الفتوي مع اجتماع شرائط اعمال قاعدة الاحتياط في الشبهة المحصورة عدم وجوب الاجتناب في المقام، و الغاء تلك القاعدة و أوضح ما في هذا الباب من عبارات الاصحاب ما في السرائر حيث قال اذا كان يعلم ان فيه شيئا مغصوبا الا انه غير متميز العين بل هو مخلوط في غيره من أمواله أو غلاته التي يأخذها علي جهة الخراج فلا بأس بشرائه منه، و قبول صلته لانها صارت بمنزلة المستهلك لانه غير قادر علي ردها بعينها، انتهي.

و قريب منها ظاهر عبارة النهاية بدون ذكر التعليل، و لا ريب ان الحلي لم يستند في تجويز أخذ المال المردد الي النص بل الي ما زعمه من القاعدة و لا يخفي عدم تماميتها

الا ان يريد به الشبهة الغير المحصورة بقرينة الاستهلاك، فتأمل. (1)

______________________________

(1) و قد ظهر مما حققناه ما في كلماته في المقام فلا نعيد.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 323

______________________________

و بما ذكرناه ظهر اندفاع ما أورده الاستاذ الاعظم علي الاستدلال بهذه النصوص علي الجواز: بأن المدعي إن ادعي انها تدل علي الحلية الواقعية فيرد عليه: ان العمل باطلاقها يقتضي اباحة أخذ الجائزة من الجائر حتي مع العلم التفصيلي باشتمالها علي الحرام، و لم يتفوه به أحد، و إن ادعي ظهورها في الحلية الظاهرية فيرد عليه: ان تلك الاخبار لا يمكن شمولها لجميع الاطراف، فإنه ترخيص في المعصية، و لبعضها دون بعض ترجيح بلا مرجح، و اذا فتخرج موارد العلم الاجمالي الذي يوجب التنجز عن حدود تلك الاخبار تخصصا.

فإنه يرد عليه: ان العلم الاجمالي لا يكون منجزا كما عرفت في المورد الاول و الثالث اللذين هما محل الكلام، و إن شئت قلت: إن تلك الاخبار انما تدل علي حلية ما يؤخذ من الجائر مجانا أو مع العوض الذي هو أحد أطراف العلم الاجمالي، و لا تدل علي حلية جميع أمواله حتي الباقية تحت يده، و عليه فلا يلزم من القول بشمولها لبعض الاطراف ترجيح بلا مرجح، فلا مانع من شمولها له.

و قد أورد علي الاستدلال بهذه النصوص بإيراد آخر و هو: ان الظاهر من موثق اسحاق بن عمار قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم قال: يشتري منه ما لم يعلم انه ظلم فيه أحدا «1». تقييد الحكم بصورة الشك فقط.

و فيه: ان السائل فرض ظلم العامل و مع ذلك سأل عن حكم الاشتراء منه، فمورده لا محالة يكون هو العلم الاجمالي بوجود الحرام. و

جوابه عليه السلام ظاهر في إرادة أنه إن لم يعلم بالظلم في خصوص ما يؤخذ منه تفصيلا أو اجمالا لا بأس بالاشتراء و به يقيد اطلاق سائر النصوص.

فتحصل: ان الظاهر من الروايات جواز التصرف في جوائز الظلمة سواء أخذت منهم مجانا أو مع العوض، و إن علم اجمالا بوجود الحرام في أموالهم ما لم يعلم بوجوده في خصوص الجائزة، و الله العالم بالاحكام.

______________________________

(1) الوسائل، باب 53، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 324

و أما الصورة الثالثة: فهو ان يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه (1)
اشارة

فلا اشكال في حرمته حينئذ علي الاخذ. (2)

______________________________

لو علم تفصيلا كون الجائزة محرمة

(1) قوله و أما الصورة الثلاثة فهو ان يعلم تفصيلا حرمة ما يأخذه.

و الكلام في هذه الصورة يقع في جهتين:

الاولي: في حكم المأخوذ.

الثانية: في الفروع و الامور التي تعرض لها المصنف قدس سره في المكاسب.

أما الجهة الاولي: فمقتضي القواعد حرمة التصرف فيه لفرض كونه مال الغير.

و قد استدل المحقق الايرواني قدس سره علي جواز التصرف فيه باطلاق النصوص المتقدمة، ثمّ قال: نعم لا تشمل الرواية صورة معرفة المالك بعينه أوفي أطراف محصورة.

و فيه: اولا: ان تلك النصوص ليست في مقام بيان اثبات الحلية الواقعية، و الا فمقتضي اطلاقها الحلية حتي في الموردين المزبورين، و لم يتفوه بذلك فقيه، بل هي في مقام بيان جعل الحلية الظاهرية، و هي انما تكون مجعولة في صورة الشك و الاحتمال.

فمع القطع بالحرمة لا معني لجعلها كما لا يخفي.

و ثانيا: انه لو سلم شمولها لهذه الصورة وجب تقييد اطلاقها بمفهوم موثق اسحاق المتقدم كما عرفت، فالاظهر عدم جواز التصرف فيه.

و الظاهر ان هذا هو مراد المصنف قدس سره من قوله.

(2) و لا اشكال في حرمته، علي الآخذ.

لما سيفتي بجواز الاخذ

بنية الرد.

و أما الجهة الثانية: فقد ذكر في المقام أمورا:

الامر الاول: انه هل يجوز الاخذ من الجائر أم لا؟ ثمّ ما ذا حكم المأخوذ من حيث الضمان؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 325

الا ان الكلام في حكمه إذا وقع في يده فنقول علمه بحرمته. اما ان يكون قبل وقوعه في يده. و أما أن يكون بعده فإن كان قبله لم يجز له أن يأخذه بغير نية الرد (1) الي صاحبه سواء أخذه اختيارا او تقية لان أخذه بغير هذه النية تصرف لم يعلم رضا صاحبه به. و التقية تتنادي بقصد الرد فإن أخذه بغير هذه النية كان غاصبا ترتب عليه أحكامه. (2) و ان أخذه بنية الرد كان محسنا و كان في يده امانة شرعية.

______________________________

(1) قوله فإن كان قبله لم أن يأخذه بغير نية الرد.

و الكلام في هذا الامر يقع في موردين:

المورد الاول: أن يعلم بحرمة الجائزة قبل استقرارها في يده.

الثاني: ما لو علم بذلك بعده.

أما المورد الاول: فقد فصل المصنف قدس سره بين ان يكون الاخذ بغير نية الرد الي صاحبه، و ما اذا كان بتلك النية و اختار عدم الجواز و الضمان لو أخذ بغير نية الرد، و الجواز و عدم الضمان لو تلف في ما اذا كان بنية الرد.

(2) و استدل له: بانه أن أخذ بغير تلك النية كان غاصبا و متصرفا في مال الغير عدوانا و بغير رضا صاحبه، فتترتب عليه أحكام الغاصب، و إن أخذ بنية الرد كان محسنا، و قد دل الدليل علي أن المحسن- مضافا الي ان فعله حسن و عدل و محبوب- ليس عليه من سبيل، «1» و يكون المال في يده أمانة فلا يضمن لو تلف.

و فيه:

ان الاخذ بنية الرد الي المالك، اما أن يكون مع علم الاخذ برضا صاحبه كما هو الغالب، أو يكون مع علمه بعدم رضاه، أو يكون مع الشك في رضا المالك ظاهر المصنف قدس سره هو الجواز في جميع الصور الثلاث.

و لكن الاظهر عدم الجواز الا في الصورة الاولي فلنا دعويان:

______________________________

(1) التوبة: 91.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 326

______________________________

الاولي: الجواز في الصورة الاولي، و دليله واضح، لانه يجوز التصرف في أموال كل أحد مع رضاه بالتصرف إن لم يكن محجورا.

الثانية: عدم الجواز في الصورتين الاخيرتين، و تشهد له الادلة الدالة علي عدم جواز التصرف في مال الغير مع عدم رضا صاحبه المحرز في الصورة الثانية بالوجدان و في الصورة الثالثة بالاستصحاب.

كقوله عليه السلام في خبر الاحتجاج: فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال غيره بغير اذنه «1» و نحوه موثق سماعة «2» و غيره.

و قد استدل للجواز في الصورتين أوفي الصورة الاخيرة بوجهين:

الاول: ما دل من الآيات و الروايات علي جواز الاحسان و محبوبيته بدعوي ان الاخذ لحفظ المال و رده الي مالكه مصداق للعدل و الاحسان.

و فيه: ان أخذ مال الغير مع عدم إحراز رضاه ليس احسانا، و لذا تري انه لم يتفوه فقيه بجواز المعاملة مع أموال الغير بغير رضاه للاسترباح مستندا الي انه احسان، بل هو اساءة و ظلم، إذ التصرف في مال الغير مع عدم احراز رضا صاحبه ظلم و عدوان لا عدل و احسان.

الثاني: ما استند اليه الاستاذ الاعظم و هو عدم صدق التصرف علي مجرد الاخذ بنية الرد الي المالك، إذ التصرف عبارة عن التقليب و التقلب، و لا نسلم صدقه علي ذلك، ثمّ قال: و اذا سلمنا صدقه لغة فانه

منصرف عنه عرفا.

و فيه: ان الامساك و التحفظ تصرف في الشي ء، و لذا تري انه التزم بالحرمة في صورة احراز عدم رضا المالك بذلك، و لو لا صدق التصرف علي الاخذ لما كان وجه لعدم الجواز.

______________________________

(1) الاحتجاج،، ص 267 عن الاسدي عن العمري عنه عليه السلام.

(2) الوسائل، باب 3، من أبواب مكان المصلي، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 327

و إن كان العلم به بعد وقوعه في يده كان كذلك أيضا، (1) و يحتمل قويا الضمان هنا لانه أخذه بنية التملك لا بنية الحفظ و الرد و مقتضي عموم علي اليد الضمان.

______________________________

و بالجملة: المناقشة في صدق التصرف علي أخذ مال الغير و حفظه للرد اليه لا سبيل اليها، و ما يري من ان العرف و العقلاء المتدينين يأخذون مال الغير لحفظه و الرد اليه ليس ذلك من جهة انهم لا يرون الاخذ تصرفا، بل من جهة احرازهم رضا صاحبه بذلك كما تقدم، فالاظهر انه ما لم يحرز رضا صاحبه لا يجوز الاخذ حتي مع نية الرد، كما انه يجوز الاخذ مع احراز الرضا و إن كان لا بنية الرد، فالضابط هو احراز الرضا و عدمه.

و أما الضمان لو تلف المال تحت يده فلا ريب في ثبوته في صورة الاخذ مع عدم رضا صاحبه إن لم يصدق عليه الاحسان كما هو الصحيح لقاعدة ضمان اليد، و أما لو أخذه مع احراز رضاه فهو غير ثابت، إذ المأخوذ حينئذ يكون امانة مالكية نظير الوديعة المالكية، و أما لو أخذه مع عدم احراز الرضا و بنينا علي جوازه لكونه احسانا فهو يكون عنده امانة شرعية، فلا ضمان.

و قد أورد علي ما ذكره المصنف بقوله: و التقية تتأدي بقصد

الرد.

بانه لا يعتبر في التقية عدم المندوحة و لذا لو اقتضت التقية التكفير في الصلاة في سعة الوقت و تمكن المكلف من الاتيان بالصلاة بغير تكفير في آخر الوقت صحت صلاته، لو صلي مع التكفير، فكيف اعتبره المصنف قدس سره في المقام.

و يتوجه عليه انه فرق بين وجود المندوحة حال العمل، كما لو تمكن في المثال من الصلاة بغير تكفير لاجل وجود قائل منهم بعدم لزومه مثلا و بين وجود المندوحة بالنسبة الي أصل العمل كما فيما فرضه الخصم فانه في الفرض الاول لا يشمله أدلة التقية لعدم صدق التقية و في الفرض الثاني تشمله: لصدق الموضوع و اطلاق الادلة و ما نحن فيه من قبيل الاول كما لا يخفي.

(1) و أما المورد الثاني: و هو ما لو علم بكون الجائزة مغصوبة بعد استقرارها في يده،

فظاهر المكاسب و صريح السيد الفقيه ان هنا مسألتين:

الاولي: أنه هل يكون الاخذ بنية التملك مع الجهل بكونه للغير موجبا للضمان أم لا؟

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 328

و ظاهر المسالك عدم الضمان رأسا مع القبض جاهلا. قال: لانه يد امانة فيستصحب و حكي موافقته عن العلامة الطباطبائي قدس سره في مصابيحه. لكن المعروف من المسالك و غيره في مسألة ترتب الايدي علي مال الغير ضمان كل منهم و لو مع الجهل، غاية الامر رجوع الجاهل علي العالم اذا لم يقدم علي أخذه مضمونا و لا إشكال عندهم ظاهرا في انه لو استمر جهل القابض المتهب الي ان تلف في يده، كان للمالك الرجوع عليه و لا رافع يقينيا لهذا المعني مع حصول العلم بكونه مال الغير فيستصحب الضمان لا عدمه. و ذكر في المسالك فيمن استودعه الغاصب مالا مغصوبا انه

لا يرده اليه مع الامكان و لو أخذه منه قهرا ففي الضمان نظر و الذي يقتضيه قواعد الغصب ان للمالك الرجوع علي ايهما شاء و إن كان قرار الضمان علي الغاصب، انتهي.

و الظاهر ان مورد كلامه ما اذا أخذ الودعي المال من الغاصب جهلا بغصبه ثمّ تبين له و هو الذي حكم فيه هنا بعدم الضمان لو استرده الظالم المجيز أو تلف بغير تفريط.

______________________________

الثانية: انه اذا حكمنا بالضمان هل يبقي حكمه حتي لو نوي الحفظ بعد العلم بكونه للغير و رده الي صاحبه، أم يتغير الحكم بتغير العنوان؟ أما المسألة الاولي: فالمشهور بين الاصحاب علي ما يظهر منهم في نظائر المقام كإعارة الغاصب او بيعه أو رهنه لمال الغير و غير ذلك هو القول بالضمان، و عن المسالك و المفاتيح في المقام: عدم الضمان، و كذلك عن المحقق و العلامة في مسألة الاستعارة من الغاصب.

و استدل لعدم الضمان في المقام بوجوه:

الاول: انه لا موجب لتوهم الضمان سوي قاعدة اليد، و هي لا تشمل المقام، إذ المأخوذ في مفهوم الاخذ هو التعدي و العدوان، و مع الجهل بكونه للغير لا يصدق هذا العنوان.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 329

______________________________

و فيه: ان هذا الوجه و إن اختاره المحقق النائيني قدس سره لكنه غير تام، إذ مفهوم الاخذ أوسع من ذلك، و لذا تري انه لا يتوهم أحد اختصاص هذا المبحث بكون الاخذ من السلطان و عماله علي نحو التعدي من جهة تعبيرهم عن الموضوع بالجوائز المأخوذة من السلطان و عماله.

الثاني: ما ذكره المحقق التقي قدس سره و هو قوله عليه السلام فلك المهنا و عليه الوزر «1». بدعوي ان الضمان وزر، و ظاهر الرواية اختصاص الوزر بالعامل، فلا

وزر علي الاخذ.

و فيه: ما تقدم آنفا من اختصاص تلك النصوص بالصورتين الاولتين من الصور الاربع لموثق اسحاق فراجع.

الثالث: ان مقتضي قاعدة ما لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده عدم ضمان الاخذ، لان اعطاء الجائزة من باب الهبة المجانية، و هي ليس في صحيحها الضمان فكذا في فاسدها، و كذا الوديعة و العارية و نحو ذلك.

و فيه: ان الضمان المدعي انما هو للمالك لا للمعطي، و هو لم يهب ماله و لم يسقط احترامه، و من اسقط احترامه لم يكن له ذلك.

الرابع: ان الغاصب أقوي من الآخذ. لانه مغرور من قبله، فيستند الاتلاف اليه دونه و كذا في صورة التلف السماوي.

و فيه: ان الاقوائية لا توجب عدم ضمان الاضعف، و قاعدة الغرور انما تقتضي جواز رجوع المغرور الي من غره لا عدم جواز رجوع المالك اليه.

الخامس: ان الشارع قد رخص في أخذ الجائزة عند الجهل بكونها مغصوبة، فهي امانة شرعية في حال الجهل، و بعد العلم يشك في الضمان فيستصحب يد الامانة.

و فيه: ان الترخيص في حال الجهل ترخيص ظاهري لا ترخيص واقعي، فلا ينافي

______________________________

(1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 330

______________________________

حكم الشارع بالضمان الواقعي.

و ان شئت قلت: إن إذن الشارع في وضع اليد علي مال الغير إن كان لمصلحة المالك من حفظه له و ايصاله اليه كان ذلك موجبا لرفع الضمان، و إن كان لغير ذلك- كما في المقام حيث انه اذن في التملك ظاهرا- فهو لا يوجب رفعه، مع انه للعلم بكونه للغير يرتفع الإذن الذي هو المناط في عدم الضمان علي الفرض.

فتحصل: ان الاطهر هو الضمان لعموم علي اليد «1».

و أما المسألة الثانية: و

هي انه علي القول بالضمان هل يرتفع هذا الحكم بنية الرد الي المالك بعد العلم بالحال كما اختاره السيد الفقيه قدس سره أم لا يرتفع كما احتمله المصنف قدس سره قويا و اختاره صاحب الجواهر قدس سره وجهان:

قد استدل للاول في الحاشية: بأن اليد اذا انقلبت من العدوان و الخيانة الي الاحسان و الامانة ينقلب الحكم ايضا، إذ مقتضي عموم ما علي المحسنين «2» و نحوه من أدلة الامانات المخصصة لعموم علي اليد كون الضمان ما دامت اليد عدوانية، فلا يصغي الي ما قيل من أن علة الضمان الاخذ العدواني من الاول فلا يفيد الانقلاب.

و فيه: مضافا الي ما عرفت من انه لا يصح الحكم بعدم الضمان للادلة المشار اليها. و ليست هي مخصصة لعموم علي اليد:

انه لو سلم صحة الحكم بالعدم مستندا اليها، لا تصلح هي للدلالة علي عدم الضمان في المقام، و ذلك لان غاية ما تدل عليه هذه الادلة ان يد الامين لا تقتضي الضمان لا انها تقتضي عدم الضمان، و عليه فحيث ان مقتضي عموم علي اليد ان وضع اليد علي مال الغير علة للضمان الباقي ما لم يؤد، فلا تصلح اليد الفعلية الحادثة التي هي يد امانية لمزاحمة اليد السابقة، إذ ما لا اقتضاء له لا يزاحم ما له الاقتضاء.

______________________________

(1) سنن البيهقي، ج 6، ص 90- كنز العمال، ج 5، ص 257- عوالي اللئالي، ج 2، ص 345 ح 10.

(2) سورة التوبة، آية: 91.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 331

و علي أي حال فيجب علي المجاز رد الجائزة بعد العلم بغصبيتها إلي مالكها أو وليه (1)

و الظاهر انه لا خلاف في كونه فوريا. (2)

______________________________

فظهر ان ما افيد في وجه الحكم ببقاء

الضمان و إن تبدلت اليد بيد الامانة، من عموم علي اليد هو الصحيح، نعم اذا علم الاخذ برضا المالك بحفظ ماله بقصد الايصال اليه و كانت الامانة مالكية يرتفع الضمان، لان ذلك في قوة القبض و الاستيداع.

و بما ذكرناه ظهر ان ما ذهب اليه المشهور في نظائر المقام من ان اليد غير الامانية اذا عادت اليها يبقي الضمان، إلا اذا أذن المالك في استدامة القبض، هو الصحيح.

يجب علي المجاز رد الجائزة إلي أهلها

(1) و كيف كان: فلا اشكال في وجوب رد الجائزة الي صاحبها أو وليه كما صرح به غير واحد و في المتن.

و تنقيح القول في المقام يستدعي البحث في مقامين:

الاول: ما اذا كان مالك المأخوذ معلوما.

الثاني: ما اذا كان مجهولا.

أما المقام الاول: فلا ريب و لا كلام في وجوب رد المأخوذ إلي أهله، كان المال في يده امانة أم لم يكن كذلك لقاعدة علي اليد في الثاني، و ما دل علي وجوب رد الامانة من الآية الشريفة (إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمٰانٰاتِ إِليٰ أَهْلِهٰا) «1» و غيرها في الاول، و للنصوص الخاصة الواردة في المقام الآتي بعضها الدالة علي وجوب رد المأخوذ الي صاحبه اذا كان معلوما.

انما الكلام في موردين:

المورد الاول: ما ذكره المصنف قدس سره بقوله:

(2) و الظاهر انه لا خلاف في كونه فوريا.

______________________________

(1) النساء: 58.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 332

نعم، يسقط بإعلام صاحبه به، و ظاهر ادلة وجوب أداء الامانة وجوب الاقباض و عدم كفاية التخلية (1) الا أن يدعي انها في مقام حرمة الحبس، و وجوب التمكين لا تكليف الامين بالاقباض، و من هنا ذكر غير واحد كما عن التذكرة و المسالك و جامع المقاصد ان المراد برد الامانة رفع يده عنها و التخلية

بينه و بينها.»

______________________________

و الظاهر ان وجهه فيما اذا كانت اليد غير امانية هو ما دل علي حرمة التصرف في مال الغير و إمساكه، إذ لا فرق بين التصرف القليل و الكثير، و فيما اذا كانت اليد امانية، انه بالتأخير تثبت اليد علي مال الغير زائدا علي المقدار المأذون فيه بإذن المالك أو الشارع، و هو ظلم و عدوان و يشمله حينئذ ما دل علي حرمة التصرف في مال الغير و إمساكه.

(1) الثاني: في معني الأداء، و انه هل هو مجرد إعلام المالك بذلك و التخلية بينه و بين ماله، أم هو حمله إليه و إقباضه منه، أم كل من الامرين مصداق للأداء و الرد، أم يختلف بإختلاف الموارد؟ كما هو ظاهر المتن و لعله الاظهر.

الظاهر: ان حقيقة الرد و الاداء إيصال الشي ء الي محله، و حينئذ فإذا كان المال امانة عند شخص فرده ليس الا بالتخلية بينه و بين مالكه، لان بها يخلع الامين نفسه عن السلطنة عليه و يدخله تحت سلطنة المالك و يوصل الشي ء الي محله، و أما محل المال خارجا فهو كل مكان رضي به المالك أو الشارع الاقدس، و حيث ان وجود المال عند الامين خارجا انما يكون برضا المالك أو بإذن من ولي أمره- أي الشارع الاقدس- فلا يكون في غير محله كي يكون مكلفا بالرد الخارجي.

و أما إذا كان المال مغصوبا فأداؤه و رده انما يكون بالتخلية و الاقباض منه، إذ كما ان كونه تحت سلطنة الغاصب في غير محله فلا بد من إيصاله إلي محله كذلك كونه عنده خارجا يكون في غير محله، فلا بد من إيصاله اليه بالاقباض منه.

و من ما ذكرناه: علم أنه لو نقل الامين

الوديعة من بلد الايداع الي بلد آخر بغير داعي الحفظ و بدون إذن المالك أو الشارع يجب ردها الي بلد الايداع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 333

و علي هذا فيشكل حملها إليه لانه تصرف لم يؤذن فيه إلا اذا كان الحمل مساويا لمكانه الموجود فيه أو أحفظ (1) فان الظاهر جواز نقل الامانة الشرعية من مكان الي ما لا يكون أدون من الاول في الحفظ، و لو جهل صاحبه وجب الفحص مع الامكان (2) لتوقف الاداء الواجب بمعني التمكين و عدم الحبس علي الفحص (3) مضافا الي الامر به في الدين المجهول المالك.

______________________________

فتحصل: انه يعتبر في غير الامانة الاقباض من المالك، و فيها يكفي التخلية و لعل هذا هو المشهور بين الاصحاب.

(1) و المصنف قدس سره استشكل في حمل الأمانة للإقباض في مورد كفاية التخلية من جهة انه تصرف لم يؤذن فيه إلا اذا كان الحمل مساويا لمكانه الموجود فيه أو احفظ.

و لكن الاظهر جواز الحمل اذا كان المال في حفظه و إن كان الابقاء في المحل أحفظ، إذ لا يجب تحري الاحفظ في الامانة بل يكفي كونها في حفظه و حراسته في أي مكان وضعت ما لم ينه المالك عن وضعها في مكان خاص.

حكم مجهول المالك

(2) قوله و لو جهل صاحبه وجب الفحص مع الإمكان.

و أما المقام الثاني: و هو ما اذا كان المالك مجهولا.

فتنقيح القول فيه يقتضي البحث في مواضع:

الموضع الاول: هل يجب الفحص عن المالك، أم لا؟ فيه قولان: قد استدل للقول الثاني بإطلاق النصوص الواردة في مقام بيان مصرف مجهول المالك التي ستمر عليك.

و استدل للقول الاول بوجهين:

(3) الأول: ما في المكاسب و هو ان الأداء الواجب متوقف عليه فيجب مقدمة له.

منهاج الفقاهة

(للروحاني)، ج 2، ص: 334

______________________________

و أورد عليه تارة: بأن الاداء انما يكون وجوبه مشروطا بالقدرة كسائر التكاليف الشرعية فلو علم بأنه لو تفحص لوجده وجب الاداء و الفحص، و لو شك في ذلك فلا محالة يشك في القدرة عليه فيشك في التكليف، و معه يرجع إلي أصالة البراءة عن الوجوب.

و اخري: بأن اطلاق النصوص الآتية يقتضي عدم وجوب الاداء و الفحص مع الجهل بالمالك، و به يقيد اطلاق ما دل علي وجوب الاداء.

و فيهما نظر:

أما الاول: فلان المحقق في محله: ان البراءة لا تجري في مورد الشك في القدرة علي امتثال التكليف إن لم تكن شرطا شرعيا كما في المقام، إما لكونها شرطا لتنجز التكليف لا لأصله، أو لبناء العقلاء علي ذلك، أو غير ذلك.

و أما الثاني: فلان النسبة بين ما دل علي وجوب الاداء و النصوص المشار اليها عموم من وجه، إذ الطائفة الاولي أعم من حيث شمولها لما اذا كان المالك معلوما، و أخص من حيث اختصاصها بصورة التمكن العقلي من الاداء و الفحص. و الطائفة الثانية أخص من الجهة الاولي لاختصاصها بمجهول المالك و أعم من الجهة الثانية كما لا يخفي، و حيث ان دلالة كل منهما علي المجمع انما تكون بالاطلاق فتتساقطان معا فيرجع الي ما دل علي عدم جواز التصرف في مال الغير من غير رضا صاحبه- فتأمل-.

فإن المختار أخيرا تعين الرجوع الي الاخبار العلاجية في هذا الفرض ايضا.

الوجه الثاني: هو دلالة طوائف من النصوص عليه:

منها: ما تضمن الامر به في الدين المجهول المالك:

كصحيح معاوية عن الامام الصادق عليه السلام: في رجل كان له علي رجل حق ففقده و لا يدري أ حي هو أم ميّت و لا يعرف له وارث

و لا نسب و لا بلد، قال: أطلبه، قال: ان ذلك قد طال فاتصدق به؟ قال: اطلبه «1».

______________________________

(1) الوسائل، باب 22، من أبواب الدين و القرض، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 335

______________________________

و عن الفقيه: و روي في هذا خبر آخر: إن لم تجد له وارثا و علم الله منك الجهد فتصدق به.

و فيه: ان مورده العلم بالمالك مع الجهل بموضعه، و محل الكلام انما هو مجهول المالك، إلا ان يدعي العلم بعدم الفرق بين الجهل بالمالك و الجهل بموضعه كما ادعي عدم الفرق بين الدين و العين.

و منها: ما دل علي وجوب تعريف اللقطة «1».

و فيه: ان تلك النصوص المتضمنة للتعريف سنة ثمّ التصدق بها بعدها مختصة باللقطة، و التعدي يحتاج الي دليل مفقود.

و منها: ما دل علي وجوب الفحص عن الاجير الذي بقيت اجرته:

كموثق هشام بن سالم قال: سأل حفص الاعور أبا عبد الله عليه السلام و أنا عنده جالس قال: انه كان لابي أجير كان يقوم في رحاه و له عندنا دراهم و ليس له وارث فقال أبو عبد الله عليه السلام: تدفع الي المساكين، ثمّ قال: رأيك، ثمّ أعاد المسألة فقال مثل ذلك، فأعاد عليه المسألة ثالثة فقال أبو عبد الله عليه السلام: تطلب وارثا فإن وجدت وارثا و إلا فهو كسبيل مالك «2». و نحوه غيره.

و قد استدل بها السيد الفقيه.

و يرد عليها: ما أوردناه علي الطائفة الاولي.

و منها: ما استدل به المحقق الايرواني قدس سره و هو ما ورد في إيداع اللص دراهم أو متاعا عند مسلم و اللص مسلم، فإنه دل علي أن الوديعة بمنزلة اللقطة فيعرفها حولا، فإن أصاب صاحبها ردها اليه و إلا تصدق بها عنه

«3».

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب اللقطة.

(2) الوسائل، باب 22، من أبواب الدين و القرض، حديث 3.

(3) الوسائل، باب 18، من أبواب اللقطة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 336

ثمّ لو ادعاه مدع ففي سماع قول من يدعيه مطلقا لانه لا معارض له أو مع الوصف تنزيلا له منزلة اللقطة أو يعتبر الثبوت شرعا للاصل وجوه (1) و يحتمل غير بعيد عدم وجوب الفحص لإطلاق غير واحد من الاخبار. ثمّ إن المناط صدق اشتغال الرجل بالفحص نظير ما ذكروه في تعريف اللقطة.

______________________________

و أورد عليه الاستاذ الاعظم: بأنه ضعيف السند لان في طريقه قاسم بن محمد و حفص بن غياث، و بوروده في قضية خاصة، فلا وجه للتعدي منها الي غيرها.

و لكن يمكن الجواب عن الاول بما عن صاحب الجواهر من: ان ضعف السند منجبر بعمل المشهور.

فتحصل مما ذكرناه: وجوب الفحص لوجهين فلاحظ.

لا تسمع دعوي المدعي له ما لم يثبت شرعا

(1) هذا هو الموضع الثاني: و هو ما لو ادعاه مدع فهل يسمع قوله مطلقا أم مع الوصف، أو يعتبر الثبوت شرعا؟ وجوه:

الاول: انه يعطي مجهول المالك لمن يدعيه مطلقا.

الثاني: انه يعطي اياه مع التوصيف.

الثالث: انه لا يعطي اياه ما لم يثبت كونه له شرعا.

و قد استدل للاول: بخبر منصور الوارد في الكيس الواقع بين الجماعة الدال علي انه لمن يدعيه «1» بدعوي: ان المستفاد منه قاعدة كلية و هي سماع دعوي كل من لا معارض له.

و بالاجماع و السيرة علي القاعدة المشار اليها.

و بقوله: في صحيح البزنطي الوارد في اللقطة و إن جاءك طالب لا تتهمه رده عليه «2».

______________________________

(1) الوسائل، باب 17، من أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوي، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 15، من أبواب اللقطة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2،

ص: 337

______________________________

و بالنصوص الاخر الواردة في اللقطة الدالة علي جواز التملك أو التصدق إلا ان يجئ لها طالب كقوله عليه السلام فإن جاء لها طالب و الا فهي كسبيل ماله «1». و نحوه غيره.

و بأدلة حمل فعل المسلم و قوله علي الصحة.

و في كل نظر:

أما الاول: فلاختصاصه بما اذا لم يكن المال في يد واحد مأمور بإيصاله إلي مالكه، مع ان في كون المقام من قبيل دعوي من لا معارض له نظرا بل منعا، فإنه مأمور بحفظ المال عن غير مالكه، و عليه فهو يمنعه عن التصرف فيه.

و بذلك ظهر ما في الوجه الثاني، مضافا الي ان المتيقن منهما غير المقام.

و أما صحيح البزنطي: فلم يعمل به في مورده.

و أما سائر النصوص: فالظاهر منها بعد التدبر هو العلم بكونه مالكا، و لو أبيت الا عن ظهورها في جواز الدفع بمجرد الطلب فيرد عليها: انه لم يعمل بها في موردها فكيف في غير موردها.

و أما أدلة حمل فعل المسلم و قوله علي الصحة، فلانها تدل علي عدم معاملة الفاسق و الكاذب معه لا انه يترتب عليهما آثار الواقع.

و أما الوجه الثاني:

فقد استدل له بالنصوص الواردة في اللقطة الدالة علي انه يعطي اللقطة لمن يدعيها مع التوصيف «2». بدعوي انه لا خصوصية للقطة.

و فيه: ان هذا الحكم غير ثابت في الاصل فضلا عن الفرع.

مع انه لو تم في اللقطة لا وجه للتعدي بعد احتمال الاختصاص.

فتحصل: ان الاقوي هو الوجه الثالث، إذ لا تحصل البراءة لمن وضع يده علي مال غيره الا بالاداء الي مالكه.

بقي شي ء، و هو: انه لو دفعه الي من يدعيه مع ثبوت كونه مالكا ثمّ تبين كون المالك غيره.

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب

اللقطة.

(2) الوسائل، باب 6، من أبواب اللقطة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 338

و لو احتاج الفحص الي بذل مال كأجرة دلال صائح عليه. فالظاهر عدم وجوبه علي الاخذ (1) بل يتولاه الحاكم ولاية عن صاحبه و يخرج عن العين أجرة الدلال.. ثمّ يتصدق بالباقي إن لم يوجد صاحبه و يحتمل وجوبه عليه لتوقف الواجب عليه (2) و ذكر جماعة في اللقطة ان أجرة التعريف علي الواجد لكن حكي عن التذكرة انه إن قصد الحفظ دائما يرجع أمره الي الحاكم ليبذل أجرته من بيت المال أو يستقرض علي المالك أو يبيع بعضها ان رآه أصلح و استوجه ذلك جامع المقاصد.

______________________________

فهل يضمن الدافع مطلقا.

أم لا يضمن كذلك.

أم يفصل بين صورة العلم و غيره من الطرق فيضمن في الاولي.

أم يفصل بين قيام البينة و غيرها فلا يكون ضامنا في الصورة الاولي.

أم يحكم بالضمان الا في صورة الزام الحاكم بالدفع.

أم يفصل بين دفع العين و القيمة فيكون ضامنا في الثاني؟ وجوه لو لم تكن أقوالا.

أقواها الاول، لان مقتضي أدلة الضمانات و الامانات بقاء المال في عهدة من تحت يده مال غيره الا ان يؤديه اليه، فغاية الضمان هو الأداء الي المالك، و حديث لا ضرر لا يصلح لرفع الضمان، إذ الحكم بعدمه ضرر علي المالك فيتعارض الضرران، و ما دل علي نفي السبيل علي المحسنين اجنبي عن المقام، لان من اعطي مال شخص الي غيره لا يكون محسنا بالنسبة الي مالكه.

أجرة الفحص عن المالك

(1) هذا هو الموضع الثالث: و هو ما اذا احتاج الفحص عن المالك الي بذل مال.

فهل هو علي الاخذ أو علي المالك؟ فقد استدل المصنف قدس سره للاول.

(2) بأن الفحص عن المالك واجب علي الآخذ فيجب عليه بذل المال

مقدمة له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 339

______________________________

و أجاب عنه الاستاذ الاعظم: بأن مقدمة الفحص الواجب انما هي طبيعي بذل المال سواء كان من كيسه أم من كيس المالك، و إذن فلا يتعين البذل علي الاخذ الا بدليل خاص و هو منفي في المقام.

و فيه: ان المقدمة و إن كانت هي الطبيعي الا ان الواجب منها هو ما يكون فعل الاخذ نفسه و لا يعقل أن يجب بذل المال علي المالك بالوجوب المقدمي المترشح من وجوب الفحص المتوجه الي الاخذ.

فإن قيل: ان المدعي ان طرف التخيير اعطاء الآخذ من مال المالك فلا يلزم المحذور المذكور.

قلت: إنه علي هذا لا يكاد يجب هذا الفرد بالوجوب المقدمي لحرمته الموجبة لاختصاص الوجوب بغيره.

فالاولي في الجواب عن أصل الدليل: ان الفحص بما أنه لا يتوقف علي بذل المال دائما ففي مورد توقفه عليه لا مانع من الرجوع الي دليل نفي الضرر إذا لم يكن ارتفاع الحكم الضرري علي خلاف الامتنان.

توضيح ذلك: ان من وضع يده علي مال غيره، ربما يكون عن وجه شرعي كاللقطة و أخذ المال من السارق مع العلم برضا صاحبه و نحو ذلك، و ربما يكون علي غير وجه شرعي كالغصب و السرقة و نحوهما.

فإن كان من قبيل الاول: كانت أجرة الفحص علي المالك، بمعني ان الاخذ يصرفها من كيسه، فإن وجده أخذها منه و الا فمن المال الذي في يده، و يتولي ذلك الحاكم حسبة لما دل علي نفي السبيل علي المحسنين و لحديث نفي الضرر المتقدمين. فتأمل.

و إن كان من قبيل الثاني: كانت الاجرة علي الاخذ، و الوجه في ذلك مضافا الي عدم شمول أدلة نفي الضرر و السبيل علي المحسنين.

أما الثاني: فواضح، و أما

الاول: فلكونه خلاف الامتنان.

ما دل علي ان الغاصب يجب عليه رد المغصوب و ان تضرر بكثير، كما اذا توقف

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 340

ثمّ إن الفحص لا يتقيد بالسنة علي ما ذكره الاكثر هنا بل حده اليأس (1) و هو مقتضي الاصل الا ان المشهور كما في جامع المقاصد علي انه اذا اودع الغاصب مال الغصب لم يجز الرد اليه بل يجب رده الي مالكه فإن جهل عرف سنة، ثمّ يتصدق به عنه مع الضمان.

و به رواية حفص بن غياث لكن موردها فيمن اودعه رجل من اللصوص دراهم أو متاعا و اللص مسلم. فهل يرد عليه فقال: لا يرد فإن أمكنه أن يرده علي صاحبه فعل، و إلا كان في يده منزلة اللقطة يصيبها فيعرفها حولا فإن أصاب صاحبها و الا تصدق بها فإن جاء صاحبها بعد ذلك خير بين الغرم و الاجر. فإن اختار الاجر فالاجر له، و إن اختار الغرم غرم له و كان الاجر له، و قد تقدم تعدي الاصحاب من اللص الي مطلق الغاصب. بل الظالم و لم يتعدوا من الوديعة المجهول مالكها الي مطلق ما يعطيه الغاصب و لو بعنوان غير الوديعة كما فيما نحن فيه.

______________________________

الرد علي هدم البناء و نحوه.

فعن الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة: الحجر الغصب في الدار رهن علي خرابها (1).

مقدار الفحص عن المالك

(1) هذا هو الموضع الرابع: و هو في مقدار الفحص.

فعن الاكثر: ان حده اليأس.

و عن جماعة: ان حده السنة و ربما يقال بكفاية طبيعي الفحص عن المالك.

و الاقوي هو الاول بناء علي ما عرفت من ان مدرك وجوب الفحص هو حكم العقل لكونه مقدمة لإيصال المال الي مالكه، إذ بعد ما لم ييأس من

الظفر به يكون مأمورا بالرد اليه، فيجب الفحص مقدمة له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 341

نعم ذكر في السرائر فيما نحن فيه انه روي انه بمنزلة اللقطة ففهم التعدي من الرواية. و ذكر في التحرير ان إجراء حكم اللقطة فيما نحن فيه ليس ببعيد كما انه عكس في النهاية و السرائر. فالحقا الوديعة بمطلق مجهول المالك و الانصاف ان الرواية يعمل بها في الوديعة أو مطلق ما أخذ من الغاصب بعنوان الحسبة للمالك لا مطلق ما أخذ منه حتي لمصلحة الاخذ فان الاقوي فيه تحديد التعريف فيه باليأس للاصل بعد اختصاص المخرج عنه بما عدا ما نحن فيه. مضافا الي ما ورد من الامر بالتصدق بمجهول المالك (1) مع عدم معرفة المالك كما في الرواية الواردة في بعض عمال بني أمية (لعنهم الله) من الامر بالصدقة بما لا يعرف صاحبه مما وقع في يده من أموال الناس بغير حق.

______________________________

و استدل للقول الثاني:

بخبر «1» حفص بن غياث الوارد في إيداع اللص دراهم المذكور في المتن بدعوي ان ظاهره ان مناط الفحص الي سنة و ملاكه في اللقطة هو كونها مالا مجهول المالك وقع في يده، فيتعدي منه الي كل ما كان كذلك.

و فيه: ان الخبر مختص بإيداع اللص و لا يبعد دعوي التعدي الي غيره من أفراد الغاصب و إلي كل مورد كان المال مأخوذا بعنوان الامانة و الحفظ، و أما التعدي الي كل مال مجهول المالك و إن أخذ لمصلحة الاخذ فالظاهر انه قياس محض، بل دعوي اختصاصه بمورده و عدم التعدي حتي من الجهتين الاولتين قريبة.

و بالنصوص «2» الواردة في اللقطة المحددة للفحص فيها بالسنة.

و فيه: انها مختصة باللقطة، و التعدي الي كل مال مجهول

المالك يحتاج الي دليل.

و استدل للقول الاخير:

بأنه يكتفي في امتثال الامر بصرف الوجود من الطبيعة.

و فيه: ما تقدم من أن مدرك وجوب الفحص انما هو حكم العقل لا التعبد.

فتحصل: ان الاقوي هو القول الاول.

و قد استدل له المصنف قدس سره مضافا الي ما مر.

(1) بقوله مضافا الي ما ورد من الأمر بالتصدق بمجهول المالك مع عدم معرفة

______________________________

(1) الوسائل، باب 18، من أبواب اللقطة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 2، من أبواب اللقطة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 342

ثمّ الحكم بالصدقة (1) هو المشهور فيما نحن فيه أعني جوائز الظالم و نسبه في السرائر الي رواية أصحابنا فهي مرسلة مجبورة بالشهرة المحققة مؤيدة بأن التصدق أقرب طرق الايصال، و ما ذكره الحلي. من ابقائها امانة في يده و الوصية به معرض للمال للتلف مع انه لا يبعد دعوي شهادة حال المالك للقطع برضاه بانتفاعه بماله في الآخرة علي تقدير عدم انتفاعه به في الدنيا هذا.

______________________________

المالك كما في الرواية الواردة في بعض عمال بني امية … الخ. اشار بذلك.

الي خبر علي بن أبي حمزة عن الامام الصادق عليه السلام انه قال لصديق له من كتاب بني امية فاخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرف تصدقت به … الي آخره «1».

وجه الاستدلال به مع انه مطلق غير آمر بالفحص: انه مطلق، و غاية ما ثبت تقييده هو لزوم الفحص الي حد اليأس، ففي الزائد عن هذا الحد يرجع الي اطلاق الخبر و يحكم بعدم وجوبه.

و يمكن أن يقال في توجيهه: ان المراد من عدم المعرفة هو عدم التمكن من المعرفة لا عدم المعرفة الفعلية، و ذلك للعلم بعدم الاكتفاء بمجرد

عدم المعرفة الفعلية، إذ لا ريب في وجوب الفحص لو علم بأنه لو تفحص لظفر بالمالك، و هذا العنوان لا يحصل بعد اليأس.

يرد علي التوجيه الاول: انه يتم اذا كان حصول اليأس قبل تمام السنة، و هو فاسد، إذ النسبة بين العنوانين عموم من وجه، فقد يتقدم اليأس و قد يتقدم مضي السنة. نعم التوجيه الثاني لا بأس به.

مصرف مجهول المالك

(1) قوله ثمّ الحكم بالصدقة هو المشهور.

هذا هو الموضع الخامس: و هو في مصرف مجهول المالك و من له ولاية الصرف.

فالكلام: تارة يقع في تعيين مصرف مجهول المالك.

______________________________

(1) الوسائل، باب 47، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 343

______________________________

و اخري: في ولاية الصرف و انها للحاكم أو لمن يكون المال تحت يده.

و حيث لا شبهة في ان الحاكم بنفسه ليس مصرفا لهذا المال فلا وجه لعد الدفع الي الحاكم في عرض التصدق و الامساك كما في المكاسب و الحواشي، فهاهنا بحثان:

الاول: في تعيين المصرف.

الثاني: فيمن له ولاية الصرف.

و في كل منهما تارة يقع البحث فيما تقتضيه القواعد.

و اخري: فيما تقتضيه النصوص الخاصة.

فتنقيح القول في هذا الموضع يقتضي البحث في موارد:

الاول: في تعيين المصرف بحسب القواعد.

و المحتملات متعددة: تعين الصدقة، و تعين الامساك و الحفظ، و التخيير بينهما، و جواز التملك.

أقواها الاخير، ثمّ الثاني و ذلك لان المال الذي يكون الشخص مأيوسا عن الظفر بمالكه لا يعتبرونه العقلاء ملكا لمالكه، إذ اعتبار الملكية العقلائي الذي هو الموضوع لاعتبار الشارع لا بد و أن يكون بلحاظ ثمرة عملية و أثر مترتب علي الملكية، فالملكية التي لا يترتب عليها أثر لا معني لاعتبارها، و عليه فهو يخرج عن ملك مالكه بعد اليأس عن الظفر به،

فيكون من المباحات فيجوز تملكه.

و بهذا البيان يمكن الافتاء بجواز المشي في الشوارع التي استحدثوها التي كانت أملاكا للناس و أخذت من مالكيها ظلما و عدوانا.

و لو تنزلنا عن ذلك فالمتعين هو الوجه الثاني لعدم جواز تملك مال الغير و التصدق به.

و ما استدل به علي وجوب التصدق من انه إحسان بالمالك، و انه أقرب طرق الايصال الي المالك، و ان الابقاء معرض للتلف.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 344

______________________________

كلها كما تري، إذ لا دليل علي جواز الاحسان بمال الغير.

و إن شئت قلت: إنه ليس إحسانا، فإن التصرف في مال الغير بغير إذنه ظلم و إساءة و لا يكون عدلا و احسانا، و الدليل انما دل علي لزوم ايصال المال الي مالكه لا علي لزوم أقرب طرق الايصال اليه أو جوازه، و كون الابقاء معرضا للتلف لا يوجب جواز اتلافه.

لا يقال: إنه بعد العلم الاجمالي بتخصيص ما دل علي عدم جواز التصرف في مال الغير ما لم يحرز رضاه به بواحد من التصدق و الامساك للابدية أحدهما و كل منهما في نفسه تصرف لم يؤذن فيه لا مانع من التمسك بأدلة التصدق، إذ المانع ليس الا عدم جواز التصرف في مال الغير الساقط في المقام.

فإنه يرد بأن التصدق اتلاف لمال الغير، و هو محرم و إن لم يكن دليل علي حرمة التصرف في مال الغير.

و بعبارة اخري: التصدق تصرف و اتلاف، فعدم الدليل علي حرمته من الجهة الاولي لسقوط ما دل علي حرمة التصرف لا يستلزم سقوط ما دل علي حرمته من الجهة الثانية.

و إن شئت قلت: إنه انما يحكم بعدم شمول أدلة حرمة التصرف للتصدق و الامساك للعلم بعدم شمولها لهما معا، و عليه فإن

كان شمولها لاحدهما دون الآخر ترجيحا بلا مرجح لا تشمل شيئا منهما، و الا فتشمل ما فيه الترجيح، و حيث ان التصدق يكون اتلافا ايضا فتشمله تلك الادلة خاصة.

مع انه لو سلم شمول ادلة التصدق له من طرف المتصدق لكنها معارضة مع أدلة عدم جواز التصرف فيه من ناحية المتصدق عليه فتساقطان و يرجع الي أصالة الفساد.

المورد الثاني: فيمن له الولاية بحسب القواعد.

الظاهر انه لو بنينا علي جواز التملك فلا مورد لهذا البحث، و أما لو بنينا علي تعين الامساك و الحفظ، أو التصدق او التخيير بينهما، فإن ثبت ان الحاكم ولي الغائب نفسه، و ان له الولاية العامة، فيتعين الدفع اليه ليكون هو المتولي لذلك، و الا فيتولاه الاخذ بنفسه، و لا يخفي وجهه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 345

و العمدة ما أرسله في السرائر (1) مؤيدا بأخبار اللقطة (2) و ما في منزلتها و ببعض الاخبار الواردة في حكم ما في يد بعض عمال بني أمية الشامل بإطلاقها لما نحن فيه من جوائز بني امية (3) حيث قال له عليه السلام: اخرج من جميع ما اكتسبت في ديوانهم فمن عرفت منهم رددت عليه ماله و من لم تعرف تصدقت و يؤيده ايضا الامر بالتصدق بما يجتمع عند الصياغين من اجزاء النقدين «. (4)

______________________________

المورد الثالث: في تعيين المصرف بحسب النصوص الخاصة.

الوجوه المحتملة بل الاقوال المنقولة كثيرة.

الوجه الاول لزوم التصدق به و قد استشهد له، و ايده في المتن بوجوه:

(1) أحدها قوله و العمدة ما أرسله في السرائر.

قال فيها روي أصحابنا التصدق به عنه و يكون ضامنا اذا لم يرض بما فعل.

و لكنه مرسل لا يصح الاستناد اليه.

(2) ثانيها قوله مؤيدا بأخبار اللقطة و ما في

منزلتها.

أشار بذلك إلي طائفة من النصوص تدل علي لزوم التصدق.

كخبر كثير عن أمير المؤمنين عليه السلام فإن لم يجئ صاحبها و من يطلبها تصدق بها الحديث «1».

(3) ثالثها قوله و ببعض الأخبار الواردة في حكم ما في يد بعض عمال بني امية.

اشار بذلك الي خبر علي بن حمزة عن الامام الصادق عليه السلام و فيه ما نقله المصنف قدس سره «2».

(4) رابعها قوله الأمر بالتصدق بما يجتمع عند الصياغين من أجزاء النقدين.

نظره الشريف الي خبر علي بن ميمون الصائغ عن الامام الصادق عليه السلام عما يكنس من التراب فأبيعه فما اصنع به؟ قال عليه السلام: تصدق به فأما لك و أما لاهله «3». و نحوه خبره الآخر «4».

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من اللقطة، حديث 2.

(2) الوسائل، باب 47، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 16، من أبواب الصرف، حديث 1.

(4) الوسائل، باب 16، من أبواب الصرف، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 346

و ما ورد من الامر بالتصدق بغلة الوقف المجهول اربابه (1) و ما ورد من الامر بالتصدق بما يبقي في ذمة الشخص لاجير استأجره (2) و مثله مصححة يونس، فقلت (قال: سألت عبدا صالحا): جعلت فداك كنا مرافقين لقوم بمكة فارتحلنا عنهم و حملنا بعض متاعهم بغير علم. و قد ذهب القوم و لا نعرفهم و لا نعرف أوطانهم. و قد بقي المتاع عندنا فما نصنع به قال: تحملونه حتي تلحقوهم بالكوفة، قال يونس، قلت له: لست أعرفهم و لا ندري كيف نسأل عنه قال:

فقال عليه السلام: بعه و اعط ثمنه اصحابك، قال: فقلت: جعلت فداك أهل الولاية، قال:

فقال نعم (3).

______________________________

(1) خامسها خبر أبي علي بن راشد عن أبي الحسن

عليه السلام قلت: جعلت فداك اشتريت ارضا الي جنب ضيعتي بألفي درهم فلما وفيت المال خبرت ان الارض وقف فقال عليه السلام: لا يجوز شراء الوقف و لا تدخل الغلة في مالك و ادفعها الي من وقفت عليه قلت:

لا أعرف لها ربا قال: تصدق بغلتها «1».

(2) سادسها حسن محمد بن مسلم عن الإمام الصادق عليه السلام في رجل ترك غلاما له في كرم له يبيعه عنبا أو عصيرا فانطلق الغلام فعصر خمرا ثمّ باعه قال: لا يصلح ثمنه- الي ان قال- ان أفضل خصال هذه التي باعها الغلام ان يتصدق بثمنها «2».

(3) سابعها مصحح يونس المذكور في المتن الي غير ذلك من النصوص الواردة في الموارد الخاصة.

و ما أفاده السيد في الحاشية من أن صحيح معاوية عن مولانا الصادق عليه السلام في رجل كان له علي رجل حق ففقده و لا يدري أين يطلبه و لا يدري أ حي هو أم ميت و لا يعرف له وارثا و لا نسبا و لا ولدا؟ قال عليه السلام: اطلب، قال: فإن ذلك قد طال فاتصدق به؟ قال عليه السلام:

اطلبه «3» يدل علي عدم جواز التصدق فيعارض النصوص المتقدمة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 17، من أبواب عقد البيع و شروطه، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 55، من أبواب ما يكتسب به، حديث 1.

(3) الوسائل، باب 6 من أبواب ميراث الخنثي، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 347

نعم يظهر من بعض الروايات ان مجهول المالك مال الامام عليه السلام كرواية داود ابن أبي يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال له رجل اني قد اصبت مالا و اني قد خفت منه علي نفسي فلو اصبت صاحبه دفعته اليه و تخلّصت

منه، قال: فقال له أبو عبد الله عليه السلام لو أصبته كنت تدفعه اليه، فقال: أي و الله، فقال عليه السلام و الله ماله صاحب غيري، قال: فاستحلفه ان يدفعه الي من يأمره، قال: فحلف قال فاذهب و قسمه بين إخوانك و لك الامن مما خفته، قال فقسمه بين إخوانه هذا.

______________________________

في غير محله، إذ هو انما يدل علي انه لا يتصدق ما دام يكون مأمورا بالفحص و الطلب، أي ما دام لم ييأس من الظفر بمالكه و ستعرف انه يدل علي ذلك غير هذا الصحيح ايضا.

و بها يقيد اطلاق هذه النصوص، و تختص هذه بما اذا يئس عن الظفر بمالكه.

بل يستفاد منه أن وجوب التصدق به كان مغروسا في ذهن السائل، و انما سأل عن ان طول المدة هل يوجب سقوط الطلب أم لا؟ فأجاب عليه السلام بعدم موجبيته له.

الوجه الثاني: ان ذلك يكون للامام عليه السلام.

و قد استدل له المصنف قدس سره بخبر داود بن أبي يزيد «1» عن الامام الصادق عليه السلام لاحظ المتن.

و فيه اولا: ان الخبر مجهول لحجال.

و ثانيا: انه يحتمل فيه وجوه ذكرت جملة منها في مرآة العقول:

الاول: ما فهمه الشيخ قدس سره و هو كون ما أصابه لقطة من غيره لكنه يكون له.

الثاني: ان يكون ما أصابه لقطة من ماله عليه السلام فأمر بالصدقة علي الاخوان تطوعا.

الثالث: أن يكون ما أصابه لقطة من غيره و لكنه علم بموت صاحبه حين السؤال و انه لم يترك وارثا غير الامام عليه السلام.

______________________________

(1) الوسائل، باب 7، من أبواب اللقطة، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 348

______________________________

الرابع: ان يكون ما أصابه من عمال السلطان و كان ذلك مما يختص به أومن الاموال التي

له التصرف فيها، و قد استظهر المجلسي قدس سره هذا الوجه.

و كيف كان: فمع هذه الاحتمالات لا يبقي مورد للاستدلال بهذا الخبر علي المقصود.

و أما ما في حاشية السيد الفقيه: قال يمكن منع الدلالة فإن المراد من الصاحب الولي و صاحب الاختيار.

فغير سديد، إذ المراد من الصاحب في الجواب هو المراد به في السؤال، و معلوم ان المراد به فيه المالك.

الوجه الثالث: ان يكون المجهول المالك لمن وضع يده عليه.

و استدل له المحقق الايرواني قدس سره تبعا للمحقق الهمداني قدس سره.

بقوله: عليه السلام في صحيح علي بن مهزيار: كتب اليه أبو جعفر عليه السلام كتابا فيه: فالغنائم و الفوائد- يرحمك الله- فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها و الجائزة من الانسان للانسان التي لها خطر و الميراث الذي لا يحتسب من غير أب و لا ابن و مثل عدو يصطلم فيؤخذ ماله و مثل مال يؤخذ و لا يعرف له صاحب «1».

و فيه: اولا: ان الظاهر من قوله عليه السلام مال يؤخذ هو ارادة اللقطة لا مطلق المال المجهول المالك، و قد دلت النصوص الكثيرة علي أن لواجدها تملكها بعد تعريفها حولا.

و ثانيا: ان الخبر وارد في مقام بيان وجوب الخمس في كل غنيمة و منها مال يوجد و لا يعرف صاحبه، فغاية ما يستفاد منه ان مجهول المالك يجوز تملكه في الجملة، و أما ان حكمه كذلك مطلقا أم يختص ذلك ببعض أقسامه كاللقطة، فلا يكون الخبر في مقام بيانه كي يتمسك بإطلاقه، فيتعين الاخذ بالمتيقن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 8، من أبواب ما يجب فيه الخمس، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 349

______________________________

و أما ما ذكره الاستاذ الاعظم من أن الخبر ليس صريحا في

جواز التملك بعد إخراج خمسه و انما هو مطلق بالنسبة اليه فيقيد بالروايات الدالة علي لزوم التصدق بمجهول المالك.

فيرد عليه:

ان الظاهر منه بقرينة عده من مصاديق الغنيمة و الفائدة هو كونه ملكا لمن وضع يده عليه، و الا فلو تعين التصدق لما صح عده من أفراد الغنيمة و الفائدة.

الوجه الرابع انه يجوز لمن وضع يده عليه أن يعمل فيه و يخرجه صدقة قليلا قليلا حتي يخرج.

و استدل له: بخبر نصر بن حبيب صاحب الخان قال: كتبت الي العبد الصالح عليه السلام:

لقد وقعت عندي مأتا درهم و اربعة دراهم و انا صاحب فندق و مات صاحبها و لم أعرف له ورثة فرأيك في اعلامي حالها و ما أصنع بها فقد ضقت بها ذرعا؟ فكتب عليه السلام: اعمل فيها و أخرجها صدقة قليلا قليلا حتي تخرج «1».

و فيه: اولا: ان الخبر مجهول لنصر.

و ثانيا: انه لم يفت أحد بظاهره، لا سيما اذا كان المراد بقوله عليه السلام اعمل فيها التجارة بها و اخراج الصدقة من ربحها.

و أما ما أورده عليه الاستاذ الاعظم: بأن من المحتمل ان صاحب المال قد مات و لم يترك وارثا غير الامام و انه عليه السلام بما هو وارث أجاز لصاحب الخان ان يتصرف في ذلك المال و يتصدق به قليلا قليلا، و احتمال وجود وارث غير الاب و الام، مدفوع بالاصل، و احتمال وجودهما، لعله كان مقطوع العدم.

فيرد عليه: ان مجرد احتمال كون وجود الاب و الام مقطوع العدم لا يكفي في الايراد علي الاستدلال مع عدم الاستفصال.

______________________________

(1) الوسائل، باب 6، من أبواب ميراث الخنثي و ما اشبهه، حديث 3.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 350

______________________________

الوجه الخامس: انه يتعين الحفظ و الايصاء به

عند الوفاة و استدل له:

بخبر هيثم بن أبي روح صاحب الخان قال: كتبت الي العبد الصالح عليه السلام: اني اتقبل الفنادق فينزل عندي الرجل فيموت فجأة لا أعرفه و لا أعرف بلاده و لا ورثته فيبقي المال عندي كيف أصنع به، و لمن ذلك المال؟ فكتب عليه السلام: اتركه علي حاله «1».

و بعدة روايات رواها هشام:

منها: موثقه المتقدم في الموضع الاول «2».

و منها: خبره الآخر المروي عن الفقيه: سأل حفص الاعور أبا عبد الله عليه السلام و انا حاضر فقال: كان لابي أجير و كان له عنده شي ء فهلك الاجير و لم يدع وارثا و لا قرابة و قد ضقت بذلك فكيف اصنع به؟ فقال عليه السلام: رأيك المساكين رأيك المساكين فقلت: اني ضقت بذلك ذرعا فكيف اصنع؟ قال عليه السلام: هو كسبيل مالك فان جاء طالب اعطيته «3»..

و منها: صحيحه قال: سأل خطاب الاعور أبا ابراهيم عليه السلام و انا جالس فقال: انه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالاجرة ففقدناه و بقي له من أجره شي ء. و لا يعرف له وارث قال:

فاطلبوه، قال: قد طلبناه فلم نجده فقال: مساكين، و حرك يديه، قال: فاعاد عليه، قال:

اطلب و اجهد، فإن قدرت عليه و الا فهو كسبيل مالك حتي يجئ له طالب فان حدث بك حدث فاوص به إن جاء له طالب ان يدفع اليه «4».

و فيهما نظر:

أما الاول فلانه ضعيف السند لان الهيثم مهمل مجهول، مع ان الظاهر منه ارادة ما قبل الفحص و اليأس عن الظفر بالمالك.

______________________________

(1) الوسائل، باب 6، من أبواب ميراث الخنثي و ما اشبهه حديث 4.

(2) الوسائل، باب 2، من أبواب اللقطة.

(3) الوسائل، باب 6، من أبواب ميراث الخنثي و

شبهه، حديث 10.

(4) الوسائل، باب 6، من أبواب ميراث الخنثي، حديث 1.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 351

______________________________

و أما اخبار هشام فيرد عليها:

اولا: انه لا يبعد اتحاد الاولين، و عليه فهي رواية مضطربة المتن، إذ في الاول أمر عليه السلام اولا: بالدفع الي مساكين، ثمّ قال عليه السلام: و الا فهو كسبيل مالك.

و ثانيا: ان قوله عليه السلام كسبيل مالك مجمل يحتمل أن يراد به لزوم الامساك و الحفظ، أي تتحفظ عليه في ضمن أموالك. و يحتمل ان يراد به التملك بالملكية المتزلزلة غير المنافية لوجوب الدفع ان جاء له طالب.

و ثالثا: انها ظاهرة في موت الاجير و عدم وجود وارث له، فيكون المال له عليه السلام و يمكن أن يكون المراد به: اطلب مالكه الذي هو عليه السلام، و لا يبين له للتقية و رابعا: ان موردها الدين، و هو ليس في معرض التلف، و محل الكلام العين الخارجية.

و خامسا: ان موردها معلوم المالك الذي لا يمكن الوصول اليه، فلا مساس لها بمجهول المالك.

و بما ذكرناه ظهر مدرك القول بالتخيير بين التصدق و الامساك الذي اختاره السيد قدس سره.

و القول بالتخيير بينهما و بين التملك.

و الجواب عنهما، إذ لا منشأ لهما سوي ان ذلك مقتضي الجمع بين النصوص.

و حيث عرفت عدم دلالة ما استدل به علي التملك و الامساك عليهما.

فالمتعين هو التصدق خاصة.

المورد الرابع: في بيان تعيين من له ولاية الصرف بعد ملاحظة النصوص الخاصة.

و الاقوال في ذلك اربعة:

الاول: انها للحاكم مطلقا.

الثاني: انها لمن وضع يده علي المال.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 352

______________________________

الثالث: ثبوت الولاية لكل منهما.

الرابع: التفصيل بين الدين و العين، فتكون الولاية للحاكم في الاول و للأخذ في الثاني.

و قد استدل للاول:

بأن النصوص

الآمرة بالتصدق واردة في بيان المصرف و لا تكون متعرضة لحكم مباشرة التصدق فيتولاه الحاكم ولاية.

و بأنها و إن تضمنت الاذن في مباشرة الاخذ للتصدق الا ان الظاهر منها- و لا أقل من المحتمل- انه اذن منه عليه السلام للسائل بمباشرة التصدق بالولاية الشرعية لا انه بيان للحكم الشرعي من هذه الجهة فيتولاه الحاكم حسبة.

و فيهما نظر:

اما الاول: فلان النصوص كالصريحة في الامر بمباشرة التصدق.

و أما الثاني: فلان الظاهر من كلمات الشارع الاقدس و خلفائه المعصومين عليهم السلام الواردة في مقام الجواب عن السؤال عن الوظائف الشرعية هو ورودها لبيان الحكم الشرعي، فظاهر النصوص هو بيان الحكم الشرعي حتي من حيث مباشرة التصدق. و بذلك ظهر مدرك القول الثاني.

و استدل للقول الثالث بوجوه:

الاول: ان ذلك مقتضي الجمع بين هذه النصوص و بين ما دل علي ولاية الحاكم الشرعي علي الغائب.

الثاني: ان للحاكم ولاية علي مستحقي الصدقة، فكما يجوز الدفع اليهم أنفسهم كذلك يجوز الدفع الي وليهم.

الثالث: ان الحاكم أعرف بمواقعها ممن وضع يده عليها.

و في كل نظر:

اما الاول: فلان ولاية الحاكم انما تكون من باب الحسبة، و لم تثبت

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 353

و أما باقي ما ذكرناه في وجه التصدق من انه احسان و انه أقرب طرق الايصال و ان الاذن فيه حاصل بشهادة الحال فلا يصلح شي ء منها للتأييد فضلا عن الاستدلال لمنع جواز كل احسان في مال الغائب، و منع كونه أقرب طرق الايصال بل الاقرب دفعه الي الحاكم الذي هو ولي الغائب، و أما شهادة الحال فغير مطردة اذ بعض الناس لا يرضي بالتصدق لعدم يأسه عن وصوله اليه، خصوصا اذا كان المالك مخالفا أو ذميا يرضي بالتلف و لا يرضي

بالتصدق علي الشيعة فمقتضي القاعدة لو لا ما تقدم من النص هو لزوم الدفع الي الحاكم، ثمّ الحاكم يتبع شهادة حال المالك فإن شهدت برضاه بالصدقة او بالامساك عمل عليهما و الا يخير بينهما لان كلا منهما تصرف لم يؤذن فيه من المالك، و لا بد من أحدهما و لا ضمان فيهما. و يحتمل قويا تعين الامساك لان الشك في جواز التصدق يوجب بطلانه لأصالة الفساد. و أما بملاحظة ورود النص بالتصدق فالظاهر عدم جواز الامساك امانة لانه تصرف لم يؤذن فيه من المالك و لا الشارع، و يبقي الدفع الي الحاكم و التصدق، و قد يقال إن مقتضي الجمع بينه و بين دليل ولاية الحاكم هو التخيير بين الصدقة و الدفع الي الحاكم فلكل منهما الولاية و يشكل بظهور النص في تعيين التصدق، نعم يجوز الدفع اليه من حيث ولايته علي مستحقي الصدقة و كونه أعرف بمواقعها، و يمكن أن يقال إن أخبار التصدق واردة في مقام إذن الامام بالصدقة، أو محمولة علي بيان المصرف، فانك اذا تأملت كثيرا من التصرفات الموقوفة علي إذن الحاكم وجدتها واردة في النصوص علي طريق الحكم العام كإقامة البينة و الاحلاف و المقاصة.

______________________________

ولايته علي الغائب من غير هذه الجهة، و عليه فلا بد من الاقتصار علي المتيقن و هو ما اذا لم يكن له ولي آخر، و حيث ان مقتضي النصوص المتقدمة ثبوت الولاية للأخذ فلا يبقي مورد لولاية الحاكم.

و أما الثاني: فلانه مضافا الي عدم ولايته علي المستحقين بعد كونهم ممن يمكن الوصول اليه: ان مقتضي اطلاق نصوص الباب عدم ثبوت الولاية له.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 354

و كيف كان فالاحوط خصوصا بملاحظة ما دل علي ان

مجهول المالك مال الامام عليه السلام مراجعة الحاكم بالدفع اليه أو استئذانه (1) و يتأكد ذلك في الدين المجهول المالك اذا لكلي لا يتشخص للغريم الا بقبض الحاكم الذي هو وليه. و إن كان ظاهر الاخبار الواردة فيه ثبوت الولاية للمديون، ثمّ ان حكم تعذر الايصال الي المالك المعلوم تفصيلا حكم جهالة المالك و تردده بين غير محصورين (2) في التصدق استقلالا أو بإذن الحاكم كما صرح به جماعة منهم المحقق في الشرائع و غيره.

______________________________

و أما الثالث: فلان مقتضاه ان تعيين مصرف مجهول المالك ليس من وظيفة الجاهل بل هو وظيفة العالم، و هذا امر لا ينكر، و أما بعد الرجوع اليه و تعيينه المصرف فهل يجب أو يجوز الدفع اليه أم لا؟ فهذا الوجه لا يدل علي شي ء منها.

و استدل للقول الرابع: بأن الكلي لا يتشخص للغريم الا بقبض الحاكم الذي هو وليه، و هذا بخلاف العين الخارجية فانها متعينة في نفسها.

و فيه: ان مقتضي النصوص المتقدمة ثبوت الولاية للأخذ مطلقا.

فتحصل: ان الاقوي عدم اعتبار اجازة الحاكم في صرف مجهول المالك، و انه لا يجب بل لا يجوز الدفع اليه الا بعنوان توكيله في إيصاله الي موارده.

(1) نعم الأحوط اختيار أحد الأمرين للقول بوجوبه كما أفاده المصنف في المتن.

(2) و قد صرح جماعة منهم المحقق: بأن حكم تعذر الإيصال الي المالك المعلوم تفصيلا حكم جهالة المالك و تردده بين غير محصورين.

و يشهد به: ان المستفاد من النصوص المتقدمة الآمرة بالتصدق بمجهول المالك ان الموجب لذلك و مناطه هو تعذر الايصال الي المالك، و عليه فلا فرق بين أن يكون المالك مجهولا بقول مطلق، و بين كونه مرددا بين أشخاص غير محصورين، و بين كونه

معلوما يتعذر الوصول اليه.

تنبيهات:

الاول: ان هذا الحكم اي التصدق انما يتعين ما لم يحرز رضا صاحب المال بصرفه في جهة خاصة، و الا فلا ريب في عدم وصول النوبة الي التصدق، بل يصرف فيما احرز رضا صاحبه بصرفه فيه، و عليه فيخرج سهم الامام عليه السلام عن موضوع هذا المبحث

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 355

ثمّ إن مستحق هذه الصدقة هو الفقير (1) لانه المتبادر من اطلاق الامر بالتصدق. (2)

______________________________

للعلم برضاه عليه السلام بصرف سهمه في تشييد الدين و إعلاء كلمة الاسلام، و من ذلك اعطائه لاهل العلم.

الثاني: الظاهر من بعض المحققين قدس سره انه ينوي الصدقة عن المالك، و لكن مقتضي اطلاق الاخبار عدم تعين نية ذلك، و علي فرض اعتبارها لا يلزم ان ينوي كونها عنه لو أجاز بعد تبينه، و عن نفسه ان ردها، بل ينوي عن المالك، و النص دل علي انها تحسب له ان ردها.

الثالث: ان ظاهر خبري ابن ميمون جواز ان يبيع المال و يتصدق بثمنه، و لكن الاحوط لزوما اعطاء نفس العين، لضعف الخبرين سندا، فالبيع تصرف لم يؤذن فيه.

الرابع: اذا مات المالك فإن علم بوجود الوارث له يتصدق عنه، و إن علم بعدم وجوده يكون المال للامام عليه السلام لانه وارث من لا وارث له، و إن شك في وجود الوارث حتي الاب و الام فيلحقه حكم مجهول المالك لإطلاق الاخبار.

و إن شك في وجوده مع العلم بموت أبيه و أمه، فهل يلحقه حكم مجهول المالك لإطلاق الاخبار، أم حكم ميراث من لا وارث له لأصالة عدم وارث آخر، و المفروض ان الحكم معلق علي عدم الوارث؟ وجهان: أقواهما الثاني.

مستحق هذه الصدقة

(1) قوله ثمّ ان مستحق هذه الصدقة هو

الفقير.

و يشهد له- مضافا الي ما أفاده المصنف قدس سره من.

(2) ان المتبادر من اطلاق الأمر بالتصدق هو ذلك- الآية الشريفة (إنما الصدقات للفقراء و المساكين) «1» و جملة من النصوص.

و بذلك يظهر ضعف ما عن الجواهر من انه يجوز اعطاء هذه الصدقة للاغنياء ايضا عملا باطلاق النصوص.

و أضعف منه ما ابتني عليه من جواز اعطاء مال الامام عليه السلام للاغنياء بدعوي ان المالك و إن كان معلوما إلا انه لتعذر الوصول اليه يتصدق عنه، لما عرفت من أن سهم

______________________________

(1) التوبة: 61.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 356

و في جواز اعطائها للهاشمي قولان: (1) من أنها صدقة مندوبة علي المالك. و إن وجب علي من هي بيده الا انه نائب كالوكيل و الوصي و من انها مال تعين صرفه بحكم الشارع لا بأمر المالك حتي تكون مندوبة مع ان كونها من المالك غير معلوم فلعلها ممن تجب عليه.

______________________________

الامام عليه السلام خارج عن هذا المبحث موضوعا.

(1) قوله و في جواز اعطائها للهاشمي قولان.

و قد استدل علي عدم الجواز في مقابل المطلقات المقتضية للجواز: بأنها صدقة واجبة، فاذا كانت عن غير هاشمي تحرم علي الهاشمي لما دل علي ان الصدقة الواجبة محرمة علي الهاشمي اذا كانت عن غير الهاشمي.

كخبر جعفر بن ابراهيم الهاشمي عن مولانا الصادق عليه السلام قلت له: أ تحل الصدقة لبني هاشم؟ فقال عليه السلام: انما الصدقة الواجبة علي الناس لا تحل لنا، فأما غير ذلك فليس به بأس … الي آخره «1».

و فيه اولا: ان الاظهر تبعا لجمع من الاساطين- كالسيد و الشيخ و العلامة و المحقق و غيرهم- حلية الصدقات الواجبة غير الزكاة علي الهاشمي.

و تشهد له: جملة من النصوص المفسرة للصدقة الواجبة

المحرمة علي بني هاشم كخبر اسماعيل بن الفضل عن الامام الصادق عليه السلام: هي الزكاة «2». و نحوه خبر زيد الشحام «3».

و ثانيا: انه لو سلم حرمة الصدقات الواجبة علي الهاشمي مطلقا، لا يجري هذا الحكم في المقام، إذ الصدقة لا تكون واجبة بعنوانها في المقام، بل تكون واجبة من جهة انطباق عنوان عرضي عليها، نظير ما لو نذر ان يتصدق يوم الجمعة بدرهم.

و إن شئت قلت: إنها صدقة مندوبة عن المالك و إن وجبت علي من تحت يده فهو نظير ما لو آجر زيد شخصا و وكله في ان يتصدق عنه. فالاظهر جواز اعطائها للهاشمي.

______________________________

(1) الوسائل، باب 31، من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 32، من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 5.

(3) نفس المصدر، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 357

ثمّ إن في الضمان لو ظهر المالك و لم يرض بالتصدق و عدمه مطلقا أو بشرط عدم ترتب يد الضمان كما اذا أخذه من الغاصب حسبة لا بقصد التملك وجوها (1)

من أصالة براءة ذمة المتصدق و أصالة لزوم الصدقة بمعني عدم انقلابها عن الوجه الذي وقعت عليه، و من عموم ضمان من أتلف و لا ينافيه إذن الشارع لاحتمال انه اذن في التصدق علي هذا الوجه كإذنه في التصدق باللقطة المضمونة بلا خلاف، و بما استودع من الغاصب و ليس هنا أمر مطلق بالتصدق ساكت عن ذكر الضمان حتي يستظهر منه عدم الضمان مع السكوت عنه.

______________________________

هذا إذا كانت الصدقة لغير الهاشمي، و إلا فلا كلام في الجواز.

التصدق بمجهول المالك لا يوجب الضمان

(1) قوله ثمّ ان في الضمان لو ظهر المالك و لم يرض بالتصدق … وجوها.

في ضمان من تصدق بمجهول المالك لو ظهر مالكه بعد التصدق و

لم يرض به، وجوه و أقوال:

الاول: الضمان مطلقا.

الثاني: عدمه كذلك.

الثالث: التفصيل بين ما اذا كان المال مسبوقا باليد العادية فيحكم بالضمان، و بين عدمه فيحكم بعدمه.

و تنقيح القول يقتضي البحث في مقامات:

الاول: فيما يستفاد من النصوص الخاصة.

الثاني: في مفاد الادلة الاجتهادية العامة.

الثالث: في ما تقتضيه الاصول العملية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 358

______________________________

أما المقام الاول: فالظاهر انها تقتضي عدم الضمان مطلقا، و ذلك لوجهين:

الاول: ان خبر علي بن أبي حمزة الوارد في قصة عامل بني امية المتقدم كالصريح في ذلك، إذ العامل قد طلب من الامام الصادق عليه السلام المخرج عما أخذه من أموال الناس.

فجوابه عليه السلام: بالتصدق بما تحت يده إن لم يعرف صاحبه و ضمانه له بذلك الجنة كالصريح في عدم الضمان، إذ لو كان التصدق، موجبا للضمان لما جعله عليه السلام مخرجا له.

الثاني: اطلاق النصوص الآمرة بالتصدق.

لا بدعوي ان الاذن في التصدق بما هو مسقط له الا ان يعلم انه علي وجه الضمان، كي يرد عليه بأن مطلق الاذن لا حكم له، بل الضمان معلق علي كون الاذن ضمانيا، و عدمه علي كونه مجانيا.

و بعبارة اخري: الرافع للضمان هو اسقاط الاحترام الذي لا يصدق الا مع الاذن المجاني.

و لا بدعوي ان المستفاد من النصوص بدلية يد الفقير من يد المالك ليكون الواقع في يد الفقير كالواقع في يد المالك.

بل لان الظاهر ورودها في مقام بيان كل حكم متعلق بالمال المجهول مالكه، إذ السائل انما كان يسأل عما هو وظيفته الشرعية بالنسبة الي ذلك المال، فجوابه عليه السلام بالامر بالتصدق و السكوت عن الضمان يكون دالا علي عدمه.

و قد استدل للضمان في مقابل ذلك بوجوه:

منها: ان المرسلة التي تقدم ذكرها و هي ما عن

السرائر روي: انه بمنزلة اللقطة، تدل عليه.

و منها: استفادة ذلك من خبر ايداع اللص المتقدم.

و منها: استفادته من النصوص الواردة في اللقطة.

و في كل نظر:

أما الاول: فلانه مضافا الي ارسالها لم يثبت كونها غير خبر ايداع اللص كما اعترف بذلك المصنف قدس سره فيما تقدم.

و أما الثاني: فلما تقدم من عدم التعدي عن مورده، و ما ذكره المصنف قدس سره في المقام

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 359

______________________________

ففي وجه التعدي من أنه يستفاد منه ان التصدق علي هذا الوجه حكم اليأس عن المالك، قد مر الجواب عنه. فراجع.

و أما الثالث: فلان التعدي عن نصوص اللقطة يتوقف علي إحراز عدم الخصوصية، و هو كما تري، كيف و يجوز تملك اللقطة و لا يجوز ذلك في المقام.

فتحصل: انه بحسب النصوص الخاصة الاظهر هو عدم الضمان مطلقا، و علي ذلك فلا يبقي مجال للبحث في المقامين الآخرين.

و انما يبحث فيهما علي فرض التنزل و عدم استفادة ذلك من النصوص.

و أما المقام الثاني: فملخص القول فيه: ان دليل الضمان أحد أمور ثلاثة: قاعدة اليد، و قاعدة الاتلاف، و الدليل الخاص.

أما الاخير: فمفروض العدم في المقام.

و أما قاعدة الاتلاف: فحيث لا كلام في ان التصدق حين وقوعه لا يقع عن المتصدق لعدم نفوذ الصدقة بمال الغير، إذ لا صدقة الا في ملك و كذلك لا كلام في ان التصدق لا يكون مراعي كالفضولي، إذ لم يقل أحد برجوع المالك علي الفقير و عدم جواز تصرف الفقير فيه، فلا محالة يقع التصدق عن المالك، و يعود نفعه اليه.

فعلي ذلك يمكن دعوي عدم شمول القاعدة للمقام بوجهين:

الاول: انه لو كانت هي شاملة له لزم القول بثبوت بدله في ذمة المتصدق، و حيث انه

ايضا مجهول المالك لزم التصدق به، و هكذا فيلزم التسلسل، فيستكشف من ذلك عدم الضمان بالصدقة.

الثاني: ان مقتضي الآية الشريفة (ما علي المحسنين من سبيل) «1» التي حكموها علي قاعدة اليد عدم الضمان، و هي تقدم علي قاعدة الاتلاف.

و المصنف قدس سره ذكر في وجه عدم شمولها للمقام أمرين:

______________________________

(1) التوبة: 91

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 360

و لكن يضعف هذا الوجه. ان ظاهر دليل الاتلاف كونها علة تامة للضمان و ليس كذلك ما نحن فيه (1) و إيجابه للضمان مراعي بعدم اجازة المالك يحتاج الي دليل آخر الا ان يقال انه ضامن بمجرد التصدق و يرتفع باجازته فتأمل.

هذا مع ان الظاهر من دليل الاتلاف اختصاصه بالاتلاف علي المالك لا الإتلاف له و الاحسان اليه. (2) و المفروض ان الصدقة انما قلنا بها لكونها احسانا و أقرب طرق الايصال بعد اليأس من وصوله اليه.

و أما احتمال كون التصدق مراعي كالفضولي فمفروض الانتفاء إذ لم يقل أحد برجوع المالك علي الفقير مع بقاء العين و انتقال الثواب من شخص الي غيره حكم شرعي،

______________________________

الاول: ما أفاده المصنف قدس سره.

(1) بقوله ان ظاهر دليل الإتلاف كونه علة تامة للضمان.

و حاصله: ان الظاهر من دليل الاتلاف كونه علة تامة للضمان، و ليس كذلك فيما نحن فيه لما تسالم الفقهاء عليه من انه لو رضي المالك بالتصدق لا ضمان عليه، فلا محالة علي فرض الضمان يكون الاتلاف جزء العلة و جزئها الآخر رد المالك أو عدم اجازته، فهو لا يشمل المقام.

و فيه: انه مع قطع النظر عما ذكرناه إذ احتملنا ثبوت الضمان من حين التصدق علي تقدير الرد او عدم الاجازة يكون العموم المذكور دليلا عليه، و يثبت به الضمان علي هذا

التقدير من حين التصدق لا من حين الرد كي يرد المحذور المتقدم، مع ان مقتضي العموم المزبور ثبوت الضمان من حين الاتلاف، و في المقام إذا ثبت عدم الضمان الي حين الرد يكون ذلك مخصصا له بالنسبة الي هذه القطعة من الزمان و أما بعدها فلا مانع من التمسك به.

(2) الثاني قوله ان الظاهر من دليل الإتلاف علي المالك لا الإتلاف له و الإحسان اليه.

و استجوده السيد في الحاشية و تبعهما الاستاذ الاعظم.

و فيه: انه لا وجه لهذا الاستظهار بعد عموم الدليل سوي دعوي الانصراف، و هو لو سلم بدوي يزول لا يعتمد عليه، أ لا تري إفتاء الفقهاء بضمان من قدم طعام المالك الي نفسه فأكله من غير اطلاع منه بأنه طعامه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 361

______________________________

و أفاد بعض مشايخنا المحققين قدس سرهم في وجه عدم شمول القاعدة للمقام: بأن الاتلاف ظاهر في اتلاف الذات، و التصدق بالمال اتلاف لوصف ماليته و لا ينصرف اليه اطلاق الاتلاف، بل خلاف ظاهره.

و فيه: ان الاتلاف ليس الا اخلاء كيس المالك منه الصادق في المقام، فالصحيح هو ما ذكرناه.

و أما قاعدة اليد: ففيما اذا كانت يد المتصدق يد امانة مالكية او شرعية لا مورد لها أصلا كما لا يخفي، و فيما اذا كانت مسبوقة بالضمان يشهد لعدم شمولها للمقام الوجه الاول الذي ذكرناه في قاعدة الاتلاف.

و أما ما أفاده بعض المحققين قدس سرهم من: انه يدل علي عدم الضمان عموم ما علي المحسنين من سبيل بدعوي ان المتصدق في تصدقه محسن الي المالك لان نفعه راجع اليه، فقد تقدم الجواب عنه مفصلا و عرفت ان الآية انما تدل علي انه لا مقتضي لضمان المحسن، و قاعدة اليد

تدل علي ثبوت المقتضي له ما لم يتحقق الاداء الي المالك، و من البديهي ان ما لا اقتضاء له لا يزاحم ما له الاقتضاء.

فتحصل: انه بحسب القواعد لا يمكن اثبات الضمان في المقام، مع انه لو سلم اثباته بها يتعين الخروج عنها بالادلة الخاصة الواردة في المقام الدالة علي عدم الضمان كما عرفت.

و أما المقام الثالث: فإن كانت اليد الموضوعة علي مجهول المالك ابتداء يد امانة يجري استصحاب عدم الضمان، لانه يشك في حدوث الضمان به فيجري استصحاب عدمه، و إن كانت يده مسبوقة بالضمان.

فإن قلنا: ان حقيقة الضمان هي اشتغال الذمة بالبدل بعد التلف و أما حال قيام العين فلا تكليف الا بأداء نفس العين، فمقتضي الاستصحاب ايضا عدم الضمان لانه يشك في اشتغال الذمة بالبدل بالتصدق، فيستصحب عدمه، و كون اليد يد ضمان قبل التصدق بمعني اشتغال الذمة بالبدل علي تقدير التلف بغير الصدقة لا يكفي في استصحاب الضمان و

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 362

و كيف كان فلا مقتضي للضمان و إن كان مجرد الاذن في الصدقة غير مقتض لعدمه، فلا بد من الرجوع الي الاصل لكن الرجوع الي أصالة البراءة انما يصح فيما لم يسبق يد الضمان و هو ما اذا أخذ المال من الغاصب حسبة. و أما اذا تملكه منه ثمّ علم بكونه مغصوبا فالاجود استصحاب الضمان في هذه الصورة لان المتيقن هو ارتفاع الضمان بالتصرف الذي يرضي به المالك بعد الاطلاع لا مطلقا فتبين ان التفصيل بين يد الضمان و غيرها أوفق بالقاعدة لكن الاوجه الضمان مطلقا. أما تحكيما للاستصحاب حيث يعارض البراءة، و لو بضميمة عدم القول بالفصل. و أما للمرسلة المتقدمة عن السرائر. و أما لاستفادة ذلك من

خبر الوديعة ان لم نتعد عن مورده الي ما نحن فيه من جعله بحكم اللقطة لكن يستفاد منه ان الصدقة بهذا الوجه حكم اليأس عن المالك.

______________________________

اثبات اشتغال الذمة بالبدل علي تقدير التلف بالصدقة، فإنه من قبيل اسراء الحكم من موضوع الي آخر، و ليس هذا شأن الاستصحاب.

و أما إن قلنا: بأن حقيقة الضمان هي كون العين في العهدة الي حين ردها أو بدلها كما هو الصحيح فيجري في هذه الصورة استصحاب الضمان، لان الشك حينئذ يكون في سقوطه بالتصدق، و علي ذلك فإن ثبت عدم الفصل بين الصورتين تعارض الاستصحابان، فيرجع الي البراءة.

و بما ذكرناه ظهر ما في كلمات المصنف قدس سره في هذا المقام.

ثمّ علي القول بأنه يوجب الضمان، هل يثبت الضمان بمجرد التصدق و اجازته رافعة، أو يثبت بالرد من حينه، أومن حين التصدق؟.

و قبل الدخول في البحث لا بد و أن يعلم أنه بناء علي ما لعله الحق من ان العين بنفسها تستقر في الذمة و العهدة الي حين الاداء و إن تلفت قبله لا مجال لهذا البحث لعدم ترتب ثمرة عليه، إذ علي جميع الوجوه يجب أداء قيمة يوم الاداء لا قيمة يوم الاخذ و لا قيمة يوم التصدق و لا قيمة يوم الرد و لا غير ذلك من المحتملات.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 363

ثمّ الضمان هل يثبت بمجرد التصدق و اجازته رافعة أو يثبت بالرد من حينه أومن حين التصدق وجوه (1) من دليل الاتلاف و الاستصحاب (2) و من أصالة عدم الضمان قبل الرد (3) و من ظاهر الرواية المتقدمة في أنه بمنزلة اللقطة. (4)

______________________________

فالثمرة لهذا البحث تظهر بناء علي انه بتلف العين ينتقل بدلها من المثل أو القيمة

الي الذمة فإنه علي القول بالضمان من حين التصدق يجب اداء قيمة ذلك اليوم، و علي القول بالضمان من حين الرد يجب أداء قيمة يوم التغريم.

(1) و المصنف قدس سره ذكر وجوها ثلاثة في المسألة: الضمان بالتصدق، و الضمان بالرد من حينه، من حين التصدق.

(2) و استدل للأول: بدليل الإتلاف و الاستصحاب، و الظاهر ان مراده بالاستصحاب استصحاب بقاء ضمان اليد فيما اذا كانت اليد يد ضمان الذي استدل به سابقا، فإن مقتضي استمرار الضمان- مع فرض خروج العين بالتصدق عن كيس المالك و تلفها عليه- اشتغال الذمة بالبدل من حينه.

يرد علي الاول: ما عرفت من انه علي فرض شمول دليل الاتلاف للمقام يمكن الالتزام بكونه سببا للضمان من حين الرد، لاحظ ما أوردناه علي الوجه الثاني من الوجهين الذين ذكرهما لعدم شموله للمقام.

و يرد علي الثاني: ما ستعرف عند بيان ما هو الحق عندنا.

(3) و استدل للثاني: بأصالة عدم الضمان قبل الرد، و الظاهر ان مراده بها أصالة البراءة عن الضمان التي اشار اليها آنفا.

(4) و استدل للقول الثالث: بظاهر خبر الودعي، و تقريب الاستدلال به: انه لا ريب في ظهوره في ان الاجر علي تقدير اختياره انما يثبت من حين التصدق، فبقرينة المقابلة يستكشف منه ثبوت الغرم ايضا كذلك.

و فيه: ما ستعرف من ثبوت الاجر له علي كل تقدير من حين التصدق الي حين الرد، فانتظر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 364

و لو مات المالك ففي قيام وارثه مقامه في اجازة التصدق و رده (1) وجه قوي لان ذلك من قبيل الحقوق المتعلقة بالاموال فيورث كغيره من الحقوق و يحتمل العدم لفرض لزوم التصدق بالنسبة الي العين فلا حق لأحد فيه و المتيقن من

الرجوع الي القيمة هو المالك.

______________________________

و الحق في المقام ان يقال بناء علي القول بالضمان: انه لا ريب في ان الصدقة حين وقوعها تقع عن المالك كما تقدم، و يقع الاجر له، و ليس ذلك مراعي بالاجازة و عدم الرد، و الا لزم عدم ثبوت الاجر له اذا لم يظهر المالك، و هو خلاف النص و الفتوي، و مع ثبوت الاجر له لا معني للضمان، و لذا لورد و بنينا علي الضمان يكون الاجر للمتصدق، مع ان ثبوت الضمان من حين التصدق و كون الاجازة و عدم الرد رافعة له، مضافا الي ورود المحذور العقلي المتقدم عليه من لزوم التسلسل لازمه اشتغال ذمة المتصدق واقعا لو لم يظهر المالك، و يترتب عليه ما يترتب علي سائر ديونه، و هو مقطوع العدم. فالاظهر علي القول بالضمان ثبوته من حين الرد.

بقي في المقام فروع:

(1) الأول: انه لو مات المالك فهل يقوم وارثه مقامه أم لا؟ تحقيق القول في المقام انه:

تارة: يكون موت المالك قبل التصدق.

و اخري: يكون بعده.

فإن كان قبله لا ينبغي التأمل في قيام وارثه مقامه، لأنه حين التصدق كان مالكا لا مورثه.

و إن كان بعده، فإن قلنا بثبوت الضمان في الفرع السابق من حين التصدق و الإجازة رافعة له، لا محالة يقوم الوارث مقامه، فإنه من قبيل سائر الديون، و أما إن قلنا بعدم ثبوت الضمان الا بالرد، فالظاهر انه لا يقوم مقامه، إذ الوارث لا يكون مالكا حتي يثبت له هذا الحق.

و دعوي ان هذا الحق الثابت للمورث بنفسه ينتقل الي الوارث.

مندفعة بأن من الحقوق ما يكون قائما بالشخص و لا يقبل الانتقال، و هو لا يكون متروكا بعد الموت بل به ينعدم. فلا شي ء

حتي يكون لوارثه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 365

و لو مات المتصدق فرد المالك (1) فالظاهر خروج الغرامة من تركته لأنه من الحقوق المالية اللازمة عليه بسبب فعله هذا كله علي تقدير مباشرة المتصدق له و لو دفعه الي الحاكم فتصدق به بعد اليأس (2) فالظاهر عدم الضمان لبراءة ذمة الشخص بالدفع الي ولي الغائب و تصرف الولي كتصرف المولي عليه، و يحتمل الضمان لأن الغرامة هنا ليس لأجل ضمان المال و عدم نفوذ التصرف الصادر من المتصدق حتي يفرق بين تصرف الولي و غيره لثبوت الولاية للمتصدق في هذا التصرف لأن المفروض ثبوت الولاية له كالحاكم، و لذا لا يسترد العين من الفقير اذا رد المالك فالتصرف لازم و الغرامة حكم شرعي تعلق بالمتصدق كائنا من كان فاذا كان المكلف بالتصدق هو من وقع في يده لكونه هو المأيوس و الحاكم وكيلا كان الغرم علي الموكل و إن كان المكلف هو الحاكم لوقوع المال في يده قبل اليأس عن مالكه فهو المكلف بالفحص ثمّ التصدق كان الضمان عليه.

______________________________

و إن شئت فعبر عنه بالحكم، و حيث انه من المحتمل كون هذا الحق من قبيل ذلك فلا دليل علي ثبوته للوارث.

و بما ذكرناه ظهر ما في كلمات المصنف قدس سره.

(1) هذا هو الفرع الثاني و هو لو مات المتصدق فرد المالك فهل تخرج الغرامة من ماله أم لا؟ خروج الغرامة من ماله يبتني علي القول بضمانه من حين التصدق، فإنه يكون مديونا فيخرج دينه من ماله، و أما علي القول بضمانه من حين الرد فحيث انه يحتمل كون ذلك من قبيل الأحكام لا الحقوق القابلة للانتقال فلا وجه للتعدي عن المتصدق الي ورثته، كما لا يتعدي من

المالك الي ورثته كما عرفت.

و بذلك ظهر انه لا وجه لاستظهار المصنف قدس سره اخراج الغرامة من تركته مع تردده في المسألة السابقة.

(2) هذا هو الفرع الثالث: و هو في حكم ما لو دفعه الي الحاكم فتصدق به بعد اليأس، فهل هو ضامن أم لا؟.

الظاهر أنه إن بنينا علي ثبوت الولاية للحاكم علي الغائب و من بحكمه من الحاضرين

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 366

و أما الصورة الرابعة: و هو ما علم إجمالا اشتمال الجائزة علي الحرام

. (1)

فاما أن يكون الاشتباه موجبا لحصول الإشاعة. و أما أن لا يكون و علي الأول فالقدر و المالك إما معلومان أو مجهولان أو مختلفان.

______________________________

غير المعروف بعينه، لو دفع من وضع يده علي مجهول المالك الي الحاكم لا يكون ضامنا، و إن لم يقصد الدفع اليه بعنوان انه ولي، إذ دفع مال المولي عليه الي وليه يوجب سقوط الضمان و إن لم يقصد ذلك.

و إن بنينا علي عدم ثبوت الولاية له كما هو الأظهر لعدم الدليل عليه فالدفع اليه لا يوجب رفع الضمان كما تقدم. هذا بالنسبة الي الدافع.

و أما الحاكم فإن تصدق بالمال ثمّ ظهر المالك و لم يرض به و بنينا علي ثبوت الضمان إذا باشر الدافع اليه التصدق. يكون هو أيضا ضامنا إن كان مكلفا بالتصدق نفسه، و إن كان وكيلا في الدفع الي الفقراء يكون الضامن هو الموكل كما لا يخفي.

ثمّ إن صار الحاكم ضامنا هل يدفع البدل من بيت المال كما عن الأستاذ الأعظم، لما دل علي ان ما اخطأت القضاة فهو من بيت المال، أم من مال نفسه؟ وجهان:

أقواهما الثاني، لأن دليل ما اخطأت القضاة لا يشمل مثل المقام مما يكون التصدق، لا بما هو حاكم بل من جهة ان ما في يده مجهول المالك.

الصورة

الرابعة

(1) قوله و أما الصورة الرابعة: و هو ما لو علم اجمالا اشتمال الجائزة علي الحرام.

و محصل القول فيها: ان الاشتباه تارة: يكون موجبا لحصول الإشاعة كخلط السمن بالسمن، و اخري: لا يكون موجبا لذلك كما اذا اجازه الظالم فراشين علم ان احدهما له و الآخر غصب.

أما في المورد الأول: فقد يكون المالك و مقدار الحرام معلومين، و قد يكونان مجهولين، و قد يكون المقدار معلوما و المالك مجهولا و قد يكون بعكس ذلك.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 367

و علي الأول: فلا اشكال (1) و علي الثاني: فالمعروف اخراج الخمس (2)

علي تفصيل مذكور في باب الخمس، و لو علم القدر (3) فقد تقدم في القسم الثالث.

______________________________

(1) قوله و علي الأول فلا اشكال.

إن كان الخلط علي نحو الإشاعة الواقعية، كما اذا اعطاه الجائر مالا مشتركا بينه و بين غيره من دون إذن من ذلك الغير، يجب دفع حصة الغير اليه، و إن كان علي وجه الامتزاج الموجب للإشاعة الظاهرية يجب دفع ما يعادل حصته من المجموع. هذا اذا لم يكن علي وجه الاستهلاك، و إن كان علي ذلك الوجه فإن لم تكن المالية باقية ايضا لا يكون عليه ضمان إن لم يكن بفعله، و إن كان بفعله ضمن قيمة التالف، و إن كانت المالية باقية، فهل يكون ذلك موجبا للشركة في العين، أم يجب دفع قيمة ماله الذي يعتبر موجودا بماليته و إن لم يكن موجودا بعينه؟ وجهان.

(2) و علي الثاني: و هو ما اذا كان المالك و المقدار مجهولين: فالمشهور بين الأصحاب: اخراج الخمس، و عن العماني و الإسكافي و المفيد و سلار و سيد المدارك و غيرهم: عدم الوجوب و عدم حليته بالتخميس و

المحقق الهمداني قدس سره قوي التخيير بين التخميس و بين التصدق بجميع ما فيه من الحرام بأي وجه أمكن، و عن بعض المحققين:

حليته بدون التخميس و التصدق.

و الأقوي: هو الأول، و قد اشبعنا الكلام فيه في الجزء السابع من فقه الصادق.

(3) و علي الثالث و هو ما اذا كان المقدار معلوما و المالك مجهولا: يجب التصدق كسائر أفراد مجهول المالك كما هو المشهور، و عن ظاهر النهاية و الغنية و الوسيلة و النافع و الشرائع و التبصرة و اللمعة، وجوب الخمس في هذا الفرض ايضا، و لم يستبعد السيد في الحاشية قوته، و اختاره صاحب الحدائق، و قوي المصنف في كتاب الخمس لزوم دفع ذلك المقدار خمسا لا صدقة قل أو كثر.

و الأول أقوي، و قد حققناه في الجزء السابع من فقه الصادق و لعله يظهر مما قدمناه في الصورة السابقة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 368

و لو علم المالك وجب التخلص معه بالمصالحة (1) و علي الثاني فيتعين القرعة أو البيع و الاشتراك في الثمن (2) و تفصيل ذلك كله في كتاب الخمس.

و اعلم أن أخذ ما في يد الظالم ينقسم باعتبار نفس الأخذ الي الأحكام الخمسة، و باعتبار نفس المال الي المحرم و المكروه و الواجب (3) فالمحرم ما علم كونه مال الغير مع عدم رضاه بالأخذ و المكروه المال المشتبه.

______________________________

و علي الرابع و هو ما اذا كان المالك معلوما و المقدار مجهولا.

(1) ففي المكاسب: وجب التخلص معه بالمصالحة.

و عن العلامة قدس سره في التذكرة: تعين تخميسه و حلية المال به إن لم يرض بالصلح، و عن جماعة: دفع الأقل المعلوم الي المالك و الرجوع في الزائد المشكوك فيه الي القرعة، و قواه المصنف

قدس سره في بعض الصور، و عن كشف الغطاء، وجوب صلح الإجبار، و استقرب المحقق الهمداني قدس سره وجوب اعطاء الأكثر.

و الأظهر وفاقا لجماعة: وجوب دفع الأقل و الاكتفاء به اذا كان المال في يده، لأنه في المقدار الزائد المشكوك فيه يرجع الي قاعدة اليد الحاكمة بالملكية بناء علي ما هو الحق من أنها امارة للملكية بالنسبة الي الشخص نفسه.

(2) و أما في المورد الثاني: فالمصنف قدس سره قال بتعين القرعة أو البيع و الاشتراك في الثمن.

و لكن الأظهر جريان الأقسام الأربعة المذكورة في المورد الأول في هذا المورد و ذكرنا تفصيل ذلك في الجزء السابع من فقه الصادق.

بقي في المقام أمران لا بد من التعرض لهما:

(3) احدهما قوله: و اعلم أن أخذ ما في يد الظالم ينقسم باعتبار نفس الأخذ الي الأحكام الخمسة، و باعتبار نفس المال الي المحرم و المكروه و الواجب.

أما ما أفاده بالاعتبار الأول، فالظاهر ان مراده به: ان الأخذ باعتبار العناوين الثانوية المنطبقة عليه ينقسم الي أحكام خمسة: فأخذ مال الغير من دون رضاه حرام، و أخذ حق الناس من الجائر قد يكون واجبا، و أخذ المال منه مع عدم العلم بالحرمة لمصلحة كتزويج عزاب آل أبي طالب مستحب، و أخذ المشتبه منه مكروه علي المعروف، و أخذ المال منه لغير ما ذكر مباح.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 369

و الواجب ما يجب استنقاذه من يده من حقوق الناس حتي انه يجب علي الحاكم الشرعي استنقاذ ما في ذمته من حقوق السادة و الفقراء و لو بعنوان المقاصة (1) بل يجوز ذلك لآحاد الناس خصوصا نفس المستحقين مع تعذر استئذان الحاكم.

______________________________

و عليه فلا يرد عليه ما أورده المحقق الإيرواني قدس سره

من ان الأخذ لا حكم له بنفسه سوي الإباحة.

و أما ما أفاده بالاعتبار الثاني، فتوضيحه: ان المحرم ما علم كونه مال الغير مع عدم رضاه بالأخذ، و المكروه ما ذكره قدس سره و هو المال المشتبه، و قد تقدم الكلام فيه مفصلا، و عرفت في اول هذا المبحث انه لا دليل علي كراهته، و الواجب قد مثل له الشيخ قدس سره بما يجب استنقاذه من يده من حقوق الناس.

و فيه أنه لا دليل علي وجوب استنقاذ حقوق الناس منه إن أمكن، نعم لو كان مال الغير تحت يده و غصبه الجائر يجب استنقاذه منه ان تيسر لوجوب رده الي مالكه، و يكون هذا مقدمة له.

و الأولي إضافة المباح اليها، لأن أخذ مال الغير منه مع إحراز رضا صاحبه مباح.

(1) قوله حتي انه يجب علي الحاكم الشرعي استنقاذ ما في ذمته.

لا اشكال في جواز ذلك، و أما وجوبه، فلم أجد ما يمكن الاستدلال به له.

سوي ما عن بعضهم من انه ولي بيت مال المسلمين فيجب عليه حفظه عن التلف و أخذه من ذمم الناس و لو بالمقاصة من أموالهم.

و لكن يمكن المناقشة فيه: إذ كونه وليا يقتضي عدم جواز اتلاف بيت المال و وجوب حفظه عن التلف و أما وجوب أخذه من الذمم مع عدم دخول عدم الأخذ في اتلافات الولي، فهو لا يدل عليه.

إلا أن الإنصاف كون عدم الاستنقاذ منه خلاف الحفظ الراجع اليه و يعد من خياناته و اتلافاته فالأظهر وجوبه.

و أما جوازه لآحاد المستحقين مع إذن الحاكم فلا كلام فيه.

و أما جوازه لهم من دون الاستيذان، فلعل وجهه انه يصدق علي كل فرد منهم انه ذو الحق لثبوت ذلك بالنسبة الي الكلي المنطبق

عليه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 370

و كيف كان فالظاهر أنه لا إشكال في كون ما في ذمته من قيم المتلفات غصبا من جملة ديونه (1) نظير ما تستقر في ذمته بقرض أو ثمن مبيع أو صداق أو غيرها، و مقتضي القاعدة كونها كذلك بعد موته فيقدم جميع ذلك علي الإرث و الوصية الا انه ذكر بعض الأساطين (2) ان ما في يده من المظالم تالفا لا يلحقه حكم الديون في التقديم علي الوصايا و المواريث لعدم انصراف الدين اليه (3) و إن كان منه و بقاء عموم الوصية و الميراث علي حاله و للسيرة المأخوذة يدا بيد من مبدأ الإسلام الي يومنا (4) هذا، فعلي هذا لو أوصي بها بعد التلف اخرجت من الثلث، و فيه منع الانصراف (لعل الأولي بأن يقال و منه منع عدم الانصراف) فانا لا نجد بعد مراجعة العرف فرقا بين ما اتلفه هذا الظالم عدوانا و بين ما اتلفه نسيانا و لابين ما أتلفه هذا الظالم عدوانا و بين ما اتلفه شخص آخر من غير الظلمة مع انه لا إشكال في جريان احكام الدين عليه في حال حياته من جواز المقاصة من ماله كما هو المنصوص و لعدم تعلق الخمس و الاستطاعة و غير ذلك.

______________________________

(1) الكلام الي هنا كان في حكم أخذ المال من الجائر.

و الكلام فعلا يقع في حكم الجائر نفسه.

فإن كان ما أخذه ظلما باقيا يجب رده الي صاحبه، و إن كان تالفا يجب رد بدله لقاعدة ضمان اليد و الإتلاف، هذا إذا كان حيا، و إن مات فإن كان مال الغير باقيا لا كلام في وجوب رده الي مالكه، و إن كان تالفا كان بدله من جملة

ديونه فيخرج من أصل التركة.

(2) و خالف كاشف الغطاء في ذلك و منع كونه من الديون، فلا يلحقه حكمها من التقديم علي الوصايا و المواريث.

و استدل له بوجهين:

(3) الأول: ان ما دل علي ان الدين يخرج من أصل التركة منصرف عن مثل هذا الدين.

(4) الثاني: ان السيرة القطعية قائمة علي ان الضمانات الثابتة في أمثال المقام لا

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 371

فلو تم الانصراف، لزم إهمال الأحكام المنوطة بالدين وجودا و عدما من غير فرق بين حياته و موته. و ما ادعاه من السيرة فهو ناشئ من قلة مبالاة الناس (1) كما هو ديدنهم في أكثر السير التي استمروا عليها، و لذا لا يفرقون في ذلك بين الظلمة و غيرهم ممن علموا باشتغال ذمته بحقوق الناس من جهة حق السادة و الفقراء أو من جهة العلم بفساد أكثر معاملاته، و لا في انفاذ وصايا الظلمة و توريث ورثتهم بين اشتغال ذممهم بعوض المتلفات و أرش الجنايات و بين اشتغالها بديونهم المستقرة عليهم من معاملاتهم و صدقاتهم الواجب عليهم و لا بين ما علم المظلوم فيه تفصيلا و بين ما لم يعلم، فانك اذا تتبعت احوال الظلمة وجدت ما استقر في ذممهم من جهة المعاوضات و المداينات مطلقا أو من جهة وجود أشخاص معلومين تفصيلا او مشتبهين في محصور كافية في استغراق تركتهم المانع من التصرف فيها بالوصية أو الإرث. و بالجملة فالتمسك بالسيرة المذكورة أوهن من دعوي الانصراف السابقة، فالخروج بها عن القواعد المنصوصة المجمع عليها غير متوجه.

______________________________

تخرج من أصل التركة.

8 و يرد عليهما ما ذكره المصنف قدس سره.

أما الأول: فلمنع الانصراف، إذ لا فرق في وجداننا بين اتلاف الظالم و بين اتلاف غيره، و

ايضا لا فرق بين اتلافه نسيانا، أم عدوانا، مع انه لا إشكال في اجراء احكام الدين عليه في حال حياته، فأي فرق في أحكام الدين بين حال حياته و مماته.

(1) و أما الثاني: فلأن هذه السيرة لو تمت ناشئة عن قلة المبالات بالدين لا يعتمد عليها في رفع اليد عن الأدلة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 372

الثالثة: ما يأخذه السلطان المستحل لأخذ الخراج و المقاسمة من الأراضي باسمها و من الأنعام باسم الزكاة
اشارة

يجوز أن يقبض منه مجانا أو بالمعاوضة (1) و إن كان مقتضي القاعدة حرمته لانه غير مستحق لأخذه فتراضيه مع من عليه الحقوق المذكورة في تعيين شي ء من ماله لأجلها فاسد، كما اذا تراضي الظالم مع مستأجر دار الغير في دفع شي ء اليه عوض الأجرة هذا مع التراضي. و أما اذا قهره علي أخذ شي ء بهذه العنوانات ففساده أوضح.

______________________________

الحقوق الثابتة في الأموال ثلاثة

(1) قوله الثالثة ما يأخذ السلطان المستحل لأخذ الخراج و المقاسمة.

و قبل الشروع في البحث لا بد من التنبيه علي أمر و هو: ان الحقوق الثابتة في الأموال متعددة منها الخمس، و منها الزكاة، و منها الخراج و المقاسمة، و هما ما يجعل علي الأراضي الخراجية.

قال المقدس الأردبيلي قدس سره الخراج علي ما فهم من كلامهم كالأجرة المضروبة علي الأرض التي فتحت عنوة و كانت عامرة حين الفتح، و في معناه المقاسمة سواء كانت عين حاصل الأرض كالثلث أو من النقد بل غيره ايضا.

و قيل: انه مختص بالقسم الثاني و المقاسمة بالأول. و عليه فالأولي جعل الأخيرين قسما واحدا.

و الظاهر ان الخراج هو الأعم مما يؤخذ من حاصل الأرض و مما يؤخذ ضريبة المعروف في ايران ب (الماليات) كما صرح به المحقق النائيني قدس سره.

و منها: ما يجعل علي أرض الجزية، و هي الأرض التي صولح عليها

علي أن تكون الأرض لهم و عليهم كذا و كذا من المال أو الثلث أو الربع أو نحوهما من حاصل الأرض، من غير فرق بين جعل الجزية علي الرءوس أو أن تكون الجزية من باب حق في الأرض.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 373

و كيف كان فما يأخذه الجائر باق علي ملك المأخوذ منه. (1)

______________________________

و منها: ما اذا كانت الأرض اسلم اهلها طوعا اذا تركوا عمارتها فإن للإمام تقبيلها ممن يعمرها و يؤدي طسقها علي ما ذكره المشهور، و لا بأس بتعميم الخراج بنحو يشمل هذين الحقين الأخيرين، و علي ذلك فالحقوق ثلاثة.

اذا عرفت هذا فاعلم أن الكلام يقع في جهات:

الأولي: اذا أخذ السلطان الجائر الحقوق المذكورة من المسلمين فهل تبرأ ذممهم عنها كما هو المشهور، بل في الجواهر: نفي الخلاف عن ذلك، أم لا كما هو الظاهر من المصنف قدس سره حيث قال:

(1) و كيف كان فما يأخذ الجائر باق علي ملك المأخوذ منه وجهان.

مقتضي القاعدة و إن كان هو الثاني لفرض عدم صرف المال في محله و عدم اعطائه لأهله، و لكن يدل علي الأول- مضافا الي امكان استفادة براءة الذمة من النصوص الآتية الدالة علي جواز أخذ تلك الأموال من الجائر، إذ لو لم تكن ذمة المعطي بريئة، و كان المال باقيا علي ملكه وجب الرد اليه و لم يجز أخذه و التصرف فيه.

جملة من النصوص: كصحيح يعقوب بن شعيب قال: سألت ابا عبد الله عليه السلام عن العشور التي تؤخذ من الرجل أ يحتسب بها من زكاته؟ قال عليه السلام: نعم إن شاء «1».

و صحيح عيص بن القاسم عنه عليه السلام في الزكاة: ما أخذ منكم بنو أمية فاحتسبوا به و لا

تعطوهم شيئا ما استطعتم فإن المال لا يبقي علي هذا ان يزكيه مرتين «2» و نحوهما غيرهما مما ورد في الزكاة و الخمس.

بل الظاهر من بعض النصوص جواز احتساب ما يأخذه الجائر بعنوان الخراج زكاة: كصحيح رفاعة قال: سألت الإمام الصادق عليه السلام عن الرجل له الضيعة فيؤدي خراجها هل عليه فيها عشر؟ قال عليه السلام: لا «3» و قريب منه غيره و لكن لم يعمل بها أحد كما في الجواهر.

______________________________

(1) الوسائل، باب 20، من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 20، من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 3.

(3) الوسائل، باب 10، من أبواب زكاة الغلات، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 374

______________________________

و أما ما ظاهره عدم جواز الاحتساب كصحيح زيد الشحام قال للصادق عليه السلام:

جعلت فداك ان هؤلاء المصدقين يأتون و يأخذون منا الصدقة فنعطيهم اياها أ تجزي عنا؟ قال عليه السلام: لا. انما هؤلاء قوم غصبوكم- أو قال: ظلموكم- أموالكم و انما الصدقة لأهلها «1».

فمحمول علي صورة التمكن من عدم الدفع أو علي استحباب الإعادة كما عن الشيخ في التهذيب.

لا يجوز للجائر أخذ تلك الحقوق

الجهة الثانية: هل يجوز للجائر أخذ الحقوق المذكورة من الناس أم لا؟.

قد يقال: بأن الولاية و إن كانت للسلطان العادل و تصدي الجائر و تقمصه بذلك القميص غصب و حرام و إثم، الا انه بعد تصديه لذلك المقام له التصرف في تلك الحقوق و صرفها في مصالح المسلمين، فإن موضوع تلك الأحكام هو والي المسلمين و من كان في مقدمهم و حاملا لراية الإسلام و لو عن غير حق.

و استدل لذلك بإطلاق لفظ الوالي و الإمام في الأخبار الدالة علي ان أمر أراضي الخراج مفوض اليه لعدم تقييدهما بالوالي بالولاية الحقة.

و فيه: ان

الغاصب لمنصب الولاية انما يكون واليا بنظره و بنائه لا في اعتبار الشارع، فقول الشارع: فذلك الي الإمام، أو الي الوالي يراد به الوالي عن حق.

و بعبارة اخري: من غصب الولاية لا يكون واليا الا في اعتباره و اعتبار تابعيه لا في اعتبار الشارع، و هذا نظير من تملك مال الغير غصبا، فإن أحكام الملكية لا تترتب

______________________________

(1) الوسائل، باب 2 من أبواب المستحقين للزكاة، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 375

______________________________

عليه و لم يتوهم أحد القول بأن ما دل علي عدم جواز التصرف الا باذن المالك يشمل الغاصب ايضا، فاذا لا دليل علي هذا المدعي، فلا ينبغي التوقف في عدم الجواز.

و لو عصي و أخذ هل تبرأ ذمته اذا صرف تلك الأموال في مصالح المسلمين أم لا؟ صريح المصنف قدس سره الضمان كما مر و ذهب السيد الفقيه الي براءة ذمته منها.

و استدل له: بأن الأئمة عليهم السلام اذنوا لشيعتهم شراء الصدقة و الخراج من الجائر و قبولهما منه مجانا، و هم الولاة الشرعيون، فيكون تصرف الجائر كتصرف الغاصب اذا انضم اليه اذن المالك، و معه لا يمكن بقاء ضمانه، إذ لا يعقل تصحيح المعاملة من أحد الطرفين دون الآخر، فلا يمكن التفكيك بين البيع و الشراء بحسب الواقع كما هو واضح.

و أورد عليه الأستاذ الأعظم: بأن إذن الشارع في أخذ تلك الحقوق من الجائر انما هو لتسهيل الأمر علي الشيعة لئلا يقعوا في المضيقة و الشدة، فلا اشعار فيه ببراءة ذمة الجائر فضلا عن الدلالة عليها، فمقتضي قاعدة اليد هو الضمان.

و فيه: ان ما ذكره انما هو حكمة الإذن، و السيد قدس سره يدعي انه بعد الإذن في الشراء لا يعقل بقاء ضمان الجائر

بالنسبة الي عين الصدقة، إذ لا يخلو الأمر من صحة بيع الجائر، و فساده و علي الأول لا معني لضمانه، و علي الثاني لزم فساد الشراء و المفروض الحكم بصحته.

و بعين هذا البرهان يبني علي عدم الضمان في الهبة أيضا في موارد اذنهم في قبولها، و احتمال كون الهبة حينئذ نظير الإتلاف موجبة لانتقال البدل الي ذمة الجائر و إن كان ممكنا في مقام الثبوت الا انه خلاف ظاهر الأدلة بحسب المتفاهم العرفي.

فالأظهر انه اذا صرف الجائر تلك الحقوق في المصارف المأذون فيها برئت ذمته منها.

أخذ الصدقات و الخراج من الجائر

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 376

و مع ذلك يجوز قبضه عن الجائر بلا خلاف يعتد به بين الأصحاب. (1)

و عن بعض حكاية الإجماع عليه قال في محكي التنقيح لأن الدليل علي جواز شراء الثلاثة من الجائر، و إن لم يكن مستحقا له النص الوارد عنهم عليهم السلام و الإجماع و إن لم يعلم مستنده و يمكن أن يكون مستنده ان ذلك حق للأئمة، و قد اذنوا لشيعتهم في شراء ذلك فيكون تصرف الجائر كتصرف الفضولي اذا انضم اليه اذن المالك، انتهي.

أقول: و الأولي ان يقال إذا انضم اليه اذن متولي الملك كما لا يخفي. و في جامع المقاصد ان عليه إجماع فقهاء الإمامية و الأخبار المتواترة عن الأئمة الهداة عليهم السلام.

و في المسالك أطبق عليه علماؤنا و لا نعلم فيه مخالفا.

و عن المفاتيح انه لا خلاف فيه.

و في الرياض انه استفاض نقل الإجماع عليه و قد تأيدت دعوي هؤلاء بالشهرة المحققة بين الشيخ و من تأخر عنه و يدل عليه، قبل الاجماع مضافا الي لزوم الحرج العظيم في الاجتناب عن هذه الاموال. بل اختلال النظام و إلي الروايات المتقدمة

لأخذ الجوائز من السلطان خصوصا الجوائز العظام التي لا يحتمل عادة أن يكون من غير الخراج، و كان الإمام عليه السلام يأبي عن أخذها احيانا معللا بأن فيها حقوق الامة روايات (2)

______________________________

(1) الجهة الثالثة: هل يجوز أخذ الحقوق الشرعية من الزكوات و المقاسمات و اشباههما من الجائر المستحل لذلك و يملكها الاخذ، أم لا؟ المشهور بين الاصحاب هو الاول،

و عن غير واحد دعوي الاجماع عليه، و عن الرياض: انه استفاض نقل الاجماع عليه، و عن الفاضل القطيفي، و المحقق الاردبيلي قدس سره عدم الجواز.

و الاظهر هو الأول.

(2) و تشهد له طوائف من النصوص: منها: ما دل علي اباحة جوائز السلطان، و قد تقدم في البحث عن جوائز السلطان فراجع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 377

منها: صحيحة الحذاء عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل منا يشتري من عمال السلطان من إبل الصدقة و غنمها، و هو يعلم انهم يأخذون منهم أكثر من الحق الذي يجب عليهم، قال: فقال ما الابل و الغنم الا مثل الحنطة و الشعير و غير ذلك لا بأس به حتي يعرف الحرام بعينه فيجتنب، قلت: فما تري في مصدق يجيئنا فيأخذ منا صدقات اغنامنا. فنقول: بعناها فيبيعنا اياها فما تري في شرائها منه، فقال: إن كان قد أخذها و عزلها فلا بأس. قيل له: فما تري في الحنطة و الشعير يجيئنا القاسم فيقسم لنا حظنا و يأخذ حظه فيعزله بكيل فما تري في شراء ذلك الطعام منه، فقال: إن كان قد قبضه بكيل و انتم حضور فلا بأس بشرائه منه من غير كيل (1)

دلت هذه الرواية علي ان شراء الصدقات من الانعام و الغلات من عمال السلطان كان مفروغ الجواز

عند السائل و انما سئل او لاعن الجواز مع العلم الاجمالي بحصول الحرام في أيدي العمال.

______________________________

و منها: النصوص الواردة في خصوص المقام، و هي متعددة:

(1) منها: صحيح «1» الحذاء عن الإمام الباقر عليه السلام المذكور في المتن.

و مورد الاستدلال به، جملات ثلاث:

الاولي قوله عليه السلام: لا بأس حتي تعرف … الي آخره، و تقريب الاستدلال به: ان السائل من جهة عدوله عن السؤال عن أصل الجواز الي السؤال عن الشبهة الناشئة من أخذهم أزيد من المجعول غصبا، جعل جواز أخذ الصدقات من الجائر مفروغا عنه، و الامام عليه السلام أجابه بذلك، و هو كالصريح في مفروغية جواز ما يأخذونه من الحق، و ان الحرام هو الزائد.

و أورد عليه بإيرادات:

الاول: انه من الجائز كون المراد من السلطان، العادل، فتكون الرواية غريبة عن المقام.

و فيه: مضافا الي بعد أخذ عمال سلطان العادل أكثر من الحق الذي يجب عليهم، ففرض ذلك يوجب ظهورها في ارادة الجائر: ان السائل انما يسأل عن الواقعة التي تكون

______________________________

(1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 378

و ثانيا: من جهة توهم الحرمة أو الكراهة في شراء ما يخرج في الصدقة كما ذكر في باب الزكاة. و ثالثا: من جهة كفاية الكيل الاول.

و بالجملة ففي هذه الرواية سؤالا و جوابا إشعار بأن الجواز كان من الواضحات الغير المحتاجة الي السؤال، و الا لكان أصل الجواز أولي بالسؤال حيث ان ما يأخذونه باسم الزكاة معلوم الحرمة تفصيلا فلا فرق بين أخذ الحق الذي يجب عليهم و أخذ اكثر منه و يكفي قوله عليه السلام حتي يعرف الحرام منه في الدلالة علي مفروغية حل ما يأخذونه من الحق. و

ان الحرام هو الزائد و المراد بالحلال هو الحلال بالنسبة الي ما ينتقل اليه و إن كان حراما بالنسبة الي الجائر الاخذ له بمعني معاقبته علي أخذه و ضمانه و حرمة التصرف في ثمنه و في وصفه عليه السلام للمأخوذ بالحلية دلالة علي عدم اختصاص الرخصة بالشراء، بل يعم جميع انواع الانتقال الي الشخص فاندفع ما قيل من ان الرواية مختصة بالشراء فليقتصر في مخالفة القواعد عليه.

______________________________

محلا للابتلاء و معلوم انه في ذلك الزمان لم يكن سلطان عادل مبسوط اليد كي يصح حمل الرواية عليه، مع ان ترك الاستفصال يكفي في الحكم بالعموم.

الثاني: ان المراد من الشراء في الخبر الاستنقاذ.

و فيه: مضافا الي بعده في نفسه: ان هذا لو تم فانما هو فيما لو كان المشتري هو المأخوذ منه، و ظاهر هذه الجملة بقرينة قوله و هو يعلم انهم يأخذون منهم كون المشتري غير المأخوذ منه.

الثالث: ما ذكره المقدس الاردبيلي قدس سره في محكي كلامه بقوله: ان قوله عليه السلام لا بأس به حتي يعرف الحرام منه لا يدل الا علي جواز شراء ما كان حلالا بل مشتبها، و عدم جواز ما كان معروفا انه حرام بعينه و لا يدل علي جواز شراء الزكاة بعينها صريحا، نعم ظاهرها ذلك لكن لا ينبغي الحمل عليه لمنافاته العقل و النقل، و يمكن أن يكون سبب الاجمال فيه التقية.

و يرد عليه:

اولا: ان الرواية اذا كانت مخالفة للنقل و العقل فإن كانت بنحو لا يمكن الاخذ بهما و الجمع بين الدليلين و تعين طرح تلك الرواية لما كان هناك فرق بين كونها ظاهرة أو صريحة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 379

ثمّ الظاهر من الفقرة الثالثة السؤال و الجواب عن حكم

المقاسمة، فاعتراض الفاضل القطيفي الذي صنف في الرد علي رسالة المحقق الكركي المسماة بقاطعة اللجاج في حل الخراج رسالة زيف فيها جميع ما في الرسالة من أدلة الجواز بعدم دلالة الفقرة الثالثة علي حكم المقاسمة و احتمال كون القاسم هو مزارع الارض أو وكيله ضعيف جدا و تبعه علي هذا الاعتراض المحقق الاردبيلي قدس سره و زاد عليه ما سكت هو عنه من عدم دلالة الفقرة الاولي علي حل شراء الزكاة بدعوي ان قوله عليه السلام لا بأس حتي تعرف الحرام منه لا يدل الا علي جواز شراء ما كان حلالا بل مشتبها و عدم جواز شراء ما كان معروفا انه حرام بعينه، و لا يدل علي جواز شراء الزكاة بعينها صريحا، نعم ظاهرها ذلك لكن لا ينبغي الحمل عليه لمنافاته العقل و النقل.

______________________________

و ثانيا: انها صريحة في المطلوب، إذ الضمير في قوله عليه السلام لا بأس به يرجع الي شراء إبل الصدقة و غنمها.

و ثالثا: انه قدس سره اعترف اولا بالظهور ثمّ عاد الي دعوي الاجماع.

و رابعا: ان ما دل من النقل و العقل علي عدم جواز التصرف في ملك الغير من دون رضا صاحبه قابل للتخصيص، و قد خصص في بعض الموارد كالتصرف في الاراضي المتسعة و الانهار الكبار و غيرها.

و خامسا: ان عدم جواز التصرف في المال المأخوذ من الجائر بعد ما عرفت من خروجه عن ملك المأخوذ منه و تعينه في العنوان الذي أخذ بذلك العنوان من الخراج أو غيره، انما يكون لاجل اعتبار إذن الولي الشرعي و هذه النصوص انما تتضمن إذن الولاة الشرعيين، و عليه فلا يلزم من الحكم بالجواز مخالفة لاي دليل فرض.

الثانية: قوله عليه السلام إن كان

قد أخذها و عزلها فلا بأس الوارد في جواب السؤال عن شراء الانسان صدقات نفسه من الجائر.

و أورد عليه بعض مشايخنا المحققين: بأنه لا ظهور له في كون المصدق من قبل السلطان و عماله، فلعله من قبل الامام عليه السلام أومن قبل الفقراء.

و فيه: ان الامام عليه السلام: في زمان هذا السؤال لم يكن مبسوط اليد، و لم يكن عليه السلام يرسل العامل لجباية الصدقات، و إن كان المتعارف أخذ عمال السلطان للصدقات لا الفقراء بأنفسهم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 380

و يمكن أن يكون سبب الاجمال منه «فيه» التقية، و يؤيد عدم الحمل علي الظاهر انه غير مراد بالاتفاق إذ ليس بحلال ما أخذه الجائر فتأمل، انتهي. و أنت خبير بأنه ليس في العقل ما يقتضي قبح الحكم المذكور و أي فارق بين هذا و بين ما احلوه لشيعتهم مما فيه حقوقهم و لا في النقل الا عمومات قابلة للتخصيص بمثل هذا الصحيح و غيره المشهور بين الاصحاب رواية و عملا مع نقل الاتفاق عن جماعة.

و أما الحمل علي التقية فلا يجوز بمجرد معارضة العمومات كما لا يخفي.

______________________________

و بالجملة: الظاهر من المصدق هو من كانت حرفته و شغله جباية الصدقات، و حيث لم يكن السلطان العادل حين السؤال مبسوط اليد، و لا يكون السؤال الا عن حكم الواقعة المبتلي بها لا قضية فرضية، فلا مناص عن البناء علي كون المصدق هو عامل الجائر.

الثالثة: ما تضمن حكمه عليه السلام بكفاية الكيل السابق في الشراء و هذه الجملة ظاهرة في جواز شراء المقاسمات.

و أورد عليه تارة: بما عن المستند من منع ارادة المقاسمة المصطلحة من هذه الجملة، فإن لفظ القاسم يستعمل في صدقات الغلات ايضا.

و اخري: بما

ذكره بعض مشايخنا المحققين تبعا للفاضل القطيفي و المقدس الاردبيلي قدس سره من انه لعل المراد هو مالك الارض أو وكيله.

أما الايراد الاول: فالجواب عنه: انه اذا ثبت الحكم في الزكاة ثبت في المقاسمة بضميمة عدم القول بالفصل، مع ان مقابلة القاسم بالمصدق في الخبر ظاهرة في ارادة كل من المقاسمة المصطلحة و الصدقة.

و أما الايراد الثاني: فيمكن الجواب عنه: بأن اطلاق لفظ القاسم من دون تقييد علي غير من حرفته القسمة لا يصح، فهو بنفسه ظاهر في ارادة العامل الموظف لذلك، مع ان اتحاد السياق يقتضي أن يراد من القاسم هو العامل.

و قد أورد علي الاستدلال بالخبر: بأنه مختص بالشراء فلا بد من الاقتصار في مخالفة القواعد عليه. و الجواب عن ذلك بما في المكاسب من ان العدول من التعبير بالجواز

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 381

و منها رواية اسحاق بن عمار، قال: سألته عن الرجل يشتري من العامل و هو يظلم، قال: يشتري منه ما لم يعلم انه ظلم فيه أحدا. (1) وجه الدلالة ان الظاهر من الشراء من العامل شراء ما هو عامل فيه و هو الذي يأخذه من الحقوق من قبل السلطان. (2) نعم لو بني علي المناقشة احتمل ان يريد السائل شراء املاك العامل منه مع علمه بكونه ظالما غاصبا فيكون سؤالا عن معاملة الظلمة لكنه خلاف الانصاف و إن ارتكبه صاحب الرسالة.

______________________________

الي التعبير بالحلال مشعر بمناط جواز الشراء و هو كون المال حلالا بالنسبة الي الاخذ، و مقتضي ذلك حلية كل تصرف له بإذن السلطان.

قابل للمناقشة كما لا يخفي و لكن الذي يسهل الخطب دلالة جملة من الروايات الاخر علي حلية سائر التصرفات.

(1) و منها: موثق «1» اسحاق بن عمار

المذكور في المتن.

(2) و قد استدل به المصنف قدس سره بتقريب: ان الظاهر من الشراء من العامل شراء ما هو عامل فيه و هو الذي يأخذه من الحقوق من قبل السلطان.

و علق عليه السيد الفقيه بقوله: مع ان ترك الاستفصال يكفي في العموم.

و فيه ان العامل في هذه الرواية و سائر ما ورد بمضمونها التي ذكرها السيد في الحاشية، يمكن أن يكون المراد به مطلق من يعمل للسلطان و لو بان يكون عاملا في تولي الحكومات و لا يكون صريحا و لا ظاهرا في ارادة العامل في جباية الصدقات، و علي ذلك فغاية ما تدل عليه هذه النصوص ان الاشتراء من العامل يجوز ما لم يعلم بأن المبيع حرام، و لا تكون في مقام بيان تعيين الحلال و تمييزه عن الحرام، فلا تدل علي حلية ما يأخذه من الحقوق للمشتري.

و بهذا البيان يظهر انه اذا لم يكن الشراء من العامل ظاهرا في شراء ما هو عامل فيه لا يجدي ترك الاستفصال في الحكم بالجواز في المقام.

نعم لو كان المراد من العامل هو عامل جباية الصدقات، و من الشراء منه شراء ما هو عامل فيه، تم ما افيد.

______________________________

(1) الوسائل، باب 53، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 382

و منها رواية أبي بكر الحضرمي، قال: دخلت علي أبي عبد الله عليه السلام و عنده ابنه اسماعيل، فقال: ما يمنع ابن أبي سماك أن يخرج شباب الشيعة فيكفونه ما يكفي الناس و يعطيهم ما يعطي الناس، قال: ثمّ قال لي لم تركت عطاءك قلت:

مخافة علي ديني، قال: ما منع ابن أبي سماك ان يبعث اليك بعطائك اما علم ان لك في بيت المال

نصيبا (1) فان ظاهره حل ما يعطي من بيت المال عطاء أو اجرة للعمل فيما يتعلق به بل قال: المحقق الكركي ان هذا الخبر نص في الباب لانه عليه السلام بين ان لا خوف علي السائل في دينه لانه لم يأخذ الا نصيبه من بيت المال، و قد ثبت في الاصول تعدي الحكم بتعدي العلة المنصوصة انتهي. و ان تعجب منه الاردبيلي قدس سره و قال: انا ما فهمت منه دلالة ما و ذلك لأن غايتها ما ذكر و ذلك قد يكون من بيت مال يجوز أخذه و اعطاؤه للمستحقين (2) بأن يكون منذورا أو وصية لهم بأن يعطيهم ابن أبي سماك و غير ذلك انتهي. و قد تبع في ذلك صاحب الرسالة حيث قال: ان الدليل لا إشعار فيه بالخراج.

أقول: الانصاف ان الرواية ظاهرة في حل ما في بيت المال مما يأخذه الجائر.

______________________________

(1) و منها خبر أبي بكر الحضرمي «1» المذكور في المتن.

فان ظاهر صدره حلية ما يعطي من بيت المال اجرة للعمل فيما يتعلق به و ظاهر ذيله حلية ما يعطي عطاء، و لذا قال المحقق الكركي، ان هذا الخبر نص في الباب.

و يرد عليه: مضافا الي ما في سند الخبر من الجهالة لعبد الله بن محمد الحضرمي، ان صدر الخبر لمعارضته مع ما دل علي عدم جواز كون الانسان عونا للظالم- المتقدم في مبحث معونة الظالم- لا بد من طرحه، و أما ذيله، فهو إنما يدل علي ان ما يأخذه السلطان بعنوان الزكاة أو غيرها يخرج عن ملك المأخوذ منه، و يتعين لذلك، و انه اذا كان للشخص حق في بيت المال يجوز الاخذ من تلك الحقوق، و لا يدل علي جواز

المعاملة مع السلطان و أخذ المال منه ما لم يكن مصرفا له. فتأمل.

(2) و أما أورده المحقق الأردبيلي قدس سره عليه بأن غاية ما يدل عليه الخبر انه ربما يكون في بيت المال ما يجوز أخذه و اعطائه للمستحقين بأن يكون منذورا أو وصية لهم

______________________________

(1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 383

و منها الاخبار الواردة في أحكام تقبل الخراج من السلطان علي وجه يستفاد من بعضها كون أصل التقبل مسلم الجواز عندهم، فمنها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام في جملة حديث، قال: لا بأس بأن يتقبل الرجل الارض و أهلها من السلطان و عن مزارعة أهل الخراج بالنصف و الثلث و الربع. قال: نعم لا بأس به. و قد قبل رسول الله صلي الله عليه و آله خيبرا اعطاها اليهود حيث فتحت عليه بالخبر و الخبر هو النصف.

و منها الصحيح عن اسماعيل بن الفضل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتقبل بخراج الرجال و جزية رءوسهم و خراج النخل و الشجر و الآجام و المصائد و السمك و الطير، و هو لا يدري لعل هذا لا يكون ابدا أ يشتريه. و في أي زمان يشتريه و يتقبل، قال: إذا علمت من ذلك شيئا واحدا قد أدرك فاشتره و تقبل به و نحوها الموثق المروي في الكافي و التهذيب عن اسماعيل بن الفضيل الهاشمي بأدني تفاوت، و رواية الفيض بن المختار قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام جعلت فداك ما تقول في الارض أتقبلها من السلطان، ثمّ اواجرها من اكرتي علي ان ما أخرج الله تعالي منها من شي ء لي

من ذلك النصف أو الثلث بعد حق السلطان، قال:

لا بأس. كذلك اعامل اكرتي الي غير ذلك من الاخبار الواردة في باب قبالة الارض و استئجار أرض الخراج من السلطان، ثمّ اجارتها للزارع بأزيد من ذلك، و قد يستدل بروايات اخر لا يخلو عن قصور في الدلالة، منها الصحيح عن جميل بن صالح، قال: ارادوا بيع تمر عين أبي زياد و اردت ان اشتريه، فقلت: لا حتي استأمر ابا عبد الله عليه السلام فسألت معاذا ان يستأمره: فقال: قل له يشتره فانه ان لم يشتره اشتراه غيره و دلالته مبنية علي كون عين زياد من الاملاك الخراجية و لعله من الاملاك المغصوبة من الامام أو غيره الموقوف اشتراء حاصلها علي اذن الامام عليه السلام و يظهر من بعض الاخبار ان عين زياد كان ملكا لابي عبد الله عليه السلام.

______________________________

بأن يعطيهم ابن أبي سماك و غير ذلك.

فيرد عليه: انه خلاف الظاهر جدا كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 384

و منها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام ما لك لا تدخل مع علي في شراء الطعام اني اظنك ضيقا، قلت: نعم و إن شئت وسعت علي قال اشتره.

و بالجملة ففي الاخبار المتقدمة غني عن ذلك.

______________________________

و منها: الاخبار الواردة في تقبل الارض و تقبل خراجها و خراج الرجال و الرؤوس من السلطان الجائر، و هي كثيرة مذكورة في الوسائل في كتاب الجهاد و غيره و قد نقل المصنف قدس سره جملة منها في المتن و هي اخبار الحلبي، «1» و اسماعيل بن الفضل، و اسماعيل بن الفضيل الهاشمي، و الفيض بن المختار و جميل بن صالح، و عبد الرحمن بن الحجاج. و

في تعليقة السيد الفقيه: الانصاف ان هذه الاخبار كالنص في هذا المضمار، و أظهر ما في هذا الباب.

و لكن الانصاف إمكان منع دلالتها علي حكم المقام، و ذلك لان هذه النصوص فرقتان: إحداهما: واردة في الارض و اعطاء الخراج.

ثانيتهما: واردة في تقبل الخراج و الجزية.

أما الطائفة الاولي: فهي انما تدل علي جواز تقبل الارض و اعطاء خراجها، فليس هناك معاملة علي الخراج التي هي محل الكلام.

و أما الطائفة الثانية: فهي انما تكون واردة في مقام بيان أمور اخر من غير تعرض لجواز أصل التقبل، بل هو مفروغ عنه فيها.

و عليه فحيث يحتمل اختصاص الجواز برخصة الامام و إذنه- كما يظهر من بعض الروايات من ان عادة أصحابهم عليهم السلام كانت جارية علي الاستئذان منهم في المعاملة مع السلطان، لاحظ صحيحي جميل و صفوان المذكورين في المتن، و ليس هناك اطلاق يتمسك به علي الفرض- فلا يمكن الاستدلال بها علي المقام.

______________________________

(1) راجع التهذيب ج 7، ص 202 و الوسائل، باب 22 من أبواب الجهاد، و الوسائل باب 21، من أبواب عقد البيع، و جامع احاديث الشيعة، باب 11 من ابواب المزارعة، و الوسائل، باب 52، من ابواب ما يكتسب به. (*)

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 385

و ينبغي التنبيه علي أمور:
اشارة

الاول: ان ظاهر عبارات الاكثر بل الكل ان الحكم مختص بما يأخذه السلطان، فقبل أخذه للخراج لا يجوز المعاملة عليه (1)

بشراء ما في ذمة مستعمل الارض أو الحوالة عليه و نحو ذلك، و به صرح السيد العميد فيما حكي عن شرحه علي النافع حيث قال: انما يحل ذلك بعد قبض السلطان أو نائبه.

و لذا قال المصنف يأخذه انتهي. لكن صريح جماعة عدم الفرق بل صرح المحقق الثاني بالاجماع علي عدم

الفرق بين القبض و عدمه.

______________________________

و أما ما أفاده المحقق الايرواني قدس سره في وجه أجنبية هذه النصوص عن المقام بعد كون أصل جواز التقبل فيها مفروغا عنه أنه لعل يكون جوازه لاجل ان السلطان يأخذ ما يأخذه البتة، و بعد ذلك كل مستعملي الارض يرضون ان يتقدم واحد و يضمن للسلطان ما هو آخذ منهم، ثمّ هم يدفعون ما هو عليهم لهذا المتقبل بطيب النفس لدفعه الظلامة و الاذي عنهم.

فهو في نفسه لا بأس به، و به يمكن الحكم بجواز تقبل سائر الظلامات من الكمارك و نحوها ثمّ أخذها ممن عليهم ذلك اذا كان ذلك بطيب أنفسهم و إن كان منشأ طيب النفس علمهم بمقهور يتهم في الاخذ منهم.

الا ان ظاهر نصوص الباب يأبي عن الحمل علي ذلك، فانها تدل علي جواز تقبل الخراج و اعطاء ما في ذمم الاشخاص للسلطان و براءة ذممهم من الخراج و نحوه، و لازم ما أفاده قدس سره اشتغال ذممهم بتلك الحقوق فالصحيح ما ذكرناه.

شراء الحقوق من الجائر قبل أخذها

(1) قوله الأول ان ظاهر عبارات الأكثر بل الكل ان الحكم مختص بما يأخذه السلطان.

و تمام الكلام بالتنبيه علي أمور:

الاول: انه هل يختص الحكم بما يأخذه السلطان فقبل أخذه لا يجوز المعاملة عليه بشراء ما في ذمة المستعمل للارض أو الحوالة عليه و نحو ذلك كما هو ظاهر عبارات الاصحاب، أم يجوز المعاملة علي الخراج قبل قبضه كما عن المحقق الثاني و سيد الرياض

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 386

و في الرياض صرح بعدم الخلاف و هذا هو الظاهر من الاخبار المتقدمة الواردة في قبالة الارض و جزية الرءوس (1) حيث دلت علي انه يحل ما في ذمة مستعمل الارض من الخراج لمن تقبل الارض

من السلطان. و الظاهر من الاصحاب في باب المساقاة حيث يذكرون ان خراج السلطان علي مالك الاشجار الا ان يشترط خلافه (2) اجراء ما يأخذه الجائر منزلة ما يأخذه العادل في براءة ذمة مستعمل الارض الذي استقر عليه اجرتها بأداء غيره، بل ذكروا في المزارعة ايضا ان خراج الارض كما في كلام الاكثر أو الارض الخراجية كما في الغنية و السرائر علي مالكها. و إن كان يشكل توجيهه من جهة عدم المالك للاراضي الخراجية و كيف كان فالاقوي ان المعاملة علي الخراج جائزة و لو قبل قبضها. و أما تعبير الاكثر بما يأخذه فالمراد به. أما الاعم مما يبني علي أخذه و لو لم يأخذه فعلا. و أما المأخوذ فعلا لكن الوجه في تخصيص العلماء العنوان به جعله كالمستثني من جوائز السلطان التي حكموا بوجوب ردها علي مالكها اذا علمت حراما بعينها فافهم. و يؤيد الثاني سياق كلام بعضهم حيث يذكرون هذه المسألة عقيب مسألة الجوائز خصوصا عبارة القواعد حيث صرح بتعميم الحكم بقوله و ان عرفت أربابه.

و يؤيد الاول ان المحكي عن الشهيد في حواشيه علي القواعد انه علق علي قول العلامة ان الذي يأخذه الجائر الي آخر قوله و إن لم يقبضها الجائر انتهي.

______________________________

و اختاره المصنف قدس سره وجهان:

(1) و استدل للثاني: بظاهر الأخبار المتقدمة الواردة في قبالة الأرض و جزية الرءوس الدالة علي أنه يحل ما في ذمة مستعمل الأرض من الخراج لمن تقبل الأرض من السلطان.

و حيث عرفت عدم دلالتها علي ذلك، و سائر النصوص مختصة بما بعد الاخذ، بل و حيث عرفت عدم دلالتها علي ذلك، و سائر النصوص مختصة بما بعد الأخذ، بل هو الاختصاص.

(2) و ربما يستظهر ذلك

من الأصحاب في باب المساقاة حيث يذكرون: ان خراج السلطان علي مالك الاشجار الا ان يشترط خلافه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 387

الثاني: هل يختص حكم الخراج (1) من حيث الخروج عن قاعدة كونه مالا مغصوبا محرما بمن ينتقل اليه فلا استحقاق للجائر في أخذه أصلا فلم يمض الشارع من هذه المعاملة الا حل ذلك للمنتقل اليه أو يكون الشارع قد امضي سلطنة الجائر عليه فيكون منعه عنه أو عن بدله المعوض عنه في العقد معه حراما صريح الشهيدين. و المحكي عن جماعة ذلك قال المحقق الكركي في رسالته ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرنا هم لا سيما شيخنا الاعظم الشيخ علي بن هلال قدس سره انه لا يجوز لمن عليه الخراج سرقته و لا جحوده و لا منعه و لا شي ء منه لان ذلك حق واجب عليه انتهي.

و في المسالك في باب الارضين، و ذكر الاصحاب انه لا يجوز لأحد جحدها و لا منعها و لا التصرف فيها بغير إذنه، بل ادعي بعضهم الاتفاق عليه انتهي. و في آخر كلامه ايضا ان ظاهر الاصحاب ان الخراج و المقاسمة لازم للجائر حيث يطلبه او يتوقف علي اذنه انتهي.

______________________________

و فيه أن هذا الاستظهار مبني علي كون الخراج في ذينك البابين علي المستعمل، فإنه حينئذ يكون حكم الاصحاب بكفاية دفع المالك- بمعني من هي بيده- للخراج عن الزارع و الساقي، مبتنيا علي جواز المعاملة عليه قبل أخذ السلطان له، إذ المالك حينئذ يعامل عليه و يدفعه الي السلطان قبل أخذ السلطان اياه، و حيث ان للمنع عن ذلك مجالا واسعا، فإن الخراج من الاول يكون علي المالك الا مع الشرط كما تدل عليه جملة من النصوص و

قد ذكرها السيد في الحاشية، فلا يصح استظهار ان بناء الاصحاب علي جواز المعاملة قبل الاخذ من هذه الفتوي.

حكم الاراضي الخراجية حال الغيبة

(1) قوله الثاني هل يختص حكم الخراج … بمن ينتقل إليه.

لا كلام بينهم في ان الاراضي الخراجية ملك للمسلمين. و ان امر التصرف فيها الي،

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 388

______________________________

الامام عليه السلام و المأذون من قبله، كما دلت علي كلا الامرين جملة من النصوص، مذكورة في الوسائل في كتاب الجهاد و غيره.

و انما الاختلاف في حكمها في حال الغيبة، و قد كثرت الاقوال فيه:

الاول: ما عن جماعة من المحققين و هو: انه لا يجوز التصرف في الاراضي و لا في الخراج الا بإذن السلطان الجائر، و انه ولي هذا الامر بعد غصبه الخلافة، و عن الكفاية، انه نقل بعضهم الاتفاق عليه، و بعض هؤلاء صرح بأنه مع عدم امكان الرجوع الي الجائر فالامر الي الحاكم الشرعي، و الباقون ساكتون عن ذلك.

الثاني: ما عن المسالك، و هو: ان الامر اولا الي الحاكم الشرعي و مع عدمه أو عدم امكان تصرفه فإلي الجائر، و لا يجوز التصرف الا بأحد الوجهين علي الترتيب المذكور.

الثالث: ان الامر الي الحاكم الشرعي الا انه اذا تصرف الجائر يكون تصرفه فيها و في خراجها نافذا من غير حاجة الي الاستئذان من الحاكم الشرعي و إن أمكن، و هذا هو الظاهر من كثير من متأخري المتأخرين، و ظاهر هم انه لا بد من أحد الامرين.

الرابع: ان الامر الي الحاكم الشرعي، و مع عدمه أو عدم امكان الاستيذان منه يجوز لآحاد الشيعة التصرف فيها، و لكن مع مبادرة الجائر الي التصرف يكون تصرفه نافذا، و لا يجب الاستيذان من الفقيه.

الخامس: ما عن المبسوط و المستند

و هو: انه يجوز لآحاد الشيعة التصرف فيها من غير توقف علي الاستئذان من أحد لا من الحاكم الشرعي و لا من الجائر.

السادس: انه يجوز الرجوع الي كل منهما في حال الاختيار، و يتعين أحدهما مع عدم امكان الآخر.

السابع: انه يجب الاستئذان من الحاكم الشرعي اذا أمكن حتي في صورة تصرف الجائر، و عدم جواز الاكتفاء به.

الاقوي بحسب الادلة هو الرابع، لانه مقتضي الجمع بين ما دل علي ان أمر التصرف في الاراضي الخراجية الي ولي أمر المسلمين و السلطان العادل، و ما دل علي ان الامور التي لا بد من تحققها في الخارج و احتمل كونها مشروطة في وجودها بنظر شخص خاص

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 389

و علي هذا عول بعض الاساطين في شرحه علي القواعد حيث قال: و يقوي حرمة سرقة الحصة و خيانتها و الامتناع عن تسليمها، و عن تسليم ثمنها بعد شرائها الي الجائر و ان حرمت عليه و دخل تسليمها في الاعانة علي الاثم بالبداية (1) أو الغاية لنص الاصحاب علي ذلك و دعوي الاجماع عليه انتهي.

أقول: ان اريد منع الحصة مطلقا فيتصرف في الارض من دون أجرة فله وجه لانها ملك المسلمين فلا بد لها من أجرة تصرف في مصالحهم و إن أريد منعها من خصوص الجائر فلا دليل علي حرمته لان اشتغال ذمة مستعمل الارض بالاجرة لا يوجب دفعها الي الجائر، بل يمكن القول بأنه لا يجوز مع التمكن (2)

لانه غير مستحق (3) فيسلم الي العادل أو نائبه الخاص او العام.

______________________________

يعتبر فيها اذن الفقيه و له الولاية عليها، و بين ما دل علي نفوذ تصرفات الجائر، و إن أمكن الاستئذان من الفقيه كما لا يخفي.

(1) قوله بالبداية او

الغاية.

أما الاولي فلحرمة قبض الجائر فالاقباض إعانة عليه.

و أما الثانية فلحرمة تصرفات الجائر في الحق بعد القبض.

(2) قوله بل يمكن القول بأنه لا يجوز مع التمكن.

ما أفاده يكون مقتضي القاعدة لاقتضائها الاقتصار علي المتيقن من موارد نفوذ تصرف الجائر، و هي صورة عدم التمكن من الامتناع علي التسليم اليه، فلو دفع اليه اختيارا لما كان تصرفه نافذا.

و يشهد له- مضافا الي ذلك- قوله عليه السلام في صحيح العيص المتقدم و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم، فإن المال لا ينبغي ان يزكي مرتين فانه و إن ورد في خصوص الزكاة الا انه يثبت في الخراج و المقاسمات بعدم القول بالفصل.

(3) قوله لأنه غير مستحق.

يرد عليه ان من يدعي عدم جواز الامتناع عن التسليم يستند الي النصوص

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 390

و مع التعذر يتولي صرفه في المصالح حسبة مع ان في بعض الاخبار ظهورا في جواز الامتناع مثل صحيحة زرارة (1) اشتري ضريس بن عبد الملك و اخوه أرزا من هبيرة بثلاثمائة الف درهم، قال: فقلت له ويلك أو ويحك أنظر الي خمس هذا المال، فابعث به اليه عليه السلام و احتبس الباقي فأبي علي و ادي المال. و قدم هؤلاء فذهب امر بني أمية، قال: فقلت ذلك لابي عبد الله عليه السلام فقال مبادرا للجواب هوله، فقلت له: انه أداها فعضّ علي اصبعه، فان أوضح محامل هذا الخبر ان يكون الارز من المقاسمة، و أما حمله علي كونه مال الناصب اعني هبيرة أو بعض بني امية فيكون دليلا علي حل مال الناصب بعد اخراج خمسه كما استظهره في الحدائق فقد ضعف في محله بمنع هذا الحكم و مخالفته لاتفاق اصحابنا كما تحقق في باب الخمس

و إن ورد به غير واحد من الاخبار.

و أما الامر بإخراج الخمس في هذه الرواية (2) فلعله من جهة احتمال اختلاط مال المقاسمة لغيره من وجوه الحرام فيجب تخميسه أو من جهة احتمال اختلاطه بالحرام، فيستحب تخميسه كما تقدم في جوائز الظلمة.

______________________________

الخاصة. فالمهم هو الجواب عن ذلك بعدم تسليم الاطلاق لها او وجود دليل خاص.

(1) قوله مع ان في بعض الأخبار ظهورا في جواز الامتناع مثل صحيحة زرارة.

الاستدلال بصحيح زرارة «1» انما يتم بناء علي ما أفاده بقوله فإن أوضح محامل هذا الخبر أن يكون الارز من المقاسمة.

و هو غير تام إذ الظاهر من الصحيح ان ضريسا كان مورد هذا الحق لانه عليه السلام قال هوله و محل الكلام انما هو امتناع من عليه الحق فهو أجنبي عن المقام. مع ان محل الكلام هو السلطان المستولي، و ظاهر هذا الخبر ان بني امية حين صدور هذا الخبر كانوا مستضعفين، فالامتناع في هذا المورد غير الامتناع في محل البحث.

(2) قوله و أما الأمر بإخراج الخمس في هذه الرواية … فيجب تخميسه.

و فيه: ان الامر به انما هو من زرارة و الامام عليه السلام لم يقرره علي ذلك بل قوله هو له يصلح ان يكون رادعا عنه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 391

(1) و ما روي من ان علي بن يقطين، قال له الإمام عليه السلام إن كنت و لا بد فاعلا فاتق أموال الشيعة و انه كان يجبيها من الشيعة علانية و يرد عليهم سرا. قال المحقق الكركي في قاطعة اللجاج انه يمكن أن يكون المراد به ما يجعل عليهم من وجوه الظلم المحرمة (2) و يمكن

أن يراد به وجوه الخراج و المقاسمات و الزكوات لانها و إن كانت حقا عليهم لكنها ليست حقا للجائر، فلا يجوز جمعها لاجله الا عند الضرورة و ما زلنا نسمع من كثير ممن عاصرناهم لا سيما شيخنا الاعظم الي آخر ما تقدم نقله عن مشايخه.

أقول: ما ذكره من الحمل علي وجوه الظلم المحرمة مخالف لظاهر العام (3) في قول الامام عليه السلام فاتق أموال الشيعة فالاحتمال الثاني اولي لكن بالنسبة الي ما عدا الزكوات لانها كسائر وجوه الظلم المحرمة خصوصا بناء علي عدم الاجتزاء بها

______________________________

(1) قوله و ما روي من ان علي بن يقطين قال له الإمام عليه السلام ان كنت فاعلا فاتق.

أشار بذلك الي المرسل «1» عن علي بن يقطين قال قلت لابي الحسن عليه السلام ما تقول في أعمال هؤلاء قال عليه السلام: ان كنت لا بد فاعلا فاتق أموال الشيعة قال فاخبرني علي انه كان يجبيها من الشيعة علانية و يردها عليهم في السر.

(2) قوله من وجوه الظلم المحرمة.

هذا هو المتعين، فان وجوه الخراج و المقاسمات و الصدقات خارجة عن أموالهم و انما هي لاهلها، و قوله عليه السلام اتق اموال الشيعة ظاهر في ارادة عدم أخذ ما هو لهم و ليس هو الا وجوه الظلم المحرمة.

(3) قوله مخالف لظاهر العام.

الظاهر ان المراد به الشيعة، و محصل مراده ان أموال الشيعة التي أمر بالاتقاء منها، ليست الا الخراج و المقاسمات و أما وجوه الظلم فهي ليست اموالا لجميع الشيعة، بل لاشخاص خاصة، و كذلك الزكاة اما بناء علي الاجتزاء بما يعطي للجائر عنها فلانها انما تكون لخصوص الفقراء، و أما بناء علي عدم الاجتزاء فلانها انما تكون لخصوص المالك.

و لكن يرد عليه

انه مخالف لمقابلة الجمع بالجمع.

______________________________

(1) الوسائل، باب 46، من أبواب ما يكتسب به، حديث 8.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 392

عن الزكاة الواجبة لقوله عليه السلام: انما هؤلاء قوم غصبوكم أموالكم. و انما الزكاة لاهلها و قوله عليه السلام: لا تعطوهم شيئا ما استطعتم فان المال لا ينبغي أن يزكي مرتين، و فيما ذكر المحقق من الوجه الثاني دلالة علي ان مذهبه ليس وجوب دفع الخراج و المقاسمة الي خصوص الجائر و جواز منعه عنه. و ان نقل بعد عن مشايخه في كلامه المتقدم ما يظهر منه خلاف ذلك لكن يمكن، بل لا يبعد ان يكون مراد مشايخه المنع عن سرقة الخراج أو جحوده رأسا حتي عن نائب العادل لا منعه عن خصوص الجائر مع دفعه الي نائب العادل او صرفه حسبة في وجوه بيت المال كما يشهد، لذلك تعليل المنع بكونه حقا واجبا عليه فان وجوبه عليه انما يقتضي حرمة منعه رأسا لاعن خصوص الجائر لانه ليس حقا واجبا له، و لعل ما ذكرنا هو مراد المحقق حيث نقل هذا المذهب عن مشايخه قدس سره بعد ما ذكره من التوجيه المتقدم بلا فصل من دون إشعار بمخالفته لذلك الوجه، و مما يؤيد ذلك ان المحقق المذكور، بعد ما ذكر ان هذا يعني حل ما يأخذه الجائر من الخراج و المقاسمة مما وردت به النصوص، و اجمع عليه الاصحاب بل المسلمون قاطبة قال: فان قلت فهل يجوز ان يتولي من له النيابة حال الغيبة ذلك اعني الفقيه الجامع للشرائط، قلنا: لا نعرف للاصحاب في ذلك تصريحا لكن من جوز للفقهاء حال الغيبة تولي استيفاء الحدود و غير ذلك من توابع منصب الامامة ينبغي له تجويز ذلك

بطريق اولي لا سيما و المستحقون لذلك موجودون في كل عصر و من تأمل في أحوال كبراء علمائنا الماضين مثل علم الهدي و علم المحققين نصير الملة و الدين و بحر العلوم جمال الملة و الدين العلامة قدس سرهم و غير هم نظر متأمل منصف لم يشك في انهم كانوا يسلكون هذا المسلك، و ما كانوا يودعون في كتبهم الا ما يعتقدون صحته انتهي. و حمل ما ذكره من تولي الفقيه علي صورة عدم تسلط الجائر خلاف الظاهر.

و أما قوله و من تأمل الخ. فهو استشهاد علي أصل المطلب و هو حل ما يؤخذ من السلطان من الخراج علي وجه الاتهاب و من الاراضي علي وجه الاقتطاع.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 393

و لا دخل له بقوله (1) فإن قلت و قلته أصلا فإن علمائنا المذكورين و غيرهم لم يعرف منهم الاستقلال علي أراضي الخراج بغير إذن السلطان و ممن يتراءي منه القول بحرمة منع الخراج عن خصوص الجائر شيخنا الشهيد قدس سره في الدروس حيث قال قدس سره يجوز شراء ما يأخذه الجائر باسم الخراج و الزكاة و المقاسمة، و إن لم يكن مستحقا له، ثمّ قال: و لا يجب رد المقاسمة و شبهها علي المالك و لا يعتبر رضاه و لا يمنع تظلمه من الشراء و كذا لو علم ان العامل يظلم الا ان يعلم الظلم بعينه، نعم يكره معاملة الظلمة و لا يحرم لقول الصادق عليه السلام كل شي ء فيه حلال و حرام فهو حلال حتي تعرف الحرام بعينه، و لا فرق بين قبض الجائر اياها او وكيله و بين عدم القبض فلو أحاله بها و قبل الثلاثة أو وكله في قبضها أو

باعها و

______________________________

(1) قوله و لا دخل له بقوله فان قلت و قلته.

الظاهر من كلامه قدس سره ارادة فتاوي العلماء المذكورين بجواز تولي الفقيه لأخذ الخراج لا أخذهم الخراج خارجا فيتم الارتباط.

و قد استدل للقول الاول المنسوب الي المشهور: بأن الجائر انما غصب الخلافة و الولاية، و هو في ذلك آثم و معاند لله و رسوله، الا ان أمر التصرف في الاراضي الخراجية جعل للوالي و إن كان باطلا، و عليه فهو الولي في هذا الامر.

و نظير ذلك ما لو وقف أحد أرضا و جعل توليتها لسلطان الوقت.

و بأن المستفاد من نصوص المقام ان المجعول اولا و إن كان هو ولاية التصرف للعادل، الا ان الولاة الشرعيين بأنفسهم جعلوا ولاية هذا الامر للجائر، فهذا المال من الاموال التي لها متول مخصوص.

و فيهما نظر.

اما الاول: فلما تقدم في أول هذا المبحث فراجع.

و أما الثاني: فلانه لا يستفاد من تلك النصوص سوي نفوذ تصرفاته، و لا يستفاد منها جعل الولاية الخاصة.

و بذلك ظهر ما في القول السادس، إذ لا مدرك له سوي توهم انه مقتضي الجمع بين جعل الولاية لكل من الحاكم الشرعي و الجائر.

و أما القول الثاني: فيرد عليه: انه لا دليل علي جعل الولاية للجائر حتي مع عدم وجود الحاكم الشرعي، و عليه فعند فقده الولاية انما تكون لعدول المؤمنين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 394

هي في يد المالك أو في ذمته جاز التناول و يحرم علي المالك المنع. و كما يجوز الشراء يجوز سائر المعاوضات و الوقف و الهبة و الصدقة و لا يحل تناولها بغير ذلك انتهي.

لكن الظاهر من قوله و يحرم علي المالك المنع انه عطف علي قوله جاز التناول فيكون من أحكام الاحالة

بها و التوكيل و البيع، فالمراد منع المالك المحال و المشتري عنها، و هذا لا إشكال فيه (1) لان اللازم من فرض صحة الاحالة و الشراء تملك المحال و المشتري فلا يجوز منعهما عن ملكهما. و أما قوله قدس سره و لا يحل تناولها بغير ذلك، فلعل المراد به ما تقدم في كلام مشايخ المحقق الكركي من ارادة تناولها بغير اذن أحد حتي الفقيه النائب عن السلطان العارف. و قد عرفت ان هذا مسلم فتوي و نصا و ان الخراج لا يسقط من مستعملي اراضي المسلمين، ثمّ ان ما ذكره من جواز الوقف لا يناسب ذكره في جملة التصرفات فيما يأخذه الجائر و ان اراد وقف الارض المأخوذة منه (2) إذا نقلها السلطان اليه لبعض مصالح المسلمين، فلا يخلو عن اشكال. و أما ما تقدم من المسالك من نقل الاتفاق علي عدم جواز المنع عن الجائر و الجحود.

فالظاهر منه ايضا ما ذكرنا من جحود الخراج و منعه رأسا لاعن خصوص الجائر مع تسليمه الي الفقيه النائب عن العادل فانه قدس سره بعد ما نقلنا عنه من حكاية الاتفاق قال بلا فصل: و هل يتوقف التصرف في هذا القسم منها علي إذن الحاكم الشرعي اذا كان متمكنا في صرفها في وجهها بناء علي كونه نائبا عن المستحق و مفوضا اليه ما هو أعظم من ذلك.

______________________________

(1) قوله و هذا لا إشكال فيه.

و فيه انه اذا لم يجب الدفع الي الموكل لما وجب الدفع الي الوكيل.

(2) قوله و ان اراد وقف الأرض المأخوذة منه.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 395

______________________________

في حاشية السيد قدس سره الظاهر ان مراده وقف السلطان للارض الخراجية أو وقفه شيئا يصلح للوقف من مال الخراج

بأن يشتري به شيئا و يقفه و كذا المراد من الصدقة صدقة السلطان للخراج.

و أما القول الثالث: فيمكن ارجاعه الي الرابع الذي اخترناه.

و أما القول الخامس: فقد استدل له بطائفتين من النصوص.

الاولي: النصوص «1» الدالة علي تحليل ما لهم لشيعتهم، فإنه يكون الاخذ من السلطان حينئذ من باب الاستنقاذ استدل بها صاحب المستند.

الثانية: الاخبار «2» الدالة علي تحليل الاراضي بناء علي اطلاقها للاراضي الخراجية و عدم اختصاصها بالانفال، استدل بها بعض مشايخنا المحققين قدس سره.

و فيهما نظر:

أما الاولي: فلانه لو ثبت العموم لتلك الاخبار، لما كانت شاملة للمقام، إذ الاراضي الخراجية انما تكون للمسلمين لا للإمام عليه السلام و إن كانت الدنيا و ما فيها له عليه السلام.

و أما الثانية: فلان تلك النصوص مختصة بالانفال كما حقق في محله.

و أما القول السابع:

فيرده: اطلاق نصوص الباب، بل الظاهر منها انها متضمنة للاذن العام في جميع الموارد، فلا حاجة الي الاستئذان من الفقيه.

فتحصل: ان الاظهر هو القول الرابع، و هو ان الولاية انما تكون للحاكم الشرعي، و مع عدم وجوده فلعدول المؤمنين.

الا انه اذا تصرف الجائر يكون تصرفه نافذا، و لا حاجة الي الاستئذان من الفقيه و إن أمكن.

______________________________

(1) الوسائل، باب 4، من أبواب الانفال، كتاب الخمس.

(2) نفس المصدر.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 396

الظاهر ذلك و حينئذ فيجب عليه صرف حاصلها في مصالح المسلمين و مع عدم التمكن أمرها الي الجائر. و أما جواز التصرف فيها كيف اتفق لكل واحد من المسلمين، فبعيد جدا بل لم اقف علي قائل به لان المسلمين بين قائل بأولوية الجائر و توقف التصرف علي اذنه و بين مفوض الامر الي الامام عليه السلام فمع غيبته يرجع الامر الي نائبه. فالتصرف بدونهما

لا دليل عليه انتهي. و ليس مراده قدس سره من التوقف، التوقف علي إذن الحاكم بعد الاخذ من الجائر و لا خصوص صورة عدم استيلاء الجائر علي الارض كما لا يخفي، و كيف كان فقد تحقق مما ذكرناه ان غاية ما دلت عليه النصوص و الفتاوي كفاية اذن الجائر في حل الخراج و كون تصرفه بالاعطاء و المعاوضة و الاسقاط و غير ذلك نافذا. أما انحصاره بذلك فلم يدل عليه دليل و لا أمارة بل لو نوقش في كفاية تصرفه في الحلية و عدم توقفها علي اذن الحاكم الشرعي مع التمكن بناء علي ان الاخبار الظاهرة في الكفاية منصرفة الي الغالب من عدم تيسر استئذان الامام عليه السلام أو نائبه. أمكن ذلك الا ان المناقشة في غير محلها لان المستفاد من الاخبار الاذن العام من الائمة بحيث لا يحتاج بعد ذلك الي اذن خاص في الموارد الخاصة منهم عليهم السلام و لا من نوابهم. هذا كله مع استيلاء الجائر علي تلك الارض، و التمكن من استئذانه. و أما مع عدم استيلائه علي أرض خراجية لقصور يده عنها لعدم انقياد أهلها له ابتداء او طغيانهم عليه، بعد السلطنة عليهم فالاقوي خصوصا مع عدم الاستيلاء ابتداء عدم جواز استئذانه و عدم مضي اذنه فيها كما صرح به بعض الاساطين، حيث قال: بعد بيان ان الحكم مع حضور الامام مراجعته أو مراجعة الجائر مع التمكن. و أما مع فقد سلطان الجور أو ضعفه عن التسلط او عدم التمكن من مراجعته فالواجب الرجوع الي الحاكم الشرعي إذ ولاية الجائر انما ثبتت علي من دخل في قسم رعيته حتي يكون في سلطانه و يكون مشمولا لحفظه من الاعداء و حمايته،

فمن بعد عن سلطانهم أو كان علي الحد فيما بينهم أو قوي عليهم، فخرج عن مأموريتهم فلا يجري عليه حكمهم اقتصارا علي المقطوع به من الاخبار. و كلام الاصحاب في قطع الحكم بالاصول و القواعد و تخصيص ما دل علي المنع عن الركون اليهم و الانقياد لهم.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 397

الثالث: ان ظاهر الاخبار و إطلاق الاصحاب حل الخراج و المقاسمة المأخوذين من الاراضي التي يعتقد الجائر كونها خراجية، و إن كانت عندنا من الانفال. (1)

______________________________

ما يأخذه الجائر باسم الخراج من غير الاراضي الخراجية

(1) الثالث: في حكم ما يأخذه السلطان باسم الخراج من أرضي الأنفال، و مجهول المالك و نحو هما مما لا يكون من الاراضي الخراجية عندنا.

و تحقيق المقام: ان الارض التي يأخذ الجائر منها الخراج.

تارة: تكون من الاراضي الخراجية عندنا.

و اخري: لا تكون منها باتفاق الفريقين، كالاراضي المخصوصة بأشخاص خاصة و لو كانت ملك الامام عليه السلام بما هو شخص خاص لا من حيث انه إمام و رئيس.

و منها الارض التي أسلم أهلها طوعا.

و ثالثة: تكون من الاراضي الخراجية عندهم و من الاموال المختصة بالامام عليه السلام بما هو إمام عندنا، كأراضي الانفال و مجهول المالك و نحوهما.

أما القسم الاول: فلا ريب و لا كلام في شمول الاخبار المتقدمة و الادلة المشار اليها له، و هو المتيقن من موردها.

و أما القسم الثاني: فلا ريب في عدم شمولها له، و يكون أخذ الخراج منه ظلما في مذهبهم أيضا، فلا يجري مناط الحكم فيه الذي هو التقية، بل يمكن أن يقال: إن موثق اسحاق «1» الذي استدل به في المسألة يدل علي عدم ثبوت الحكم في هذا القسم، لقوله عليه السلام يشتري منه ما لم يعلم أنه ظلم فيه أحدا، بل

لا يبعد دعوي دلالة صحيح الحذاء الآتي عليه لاشتماله علي قوله عليه السلام لا بأس به حتي يعرف الحرام بعينه و سيأتي لذلك زيادة توضيح. فانتظر.

و أما القسم الثالث: فهو الذي وقع الكلام فيه، و هذا التنبيه انعقد لبيان حكمه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 53، من أبواب ما يكتسب به، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 398

و هو الذي يقتضيه نفي الحرج. (1) نعم مقتضي بعض أدلتهم و بعض كلماتهم هو الاختصاص، فان العلامة قد استدل في كتبه علي حل الخراج و المقاسمة بأن هذا ما لم يملكه الزارع و لا صاحب الارض بل هو حق لله أخذه غير مستحقه فبرئت ذمته و جاز شراؤه، و هذا الدليل و إن كان فيه ما لا يخفي من الخلل الا انه كاشف عن اختصاص محل الكلام بما كان من الاراضي التي لها حق علي الزارع و ليس الانفال كذلك لكونها مباحة للشيعة، نعم لو قلنا بأن غيرهم يجب عليه أجرة الارض كما لا يبعد أمكن تحليل ما يأخذه منهم الجائر بالدليل المذكور لو تم، و مما يظهر منه الاختصاص ما تقدم من الشهيد و مشايخ المحقق الثاني من حرمة جحود الخراج و المقاسمة معللين ذلك بأن ذلك حق عليه فان الانفال لا حق و لا أجرة في التصرف فيها و كذا ما تقدم من التنقيح حيث ذكر بعد دعوي الاجماع علي الحكم ان تصرف الجائر في الخراج و المقاسمة من قبيل تصرف الفضولي اذا جاز المالك و الانصاف ان كلمات الاصحاب بعد التأمل في أطرافها ظاهرة في الاختصاص بأراضي المسلمين خلافا لما استظهره المحقق الكركي قدس سره من كلمات الاصحاب و اطلاق الاخبار مع ان الاخبار أكثرها لا عموم

فيها و لا إطلاق، نعم بعض الاخبار الواردة في المعاملة علي الاراضي الخراجية التي جمعها صاحب الكفاية شاملة لمطلق الارض المضروب عليها الخراج من السلطان، نعم لو فرض انه ضرب الخراج علي ملك غير الامام أو علي ملك الامام لا بالإمامة او علي الاراضي التي اسلم أهلها عليها طوعا لم يدخل في منصرف الاخبار قطعا، و لو أخذ الخراج من الارض المجهولة المالك معتقدا لاستحقاقه إياها ففيه وجهان:

______________________________

و قد استظهر المصنف قدس سره خلافا لما استظهره المحقق الكركي من كلمات الاصحاب جريان الحكم فيه.

فلاحظ كلمات القوم المنقول طرف منها في المتن فاقض بين العلمين.

(1) و قد استدل له: بأنه الذي يقتضيه نفي الحرج، و باطلاق الأخبار.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 399

______________________________

و فيهما نظر:

أما الاول: فلانه مضافا الي ما تقدم من عدم كونه مدركا لهذا الحكم: انه إن أريد به لزوم الحرج علي الآخذين للاموال المذكورة عن الظلمة فهو باطل، إذ أي حرج في ترك الشراء من الغاصب، و لو تم ذلك لزم جواز شراء كل ما في أيدي الغاصبين، مع انه بناء علي ما عرفت في مبحث جوائز السلطان من أن المال المأخوذ من الجائر ما لم يعلم أنه حرام بعينه يحل التصرف فيه، و ان علم اشتمال امواله علي الحرام يجوز التصرف فيما يؤخذ منهم ما لم يعلم أنه من تلك الاموال، و إن اريد به لزوم الحرج علي الذين يؤخذ منهم هذا الحق فهو أيضا باطل. إذ لا يلتزم ببقاء شي ء في عهدتهم حتي يلزم منه الحرج عليهم.

و أما الثاني: فلانه لا إطلاق لها لو رودها في مقام بيان الحلية من ناحية تصرف الجائر خاصة لا من الجهات الاخر، فهي لا تسوغ سوي

أمرا واحدا، و لا نظر لها الي الجهات الاخر، فيجب التحفظ عليها.

فإذا كانت الارض من الانفال التي ابيحت للشيعة فأخذ الحق منها ظلم في نفسه مع قطع النظر عن تصدي الجائر لذلك.

بل يمكن أن يقال: إن ظاهر صحيح «1» الحذاء و موثق اسحاق المتقدم عدم اجراء الحكم فيه.

اما الاول: فلقوله عليه السلام فيه في جواب السؤال عما يشتري من عمال السلطان مع العلم بأنهم يأخذون أكثر من الحق الذي يجب عليهم: لا بأس به حتي تعرف الحرام بعينه فانه يدل علي ان ما يؤخذ غير الحق الواجب حرام.

و أما الثاني: فلما تقدم.

فالاظهر عدم جريان الحكم في هذا القسم.

نعم ما يؤخذ من غيرنا ممن يعتقد بكون هذا القسم من الاراضي الخراجية يمكن تحليله و اجراء الحكم المذكور فيه لقاعدة الالزام بالتقريب المتقدم في أول هذا المبحث.

______________________________

(1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 400

الرابع: ظاهر الاخبار و منصرف كلمات الاصحاب الاختصاص بالسلطان المدعي للرئاسة العامة (1) و عماله، فلا يشمل من تسلط علي قرية أو بلدة خروجاً علي سلطان الوقت فيأخذ منهم حقوق المسلمين.

نعم ظاهر الدليل المتقدم من العلامة شموله له لكنك عرفت انه قاصر عن إفادة المدعي كما ان ظاهره عدم الفرق بين السلطان المخالف المعتقد لاستحقاق أخذ الخراج و المؤمن و الكافر، و إن اعترفا بعدم الاستحقاق الا أن ظاهر الاخبار الاختصاص بالمخالف، و المسألة مشكلة من اختصاص موارد الاخبار بالمخالف المعتقد لاستحقاق أخذه و لا عموم فيها لغير المورد فيقتصر في مخالفة القاعدة عليه، و من لزوم الحرج (2) و دعوي الاطلاق في بعض الاخبار المتقدمة مثل قوله عليه السلام (3) في صحيحة الحلبي لا بأس

بأن يتقبل الرجل الارض و أهلها من السلطان، و قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن مسلم كل أرض دفعها اليك سلطان فعليك فيما أخرج الله منها الذي قاطعك عليه و غير ذلك، و يمكن ان يرد لزوم الحرج بلزومه علي كل تقدير لان المفروض ان السلطان المؤمن خصوصا في هذه الازمنة يأخذ الخراج عن كل أرض و لو لم تكن خراجية و انهم يأخذون كثيرا من وجوه الظلم المحرمة منضما الي الخراج و ليس الخراج عندهم ممتازا عن سائر ما يأخذونه ظلما من العشور و سائر ما يظلمون به الناس كما لا يخفي علي من لاحظ سيرة عماله

______________________________

اختصاص الحكم بالسلطان المدعي للرئاسة العامة

(1) قوله الرابع: ظاهر الاخبار و منصرف كلمات الاصحاب الاختصاص بالسلطان المدعي للرئاسة العامة و عماله.

البحث في هذا التنبيه يقع في موردين:

الاول: في انه هل يختص الحكم بالسلطان المستولي علي البلاد، أم يشمل من تسلط علي قرية أو بلدة خروجا علي سلطان الوقت.

الثاني: في أنه هل يختص الحكم بالمخالف الذي يري نفسه خليفة، أم يعم كل سلطان مسلم يري نفسه خليفة عملا مخالفا كان أم شيعيا كما قيل في هارون الرشيد و ابنه المأمون، أم يعم كل سلطان مسلم، أم يعم مطلق السلاطين؟ و قد استدل للتعميم من الجهتين:

(2) بقاعدة العسر و الحرج.

(3) و باطلاق الأخبار لا سيما بعضها، كقوله عليه السلام في صحيح الحلبي لا بأس أن

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 401

فلا بد اما من الحكم لحل ذلك كله لدفع الحرج. و أما من الحكم بكون ما في يد السلطان و عماله من الاموال المجهولة المالك. و أما الاطلاقات فهي مضافا الي إمكان دعوي انصرافها الي الغالب كما في المسالك مسوقة لبيان حكم آخر كجواز

إدخال أهل الارض الخراجية في تقبل الارض في صحيحة الحلبي لدفع توهم حرمة ذلك كما يظهر من أخبار اخر و كجواز أخذ أكثر ما تقبل به الارض من السلطان في رواية الفيض بن المختار و كغير ذلك من أحكام قبالة الارض و استئجارها فيما عداها من الروايات.

و الحاصل ان الاستدلال بهذه الاخبار علي عدم البأس بأخذ أموالهم مع اعترافهم بعدم الاستحقاق مشكل، و مما يدل علي عدم شمول كلمات الاصحاب ان عنوان المسألة في كلامهم ما يأخذه الجائر لشبهة المقاسمة أو الزكاة كما في المنتهي، أو باسم الخراج أو المقاسمة كما في غيره، و ما يأخذه الجائر المؤمن ليس لشبهة الخراج و المقاسمة لان المراد بشبهتهما شبهة استحقاقهما الحاصلة في مذهب العامة نظير شبهة تملك سائر ما يأخذون مما لا يستحقون، لان مذهب الشيعة ان الولاية في

______________________________

يتقبل الارض و أهلها من السلطان «1» و غيره.

و بأن وجه الاذن منهم عليهم السلام هو توسل الشيعة الي حقوقهم الثابتة في بيت مال المسلمين كما اشعر به قوله عليه السلام في الحسن: اما علم ان لك في بيت المال نصيبا «2» و يرد علي الوجه الاول: ما تقدم غير مرة من عدم صلاحية تلك القاعدة لاثبات الحكم، مضافا الي انه:

إن اريد به لزوم الحرج علي الآخذين من تلك الظلمة فيرد عليه ما ذكرناه في التنبيه المتقدم.

______________________________

(1) الوسائل، باب 18، من أبواب المزارعة، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 402

الاراضي الخراجية انما هي للامام عليه السلام أو نائبه الخاص أو العام، فما يأخذه الجائر و المعتقد لذلك انما هو شي ء يظلم به في اعتقاده معترفا بعدم براءة ذمة زارع

الارض من اجرتها شرعا نظير ما يأخذه من الاملاك الخاصة التي لاخراج عليها أصلا و لو فرض حصول شبهة الاستحقاق لبعض سلاطين الشيعة من بعض الوجوه لم يدخل بذلك في عناوين الاصحاب قطعا لان مرادهم من الشبهة، الشبهة من حيث المذهب التي امضاها الشارع للشيعة لا الشبهة في نظر شخص خاص لان الشبهة الخاصة إن كانت عن سبب صحيح كاجتهاد أو تقليد، فلا اشكال في حليته له و استحقاقه للأخذ بالنسبة اليه و الا كانت باطلة غير نافذة في حق أحد.

و الحاصل ان آخذ الخراج و المقاسمة لشبهة الاستحقاق في كلام الاصحاب ليس الا الجائر المخالف و مما يؤيده ايضا عطف الزكاة عليها مع ان الجائر الموافق لا يري لنفسه ولاية جباية الصدقات.

______________________________

و إن اريد به لزوم الحرج علي الذين تؤخذ منهم هذه الحقوق لبقائها في عهدتهم.

فيرد عليه: ان لازم ذلك انه كلما أجبرهم ظالم أو غاصب علي اعطاء تلك الحقوق تبرأ ذممهم منها.

و إن شئت قلت: ان الحرج لو لزم فانما هو من أخذ الظالمين لا من بقاء الحقوق.

و يرد علي الوجه الثاني: ان النصوص التي يصح الاستدلال بها علي أصل هذا الحكم لا إطلاق لها من هذه الجهة.

و انما هي واردة في أشخاص مخصوصين، و انما يتعدي عنهم الي من يماثلهم، و ليسوا هم الا الذين يرون أنفسهم خليفة عملا و إن لم يعتقدوا بذلك.

و بالجملة: ليست النصوص متضمنة لبيان قضية حقيقية كي يستدل باطلاقها.

و يرد علي الوجه الثالث: ان صحيح الحذاء «1» ظاهر في غير من له في بيت المال نصيب.

و علي تقدير القول باطلاق النصوص، ربما يقال بعدم شمولها للكافر.

لانصراف النصوص الي غيره.

______________________________

(1) الوسائل، باب 52، من أبواب ما يكتسب به

حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 403

و كيف كان «1» فالذي اتخيل كلما ازداد المنصف التأمل في كلماتهم يزداد له هذا المعني وضوحا، فما اطنب به بعض في دعوي عموم النص و كلمات الاصحاب مما لا ينبغي ان يغتر به. و لأجل ما ذكرنا و غيره فسر صاحب ايضاح النافع في ظاهر كلامه المحكي الجائر في عبارة النافع بمن تقدم علي أمير المؤمنين عليه السلام و اقتفي أثر الثلاثة. فالقول بالاختصاص كما استظهره في المسالك و جزم به في ايضاح النافع و جعله الاصح في الرياض لا يخلو عن قوة فينبغي في الاراضي التي بيد الجائر الموافق في المعاملة علي عينها أو علي ما يؤخذ عليها مراجعة الحاكم الشرعي، و لو فرض ظهور سلطان مخالف لا يري نفسه مستحقا لجباية تلك الوجوه، و انما أخذ ما يأخذ نظير ما يأخذه علي غير الاراضي الخراجية من الاملاك الخاصة فهو أيضا غير داخل في منصرف الاخبار، و لا في كلمات الاصحاب فحكمه حكم السلطان الموافق. و أما السلطان الكافر فلم أجد فيه نصا و ينبغي لمن تمسك باطلاق النص و الفتوي التزام دخوله فيهما، لكن الانصاف انصرافهما الي غيره مضافا الي ما تقدم في السلطان الموافق من اعتبار كون الاخذ بشبهة الاستحقاق و قد تمسك في ذلك بعض بنفي السبيل للكافر علي المؤمن (1) فتأمل.

______________________________

(1) و لما دل علي نفي السبيل للكافر علي المؤمن.

و لكن يرد علي الاول: انه لا منشأ لهذا الانصراف.

و علي الثاني: ان نفوذ تصرفاته من باب اجازة الفضولي ليس سبيلا له علي المؤمن و انما السبيل يكون لو قيل بولاية السلطان، و قد عرفت ان القول بها بمراحل عن الواقع.

و الحق ان المستفاد

من النصوص ثبوت الحكم في كل سلطان مستول علي البلاد الذي يكون وضع سلطنته و مملكته علي أخذ الخراج بعنوانه الشرعي، من غير فرق بين كونه موافقا، أم مخالفا، أم كافرا، و عدم ثبوته فيمن لا سلطنة له علي البلاد، و من ليس وضع سلطنته علي ذلك، من غير فرق بين الاقسام الثلاثة.

______________________________

(1) النساء، آية: 41.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 404

الخامس: الظاهر انه لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ ان يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الاخذ للأخذ (1) فلا فرق حينئذ بين المؤمن و المخالف و الكافر لإطلاق بعض الاخبار المتقدمة و اختصاص بعضها الآخر بالمؤمن، كما في روايتي الحذاء و اسحاق بن عمار و بعض روايات قبالة الاراضي الخراجية، و لم يستبعد بعض اختصاص الحكم بالمأخوذ من معتقد استحقاق الاخذ مع اعترافه بأن ظاهر الاصحاب التعميم و كأنه أدخل هذه المسألة يعني مسألة حل الخراج و المقاسمة في القاعدة المعروفة من الزام الناس بما الزموا به أنفسهم و وجوب المضي معهم في أحكامهم علي ما يشهد به تشبيه بعضهم ما نحن فيه باستيفاء الدين من الذمي من ثمن ما باعه من الخمر و الخنزير، و الاقوي ان المسألة أعم من ذلك و انما الممضي فيما نحن فيه تصرف الجائر في تلك الاراضي مطلقا.

______________________________

لا يختص الحكم بالمعتقد ولاية الجائر

(1) قوله الخامس: الظاهر انه لا يعتبر في حل الخراج المأخوذ أن يكون المأخوذ منه ممن يعتقد استحقاق الاخذ للأخذ.

لا ينبغي التأمل في عدم اختصاص هذا الحكم بما اذا كان المأخوذ منه من المخالفين، لان مدرك هذا الحكم ليس هو قاعدة الالزام وحدها.

بل جملة من النصوص تدل عليه كما تقدم و بعضها وارد في خصوص المؤمن كصحيح الحذاء المتقدم.

و أما

دعوي اختصاص الحكم بمن يعتقد ولاية الجائر للتصرف في الاراضي الخراجية و ان كان مؤمنا.

فيدفعها اطلاق النصوص.

و الجواب عنها باختصاص صحيح الحذاء بغير المعتقد لا يصح لعدم حمل المطلق علي المقيد في المثبتين و قد تقدم الكلام في ذلك مفصلا فلا وجه للاعادة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 405

السادس: ليس للخراج قدر معين (1) بل المناط فيه ما تراضي فيه السلطان و مستعمل الارض لان الخراج هي أجرة الارض فينوط برضي المؤجر و المستأجر. (2) نعم لو استعمل أحد الارض قبل تعيين الاجرة تعين عليه اجرة المثل و هي مضبوطة عند أهل الخبرة. و أما قبل العمل فهو تابع لما يقع التراضي عليه، و نسب ما ذكرناه الي ظاهر الاصحاب و يدل عليه قول أبي الحسن عليه السلام في مرسلة حماد بن عيسي (3) و الارض التي أخذت عنوة بخيل و ركاب فهي

______________________________

ليس للخراج قدر معين

(1) قوله السادس ليس للخراج قدر معين.

و ملخص القول فيه ان في المسألة أقوالا:

الاول: ان المناط فيه ما تراضي السلطان و مستعمل الارض و إن كان مضرا بحاله.

الثاني: ان المناط ذلك مشروطا بعدم كونه مضرا.

الثالث: اختصاص الحكم بما يتصرف به الامام العادل، فالزائد و الناقص غير نافذين منه.

(2) بان الخراج هو أجرة الارض، فيناط تقديره برضا المؤجر و المستأجر.

و فيه: ان المؤجر اذا كان مالكا تم ما ذكر، و لكن اذا كان وليا علي المالك فلا يتم، فانه لا بد له في الاجارة من مراعاة مصلحة المولي عليه، فلو خفف المؤجر في هذا القسم لا لمصلحة راجعة الي المولي عليه بل لدواع نفسانية لم تصح الاجارة و في المقام الجائر و إن لم يكن وليا الا انه فضول أجاز الولي معاملته.

(3) و استدل

للثاني: بقول أبي الحسن عليه السلام في مرسل «1» حماد الطويل المذكور في المتن.

و فيه: ان المرسل وارد في الوالي و هو السلطان العادل، و متضمن لبيان سيرته، و معلوم انه لا يجحف في المعاملة، و لا تعرض له لكيفية معاملة الجائر.

______________________________

(1) الوسائل، باب 41، من أبواب جهاد العدو، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 406

موقوفة متروكة في يد من يعمرها و يحييها علي صلح ما يصالحهم الوالي علي قدر طاقتهم من الخراج النصف أو الثلث أو الثلثان علي قدر ما يكون لهم صالحا «صلاحا» و لا يضر بهم «هم» الحديث، و يستفاد منه انه اذا جعل عليهم من الخراج او المقاسمة ما يضر بهم لم يجز ذلك كالذي يؤخذ من بعض مزارعي بعض بلادنا بحيث لا يختار الزارع الزراعة من كثرة الخراج فيجبرونه علي الزراعة، و حينئذ ففي حرمة كل ما يؤخذ أو المقدار الزائد علي ما يضر الزيادة عليه وجهان.

و حكي عن بعض انه يشترط ان لا يزيد علي ما كان يأخذه المتولي له الامام العادل الا برضاه، و التحقيق ان مستعمل الارض بالزرع و الغرس إن كان مختارا في استعمالها فمقاطعة الخراج و المقاسمة باختياره و اختيار الجائر، فاذا تراضيا علي شي ء فهو الحق قليلا كان أو كثيرا و إن كان لا بد له من استعمال الارض لانها كانت مزرعة له مدة سنين، و يتضرر بالارتحال عن تلك القرية الي غيرها، فالمناط ما ذكر في المرسلة من عدم كون المضروب عليهم مضرا بأن لا يبقي لهم بعد أداء الخراج ما يكون بإزاء ما انفقوا علي الزرع من المال و بذلوا له من أبدانهم الاعمال.

______________________________

و يشهد للقول الثالث: بالاضافة الي طرف النقيصة ما

تقدم.

و بالنسبة الي طرف الزيادة عدم الدليل علي نفوذ تصرفات الجائر في هذا الفرض، إذ لا إطلاق لأدلة جواز المعاملة معه كي يتمسك به لنفوذ تصرفاته في هذا الفرض فلا بد من الاخذ بالمتيقن، و هو ما اذا لم يزد علي المقدار المتعارف و لم يجحف في المعاملة، هذا فيما إذا لم يجبر الزارع و لم يكرهه علي المعاملة.

و أما في صورة الاكراه و الالجاء، فعدم نفوذ المعاملة أوضح لعموم حديث رفع الاكراه «1».

و في موارد عدم نفوذ معاملته من جهة الزيادة لا سبيل الي دعوي وقوع الاجارة علي ما عدا الزيادة، و انما يحرم أخذ المقدار الزائد، إذ المعاملة واحدة، فمع عدم نفوذها علي النحو الذي وقعت لا مناص عن البناء علي بطلانها، و عليه فلو زرع الزارع فيها مع ذلك تثبت اجرة المثل في ذمته كما لو استعملها قبل تعيين الاجرة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 56، من أبواب جهاد النفس.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 407

السابع: ظاهر اطلاق الاصحاب انه لا يشترط فيمن يصل اليه الخراج أو الزكاة من السلطان علي وجه الهدية او يقطعه الارض الخراجية اقطاعا أن يكون مستحقا له (1) و نسبه الكركي قدس سره في رسالته الي اطلاق الاخبار و الاصحاب، و لعله أراد اطلاق ما دل علي حل جوائز السلطان و عماله مع كونها غالبا من بيت المال، و الا فما استدلوا به لأصل المسألة انما هي الاخبار الواردة في جواز ابتياع الخراج و المقاسمة و الزكاة و الواردة في حل تقبيل الارض الخراجية من السلطان، و لا ريب في عدم اشتراط كون المشتري و المتقبل مستحقا لشي ء من بيت المال، و لم يرد خبر في حل ما يهبه السلطان من

الخراج حتي يتمسك باطلاقه عدا أخبار جوائز السلطان مع أن تلك الاخبار واردة ايضا في أشخاص خاصة، فيحتمل كونهم ذوي حصص من بيت المال (2) فالحكم بنفوذ تصرف الجائر علي الاطلاق في الخراج من حيث البذل و التفريق كنفوذ تصرفه علي الاطلاق فيه بالقبض و الاخذ و المعاملة عليه مشكل.

______________________________

أخذ غير المستحق للخراج و الزكاة

(1) قوله السابع ظاهر اطلاق الأصحاب انه لا يشترط فيمن يصل اليه … مستحقاً له.

لا اشكال في انه يجوز شراء الخراج و الصدقة من الجائر، كان الاخذ مستحقا و موردا لهما أم لم يكن، إذ لا يعتبر في صحة الشراء كون المشتري مستحقا و مصرفا لهما.

و يدل عليه اطلاق الاخبار، و كذلك بالنسبة الي شراء الارض الخراجية مع وجود المسوغ للبيع و تقبلها و تقبل الخراج.

و أما الاخذ من الجائر مجانا، فإن كان الاخذ مستحقا أو مصرفا لما يأخذه فلا كلام.

انما الكلام فيما اذا لم يكن مصرفا له، فقد يقال: ان مقتضي اطلاق النصوص المتضمنة لحلية جوائز السلطان حليته و جواز الاخذ مطلقا.

و أورد عليه المصنف قدس سره بأنه لا إطلاق لها، و انما هي واردة في اشخاص خاصة.

(2) قال فيحتمل كونهم ذوي حصص من بيت المال.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 408

و أما قوله عليه السلام في رواية الحضرمي السابقة ما يمنع ابن أبي سماك أن يبعث اليك بعطائك اما علم ان لك نصيبا من بيت المال (1) فانما يدل علي ان كل من له نصيب في بيت المال يجوز له الاخذ لا ان كل من لا نصيب له لا يجوز أخذه، و كذا تعليل العلامة قدس سره فيما تقدم من دليله بأن الخراج حق لله أخذه غير مستحقه (2) فان هذا لا ينافي إمضاء

الشارع لبذل الجائر اياه كيف شاء كما ان للامام عليه السلام أن يتصرف في بيت المال كيف شاء، فالاستشهاد بالتعليل المذكور في الرواية المذكورة و المذكور في كلام العلامة قدس سره علي اعتبار استحقاق الاخذ بشي ء من بيت المال كما في الرسالة الخراجية محل نظر.

ثمّ أشكل من ذلك تحليل الزكاة المأخوذة منه لكل أحد كما هو ظاهر اطلاقهم القول بحل اتهاب ما يؤخذ باسم الزكاة. و في المسالك انه يشترط أن يكون صرفه لها علي وجهها المعتبر عندهم بحيث لا يعد عندهم عاصيا إذ يمتنع الاخذ منه عندهم ايضا، ثمّ قال: و يحتمل الجواز مطلقا نظرا الي اطلاق النص و الفتوي، قال: و يجي ء مثله في المقاسمة و الخراج، فان مصرفها بيت المال و له أرباب مخصوصون عندهم ايضا، انتهي.

______________________________

و فيه: ان بعض تلك النصوص مطلق، كخبر زرارة «1» و محمد بن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام: جوائز العمال ليس بها بأس و نحوه غيره.

فالاولي ان يورد عليه: بأن تلك النصوص كما بيناه في تلك المسألة واردة في مقام بيان الحلية الظاهرية لا الواقعية فراجع، و عليه فحلية الخراج و الزكاة مع عدم كون الشخص مصرفا لا بد لها من التماس دليل آخر مفقود. فالاظهر هو عدم الجواز كما هو واضح.

و قد استدل لهذا القول.

(1) بقوله عليه السلام: في خبر الحضرمي «2» المتقدم اما علم ان لك في بيت المال نصيبا.

(2) و بتعليل العلامة قدس سره أصل الحكم بان الخراج حق لله أخذه غير مستحقه فبرئت ذمته و جاز شراؤه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 51، من أبواب ما يكتسب به، حديث 5.

(2) نفس المصدر، ح 6.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 409

الثامن: ان كون الارض الخراجية بحيث

يتعلق بما يؤخذ منها ما تقدم من أحكام الخراج و المقاسمة يتوقف علي أمور ثلاثة. (1)

الاول: كونها مفتوحة عنوة أو صلحا علي أن يكون الارض للمسلمين (2) إذ ما عداهما من الارضين لاخراج عليها.

نعم لو قلنا بأن حكم ما يأخذه الجائر من الانفال حكم ما يأخذه من أرض الخراج دخل ما يثبت كونه من الانفال في حكمها.

______________________________

و يرد علي الاول: انه لا يدل علي جواز أخذ من لا نصيب له في بيت المال، و انما هو متضمن للتعريض علي ابن أبي سماك في عدم اعطائه من له نصيب فيها.

و يرد علي الثاني: مضافا الي عدم تمامية هذا التعليل في نفسه كما لا يخفي. انه لا ينافي حكم الشارع بجواز أخذه من الجائر مع عدم كونه مصرفا له. و بعبارة اخري: انه لا إشعار فيه في اعتبار الاستحقاق في المصرف.

شرائط الاراضي الخراجية
اشارة

(1) قوله الثامن ان كون الارض الخراجية.. يتوقف علي امور ثلاثة.

قد تقدم ان للاراضي الخراجية أقساما ثلاثة:

أحدها: كون الارض مفتوحة عنوة.

ثانيها: الارض التي صولح أهلها علي أن تكون الارض لهم، و عليهم كذا و كذا من المال او الثلث او نحوه من حاصل الارض.

ثالثها: الارض التي أسلم أهلها طوعا اذا تركوا عمارتها.

و محل الكلام في هذا التنبيه هو القسم الاول.

و يشترط في ترتب أحكام الخراج و المقاسمة عليها أمور:

(2) الأول: ثبوت كون الارض مفتوحة عنوة و ذلك انما يكون بالشياع المفيد

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 410

نقول: يثبت الفتح عنوة بالشياع الموجب للعلم و بشهادة العدلين، و بالشياع المفيد للظن المتاخم للعلم (1) بناء علي كفايته في كل ما يعسر اقامة البينة عليه، كالنسب و الوقف و الملك المطلق. (2)

______________________________

للعلم، و البينة، و خبر العدل الواحد، بناء علي حجيته في الموضوعات كما هو المختار.

و قد ذكروا في عداد ما يثبت به ذلك، أمورا اخر.

(1) منها ما ذكره المصنف قدس سره بقوله: بالشياع المفيد للظن المتاخم للعلم، بناء علي كفايته في كل ما يعسر اقامة البينة عليه كالنسب و الوقف.

و لم أقف عاجلا علي ما يمكن الاستدلال به لهذه الكبري الكلية سوي وجوه أربعة:

الاول: مرسل يونس عن الامام الصادق عليه السلام عن البينة اذا اقيمت علي الحق أ يحل للقاضي أن يقضي بقول البينة من غير مسألة اذا لم يعرفهم، فقال عليه السلام خمسة أشياء يجب علي الناس الاخذ فيها بظاهر الحكم: الولايات و المناكح و الذبائح و الشهادات و المواريث، فاذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته و لا يسأل عن باطنه «1».

بتقريب: ان المراد بالحكم هي النسبة الخبرية و ظهور هذه النسبة عبارة اخري عن الشيوع، فيدل

المرسل علي انه يجوز الاخذ بالشيوع في هذه الامور الخمسة.

و فيه: ان الظاهر ارادة النسبة من الحكم لا الخبر عنها، و ظهور النسبة غير ظهور الخبر عنها و شيوعه، أ لا تري انه ربما يكون ولدية زيد لعمر و ظاهرة و لكن الخبر عنها ليس شائعا.

و الشاهد علي ارادة ذلك من الحكم مضافا الي ظهوره في ذلك قوله عليه السلام في ذيل المرسل: فاذا كان ظاهره … الي آخره، فانه صريح في ان الظاهر مقابل الباطن، و عن بعض نسخ التهذيب، ظاهر الحال، بدل ظاهر الحكم، و عليه فالأمر أوضح، فيكون المتحصل من

______________________________

(1) الوسائل، باب 41، من أبواب الشهادات،، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 411

______________________________

الخبر: انه في هذه الموارد الخمسة يجوز الأخذ بظاهر الحال، ففي مورد الشهادات اذا كان الشاهد ظاهر الصلاح عند الناس تقبل شهادته.

الثاني: صحيح حريز المتضمن لقصة اسماعيل.

و فيه: فقال اسماعيل: يا أبه اني لم أره يشرب الخمر انما سمعت الناس يقولون فقال عليه السلام: يا بني ان الله عز و جل يقول في كتابه (يؤمن بالله و يؤمن للمؤمنين) يقول:

يصدق الله و يصدق للمؤمنين فاذا شهد عندك المؤمنون فصدقهم و لا تأتمن شارب الخمر «1».

بتقريب: انه عليه السلام امر بترتيب آثار الواقع علي مجرد قول الناس الذي هو عبارة عن الشياع، و جعل عليه السلام من يقول الناس انه يشرب الخمر، شارب الخمر.

و فيه: ان المأمور به ليس ترتيب جميع آثار الواقع بل خصوص ما ينفع المخبر اليه و لا يضر المخبر 3 عنه. و بعبارة اخري: انه لا ملازمة بين تصديق المخبر المأمور به في الخبر و بين العمل علي طبق قوله.

و يشهد لما ذكرناه: قوله عليه السلام في

خبر آخر: كذب سمعك و بصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة انه قال قولا و قال لم أقله فصدقه و كذبهم «2».

فإنه عليه السلام أمر بتكذيب خمسين قسامة و تصديق الواحد، و ليس ذلك الا لما ذكرناه.

الثالث: ان الظن الحاصل من الشياع أقوي من الظن الحاصل من البينة العادلة.

و فيه: انه لم يثبت كون ملاك حجية البينة إفادتها الظن، بل الثابت خلافه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 6، من أبواب أحكام الوديعة، حديث 1.

(2) الوسائل، باب 157، من أبواب أحكام العشرة من كتاب الحج، حديث 4.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 412

و أما ثبوتها بغير ذلك من الامارات الظنية حتي قول من يوثق به من المورخين فمحل اشكال لان الاصل (1) عدم الفتح عنوة و عدم تملك المسلمين، نعم الاصل عدم تملك غيرهم ايضا (2) فان فرض دخولها بذلك في الانفال و الحقناها بأرض الخراج في الحكم فهو و الا فمقتضي القاعدة حرمة تناول ما يؤخذ قهرا من زراعها. و أما الزراع فيجب عليهم مراجعة حاكم الشرع فيعمل فيها معهم علي طبق ما يقتضيه القواعد عنده من كونه مال الامام عليه السلام أو مجهول المالك أو غير ذلك.

______________________________

الرابع: إجراء دليل الانسداد في كل ما يعسر اقامة البينة عليه كالنسب و الوقف.

بتقريب: ان تحصيل العلم فيه عسر و كذلك البينة العادلة، و يلزم من إجراء الاصل كأصالة عدم النسب الوقوع في خلاف الواقع كثيرا، و الاحتياط متعذر أو متعسر، فلا مناص عن التنزل الي الظن.

و فيه: ان المقدمة الثانية لا تفيد ما لم ينضم اليها ان الوقوع في خلاف الواقع مناف لغرض الشارع، إذ لو لم يحرز ذلك- كما في باب الطهارة- لما كان محذور في اجراء الاصل

و حيث ان هذا غير ثابت فلا يتم هذا الوجه.

فتحصل: انه لا دليل علي حجية الشياع الظني مطلقا، و لا في كل ما يعسر اقامة البينة عليه.

(1) قوله فمحل اشكال لأن الأصل عدم الفتح عنوة.

لا يخفي ما في العبارة من المسامحة فإن ظاهرها ان علة الاشكال الاصل المذكور مع انه علي فرض حجية قول من يوثق به من المورخين في نفسه يكون ذلك حاكما علي الاصل فهو لا يصلح مانعا عن حجيته.

(2) و في موارد عدم ثبوت كون الأرض خراجية و الشك في ذلك.

تارة: يعلم بكونها ملكا للغير و يشك في انتقالها منه الي المسلمين أو الامام عليه السلام.

و اخري: يعلم بانتقالها منه و يشك في الانتقال الي المسلمين أو الامام عليه السلام.

أما في الصورة الاولي: فمقتضي استصحاب بقاء المالك اذا احتمل بقاءه و استصحاب بقاء العمودين لو لم يعلم بموتهما عادة مع العلم بموت المالك نفسه هو عدم الانتقال الي الامام و لا إلي المسلمين.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 413

و المعروف بين الامامية بلا خلاف ظاهر ان أرض العراق فتحت عنوة، و حكي ذلك عن التواريخ المعتبرة و حكي عن بعض العامة انها فتحت صلحا، و ما دل علي كونها ملكا للمسلمين يحتمل الامرين (1) ففي صحيحة الحلبي انه سأل أبو عبد الله عليه السلام عن أرض السواد ما منزلته؟ فقال: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم مسلم و لمن يدخل في الاسلام بعد اليوم و لمن لم يخلق بعد، و رواية أبي الربيع الشامي لا تشتر من أرض السواد شيئا الا من كانت له ذمة فانما هي في للمسلمين، و قريب منها صحيحة ابن الحجاج، و أما غير هذه الارض مما ذكر و

اشتهر فتحها عنوة.

______________________________

و في هذين الموردين ان عرف المالك فهو، و الا فيعامل معه معاملة مجهول المالك.

و ان علم بموته و عدم بقاء العمودين يبني علي كون الارض للامام عليه السلام لاستصحاب عدم وجود وارث آخر و هو عليه السلام وارث من لا وارث له.

و أما في الصورة الثانية: فأصالة عدم دخولها في ملك المسلمين معارضة بأصالة عدم دخولها في ملك الامام مع العلم بدخولها في ملك أحدهما، و لا تدخل بذلك في الانفال من جهة ان الاصل عدم رب لها، فتدخل في هذا الموضوع من الانفال، للعلم بدخولها في ملك أحدهما، و لا يعامل معها معاملة مجهول المالك لان ذلك مختص بما اذا اشتبه المالك بين غير محصورين، و في المقام المالك أما هو الإمام او المسلمون، فالمالك مردد بين محصورين، فلا بد من اجراء ذلك الحكم من التنصيف او القرعة او غير هما كل علي مسلكه.

(1) قوله و ما دل علي كونها ملكا للمسلمين يحتمل الامرين:

الكلام في ان ارض العراق فتحت عنوة أو صلحا- و ان المفتوحة عنوة ملك للمسلمين كما هو المشهور بين الاصحاب، أو انها غير مملوكة بل معدة لمصالح المسلمين و هم مصرف لحاصلها كما عن جماعة منهم الشهيد الثاني في جملة من كتبه و المحقق

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 414

فإن أخبر به عدلان يحتمل حصول العلم لهما من السماع أو الظن المتاخم من الشياع أخذ به علي تأمل في الاخير كما في العدل الواحد و الا فقد عرفت الاشكال في الاعتماد علي مطلق الظن.

و أما العمل بقول المورخين بناء علي ان قولهم في المقام نظير قول اللغوي في اللغة و قول الطبيب و شبههما فدون اثباته خرط القتاد و

اشكل منه اثبات ذلك باستمرار السيرة. (1)

______________________________

الاردبيلي قدس سره و ما يستفاد من صحيح الحلبي المذكور في المتن و كذا خبر أبي الربيع و سائر النصوص موكول الي محل آخر و قد اشبعنا القول في ذلك و سائر الفروع المربوطة في الجزء الثالث عشر من كتابنا فقه الصادق.

(1) و منها: استمرار السيرة علي أخذ الخراج من أرض.

و فيه: انه ان اريد به استمرار سيرة سلاطين الجور، فيرد عليه: ان الجائرين المرتكبين للفجائع غير التابعين للمعصومين عليهم السلام كيف تكشف سيرتهم عن رضا المعصوم عليه السلام مع انه لو كانت سيرتهم كاشفة عن رأيه عليه السلام لكان مختصا بما اذا كان اعتقادهم استحقاق الخراج من خصوص الاراضي الخراجية و لما تم فيما لو اعتقدوا استحقاقهم الخراج من الانفال ايضا، و حيث ان المفروض هو الثاني لأخذهم الخراج من القسم الثاني ايضا فلا يتم ذلك.

و إن اريد به استمرار سيرة المؤمنين الآخذين من السلطان الجائر خراج الاراضي المشتبهة.

فيرد عليه: اولا: ان هذا ممنوع صغري. و ثانيا: انه يتم اذا لم يعتقدوا جواز أخذ خراج أراضي الانفال من يد السلطان. و ثالثا: انه يتم اذا علمنا بأنهم أخذوه منه مع علمهم بكون المأخوذ من خراج تلك الارض و هو كما تري.

و منها: حمل فعل المسلم علي الصحة.

و فيه: انه إن اريد به حمل فعل الجائر علي الصحة، فيرد عليه: ان أخذ الجائر للخراج حرام علي أي تقدير، و معه لا مورد لحمل فعله علي الصحة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 415

علي أخذ الخراج من أرض لان ذلك اما من جهة ما قيل من كشف السيرة عن ثبوت ذلك من الصدر الاول من غير نكير إذ لو كان شيئا حادثا

لنقل في كتب التواريخ لاعتناء أربابها بالمبتدعات و الحوادث. و أما من جهة وجوب حمل تصرف المسلمين و هو أخذهم الخراج علي الصحيح، و يرد علي الاول مع ان عدم التعرض يحتمل كونه لاجل عدم اطلاعهم الذي لا يدل علي العدم ان هذه الامارات ليست بأولي من تنصيص أهل التواريخ الذي عرفت حاله، و علي الثاني انه إن اريد بفعل المسلم تصرف السلطان بأخذ الخراج فلا ريب ان أخذه حرام و ان علم كون الارض خراجية فكونها كذلك لا يصحح فعله و دعوي ان أخذه الخراج من أرض الخراج أقل فسادا من أخذه من غيرها توهم لان مناط الحرمة في المقامين واحد، و هو أخذ مال الغير من غير استحقاق و اشتغال ذمة المأخوذ منه بأجرة الارض الخراجية و عدمه في غيرها لا يهون الفساد.

نعم بينهما فرق من حيث الحكم المتعلق بفعل غير السلطان و هو من يقع في يده شي ء من الخراج بمعاوضة أو تبرع فيحل في الارض الخراجية دون غيرها مع انه لا دليل علي وجوب حمل الفاسد علي الاقل فسادا إذا لم يتعدد عنوان الفساد كما لو دار الامر بين الزنا مكرها للمرأة و بين الزنا برضائها حيث ان الظلم محرم آخر غير الزنا بخلاف ما نحن فيه مع ان أصالة الصحة لا تثبت الموضوع و هو كون الارض خراجية الا ان يقال: إن المقصود ترتب آثار الاخذ الذي هو أقل فسادا و هو حل تناوله من الاخذ، و إن لم يثبت كون الارض خراجية بحيث يترتب عليه الآثار الاخر مثل وجوب دفع اجرة الارض الي حاكم الشرع ليصرفه في المصالح اذا فرض عدم السلطان الجائر، و مثل حرمة التصرف فيه من

دون دفع اجرة اصلا لا إلي الجائر و لا إلي حاكم الشرع و إن اريد بفعل المسلم تصرف المسلمين فيما يتناولونه من الجائر من خراج هذه الارض. ففيه انه لا عبرة بفعلهم اذا علمنا بانهم لا يعلمون حال هذه الاراضي كما هو الغالب في محل الكلام إذ نعلم بفساد تصرفهم من جهة عدم إحراز الموضوع، و لو احتمل تقليدهم لمن يري تلك الارض خراجية لم ينفع و لو فرض احتمال علمهم بكونها خراجية كان اللازم من ذلك جواز التناول من أيديهم لا من يد السلطان كما لا يخفي.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 416

الثاني: ان يكون الفتح بإذن الامام عليه السلام (1)

و إلا كان المفتوح مال الامام عليه السلام بناء أصحابنا و هي مرسلة العباس الوراق (2) و فيها انه اذا غزا قوم بغير إذن الامام عليه السلام فغنموا كانت الغنيمة كلها للامام، قال في المبسوط و علي هذه الرواية يكون جميع ما فتحت بعد النبي صلي الله عليه و آله الا ما فتحت في زمان الوصي عليه السلام من مال الامام، انتهي.

______________________________

و دعوي ان أخذه الخراج من غير الاراضي الخراجية أكثر فسادا من أخذ الخراج من الاراضي الخراجية، فلا بد من حمل فعله علي الاقل فسادا عن الاشتباه.

مندفعة بأنه لا دليل علي حمل فعل المسلم علي الاقل فسادا، مع انه لو تم ذلك لما تم في المقام، إذ معلوم ان الجائرين يأخذون الخراج مع عدم احراز كون الارض خراجية.

و إن اريد به حمل فعل المؤمن المتلقي لذلك الخراج من السلطان علي الصحة، فهو متين لو ثبت ذلك، و لكن مع ذلك لا يثبت به كون الارض خراجية لعدم حجية أصالة الصحة في مثبتاتها، و إن كانت من الامارات كما حققناه في رسالة

القواعد الثلاث.

(1) قوله الثاني: أن يكون الفتح بإذن الامام عليه السلام.

الكلام في هذا الشرط يقع في مقامين:

الاول: في اعتبار هذا الشرط و عدمه.

الثاني: في الشبهة الموضوعية.

أما المقام الاول: فالمشهور بين الاصحاب اعتباره، و عن غير واحد: دعوي الاجماع عليه، و عن المنتهي و المدارك و المستند و غيرها: عدم اعتباره و عن النافع:

التوقف فيه.

(2) و استدل للمشهور: بخبر الوراق عن رجل سماه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اذا غزا قوم بغير إذن الامام فغنموا كانت الغنيمة كلها للامام عليه السلام و اذا غزوا بأمر الامام فغنموا كان للامام عليه السلام الخمس «1».

______________________________

(1) الوسائل، باب 1، من أبواب الانفال، حديث 16.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 417

______________________________

و أورد عليه:

تارة: بضعف السند للجهالة.

و اخري: بمعارضته مع حسن الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام في الرجل من أصحابنا يكون في لوائهم فيكون معهم فيصيب غنيمة قال عليه السلام: يؤدي خمسا و يطيب له «1».

و فيهما نظر:

أما الاول: فلان ضعفه منجبر بعمل الاصحاب.

و أما الثاني: فلانه متضمن لقضية شخصية، فلعله كان ذلك القتال بأمر الامام عليه السلام أو برضائه أو ان الامام عليه السلام حل البقية.

و الصحيح أن يورد علي الاستدلال به: بأن هذا الخبر معارض مع النصوص «2» الدالة علي ان الاراضي التي فتحت بالسيف للمسلمين، و النسبة عموم من وجه إذ المرسل اعم لشموله للمنقولات، و تلك النصوص اعم لشمولها لما اذا كان القتال بغير إذن الامام عليه السلام و المجمع الذي هو مورد المعارضة هي الاراضي التي أخذت بغير إذن الامام فهي بمقتضي المرسل ملك للامام عليه السلام و بمقتضي تلك النصوص ملك للمسلمين، فيرجع الي الاخبار العلاجية و هي تقتضي تقديم تلك النصوص كما

لا يخفي.

و ما أفاده السيد الفقيه من حكومة المرسل علي النصوص لكونه بصدد بيان اشتراط الاذن في كون الغنيمة للمسلمين و هذه في مقام بيان حكم الارض المأخوذة بالسيف فكأنه قال: كل ما أخذ عنوة فهو للمسلمين، و يشترط في الاخذ أن يكون بإذن الامام عليه السلام.

يرد عليه: ان المرسل ليس لسانه اشتراط الاذن في كون الغنيمة للمسلمين، بل لسانه ان الغنائم المأخوذة بإذن الامام عليه السلام للمسلمين، و ما أخذ بغير اذنه، للامام عليه السلام و عليه فلا وجه لدعوي الحكومة.

______________________________

(1) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يجب فيه الخمس، حديث 8.

(2) الوسائل، باب 72، من أبواب جهاد العدو.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 418

أقول: فيبتني حل المأخوذ منها خراجا علي ما تقدم من حل الخراج المأخوذ من الانفال. و الظاهر ان ارض العراق مفتوحة بالاذن كما يكشف عن ذلك ما دل علي انها للمسلمين. و أما غيرها مما فتحت في زمان خلافة الثاني. و هي أغلب ما فتحت فظاهر بعض الاخبار كون ذلك ايضا بإذن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام و أمره.

ففي الخصال في أبواب السبعة في باب ان الله تعالي يمتحن أوصياء الانبياء في حياة الانبياء في سبعة مواطن، و بعد وفاتهم في سبعة مواطن، عن أبيه و شيخه عن سعد ابن عبد الله عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن جعفر بن محمد النوفلي عن يعقوب الرائد عن أبي عبد الله جعفر بن أحمد بن محمد بن عيسي بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عن يعقوب بن عبد الله الكوفي عن موسي بن عبيد عن عمر بن أبي المقدام عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه

السلام (1) أنه أتي يهودي أمير المؤمنين عليه السلام في منصرفه عن وقعة نهروان، فسأله عن تلك المواطن و فيه قوله عليه السلام.

______________________________

و أضعف من هذه الدعوي دعواه ان هذه الاخبار ليست بذلك الظهور في كونها و كون حاصلها للمسلمين حتي في صورة عدم إذن الامام عليه السلام بخلاف المرسل، إذ لا وجه للفرق بين الظهورين بعد كون كل منهما بالاطلاق.

فتحصل: ان الاظهر عدم اعتبار هذا الشرط، ثمّ علي القول باعتباره.

يقع الكلام في المقام الثاني.

و أما المقام الثاني: فمقتضي أصالة عدم كون الفتح بإذنه عدم كونها ملكا للمسلمين، و لا يكون هذا الاصل مثبتا، إذ موضوع كون الارض للمسلمين هو الفتح عنوة بإذن الامام عليه السلام، فاذا كان أحد جزئي الموضوع محرزا بالوجدان و الآخر بالاصل يترتب عليه حكمه، و ان ابيت الا عن كون الموضوع هو الفتح المستند الي إذن الامام عليه السلام لا يجري هذا الاصل، الا انه تجري أصالة عدم الاستناد بناء علي جريان الاصل في العدم الازلي كما هو الحق.

(1) و قد ذكر المصنف قدس سره في الخروج عن هذا الأصل وجوها:

منها: خبر «1» جابر الجعفي المذكور في المتن.

______________________________

(1) الخصال أبواب السبعة، باب ان الله تعالي يمتحن اوصياء الانبياء في حياة الانبياء في سبعة مواطن و بعد وفاتهم في سبعة مواطن.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 419

و أما الرابعة: يعني من المواطن الممتحن بها بعد النبي صلي الله عليه و آله فان القائم بعد صاحبه يعني عمر بعد أبي بكر كان يشاورني في موارد الامور و مصادرها فيصدرها عن أمري و يناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأي لا يعلمه أحد و لا يعلمه أصحابي و لا يناظرني غيره الخبر.

و الظاهر ان عموم

الامور إضافي بالنسبة الي ما لا يقدح في رئاسته مما يتعلق بالسياسة، و لا يخفي ان الخروج الي الكفار و دعائهم الي الاسلام من أعظم تلك الامور بل لا أعظم منه.

و في سند الرواية جماعة تخرجها عن حد الاعتبار الا ان اعتماد القميين عليها و روايتهم لها مع ما عرف من حالهم لمن تتبعها من انهم لا يثبتون «لا يودعون» «لا يخرصون» «لا يخرجون» في كتبهم رواية في راويها ضعف الا بعد احتفافها بما يوجب الاعتماد عليها جابر لضعفها في الجملة مضافا الي ما اشتهر (1)

من حضور أبي محمد الحسن عليه السلام في بعض الغزوات و دخول بعض خواص أمير المؤمنين عليه السلام من الصحابة كعمار في أمرهم.

و في صحيحة (2) محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن سيرة الامام عليه السلام في الارض الذي فتحت بعد رسول الله صلي الله عليه و آله فقال: ان أمير المؤمنين عليه السلام قد سار في أهل العراق بسيرة فهي امام لسائر الارضين، الخبر.

______________________________

و فيه: اولا: ان الخبر ضعيف السند.

و ثانيا: انه مختص بالفتوحات في زمان الثاني و لا يشمل غيرها.

و ثالثا: انه لم يكن يشاور أمير المؤمنين عليه السلام في الامور المهمة الراجعة الي الدين قطعا.

(1) و منها: حضور أبي محمد الحسن عليه السلام في بعض الغزوات و دخول بعض خواص أمير المؤمنين من الصحابة كعمار في أمرهم.

و فيه: انه لا يكون كاشفا عن كون الغزو من العسكر بالاذن، و الفتح لا يستند اليهم خاصة كما لا يخفي، مع انه أخص من المدعي.

(2) و منها: صحيح محمد بن مسلم عن الامام الباقر عليه السلام المذكور في المتن «1».

______________________________

(1) الوسائل، باب 69، من أبواب

جهاد العدو.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 420

و ظاهرها ان سائر الارضين المفتوحة بعد النبي صلي الله عليه و آله حكمها حكم أرض العراق مضافا الي انه يمكن الاكتفاء عن إذن الامام المنصوص في مرسلة الوراق بالعلم بشاهد الحال برضا أمير المؤمنين و سائر الائمة عليهم السلام بالفتوحات الاسلامية الموجبة لتأيد هذا الدين. (1)

و قد ورد ان الله تعالي يؤيد هذا الدين بأقوام لا خلاق لهم منه مع انه يمكن أن يقال بحمل الصادر من الغزاة من فتح البلاد علي وجه الصحيح (2) و هو كونه بأمر الامام عليه السلام مع أنه يمكن أن يقال إن عموم ما دل من الاخبار الكثيرة علي تقيد الارض المعدودة من الانفال بكونها مما لا يوجف عليه بخيل و لا ركاب و علي أن ما أخذت بالسيف من الارضين يصرفها (يصرف حاصلها) في مصالح المسلمين معارض بالعموم من وجه لمرسلة الوراق.

______________________________

و حيث لا ريب في ان أرض العراق خراجية فلا محالة كان أمير المؤمنين عليه السلام يأخذ منها الخراج، فاذا كانت أرض العراق اماما لسائر الارضين ثبت استحقاق الخراج من سائر الارضين.

و فيه: انه من المحتمل كون السؤال و الجواب ناظرين الي مقدار الخراج لا أصله و عليه فهو أجنبي عن المقام.

(1) و منها: انه يكتفي من إذن الإمام بشاهد الحال برضا المعصومين عليهم السلام بالفتوحات الإسلامية الموجبة لتأيّد هذا الدين.

و فيه: انا نعلم أنهم راضون بالنتيجة، و لم يحرز رضاهم بإجراء الفتوحات بأيدي المتصدين للأمر.

و إن شئت قلت: انه لو بنينا علي كفاية شاهد الحال حتي مثل ذلك لم يبق لمرسلة الوراق موضوع، فإن الغزو المشتمل علي الغنيمة يكون الامام عليه السلام راضيا به قطعا، فلا يبقي للغنيمة الحاصلة

بغير الاذن مورد.

و بالجملة: ظاهر كون الغزو عن إذن الامام لا يشمل رضاه به كما لا يخفي.

(2) و منها حمل الصادر من فتح البلاد علي وجه الصحيح و هو كونه بأمر الامام عليه السلام.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 421

فيرجع الي عموم قوله تعالي: (وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ) الآية، فيكون الباقي للمسلمين إذ ليس لمن قابل «قاتل» شي ء من الارضين نصا و إجماعا.

الثالث: ان يثبت كون الارض المفتوحة عنوة بإذن الامام عليه السلام محياة حال الفتح (1)

ليدخل في الغنائم و يخرج منها الخمس اولا علي المشهور و يبقي الباقي للمسلمين.

______________________________

و فيه: ان كون الفتح بغير إذن الامام ليس من الفاسد، بل تكون الغنيمة حينئذ للامام عليه السلام لا للمسلمين، بخلاف ما اذا كان بإذنه، و مورد الحمل علي الصحة انما هو ما اذا كان الفعل ذا وجهين الصحة و الفساد كما هو واضح.

فتحصل: ان شيئا مما ذكر للخروج عن الاصل المتقدم لا يصلح لذلك.

(1) قوله الثالث: ان يثبت كون الأرض المفتوحة عنوة بإذن الإمام محياة حال الفتح.

و تنقيح القول بالبحث في مواضع:

الاول: في ثبوت الخمس في الاراضي المفتوحة عنوة بإذن الامام 7 علي القول باعتبار الحياة حال الفتح، و المشهور بين الاصحاب ذلك، و عن بعض: دعوي الاجماع عليه.

و يشهد له: عموم قوله تعالي (وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبيٰ) «1». و مثله اخبار الغنيمة.

و أورد علي هذا الوجه: تارة:

بانصراف هذه الادلة الي غير الارض.

و اخري: بأن خطاب الخمس فيها متوجه الي الاشخاص و ظاهرها ملك الاشخاص للغنيمة ملكا شخصيا و الاراضي ليست كذلك، و انما هي ملك للنوع.

______________________________

(1) الانفال، آية: 42.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 422

______________________________

و ثالثة: بأنها تخصص بما

ورد من الاخبار من قصر الخمس علي ما ينقل كصحيح ربعي «1» و غيره مما اشتمل علي قسمة الغنيمة أخماسا و أسداسا عليهم و علي الغانمين، و لا يتصور ذلك في الاراضي لعدم استحقاق الغانمين لذلك.

و رابعة: بخلو الاخبار الواردة في بيان حكم الارض المفتوحة عنوة عن ذلك، فإن مقتضي ذلك ظهورها في كون الارض جميعها للمسلمين.

و في كل نظر:

أما الاول: فلمنع الانصراف الموجب لتقييد الاطلاقات.

و أما الثاني: فلان خطاب الخمس متوجه الي المالك سواء كان هو الشخص او النوع، غاية الامر اذا كان الشي ء ملكا للنوع، كما ان أمر التصرف فيه بالايجار و صرف مال الاجارة في مصالح المسلمين بيد الولي كذلك أمر إخراج الخمس بيده.

و أما الثالث: فلان نصوص تقسيم الغنيمة أخماسا و اسداسا لا مفهوم لها كي تدل علي عدم ثبوت الخمس فيما عدا المنقولات، فلا تصلح لتخصيص الآية.

و أما الرابع: فلان عدم التعرض لشي ء لا يعارض المتعرض لثبوته.

و يشهد لثبوته مضافا الي عموم الآية الشريفة و أخبار الغنيمة.

جملة من النصوص:

كخبر أبي بصير عن الامام الباقر عليه السلام كل شي ء قوتل عليه علي شهادة (أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله صلي الله عليه و آله) فان لنا خمسه و لا يحل لأحد ان يشتري من الخمس شيئا حتي يصل الينا حقنا «2».

و خبر أبي حمزة عنه عليه السلام: ان الله جعل لنا أهل البيت سهاما ثلاثة في جميع الفي ء- الي ان قال- و قد حرمناه علي جميع الناس ما خلا شيعتنا، و الله يا أبا حمزة ما من أرض تفتح و لا خمس يخمس فيضرب علي شي ء منه الا كان حراما علي من يصيبه فرجا كان أو مالا

و نحوهما غيرهما، فالاظهر ثبوت الخمس.

______________________________

(1) الوسائل، باب 1، من أبواب قسمة الخمس، حديث 3.

(2) الوسائل، باب 2، من أبواب ما يجب فيه الخمس، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 423

فإن كانت حينئذ مواتا كانت للامام عليه السلام (1) كما هو المشهور بل المتفق عليه علي الظاهر المصرح به عن الكفاية، و محكي التذكرة و يقتضيه اطلاق الاجماعات المحكية علي ان الموات من الانفال لإطلاق (2) الاخبار الدالة علي ان الموات بقول مطلق له عليه السلام و لا يعارضها اطلاق الاجماعات، و الاخبار الدالة علي ان المفتوحة عنوة للمسلمين لان موارد الاجماعات هي الارض المغنومة عن الكفار كسائر الغنائم التي يملكونها منهم، و يجب فيها الخمس و ليس الموات من أموالهم و انما هي مال الامام و لو فرض جريان أيديهم عليه كان بحكم المغصوب لا يعد في الغنيمة، و ظاهر الاخبار خصوص المحياة مع أن الظاهر عدم الخلاف، نعم لو مات المحياة حال الفتح (3) فالظاهر بقائها علي ملك المسلمين بل عن ظاهر

______________________________

(1) الموضع الثاني: في اعتبار كون الارض محياة حين الفتح.

المشهور بين الاصحاب ذلك، و استدل له السيد قدس سره: بأن أخبار الارض المفتوحة عنوة منصرفة الي المحياة منها، و الا فدعوي ان الموات كانت ملكا للامام عليه السلام قبل الفتح و كانت مغصوبة في أيديهم كما تري.

و فيه: انه يمكن دفع هذا المحذور بالالتزام بأن من أحيا أرضا فهي له و لو كان المحيي كافرا، مع ان الالتزام بذلك لا أري له محذورا لو وافقه الدليل كما هو المفروض.

(2) و استدل له المصنف قدس سره بإطلاق ما دل علي ان الموات من الأراضي للإمام عليه السلام.

و لكن: يمكن أن يقال: إن تلك

الاخبار موردها ذلك لا انها بالاطلاق تدل عليه، إذ الاراضي كلها كانت للكفار، فلو لم تكن الموات منها للامام لم يبق لما دل علي انها من الانفال مورد، إذ الارض التي سلمها أهلها طوعا للمسلمين و الارض التي انجلي عنها أهلها انما تكون للامام محياة كانت أم مواتا.

(3) هذا هو الموضع الثالث و هو ما اذا كانت الأرض محياة حال الفتح ثمّ ماتت، فهل هي باقية في ملك المسلمين كما اختاره المصنف قدس سره و تبعه جمع، أم تدخل في ملك الامام كما ذهب اليه جمع آخرون؟ وجهان:

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 424

الرياض استفادة عدم الخلاف في ذلك من السرائر لاختصاص أدلة الموات بما اذا لم يجر عليه ملك مسلم دون ما عرف صاحبه (1) ثمّ انه يثبت الحياة حال الفتح بما كان يثبت به الفتح عنوة (2) و مع الشك فيها فالاصل العدم و إن وجدناها الآن محياة لأصالة عدمها حال الفتح.

______________________________

(1) قد استدل للأول: باختصاص أدلة الموات بما اذا لم يجر عليه ملك مسلم دون ما عرف صاحبه، فإن تلك الارض حينئذ باقية في ملك مالكها سواء كان هو الشخص كما لو أحيا أحد أرضا، أم كان هو النوع كما في المقام.

و فيه: ان اطلاق ما دل علي ان الارض المحياة حال الفتح للمسلمين «1» و ما دل علي ان من أحيا أرضا فهي له «2» لا يشمل أرضا ماتت بعد ذلك، إذ الحكم حدوثا و بقاء تابع لفعلية الموضوع و المفروض انعدامه.

و استصحاب بقاء الملكية مضافا الي عدم جريانه في الشبهات الحكمية لا يجدي في المقام لمحكوميته لما دل علي ان موتان الارض له عليه السلام.

و تشير الي ما ذكرناه النصوص الدالة

علي تملك المحيي و إن كانت مسبوقة بملك الغير.

كصحيح الكابلي: فإن تركها و أخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها و أحياها فهو أحق بها من الذي تركها «3» و نحوه غيره.

فالاظهر انها بعد الموت تكون للامام عليه السلام.

(2) الموضع الرابع: كل ما يثبت به الفتح عنوة يثبت به كون الأرض محياة حال الفتح، و لو شك في ذلك فإن كانت الارض تحت يد من يدعي ملكيتها يحكم بأنها له، و إن كانت تحت يد السلطان- أي يده الثابتة علي عامة الاراضي الخراجية- لا يحكم بأنها منها لان يدها عادية، فيتعين الرجوع الي الاصل، و هو يقتضي عدم كونها للمسلمين، لانه يستصحب عدم فتح الارض علي صفة الحياة، فإن هذا له حالة سابقة كذلك كما لا يخفي بل يمكن أن يقال إنه يستصحب عدم الحياة الي حين الفتح.

______________________________

(1) الوسائل، باب 21، من أبواب عقد البيع و شروطه.

(2) الوسائل، باب 1، من أبواب احياء الموات.

(3) الوسائل، باب 3، من أبواب احياء الموات، حديث 2.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 425

فيشكل الامر في كثير من محياة أراضي البلاد المفتوحة عنوة (1) نعم ما وجد منها في يد مدع للملكية حكم بها له. اما اذا كانت بيد السلطان أو من أخذها منه فلا يحكم لاجلها بكونها خراجية لان يد السلطان عادية علي الاراضي الخراجية ايضا و ما لا يد لمدعي الملكية عليها كان مرددا بين المسلمين و مالك خاص مردد بين الامام لكونها تركة من لا وارث له و بين غيره فيجب مراجعة حاكم الشرع في أمرها و وظيفة الحاكم في الاجرة المأخوذة منها اما القرعة و أما صرفها في مصرف مشترك بين الكل كفقير يستحق الانفاق من

بيت المال لقيامه ببعض مصالح المسلمين.

______________________________

و دعوي انه مثبت إذ لا يثبت به وقوع الفتح علي الموات.

مندفعة بأن المترتب علي هذا الاصل هو عدم كونها ملكا للمسلمين، و هذا يكفي للحكم بأنها للامام، إذ كما ان الموات حين الفتح له عليه السلام كذلك الارض التي لا رب لها له.

(1) قوله فيشكل الأمر في كثير من محياة أراضي البلاد المفتوحة عنوة.

خلاصة القول في المقام ان المنصوص عليه كون أرض العراق مفتوحة عنوة كما سيمر عليك.

و لكن جرت السيرة القطعية العملية علي المعاملة معها معاملة الاملاك الشخصية.

و يمكن دفع هذه الشبهة بأنه قد ثبت كون كثير من تلك الاراضي لأربابها.

منها الموات حال الفتح فانها ملك للامام عليه السلام و يملكها من احياها كما ثبت في محله و اشبعنا القول فيه في كتاب احياء الموات من فقه الصادق.

و الظاهر ان المشاهد المشرفة و جملة من البلاد المستحدثة من هذا القبيل و علي هذا فلا حاجة الي الاستدلال علي جواز بيع ما يعمل من التربة الحسينية بالسيرة بتوهم انها تقيد اطلاق نصوص المنع.

و منها الخمس من تلك الاراضي فانه يملكها المستحق فينقل الي غيره بالمعاملة و الارث.

و منها الاراضي التي ابقيت في يد أهل الذمة فانها ملك لأربابها و عليهم الجزية.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 426

ثمّ اعلم أن ظاهر الاخبار تملك المسلمين لجميع أرض العراق (1) المسمي بأرض السواد من غير تقييد بالعامر فينزل علي ان كلها كانت عامرة حال الفتح، و يؤيده انهم ضبطوا أرض الخراج كما في المنتهي و غيره بعد المساحة بستة أو اثنين و ثلاثين ألف ألف جريب، و حينئذ فالظاهر ان البلاد الاسلامية المبنية في العراق هي و ما يتبعها من القري من المحياة

حال الفتح التي تملكها المسلمون و ذكر العلامة قدس سره في كتبه تبعا لبعض ما عن المبسوط و الخلاف ان حد

______________________________

و سيمرّ عليك في خبر أبي الربيع وجود هذه الارض في أرض العراق.

فعلي هذا ان ثبت كون الارض بالخصوص من المفتوحة عنوة المحياة حال الفتح، و لم تمت بعد كي تنتقل الي الامام فيملكها من احياها كما مر لم يجز بيعها.

و ما لم تثبت فيه هذه الامور و لا أظن ان تثبت لأحد، جاز البيع لانحلال العلم الاجمالي لعدم كون جميع أطرافه محل الابتلاء، لا سيما و ان الاراضي الخراجية التي يضرب عليها الخراج من أراضي المزارع كثيرة الي الآن و أمرها بيد السلطان.

(1) قوله ثمّ اعلم ان ظاهر الأخبار تملك المسلمين لجميع أرض العراق.

يشهد به نصوص كثيرة.

كصحيح الحلبي عن الامام الصادق عليه السلام عن السواد ما منزلته قال عليه السلام: هو لجميع المسلمين لمن هو اليوم و لمن يدخل في الاسلام بعد اليوم و من لم يخلق بعد، فقلت الشراء من الدهاقين قال عليه السلام: لا يصلح الا ان تشتري منهم علي ان تصيرها للمسلمين فإن شاء ولي أمر المسلمين ان يأخذها فله، قلت: فان أخذها قال عليه السلام: رد اليه رأس ماله و له ما أكل من غلتها بما عمل «1».

و المراد بأرض السواد الارض المغنومة من الفرس التي فتحت في زمان عمر و هي سواد العراق، و سميت هذه الارض بالسواد: لان الجيش لما خرجوا من البادية رأوا هذه الارض و التفاف شجرها سموها السواد لذلك.

و قوله عليه السلام: فاذا شاء ولي أمر المسلمين الي آخره ظاهر في انه لا تدخل الارض في ملك المشتري، و ان لولي الامر ابقاء الارض تحت

يده و له أخذها منه.

______________________________

(1) الوسائل، باب 21، من أبواب عقد البيع، حديث 4، كتاب التجارة.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 427

سواد العراق ما بين منقطع الجبال بحلوان الي طرف القادسية المتصل بعذيب من أرض العرب عرضا و من تخوم الموصل الي ساحل البحر ببلاد عبادان طولا و زاد العلامة قدس سره قوله من شرقي دجلة. فاما الغربي الذي يليه البصرة فانما هو اسلامي مثل شط عثمان بن أبي العاص، و ما والاها كانت «سباخا» مماتا فاحياها عثمان، و يظهر من هذا التقييد ان ما عدا ذلك كانت محياة كما يؤيده ما تقدم من تقدير الارض المذكورة بعد المساحة بما ذكر من الجريب فما قيل من ان البلاد المحدثة بالعراق مثل بغداد و الكوفة و الحلة، و المشاهد المشرفة اسلامية بناها المسلمون و لم تفتح عنوة و لم يثبت ان أرضها يملكها المسلمون بالاستغنام و التي فتحت عنوة و أخذت من الكفار قهرا قد انهدمت، لا يخلو عن نظر لان المفتوح عنوة لا يختص بالابنية حتي يقال إنها انهدمت فاذا كانت البلاد المذكورة و ما يتعلق بها من قراها غير مفتوحة عنوة فأين أرض العراق المفتوحة عنوة المقدر بستة و ثلاثين ألف ألف جريب و ايضا من البعيد عادة أن يكون بلد المدائن علي طرف العراق بحيث يكون الخارج منها مما يليه البلاد المذكورة مواتا غير معمورة وقت الفتح، و الله العالم و لله الحمد أولا و آخرا و ظاهرا و باطنا.

______________________________

و أما قوله عليه السلام: فيرد عليه رأس ماله فهو إما أن يكون تفضلا من ولي الامر من جهة استنقاذه الارض من يد الدهاقين، أو يكون من جهة كونه بإزاء ما كان للدهاقين من الآثار

المملوكة، أو بإزاء حق الاختصاص.

و قوله له ما أكل من غلتها ظاهر في ان المنافع كالعين تكون للمسلمين و لكن حيث انه عمل فيها فله ما أكل منها و نحوه غيره.

و لكن ينافيه خبر أبي الربيع الشامي عن الامام الصادق عليه السلام لا تشتر من أرض السواد شيئا الا من كان له ذمة فانما هي في للمسلمين «1».

و ابو الربيع و الراوي عنه خالد بن جرير و ان لم يوثقا الا ان الراوي عن خالد هو

______________________________

(1) الوسائل، باب 21، من أبواب عقد البيع، حديث 5.

منهاج الفقاهة (للروحاني)، ج 2، ص: 428

______________________________

الحسن بن محبوب الذي هو من أصحاب الاجماع فالخبر معتبر سندا.

و الاستثناء انما يكون من جهة ان الارض المفتوحة عنوة ان ابقيت في يد من كانت له ذمة تكون ملكا لأربابها فيجوز بيعها و هذا يدل علي ان بعض قطعات أرض السواد هكذا.

بقي أمران: لا بد من الاشارة إليهما.

أحدهما انه هل يجوز بيع الاراضي المفتوحة عنوة أم لا فيه طائفتان من النصوص المانعة من البيع، و هي كثيرة، و ما توهم كونه مجوزا، و تلكم النصوص مروية في الوسائل باب 21 من أبواب عقد البيع و باب 71 من أبواب جهاد العدو، و قد اشبعنا الكلام في ذلك في كتاب الجهاد من فقه الصادق.

ثانيهما، ان أي أرض تكون مفتوحة عنوة و أي ارض لا تكون كذلك.

قال الشيخ في المبسوط علي المحكي ظاهر المذهب ان النبي صلي الله عليه و آله فتح مكة عنوة بالسيف ثمّ آمنهم بعد ذلك و انما لم يقسم الدور و الارضين لانها لجميع المسلمين.

فالمسلم الثابت من الاراضي المفتوحة عنوة مكة و أرض العراق أكثرها لا جميعها كما مر.

و أما غير هذين الموضعين

المذكورين فهو محل الاشتباه لعدم النص الوارد في شي ء من ذلك.

و الاعتماد في الاحكام الشرعية علي كلام المؤرخين غير الثابت وثاقتهم محل اشكال كما صرح به صاحب الحدائق.

تم الجزء الثاني من كتاب «منهاج الفقاهة» و يتلوه في الطبع الجزء الثالث من أول كتاب البيع و الحمد لله أولا و آخرا.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.